السبت 27 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبد الرحيم علي يكتب: مراجعات تنظيم الجهاد في الميزان (2)

نُشر هذا المقال في جريدة نهضة مصر بتاريخ الخميس 6 ديسمبر 2007

نشر
الدكتور سيد إمام
الدكتور سيد إمام الشريف


اختتم سيد إمام الشريف، وثيقته المعروفة "ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم " بأربع عشرة نصيحة، اقتسمها مناصفة بين كل من الحركات الإسلامية ، وولاة الأمور . وجه سبع منها لأصدقائه تجنبا للرعونة في ممارسة الجهاد ، وهي على الترتيب :
1 - تعلم الدين، إذ هو فريضة على كل مسلم، ولألا يتحكم الجهال في الشباب ويقودوهم الى مسالك الهلاك.
2- العمل بهذا العلم، أو بما يستطيعه الشاب من العلم الذي تعلمه.
3- أن كل مبني على فاسد فهو فاسد، كالذي يسرق ليتصدق أو يسطو على أموال الآخرين ليجاهد بها.
4-  أن الحكم الشرعي لا يترتب على السبب وحده، بل يجب النظر في الشروط والموانع . حيث يجب توافر الأولى وانتفاء الثانية . 
5-  عدم الاكتفاء بالرأي الفردي في أمور مهمة ، ووجوب استشارة أهل العلم والأمناء ، والأهل ، والأكبر سنا . 
6- عدم تسليم العقل والنفس للآخرين مهما بالغت درجة الثقة والمحبة ، وإلغاء العمل بمبدأ السمع والطاعة ، داخل الحركات الإسلامية ، إذ كل نفس بما كسبت رهينة . 
7- وجوب الوفاء بالعهد مع جميع الناس لقوله تعالى " وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً  (الإسراء:34) . 


ووجه سبع منها لولاة الأمور، إصلاحا لأحوال المسلمين ، من وجهة نظره ، ومحاولة لتهيئة مناخ أفضل للدعوة ، وقد جاءت نصيحته بالإسراع في تطبيق الشريعة لتتصدر أولى هذه النصائح  كالتالي: 
1) تحكيم الشريعة الإسلامية: إذ هي من واجبات الدين العظمى، يختل الإيمان بتركها أو بجحودها أو بتفضيل غيرها عليها .
2) تقليل المفاسد الظاهرة : لما في ذلك من خير للبلاد والعباد ، فالمعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، أما إذا أعلن بها أضرت الجميع . لذا فتقليل الفساد الظاهر في وسائل الإعلام والأماكن العامة خير للبلاد والعباد .
3) تشجيع دعاة الإسلام وتيسير عملهم ، لما في ذلك من خير كبير للبلاد والعباد.
4) تقوية مناهج تدريس الدين الإسلامي ، ورفع مستواها وبصفة خاصة في المعاهد والكليات الإسلامية (كالأزهر) ، ورفع المستوى الشرعي للخريجين والدعاة، كذا رفع مرتباتهم وامتيازاتهم .
5) التخلص من البطالة ، التي تدفع الشباب إلى اليأس والإحباط .
6) تولية الأكفاء الأمناء للمناصب ، فهو أساس كل خير وصلاح وإصلاح.
7) التخلص من أوهام الوحدة العربية ، لأنها لم تقم من قبل أبدًا، والتاريخ شاهد، "والعادة مُحكّمة"، وبالتالي فإنها لن تقوم .


شروط الجهاد وموانعه :
وقد سبق هذه النصائح وطوال الحلقات الخمس عشرة حديث مطول للرجل حول شروط الجهاد ، وضع له دستورا أساسيا – سبق له أن شدد عليه حرفيا منذ أربعة عشر عاما -  
أول بنوده : وجوب توفر تسعة شروط لبدء الجهاد يأتي في مقدمتها القدرة ، ويليها في الأهمية ، النفقة، وإذن الوالدين ، وإذن الدائن . 
لم يكن الشاب قديما يحتاج إلى توفر كل هذه الشروط ليحزم أمتعته ويغادر بيته وبلده متوجها إلى حيث ساحات الجهاد الممتدة من أفغانستان إلى العراق مرورا بالبوسنة والصومال . لكنه الآن مطالب بأخذ اشتراطات الأخ سيد في الحسبان . 


كما وضع الرجل مقدمات يجب توفرها لبدء الجهاد والشروع فيه وهي على الترتيب : 
1- توفر دار الهجرة والنصرة (كالمدينة). 
2- توفر دار الأمن (كالحبشة بالنسبة للصحابة) .
3- توفر القاعدة الآمنة (كما حدث مع الصحابي أبي بصير بعد فتح الحديبية ).
4- توفر النفقة اللازمة للجهاد ( والتي لا تنحصر فقط في نفقة المجاهد ، وإنما تمتد لنفقة أسرته أثناء غيابه ) .
5- تأمين الزراري والنساء (فلا يترك النساء والأولاد عرضة لحملات التفتيش أو الانتقام ) .
6- التكافؤ في العدد والعدة بين طرفي الصدام ( فلا يواجه مجموعة من الصبيان ، دولة مسلحة ذات شوكة ).
7- توفر الفئة التي يمكن التحيز إليها ( أي الانسحاب والاحتماء بها وقت حدوث الهزيمة ، فلا يهلك المسلمون ) .
8- وضوح التميز بين الصفوف ( الأعداء في جهة والمسلمون في جهة ) حتى لا تنتهك دماء المعصومين وحرمتهم .


محظورات :
وحدد الشريف عدد من المحظورات الشرعية التي إن توفرت توقف الجهاد على الفور وهي : 
1- قتل المعصومين بدعوى التترس ( أي وجود مسلمين بين الكفار ،يقعون ضحايا في القتال وهم معصومون الدم ) . 
2- استحلال أموال بالسطو والخطف بدعوى تمويل الجهاد.
3- الغدر ونقض العهد ممن دخل بلاد الكفار بإذنهم فخانهم.
4-  العجز عن تأمين زراري المسلمين وقت الصدام بما يعرضهم للتلف والفتن.
5-  تلقي أموال أو الاستعانة بأنظمة حكم في دول أخرى بما يوقع في فخ العمالة وإدارة الحروب بالوكالة .
6-  اضطرار البعض إلى عمل لجوء سياسي لدى الدول الأجنبية (بلاد الكفار الأصليين) فيكون بذلك قد دخل تحت حكم الكفار وقوانينهم باختياره .


التترس قضية مهمة :
وحول توسع البعض من قادة وكوادر الحركات الإسلامية في استخدام التترس ( أي قتل المسلم المختلط بالكفار على أن يبعث على نيته ) قال الشريف : " فليست هذه هي الصورة التي أجاز فيها بعض الفقهاء قتل الترس المسلم، ومن أجازه منهم قيد ذلك بأن تكون هناك (ضرورة قطعية كلية) لأنه اجتهاد بإباحة دماء معصومة في مقابلة النص الشرعي المحرم لها، ولا بد لتجاوز النص من تحقق الضرورة والاضطرار المذكور في قوله تعالى "... وَقَدْ فَصَّل لكُم مَّا حَرَّمَ عَليْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِليْهِ..." (الأنعام:119).


ومعنى "ضرورة" أي عند خوف الهلاك على جيش المسلمين أو دار الإسلام، ومعنى "قطعية" أي مؤكدة ليست مظنونة أو متوهمة، ومعنى "كلية" أي ليست خاصة بفرد أو طائفة من المسلمين بل بمجموعهم . وهذا ليس هو الحال في تفجير الطائرات والقطارات المدنية والعمارات في بلاد الكفار والتي يخالط فيها المسلمون غيرهم، والتي لا ضرورة تلجئ إلى القيام بها.


التفجيرات الغربية :
لعل أهم ما جاء في وثيقة سيد إمام الشريف كان الموقف من التفجيرات في الدول الغربية ، فقد اعتبر الرجل أن الغدر بالأوروبيين في بلادهم بعد دخولها ولو بتأشيرة مزورة ، محرم شرعا ، نظرا لاعتباره نوع من الغدر المنهي عنه شرعا ، وقد قال إمام أن هذا الحكم ليس جديدا بالنسبة لي فقد قررته قبل أربعة عشر عاما في كتابي الجامع في طلب العلم الشريف . الغريب أن إمام ذكر أيضا في الحلقة الخامسة أنه طلب من جماعة الجهاد عام 1992 الكف عن استخدام العنف في الصراع مع الحكومة المصرية إلا أنهم رفضوا نصيحته .


ويمضي الشريف ليفرد الحكم الخاص بالسياح على استقامته ، ويقرر أن السياح الذين دخلوا بلداننا بأمام معتبر من قبل مسلم ، فإن أمان هؤلاء مخفور ، ولا يجب النظر وقتها إلى تأشيرة الحكومة لأنه يجب أن يأخذها كتحصيل حاصل في تلك الحالة ، ووصف إمام الغدر بهم بعد دخولهم بلادنا بتلك التأشيرة بأنه حرام شرعا 


الأمر جلل :
والحقيقة فإن الأمر أجل من هذا كله ، لماذا؟ لأن الرجل ببساطة سبق له أن صدع بكل هذه الأحكام والشروط والموانع والمقدمات منذ أكثر من أربعة عشر عاما . وأول ما يجب مناقشته مع الرجل هو ما يتعلق بالمنهج الذي بنى عليه كافة تصوراته المطروحة  في الوثيقة ، ونحن نظن ( ونرجو ألا يكون ظننا إثما ) أن الرجل لم يزل يراوح مكانه فيما يتعلق بمنهج التفكير الذي على أساسه أخذت كافة الحركات الإسلامية ( سواء الجهاد أو الجماعة الإسلامية في مصر أو غيرها من الحركات الإسلامية المسلحة في العالم ) قرار الخروج على الحاكم ، ألا وهو الحكم بكفره وردته لعدم تطبيقه الشريعة .


وللأمانة فالجماعة الإسلامية المصرية كانت تعذر الحاكم ما لم يستحل أو يجحد الحكم بما أنزل الله ، وقد وضعت تصوراتها تلك في مؤلف لأثنين من قادتها هما عصام درباله ، وعاصم عبد الماجد حمل عنوان " القول القاطع فيمن أمتنع عن الشرائع" . 


هذا بينما يبدو من قراءتنا للوثيقة أن الأخ سيد لم يراوح مربع تكفير الحاكم المبدل لشرع الله أو الذي لا يحكم به .
وربما يتفق معنا الأخ سيد أن هذا القول هو السبب الرئيسي في خروج أغلب الجماعات على الحكام في المنطقة واستخدامهم للعنف . ولا يحتج هنا بما أكده الأخ سيد ،وهو صحيح فقهيا ، من وجود فرق بين الحكم وتطبيق الحكم ، إذ أن الاستطاعة ، والموازنة بين المصالح والمفاسد وتقديم أنفعها للمسلمين، شرطان أساسيان للخروج على الحاكم المبدل وخلعه . 


ولكن الفكرة ، إذا ظلت على ما هي عليه ، من تكفير للحاكم في مصر والدول العربية والإسلامية ، بدعوى عدم تطبيق الشرع ، دون إيجاد مخارج فقهية معتبرة . تزيل حبل المشنقة – الاتهام بالكفر- الذي يطوق عنق الحكام العرب والمسلمين  ، سيظل الشباب ينطلقون من ذات المربع ، ويبحثون عن مفهوم للقدرة يساعدهم على اتخاذ قرار الخروج ، إذ تصبح القدرة هنا نسبية . وبخاصة أن أحد الطريقين اللذين أوضح الأخ سيد أنهما دون غيرهما أثبتا نجاحهما في مصر ، كان قد طرق من قبل مجموعات الجهاد من قبل، عندما قاموا بتجنيد المقدم عصام القمري ، وعبد العزيز موسى الجمل، وآخرين ، الأمر الذي يدعو لقلق فعلي ، من مجرد التفكير في تكرار المحاولة . 


ديار الردة :
اتهام ديارنا التي نعيش فيها – كمصر - بأنها ليست ديار إسلام ، اتهام خطير لا أدري كيف مر على الأخ سيد مرور الكرام وعلى الذين راجعوا الوثيقة من أزهر، وأجهزة أمنية أحترفت قراءة هذا النوع من الوثائق . ذلك أن أحكام ديار الإسلام – والأخ سيد يعرف هذا جيدا – تختلف قطعيا عن أحكام ديار المسلمين ، فالأولى دور إسلامية ، والثانية دور ردة ، وشتان بين هذه وتلك . فالمواطن في الأولى مسلم معصوم الدم والمال والنفس لأنه مسلم صحيح الإسلام ، أم في الثانية فالمسلم إما مستور الحال، وهو ما يقول عنه الأخ سيد " وهومن كان ظاهره الإسلام ، فهو مسلـم حكمــاً، وهو من ظهرت منه علامة من علامات الإسلام ولم يعرف عنه ناقض من نواقضه. وذلك لأن علامات الإسلام هي أسباب ظاهرة رتب عليها الشارع الحكم لصاحبها بالإسلام، فيثبت له حكمه، إلا أن يعارض هذا الظاهر ظاهرٌ أقوى منه كإتيانه بناقض للإسلام فيُرَجَّح عليه، فما لم يُعرف عنه ناقض للإسلام فحكم الإسلام ثابت له " . 


والثاني مجهول الحال ، وهو من لم يظهر منه شيء يدل على إسلام أو كُفر ، وحكمه – كما يقول الأخ سيد - في هذه البلاد: " هو التوقف في الحكم عليه ولا يستصحب له أصل معين، ولا يبحث عن حاله، إلا أن تدعو الحاجة إلى معرفة حكمه فيتبيَّن أمره، ولا يُحكم عليه إلا بظاهر، وعند العجز التام عن إثبات الظاهر يُحكم له بحكم الدار مع اعتبار حال سكانها ".
الخروج على الحاكم :
عند الحديث عن الخروج على الحاكم ، حكم المنهج المتبع في كتابة الوثيقة فكر الرجل ، لذلك فقد قرر ما هو متفق عليه بالإجماع ، وبخاصة بعد عصور الفتن ، وهو منع الخروج على حكام الجور ، وأورد ما أورده من قبل في كتابه " الجامع " بنصه ، دون زيادة أو نقصان ، مقررا القاعدة الفقهية الشهيرة " إلا أن يأتي كفرا بواحا " . مضيفا أن الخروج في هذه الحالة يتوقف على القدرة ، وتقدير المصالح والمفاسد وتقديم أنفعها للمسلمين . وهو عين ما قال به في هذه القضية ، منذ أربعة عشر عاما بالتمام والكمال . ولم يكتف بذلك ولكنه عند الحديث عن فكرة الخروج على الحاكم في مصر ، تحدث الرجل وببساطة عن الرؤية الشهيرة لتنظيم الجهاد ، الرافضة للعمل الجماهيري والشعبي من حيث المبدأ ، المناصرة للعمل الانقلابي من داخل السلطة ، عن طريق الجيش .

 وقرر الرجل أن التغيير في مصر لا يأتي إلا بطريقين إما غزو أجنبي أو انقلاب من داخل السلطة ، وضرب مثلا بما حدث في يوليو 1952 . الغريب أن هذا هو ما أكده القيادي الجهادي صالح جاهين في حواره للمصري اليوم 
( الأحد  الماضي ) عندما صرح أن خطة تنظيم الجهاد كانت تتمثل ما قام به جمال عبد الناصر من انقلاب مسلح ،  مضيفا أن التنظيم لم يحبذ فكرة الثورات الجماهيرية . 


أحكام أهل الذمة : 
شغلت قضية الموقف من الأقباط ، حيزا كبيرا في مناقشات النخبة ، لمواقف وإصدارات الحركات الإسلامية بشكل عام ، والمسماة منها بالجهادية بشكل خاص  ، وكان متوقعا عندما دقت طبول جوقة المروجين لمبادرة تنظيم الجهاد الأخيرة ، إذانا بميلادها ، أن يحظى هذا الموضوع برؤية تقترب عن لم تكن تتطابق مع رؤى مفكرين عظام ، أدلوا بدلوهم في هذه القضية وأوصلوها الى بر الأمان ، مع إقرار مفهوم المواطنة ، المواطنة في الدولة افسلامية ، وليست في ديار المسلمين – كما يقول شيخ الجهاديين ومفتيهم – والفرق كبير كما سنرى .


إلا أن الرؤية جاءت صادمة بكل المقاييس ، بالرغم من محاولات جوقة الترويج تزيينها بأكثر من طريقة، أكثرها ملتوي . ولأننا باحثين عن الحقيقة لا غير ، وحرصا على مستقبل هذا الوطن ، فقد آثرنا أن نضع أمام النخبة المصرية بشكل عام والقبطية منها بخاصة ، ما قاله مفتي الجهاديين قديما إبان كان متنفذا في التنظيم ( أميرا ومستشارا شرعيا ) ، وما خطه اليوم من خلف أسوار السجون ، ليقارنوا بينهما ويخرجوا هم برؤية محايدة، دون تأثيرات خارجية. 


وفي البداية فإن الرجل ومنذ عام 1993 أقر في كتابه المعنون "الجامع في طلب العلم الشريف" أن مصطلح أهل الذمة لم يعد له وجود في ديار المسلمين ، وهو ما أعاد التأكيد عليه نصا في الحلقة العاشرة التي نشرتها جريدة الجريدة الكويتية يوم الأربعاء قبل الماضي 28-11-2007 . عندما قرر أن  " أهل الكتاب المقيمون في بلاد المسلمين مثل النصارى في مصر ليسوا أهل ذمة، كان هذا قديما وقت الحكم بالشريعة، ومع نشوء الدولة المدنية بتحكيم القوانين البشرية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، سقطت عن أهل الكتاب بمصر ونحوها من البلدان هذه الصفة، والدستور (وهو أبو القوانين) في هذه البلاد لا ينص على مصطلح (أهل الذمة وإنما ينص على مبدأ المواطنة) فهم بالنسبة للمسلمين (أهل كتاب غير معاهدين) ".


والسبب عند الرجل هو اختلاف أحكام هذه الديار عن أحكام ديار الإسلام ، فالأولى ( ديار المسلمين) يسكنها مسلمون ولكن تعلوها أحكام الردة ، والثانية ( بلاد الإسلام) تعلوها أحكام الإسلام وإن لم يكن أغلب سكانها مسلمون . وقد أكد الرجل أنه والحال كذلك فإن مصطلح أهل الذمة لم يعد له وجود في تلك البلدان التي لا تحكم بشريعة الإسلام ، وإنما تتحكم بها الدساتير العلمانية ، والقوانين الوضعية . الرجل يوصف قضية شرعية واضحة لديه ، ولا يقول بأنه يعترف بهذا التوصيف الجديد الذي أطلقته تلك الدساتير على أهل الذمة بأنهم ( مواطنون ) .

 تلك رؤية الرجل ببساطة ودون تعقيد ، وزاد الرجل مؤكدا "أنهم – أي الأقباط - عند المسلمين أهل كتاب غير معاهدين " . بما يعني ،بوضوح لا لبث فيه، أنهم "كفار محاربون" . والسؤال الذي يحلو للبعض أن يشهره في وجوهنا كلما ذكرناهم بتلك الحقائق الدامغة ، هو : ما الذي يدفعه إذن للقول بضرورة معاملتهم – أي الأقباط- بالحسنى ؟ . والإجابة لم يراوغ فيها الرجل على الإطلاق وإنما قالها واضحة صريحة : " أنهم ليسوا هم الذين أسقطوا عن أنفسهم عقد الذمة، وإنما ترتب ذلك على تحكيم القوانين الحديثة التي تجري على الجميع مسلمين وغير مسلمين ". 

وشدد الرجل على أن  " شروط الذمة ليست من الاجتهادات المتغيرة بمرور الزمان، بل إنها ملزمة لجميع المسلمين عند القدرة على العمل بها، لأنها سنة خليفة راشد وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال النبي (ص) «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، ثم أجمع الصحابة في عصر عمر ومن بعده على شروط الذمة ولم يخالفه أحد ممن يعتد بقوله، وإجماع الصحابة حجة قطعية ملزمة لجميع المسلمين باتفاق أهل العلم" . 

أي أن هذه الأحكام التي يشير إليها مفتي الجهاديين ، والموجودة في العهد العمري ( منشور نصه في هذا الملف ) قابلة للتطبيق في أي وقت ، وهي غير قابلة للاجتهاد أو التغيير ، وشرط تطبيقها القدرة .
هل هناك وضوح أكثر من هذا ، وهل لنا أن نقبل على ضمائرنا كمصريين تجرعوا الأمرين من جراء تكفير فئة منهم لفئة أخرى ، فسالت الدماء واستبيحت أماكن العبادة ، أن نرضى بأن نعود للمربع رقم واحد ، وهذه المرة تحت دعوى مراجعة الأفكار . إن هذا والله لعار كبير . عار على من روج لهذه المفاهيم ، وعار على من قبل بمهمة الترويج ، دون أن يعلن براءته من هذه الأفكار . 


حوار مجتمعي :
لقد كشفت الطريقة التي تم التعاطي بها ، مع مراجعات تنظيم الجهاد في مصر ، والتي يقودها سيد إمام الشريف ، الأمير الأسبق للتنظيم ومستشاره الشرعي ، لسنوات عديدة ، عن خلل منهجي في التناول . خاصة المذهب الذي راح يؤكد على أنها زلزال حقيقي سيقوم بنسف الأسس الفكرية التي قامت عليها تلك التنظيمات ، وبخاصة تنظيم القاعدة .


والخلل هنا لم يتعلق فقط ، بتلك النقطة الجوهرية ، وإنما طال الأفكار التي يطرحها الرجل ، والتي لم يغادر خلالها ، مرفئه القديم الذي رسى عليه منذ عام 1968 . أيضا الأهمية المفرطة والهالة المبالغ فيها التي أحاطها البعض بالرجل ، وكأنه يملك قدرات النبي سليمان في ترويض الجن ، وصنع المعجزات . ورأينا أناس محترمين يضربون عرض الحائط ، بالظروف الموضوعية التي تواضع مجمل الباحثين في الظاهرة ، على كونها أحد أهم العوامل في نشأة وتنامي الظاهرة الإرهابية في العالم، وتعليق جل الآمال على هذه الوثيقة .


أن حوارا مجتمعيا موضوعيا وصادقا ، حول الوثيقة وما جاء فيها ، وما سيترتب عليه كفيل بععودة الأمور الى نصابها ، بعيدا عن الطبل والزمر الغير مفيدين ، هذا إن كنا جادين حقا وصادقين في محاولتنا إعادة إدماج هؤلاء الشباب ، وتلك الحركات الإسلامية في الحياة السياسية والاجتماعية لمجتمعاتنا ، مرة أخرى . وإلا سنصبح كمن يحرث في البحر !