السبت 20 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

«القاعدة» وفلسطين.. لماذا تطلق أميركا التحذيرات في الاتجاه الخطأ؟

الشرق الأوسط 11/3/2006

نشر
عبد الرحيم علي


للمرة الثانية على التوالي، وفي أقل من أسبوع، أصدر الجنرال جون أبي زيد قائد القوات الأميركية في العراق عدة تحذيرات، مفادها أن «القاعدة» تسعى لضرب هدف شيعي كبير في العراق، بقصد إحداث حرب طائفية. 
وبعيدا عما يقصده الجنرال الأميركى بالهدف الكبير، وما إذا كان يتحدث عن مرقد الإمام علي، أو عن شخصية مثل السيستاني، فإن الزرقاوي لو استطاع أن يقوم بمثل هذا العمل منذ أكثر من عام لفعل. فمنذ أن أنشأ قائد تنظيم «القاعدة» في بلاد الرافدين فيلق «عمر» في مواجهة فيلق «بدر» (الذراع العسكري لحزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق)، وهو يسعى الى إشعال فتيل تلك الحرب الطائفية، ولكن هناك عوامل عديدة تقف في وجهه، أول تلك العوامل أن الزرقاوي لا يعمل بمعزل عن المساعدات اللوجستية التي تقدم له من عدة دول وجماعات في المنطقة أكثرها وضوحا إيران. وطهران ـ كما لا يخفى على أي متابع سياسي محايد ـ لديها استراتيجية محددة في العراق تقوم على عنصرين أساسيين: 
الأول: مساعدة كل من يستطيع أن يجعل الأميركان يغوصون في المستنقع العراقي أكثر فأكثر في محاولة لشغل المجتمع الأميركي بما يحدث لأبنائه في العراق فلا يفكر في الزج بهم في حرب أخرى في المنطقة، وبالطبع لم يكن يوجد أمامهم أفضل من الزرقاوي للقيام بهذه المهمة. 
والعنصر الثاني يتمثل في احتواء يصل الى حد التماهي أحيانا لعدد من القوى السياسية النافذة ضمن المعادلة السياسية في العراق (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة) لضمان وجود إيران كدولة فاعلة وحيدة على الساحة السياسية العراقية في حال سارت العملية السياسية على أكمل وجه. وطهران وهي تسعى للمضي قدما في تحركها الاستراتيجي في العراق لا تريد دفع الأمور باتجاه حرب أهلية أو طائفية وعيا منها بأنها ستكون الخاسر الأكبر فيها. 
كل هذه الشواهد تدعونا الى الشك في التحذيرات الأميركية التي تحاول الإدارة الأميركية وأجهزة استخباراتها التأكيد عليها ربما لهدف ما في بطن السي آي إيه. 
واللافت للنظر أن تحذيرات الإدارة الأميركية لم تحدث حتى الآن ربما عن جهل وربما عن عمد، عن حجم وجدية تهديدات «القاعدة» ـ التي باتت وشيكة الحدوث ـ لإسرائيل، وسعي التنظيم الواضح والجلي ـ منذ أكثر من عامين ـ للوجود في مناطق المواجهة مع الدولة العبرية. 
فمنذ ما يقرب من عامين وبالتحديد منذ أن قبلت حركة المقاومة الإسلامية حماس أول هدنة لها في يونيو 2003، بدأ الزرقاوي زرع خلاياه في كل من: عمان بالأردن، ومناطق عين الحلوة وصيدا وصور بلبنان، وجبل «الحلال» بسيناء المصرية، وعلى مشارف الحدود السورية العراقية، في إطار استراتيجية تسعى الى استهداف إسرائيل. 
هذه الاستراتيجية لا تأتي بالطبع ضمن توجه يخدم القضية الفلسطينية أو يساعد على تحرير الأرض المحتلة ولكنه يجئ في إطار فك الحصار الذي بات يحكم قبضته يوما بعد يوم على تنظيم «القاعدة» وكوادره في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في العراق، (على الرغم من العمليات اليائسة التي يحاول التنظيم من خلالها الدفع بالأمور الى ذروة الصدام الطائفي في البلاد). فمع تعقد خريطة الصراع في العراق وإحساس الزرقاوي بالمعارضة المتنامية لخطه القتالي، بدأ في البحث عن مخرج، خاصة وزعيمي التنظيم المؤسسين (بن لادن والظواهري) باتا بحكم حصارهما بمنطقة القبائل بين أفغانستان وباكستان غائبين عن تسيير دفة التنظيم بشكل شبه كامل. وقد وجد الزرقاوي في سلوك حماس منذ قبولها بحوارات القاهرة وإعلانها هدنتها الأولى (من طرف واحد) في يونيو عام 2003 فرصة ففاد مبعوثيه الى الأراضى المحتلة لتجنيد الغاضبين والرافضين لهذا الخط. ومن غزة الى رام الله الى جبل الحلال بسيناء راحت تتدفق عبر الأردن خلايا التجنيد محملة برسائل من زعيم التنظيم تحث على ضرورة النصرة للتنظيم الذي يحمل العبء الأكبر في مواجهة «طاغوت العصر» التي هي أميركا في عرفهم. ولم يمض عام 2004 إلا واستطاعت عناصر فلسطينية مصرية من التنظيم القيام بأول عملية لها في طابا ( أكتوبر 2004 ) وقتها كانت خلايا أخرى جاهزة لشرم الشيخ، ساعدها في المضي قدما إصرار أجهزة الأمن المصري آنذاك على أن ما حدث في طابا حادث عفوي وغير مخطط. وكانت تلك المجموعات قد تلقت دعما لوجستيا غير محدود من مجموعات أخرى تسكن العريش وجبل الحلال وغزة والضفة. 
في هذه الأثناء لم تكن عمان بعيدا فقد تسلل إليها مقاتلون عراقيون لتنفيذ عمليات قاتلة ضد أهداف إسرائيلية (وهو نفس الهدف الذي سعت إليه مجموعتا طابا وشرم الشيخ). وفي سبتمبر عام 2005 اكتشف جهاز الأمن الفرنسي، عقب القبض على مجموعة تنتمي لـ«القاعدة» يتزعمها الجزائري «سيف بورادا» المتهم الأول في تفجيرات مترو أنفاق باريس، أن هناك مجموعات تنتمي لـ«القاعدة» تتلقى تدريباتها في جبال لبنان. وجاءت عملية إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل في يناير 2006 لتؤكد تلك المعلومات. 
انتشار «القاعدة» في دول الطوق كان هدفه الأساسي فلسطين التي كشف رئيسها قبل ايام عن وجود تنظيم القاعدة داخلها. ولم يقف الأمر عند حد الرئيس الفلسطيني وإنما وصل الى القيادة العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي حذرت قبل أيام من أن «القاعدة تخطط لتنفيذ أكبر عملية تفجير ارهابية داخل اسرائيل، مضيفة أن التنظيم يسعى الى إحداث نفس القدر من الزلزال الذي أحدثته تفجيرات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة، ولكن هذه المرة في إسرائيل». 
ونشرت (يديعوت أحرونوت) على لسان مسؤول أمني إسرائيلي وصفته بأنه كبير قوله «ان هذه التقديرات لا تعتمد فحسب على التصريحات التي أدلى بها أبومصعب الزرقاوي قائد تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، عن ضرورة توجيه السهام ضد اسرائيل، وإنما تقوم على أساس من معلومات جمعت من التحقيقات التي أجرتها أذرع المخابرات الغربية مع معتقلين من نشطاء «القاعدة» ومن معلومات استخبارية أخرى». 
«القاعدة» بتوجهها الى إسرائيل تعلم أن هذا هو الطريق الوحيد أمامها لرفع أسهمها في أنظار الجمهور العربي، الذي بدأ في اتخاذ مواقف حادة منها، خاصة بعدما قامت به في السعودية ومصر والأردن والعراق، من ترويع للآمنين وقتل للأطفال والنساء والعزل من المدنيين الأبرياء عربا ومسلمين. 
إن الاستراتيجية الجديدة لتنظيم «القاعدة» والتي تتغافل عنها الولايات المتحدة الأميركية عمدا، مرددة ما تردده من تحذيرات حول أهداف كبيرة وصغيرة في العراق، يجعلنا نبحث أكثر وأكثر فيما تريده أميركا بالضبط من وراء تلك التحذيرات، ومدى التناغم الحاصل بين «القاعدة» والإدارة الأميركية، على الأقل من ناحية خدمة كل منهما لأغراض الآخر، علنا نعثر على شيء يستحق عناء البحث. 
* كاتب وباحث مصري