الخميس 28 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

مدبر تفجيرات القاهرة الحقيقي «تائب» إستطاع خداع أجهزة الأمن طوال ثلاث سنوات تمكن خلالها من تجنيد معظم أعضاء خلية الأزهر

الشرق الأوسط 6-5-2005

نشر
عبد الرحيم علي


سجن قبل 11 عاما وروج لمشروع قافلة التوبة. انضم لجماعة الجهاد 1986 وانتقل للجماعة الاسلامية 1990. خطط لنسف مبنى مباحث أمن الدولة قبل 18 عاما. تعلم صناعة القنابل في السجون على أيدى قادة التنظيم وليس عن طريق شبكة الإنترنت. اختلف مع نزيه نصحي راشد (قائد طلائع الفتح) فطرد من «الجهاد» وانضم في السجن للجماعة الإسلامية كشفت معلومات حصلت عليها «الشرق الأوسط» من جهات قريبة من التحقيقات التي تجريها أجهزة الأمن المصرية لاكتشاف أبعاد خلية الأزهر الشهيرة، أن مخطط وممول التفجير الأول، في خان الخليلي، وقائد ومجند عناصر الخلية، التي ارتكبت مجمل التفجيرات الأخيرة في القاهرة هو أكرم محمد فوزي. ويعتبر فوزي، وفق المعلومات المتوافرة، واحدا من قيادات الجماعة الإسلامية الذين أعلنوا توبتهم عام 1993، ضمن مشروع كانت قد أعدته وزارة الداخلية المصرية آنذاك وشهد زخما إعلاميا كبيرا في ذلك الحين، وقد أفرجت عنه الوزارة ضمن المجموعات التي تم الإفراج عنها عام 2000 بعد مساهمته، الى جانب كل من حسن الهلاوي وأحمد راشد اللذين تزعما هذا المشروع لتتويب الشباب داخل السجون، في إعلان عدد كبير من شباب جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية عن توبتهم عن هذا الفكر المنحرف. 
خداع أجهزة الأمن
* وأفادت المعلومات التي توافرت طوال الأيام الماضية، أن فوزي الذي انضم إلى جماعة الجهاد المصرية عام 1986، استطاع خداع أجهزة الأمن طوال ثلاث سنوات، تمكن خلالها من تجنيد معظم أعضاء خلية الأزهر وفق تعليمات صدرت له من جهة ما ( لم يتم الكشف عنها بعد). وأشارت المعلومات الى أن فوزي بدأ مخططه بعد أقل من عام من الإفراج عنه وبالتحديد في أواخر عام 2001. وأكدت تلك المعلومات أن اجهزة الأمن كادت أن تكتشف حقيقة فوزي عندما وردت إليها معلومات تفيد بأن إيهاب يسري كان يلتقي بعدد من المتطرفين الدينيين ويجهز لعمل ما. ولكن عندما قام أحد ضباط فرع جهاز مباحث أمن الدولة بشبرا الخيمة باستدعاء إيهاب بداية عام 2002، أصدر فوزي تعليماته له بضرورة مغادرة مقر السكن إلى جهة لا يعلمها حتى أهله، مخافة أن تنكشف المجموعة، وبالفعل ترك إيهاب يسري مسكنه في شبرا الخيمة (مصطحبا معه أخواته) وتنقل ما بين «مدينة السادس من أكتوبر» ومنطقة المقطم، حتى استطاع الاختفاء تماما عن أعين جهاز الأمن المصري، الذي لم يشك لحظة في أن وراء كل ما يحدث الإرهابى «التائب» أكرم فوزي. وكشفت المعلومات أن أجهزة الأمن لم تكتشف حقيقة فوزي إلا عقب تفجير خان الخليلي، عندما ثبت اتصال فوزي برأفت بشندي منفذ العملية. وأفادت المعلومات أن فوزي ظل يدرب هذه المجموعة لمدة ثلاث سنوات، حتى صدرت له تعليمات من جهة ما بالقيام بأعمال تفجير كبرى تحدث دويا إعلاميا مكثفا على أن يتم هذا العمل بأقصى سرعة ممكنة. وقد قرر فوزي القيام بتلك التفجيرات على أن يتم الإعلان في وقت لاحق عن عدد من الأهداف من بينها الإفراج عن المعتقلين الإسلاميين داخل السجون المصرية من دون الإشارة لجماعة بعينها حتى لا يتم كشف المجموعة. من «الجهاد» إلى «التوبة»
* وكان فوزي ـ وفقا لمعلومات جهات التحقيق ـ قد اعتقل لأول مرة عام 1987 عندما تم اتهامه في محاولة تفجير مبنى مباحث أمن الدولة فرع شمال القاهرة، وحكم عليه بالسجن لعشر سنوات تم تخفيفها إلى عام، بعدها انضم إلى مجموعة نزيه نصحي راشد (قائد مجموعات طلائع الفتح الذي قام بتفجير نفسه عام 1993 في محاولة لاغتيال وزير الداخلية السابق اللواء حسن الألفى)، واتهم بعدها في قضية التستر على مجدي الصفتي، أحد قادة جماعة الناجون من النار (التي نفذت حوادث محاولات اغتيال كل من اللواء حسن أبوباشا والكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد واللواء زكى بدر عام 1987) ومنحته المحكمة حكما بالبراءة في هذه القضية. انضمامه لـ«الجماعة الإسلامية»
* واختلف فوزي مع قائده نزيه نصحي راشد الامر الذي دعا قادة جماعة الجهاد إلى عزله داخل السجن عندما وفد مقبوضا عليه في قضية التستر على مجدي الصفتي. واضطر فوزي إلى الانضمام إلى الجماعة الإسلامية التي أحتضنته أبانها (وفق ما أكده لنا في محضر نقاش أجريناه معه في سجن مزرعة طرة في مارس من عام 1994). وأعلن فوزي توبته من الأفكار المتطرفة بداية عام 1994 ووقع على وثيقة تفيد ذلك منضما إلى قوافل التائبين التي تم عزلها في سجن مزرعة طرة ـ حماية لها من اعتداء الجماعات ـ آنذاك. وفي عام 2000 تم الإفراج عن فوزي وآخرين ضمن مشروع تبنته وزارة الداخلية للإفراج عن المعتقلين الذين يثبت ولاءهم لمشروع التوبة، والذي يتضمن متابعة دورية لكل المفرج عنهم. وتسعى أجهزة التحقيق، عبر جهد مكثف، إلى اكتشاف الجهة التي تقف وراء فوزي. كما تقوم بتحقيقات تشمل سجون عديدة للكشف عما إذا كان هناك آخرون مثل فوزي لهم إرتباطات داخلية مع مجموعات من الذين رفضوا مبادرة وقف العنف أو الذين وقفوا ضد إصدار بيانات مماثلة من الجماعات الأخرى، وفي مقدمتها «جماعة الجهاد». وتسعى أجهزة الأمن ايضا ـ في سرية تامة ـ للكشف عن إمكانية وجود عناصر أخرى تم تجنيدها في العامين السابقين من قبل أفراد جرى الافراج عنهم ضمن نفس المشروع الذي أستفاد منه فوزي. حوار مع فوزي قبل 11 عاما
* كنت قد ألتقيت بأكرم فوزي في سجن مزرعة طرة في مارس (آذار) 1994 عندما أصطحبنا رجال الإدارة العامة للإعلام والعلاقات إبانها ومعي عدد من الكتاب والصحافيين لإجراء حوارات مع التائبين لاكتشاف حقيقة توبتهم بأنفسنا، وفي الوقت الذي راح فيه كافة الصحافيين يركزون على هذه القضية كنت أحاور أكرم فوزي حول قضية أخرى حول ماهية الحياة داخل السجن بالنسبة لهذه الجماعات، وهذا هو نص الحوار الذي أجريته قبل أكثر من 11 عاما مع الإرهابي «التائب» أكرم فوزي:
* أخ أكرم، انت في أي تنظيم بالضبط؟
ـ أنا الآن في تنظيم الجماعة الإسلامية، بالتحديد منذ أواخر عام 1990.
* وقبل هذا التاريخ كنت منظماً في أي جماعة؟ 
ـ كنت منظما منذ عام 1986 في تنظيم الجهاد.
* هل أرتكبت أعمالا إرهابية من قبل؟
ـ نعم، خططت لتفجير مبنى مباحث أمن الدولة فرع شمال القاهرة، وقبض علي وتم الحكم علي بعشر سنوات ولكن في الاستئناف تم تخفيف الحكم إلى عام.
* وبعدها؟ 
ـ خرجت واشتركت في عدد من العمليات العسكرية الخفيفة مع مجموعة نزيه نصحي راشد (قام بتنفيذ محاولة إغتيال اللواء حسن الألفى وزير الداخلية عام 1993 عن طريق تفجير نفسه)، وأتهمت بعدها بالتستر على الإرهابي الهارب «مجدي الصفتي» (أحد كوادر تنظيم الناجون من النار) وحكم علي بالبراءة.
* ولكن كيف انتقلت من صفوف جماعة الجهاد إلى صفوف الجماعة الإسلامية؟ 
ـ بعد خلافي مع مجموعة نزيه نصحي راشد ودخولي السجن تم عزلي من قبل جماعة الجهاد، فلم أحصل على أية إعاشة منهم، وقد أحتضنتني الجماعة الإسلامية فأعلنت انضمامى لها عام 1990.
* وكيف أنضممت إلى قافلة التوبة؟ 
ـ لقد وجدت كلام الشيخ حسن الهلاوي مقنعا فوقعت على وثيقة التوبة. (اعلنت جماعتا الجهاد والجماعة الإسلامية في حينها أنهما قامتا باختراق مشروع التوبة وزرع متعاونين معهما داخل هذه القوافل).
* ما هي استراتيجية التنظيمين (الجهاد والجماعة الإسلامية)، وأنت تنقلت بينهما لسنوات عديدة؟ 
ـ تقوم استراتيجية الجماعة الإسلامية على مفهوم الثورة الشعبية ومن ثم فهم يعتمدون على الانتشار وسط الناس، وتجنيد أكبر عدد من الكوادر، ويتم التصرف في هذه الكوادر عن طريقين أحدهما رأسي، بمعنى تكوين اجنحة تخصصية، عسكرية واقتصادية، وسياسية، والآخر أفقي بمعنى تكوين هياكل للدعوة وجمع المال عن طريق التجارة والاتصال بأهل الخير، إضافة إلى الأطر التنظيمية الأخرى المختلفة في الجامعات والمعاهد، والمدن الرئيسية والقرى والأحياء الشعبية..الخ. أما الجهاد فالهيكل التنظيمي له عنقودي ومفرط جدا في السرية لدرجة أن الأفراد لا يعرفون بعضهم البعض ويعتمد في إستراتيجيته على حرب العصابات كخطة على المدى القريب، الانقلاب العسكري الذي تسانده ثورة شعبية كخطة على المدى البعيد.
* أكرم، كنت واحدا من قيادات تلك الجماعات، هل تحكي لي كيف يقضون يومهم داخل السجن؟ 
ـ اليوم يبدأ بتدريبات بدنية شاقة جدا هدفها عسكري بالأساس وعقب التدريبات تبدأ النشرة الصباحية التي يتم جمعها من خلال وكالات الأنباء وتسريبها يوميا إلى داخل السجن عن طريق أسر المعتقلين والمحامين بالإضافة لبعض العاملين بالسجن. وبعد النشرة تبدأ فترة راحة تستمر ما بين ساعتين أو ثلاث يبدأ بعدها البرنامج الرسمي لكل جماعة; فهناك غرفة الإعلام وهذه الغرفة لا يدخلها سوى المتخصصين في جمع المعلومات. التي تنقسم إلى قسمين، معلومات علنية يتم جمعها من خلال الصحف ووكالات الأنباء، ومعلومات سرية يتم تسريبها من عناصر خارج السجن وذلك لعمل أرشيف خاص بكل جماعة يضم أسماء الضباط والصحافيين والأماكن والأهداف، ويتم على أساس هذا الأرشيف رسم الخطط وإصدار التوجيهات عبر جسر مصنوع على نطاق ضيق يربط بين الداخل والخارج وغير معلوم إلا لفئة ضئيلة جدا ومحدودة وهي ما تشكل مجموعة القيادة. وهناك أيضا غرفة التحقيقات وهي خاصة بالتحقيق في أي واقعة تحدث داخل السجن وبالتحديد مع الذين يثار حولهم بعض الشكوك ويتم إصدار العقوبة وتنفيذها داخل هذه الغرفة.
* هل تقوم تلك الجماعات بتدريس أى نوع من الثقافة داخل السجون؟ 
ـ هناك عدة مناهج تدرس داخل السجون (كان هذا قبل عام 1995) يأتي على رأسها المنهج العسكري والمنهج الشرعي. وتعتمد تلك الجماعات في تدريسها للمنهج العسكري على مذكرات تم تهريبها للسجن وأعدت في الخارج (في أفغانستان وجنوب لبنان والسودان)، هذا إلى جانب مذكرات قديمة للرائد عصام القمري (ضابط جيش تم اعتقاله في عام 1981 عندما أرشد عنه أيمن الظواهري، وتم تقديمه لمحاكمة كان شاهد الإدانة الرئيسي فيها هو الظواهري ايضا، ثم هرب بعد الحكم عليه ومعه اثنان من رفاقه، وجرت بينهم وبين الشرطة معركة كبرى انتهت بمقتله عام 1988) أخرجها من السجن أحمد راشد أحد قادة جماعة الجهاد (تزعم مشروع التوبة في السجون في منتصف التسعينات). أما المنهج الشرعي فتتم دراسته عبر كتيبات تختلف من مجموعة إلى أخرى، فالجماعة الإسلامية تدرس، «حتمية المواجهة»، وفتاوى الدكتور عمر عبد الرحمن، بالإضافة لميثاق العمل الإسلامي، وكتيبات بعنوان «من نحن وماذا نريد». أما الجهاد فيعتمد بالأساس على كتابي «الحصاد المر» و«العمدة في إعداد العدة» و» فلسفة المواجهة لطارق الزمر».
* هل هناك غرف مجهزة للتدريب داخل السجون كما نسمع؟
ـ توجد هناك غرفة للتدريب العسكري ويتم داخلها تدريس المناهج العسكرية من خلال المذكرات والكتيبات، كما يتم فيها التدريب على كيفية صناعة القنابل والمتفجرات وكيفية تنفيذ العمليات.
* هل ما زالت هذه الأشياء تحدث حتى الآن؟ 
ـ بعضها ما زال يحدث مثل تبادل المعلومات ونقل التكليفات، ولكن تمت محاصرة هذا النشاط إلى حد معقول منذ شهور قليلة.
* ما هي الكيفية التي تعارض بها تلك الجماعات مشروع التوبة؟ 
ـ يقومون بإطلاق الشائعات علينا بأننا عملاء للشرطة، وأننا خونه ويحلون دمائنا، ولكن الشرطة أبعدتنا عن أماكن تواجدهم وجاءت بنا هنا إلى مزرعة طرة، وكل من يوافق على مشروع التوبة يحضرونه إلينا.
* شكرا أخ اكرم