الخميس 28 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

نجدد العهد... لا تصالح ولو منحوك الذهب

نشر
عبد الرحيم علي

 

 

 

أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى؟ هى أشياء لا تشترى

 كثر الكلام هذه الأيام وعلت نبرته حول ما يطلق عليه "المصالحة" وزفت إلينا بعض الصحف البشرى عبر استعراضها لمعلومات تتحدث عن لقاءات تتم بين رموز ومسئولين أمنيين وبين أحد قيادات الجماعة ورئيس حزب الوسط الموالى لها، والحقيقة ورغم علمنا بأن هذه المعلومات محض خيال لكاتبها وللجريدة التى نشرتها إلا إننا نعلم أيضًا أن هناك من يدفع فى هذا الاتجاه، وأن ما نشر لا يعدو كونه بالونة اختبار ليتعرف البعض كيف يستقبل الناس فى بلادى هذه الفكرة، والسؤال هو كيف يقبل رجل فى مصر ـ وأنا هنا أخاطب الرجال بالمعنى لا بالجنس ففى مصر نساء كالرجال وأكثر فى احترام قيمة الوطن ـ أقول كيف يقبل رجل أن يصافح أحدًا من الجماعة الإرهابية ولا يبصر الدم فى كل كف.. كيف يصدق مقولات من قبيل جئناك كى تحقن الدم.. جئناك كن يا أمير الحكم.. ها نحن أبناء عم.. ولا يقول لهم.. إنهم لم يراعو العمومة فيمن هلك؟

الحقيقة أن جوقة الداعين للمصالحة يتوازى معها، وفى نفس الوقت أصوات أخرى تتحدث عن قهر أمنى، واغتصاب للسلطة وضياع للحريات والنتيجة إننا نحتاج إلى ثورة أخرى تعيد الميزان لوضعه المعتدل، والغريب أن أحدًا من هؤلاء الذين يرددون هذا الكلام فى هذا التوقيت لا يبصرون قوافل الشهداء من جنود وضباط الجيش والشرطة الذين تقتلهم الجماعة الإرهابية بدم بارد ولا يسمعون صوت الشهيد وهو يردد: كنت أغفر لو أننى مت ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.. لم أكن غازيًا.. لم أكن أتسلل قرب مضاربهم.. لم أمد يدًا لثمار الكروم.. أرض بستانهم لم أطأ.. لم يصح قاتلى بى انتبه.. كان يمشى معى.. ثم صافحنى.. لكنه فى الغصون أختبأ.. فجأة ثقبتنى قشعريرة بين ضلعين واهتز قلبى ـ كفقاعة ـ وأنفثا!

لم يسمعوا كلمات الشهيد محمد مبروك التى أتخيل أنه يتلوها علينا قبيل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة: الذى اغتالنى ليس أنبل منى.. ليقتلنى بسكينته.. ليس أمهر منى ليقتلنى باستدارته الماكرة.. لا تصالح.. فما الصلح إلا معاهدة بين ندين.. فى شرف القلب لا تنتقض.. الذى اغتالنى محض لص.. سرق الأرض من بين عينى.. والصمت يطلق ضحكته الساخرة.

إنه الغدر.. فى كرداسة، فى الفرافرة، فى سيناء، فى الفيوم، فى المنيا، فى أسيوط، فى الأقصر.. عمليات إرهابية عديدة راح ضحيتها العشرات من أبنائنا من الجيش والشرطة.. من يملك المساومة على دمائهم ولا يسمع صوت أبنائهم وهم يصرخون عندما تأتى سيرة المصالحة.

أريد أبى لا مزيد.. أريد أبى عند بوابة البيت منتصبًا من جديد.. ولا أطلب المستحيل.. إنه العدل!

نعم عندما تذهبون إلى المصالحة مع مصاصى الدماء يجب أن تعيدوا لهؤلاء اليتامى آباءهم، لهؤلاء النسوة اللابسات الحداد أزواجهم، لهؤلاء الأمهات والآباء الذين فقدوا أبصارهم حزنًا وكمدًا على أبنائهم، نور أبصارهم.

يجب أن نسأل أنفسنا قبل أن تلوك ألسنتنا حديث المصالحة،  هل تتحول دماء هؤلاء الشهداء بين عيوننا.. فى لحظة من لحظات ضعفنا ماءً؟

هذا هو السؤال الذى سيظل يطاردنا فى نومنا وفى صحونا إلى أن يجد إجابة شافية.

وربما يتساءل البعض: ألم يقتل منهم رجال ونساء أيضًا، ويرد عليهم شهداؤنا.. لا تصالح على الدم حتى بدم.. لا تصالح ولو قيل رأس برأس.. أكل الرؤوس سواء.. وهل تتساوى يد.. سيفها كان لك.. بيد سيفها أثكلك.. لا تصالح ولا تتوخى الهرب.

أعرف أن لا أحد يستطيع فى مصر أن يقول بالمصالحة إلا الذين يدورون فى فلك واشنطن وحلفائها من الأتراك والقطريين والجماعة الإرهابية، هؤلاء الذين يستعدون الآن عبر ماراثون من الاجتماعات المكثفة لشراء البرلمان القادم مهما كان الثمن مستغلين خطأ إستراتيجيًا ارتكبه المشرع للدستور عندما وضع مادة تقتسم السلطة بين البرلمان والرئيس فى توقيت تتعرض فيه البلاد لأكبر مؤامرة فى تاريخها تستهدف تقسيمها وتفتيت جيشها وهو ما يلقى علينا أعباءً كبيرة فى هذه اللحظة لاختيار برلمان وطنى لا قدم فيه لعملاء أمريكا وحلفائها من رجال الطابور الخامس.. الذين يسعون بيننا تارة بالمصالحة وتارة أخرى بالحديث عن ديمقراطية الإفراج عن الجواسيس والخونة وبائعى الأوطان.. ثم يصمتون كالموتى، عندما يقصف قلم أو تغلق جريدة أو يوقف برنامج تليفزيونى هنا لا يحسون بمغص الديمقراطية يسرى فى معدتهم، ولا رعشة حمى الحريات تسرى فى أجسادهم، فقط عندما تأتى التوجيهات الأمريكية يتحرك الجميع على رقعة الشطرنج وفق خطة واحدة للإجهاز على هذا الوطن.

لا شىء يكسرنا، أعلم، لكن الحرص واجب، والحيطة مطلوبة، وفضح المتخاذلين الذين ينخرون فى عظام هذا البلد هو التحدى الأكبر.

إن الحمام المطوق لا يقدم بيضته للثعابين.. حتى يسود السلام.. فمن يطالبنى أن أقدم رأس أخى ثمنًا لتمر القوافل آمنة.. وتبيع بسوق دمشق حريرًا من الهند.. وأسلحة من بخارى.. وتبتاع من بيت جالا العبيد