الجمعة 26 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

المقاتلون العرب في العراق 750 مقاتلا مصريا .. أخطرهم «مجموعة المائة» بقيادة العقيد مكاوي

20-5-2005 المصدر : الشرق الأوسط

نشر
عبد الرحيم علي


باتت ظاهرة «المقاتلين العرب» في العراق من الظواهر الخطيرة والمعقدة، سواء في دوافعها او في مصادرها واساليب تمويلها. غير ان النتائج المترتبة عليها في العراق وخارج العراق لم تعد محل شك، فهي نتائج كارثية على كل المستويات. وتتزايد الحاجة لدراسة الظاهرة في ضوء المخاوف من أزمة في حال عودة هؤلاء الى بلدهم، بما يذكر بأزمة «الأفغان العرب». وهنا تفتح «الشرق الأوسط» ملف المقاتلين العرب في العراق، مع التركيز على المقاتلين القادمين من مصر والسعودية وسورية وايران. نرصد التحولات فى موقف «القاعدة» من إرسال مقاتلين الى العراق. 
وفي مصر، حيث قدرت المصادر الامنية عدد المصريين الذين توجهوا الى العراق بـ750، كشفت المصادر عن ان عددا من الشباب العاطل عن العمل، وأكثرهم من الاتجاهات الاسلامية والقومية، استغل الاوضاع بعد سقوط بغداد وتوجه عبر الاراضي السورية الى العراق تحت دعوى العمل او السياحة. غير ان اهم المجموعات المصرية «الجهادية» العاملة في العراق، جاءت عبر الاراضى الايرانية ضمن أفواج الافغان العرب بتوجيه من «القاعدة»، وأيمن الظواهرى شخصيا. ويلفت الملف ايضا الى ان ظاهرة «المقاتلين العرب» لم تبدأ بعد سقوط نظام حسين، بل ان هناك مصادر وشواهد تشير الى ان النشاط الاصولي في العراق بدأ في عهد صدام. 
كشفت المعلومات الأولية التي حصلت عليها أجهزة الأمن المصرية قبل أقل من عام، في أكتوبر (تشرين اول) 2004 عقب معركة الفلوجة الشهيرة، أن عدد المصريين الذين يعملون ضمن صفوف المقاتلين العرب في العراق، وبخاصة «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين» الذي يتزعمه الأردني أحمد الخلايلة، المعروف باسم أبو مصعب الزرقاوي، و«جيش أنصار السنة» قد وصل إلى ما يقرب من سبعمائة وخمسين شخصا. 
وقال أحد الدبلوماسيين المصريين السابقين، الذين كانت لهم علاقة وثيقة بهذا الملف، إن نحو 200 من هؤلاء وصلوا إلى العراق عن طريق الحدود السورية عقب بدء الحرب مباشرة في صورة متطوعين عرب. وأضاف الدبلوماسي المصري، الذي رفض ذكر اسمه، أن عددا من الشباب العاطلين عن العمل وأكثرهم من الاتجاهات الإسلامية والقومية استغل هذه الفرصة وذهب إلى العراق عن طريق الأراضي السورية بعد أن وصلها تحت دعوى السياحة. وكانت نقابة المحامين المصرية وعدد من الجمعيات قد سهلت لهم الخروج من مصر ـ تحت دعوى العمل أو السياحة ـ بعد أن فتحت باب التطوع للجهاد في العراق، عقب سقوط بغداد مباشرة. 
وأفاد الدبلوماسي السابق أن تقارير السفارة المصرية في بغداد أكدت أن هؤلاء المصريين الذين دخلوا بعد سقوط بغداد لم يغادروا البلاد حتى أكتوبر 2004، مضيفا أن السلطات العراقية تحتجز خمسة وسبعين منهم، تم القبض عليهم عقب إجتياح الفلوجة ـ من قبل القوات الأميركية ـ في سبتمبر (ايلول) 2004 . 
وذهب الدبلوماسي إلى أن عدد المصريين الذين كانوا موجودين في العراق قبل سقوط بغداد مباشرة، وصل إلى 270 ألفا، موضحا أن القليل من هؤلاء تم تجنيدهم من قبل رجال المخابرات العراقية، وعدد من التنظيمات الإسلامية المسماة بالجهادية، تارة عن طريق الترغيب بالمال وتارة عن طريق الترهيب بالقتل. 
ولكن أهم هذه المجموعات المصرية، التي يمكن وصفها بالمحترفة، لم يتجاوز عدد عناصرها المائة مصري، جاءوا إلى العراق عن طريق الأراضى الإيرانية ضمن أفواج الأفغان العرب بتوجيه من تنظيم «القاعدة» وأيمن الظواهري خصوصا. وكان تنظيم «القاعدة» قد وضع خطة لهروب مقاتليه في حال حدوث هجوم أميركي على أفغانستان، إلى العراق عن طريق الأراضي الإيرانية، وقامت «القاعدة» بتكليف العقيد محمد مكاوي، ضابط الجيش المصري السابق ومسؤول التدريب في التنظيم بهذه المهمة، نظرا لكونه مسؤول الاتصال بين التنظيم والحرس الثوري الإيراني آنذاك. 
وفي ديسمبر (كانون الاول) 2001 وصل إلى الأراضى الإيرانية بصحبة مكاوي أكثر من خمسمائة مقاتل عربي بينهم مائة من المصريين، مكثوا أكثر من شهرين في منازل مؤمنة على الحدود الإيرانية العراقية، ثم انتقلوا في فبراير 2002 إلى الأراضى التي تسيطر عليها جماعة «أنصار الإسلام» الكردية الاصولية التي ظلت توفر المأوى والتدريب لكوادر تنظيم «القاعدة» وبينهم المصريون حتى مارس (اذار) 2003 عندما شنت الحكومة الأميركية هجوما مكثفا على مواقع جماعة «أنصار الإسلام». 
وبعد تدمير مناطق الجماعة (الطويلة والبيارة)، بدأ المقاتلون العرب ومعهم قادة «جماعة أنصار الإسلام» في التسلل إلى بغداد والمدن السنية العراقية، وكان في مقدمة هؤلاء جماعة «جند الشام» التي كان يقودها آنذاك الزرقاوي، والتي كانت تضم عددا كبيرا من المصريين، وقد اطلق عليها الزرقاوي لهذا السبب ـ فيما بعد ـ اسم «التوحيد والجهاد». ونظرا لانتماء معظم المصريين الذين انضموا إليه لجماعة الجهاد المصرية انتشر هؤلاء المقاتلون في البداية في المدن التي كانت تخضع لنفوذ عدد من قادة وأنصار نظام صدام حسين، خاصة ضباط الحرس الجمهوري، والمخابرات العامة. وقدر عدد من الخبراء الأمنيين العراقيين عدد المقاتلين العرب بشكل عام بخمسة آلاف، بينهم كما ذكرنا في السابق 750 مصريا. وقد قاتل سبعمائة من هؤلاء المقاتلين العرب في الفلوجة بينهم على الأقل 200 مصري. 
وتظل عودة هؤلاء المقاتلين، الذين يمكن تسميتهم بالمجاهدين العراقيين، إلى مصر هاجسا أمنيا كبيرا. لذلك فإن أجهزة الأمن ـ وفق ما أفاد به مسؤول أمني في مصر ـ تبذل جهودا مكثفة في رصد المصريين الذين خرجوا إبان تصاعد دعوات الجهاد في العراق قاصدين سورية أو الأردن ولم يعودوا. وهناك تعاون مكثف بين هذه الأجهزة ونظيرتها في كل من بلدان الجوار العراقي للوقوف على كل المعلومات التي تخص هذا الملف بصفة خاصة. 
أما بالنسبة للمصريين الذين كانوا في العراق قبيل الحرب فوفقا لما أكده المسؤول السابق فإن أجهزة الأمن تمتلك كل المعلومات الخاصة بهم، وتتحسب لوصولهم عبر فحص مواقف كل منهم بصورة دقيقة للتأكد من عدم تورط أي منهم في أية أعمال إرهابية مع تنظيم «القاعدة» أو غيره من التنظيمات العاملة في العراق. وبالنسبة لقادة وكوادر تنظيم «القاعدة» الذين دخلوا العراق بتكليف من التنظيم قبيل الحرب، فهؤلاء ـ وفق تقدير الخبير الأمني ـ لا يمكنهم التفكير في القدوم إلى مصر إلا إذا كانوا يريدون الانتحار.

.