الخميس 25 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

«القاعدة» ولبنان وفلسطين.. ماذا أراد الظواهري في خطابه

الشرق الأوسط 5-8-2006

نشر
عبد الرحيم علي


في أول رد فعل لتنظيم القاعدة على الهجوم البربري الذي تشنه إسرائيل على كل من الشعبين العربيين «الفلسطيني واللبناني» توعد الرجل الثاني في التنظيم الدكتور أيمن الظواهري، في شريط مصور بثته قناة الجزيرة الفضائية قبل أيام، كلا من اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بشن هجمات مكثفة ضد مصالح البلدين وحلفائهما في كل مكان في العالم، وأكد الظواهري على ضرورة تحالف كافة المستضعفين في الأرض، ضد ما سماه بقوى الاستكبار في إشارة الى «أمريكا وحلفائها».
الغريب أن بعض المحللين، أو بالأحرى معظمهم، تعامل مع خطاب الظواهري الأخير على أنه نوع من الدعم للمقاومة اللبنانية، وبالتحديد لحزب الله والسيد حسن نصر الله. بل ذهب الكثير منهم الى أن هذا الخطاب، يعتبر تحولا جديدا ومهما في استراتيجيات التنظيم، التي أعتمدها من قبل في العراق، وبالتحديد موقفه من الطائفة الشيعية.
الأغرب أن هؤلاء المحللين لم يتوقفوا كثيرا، بل إنهم تعمدوا تجاهل القائد الميداني لتنظيم القاعدة ذكر اسم حزب الله أو المقاومة في الجنوب، أو اسم السيد حسن نصرالله، طيلة إلقائه لخطابه.
تجنب هؤلاء المحللين لتلك الإشارة الواضحة في خطاب الظواهري، جاء كمحاولة مفضوحة لإسقاط رغباتهم وتطلعاتهم على الواقع المغاير. والسؤال: كيف يمكن الحديث بالسلب أو بالإيجاب «مع أو ضد» ما يحدث في لبنان من حرب نازية بربرية ضد المدنيين الأبرياء أطفالا ونساءا ورجالا، من دون ذكر لحسن نصر الله أو حزب الله.
إن تعمد الظواهري الحديث بهذا الشكل جاء تأكيدا لاستمرار رؤية تنظيم القاعدة المكفرة للشيعة «الروافض» حسب تعبير قيادات التنظيم، على الرغم مما يقوم به حزب الله من حرب ضد الإسرائيليين.
لم يغفر التنظيم لحسن نصر الله ولا لحزب الله، سعيهما الى إحداث مواجهة مفتوحة ـ طالما حلم بها الظواهري نفسه ـ مع العدو الإسرائيلي.
ولكن الظواهري لم يرد أن يؤكد على موقف التنظيم المعلن تجاه الشيعة في هذا التوقيت، مكتفيا بعدم ذكر اسم حزب الله، في إشارة واضحة للتأكيد على موقفه وموقف القاعدة من الشيعة.
والثابت أن هذا الموقف، لم يكن وليد ما يحدث من شيعة العراق تجاه السنة هناك ـ كما أشاع بعض المحللين ـ في محاولة للإيحاء بوجود موقفين مختلفين من قبل التنظيم تجاه كل من شيعتي «العراق ولبنان». ويعلم الله ويعلمون أن الحقيقة غير ذلك.
موقف قديم من الشيعة:
فموقف القاعدة من الشيعة بشكل عام، هو وليد موقف قديم للظواهري نفسه (الذى يعتبر وبحق المرجع الفكري والعقائدي للتنظيم). فقبل أكثر من عقد من الزمان، وبالتحديد في يوليو 1994 كتب الظواهري فى نشرة الأنصار «العدد 91»، مشددا على أن: «الشيعة الاثني عشرية عندنا، هم أحد الفرق المبتدعة، الذين أحدثوا في الدين بدعاً عقائدية، وصلت بهم إلى:
1 ـ سب أبي بكر وعمر وأمهات المؤمنين وجمهور الصحابة والتابعين، ويرون كفرهم، ويجاهرون بلعنهم.
2 ـ القول بتحريف القرآن؛ كما يعتقد أغلب أئمتهم ومحققيهم.
3 ـ القول بادعاء عصمة الأئمة الاثني عشرية، وأنهم بلغوا ما لم يبلغه نبي مرسل ولا ملك مقرب.
4 ـ ادعاء غيبة الإمام الثاني عشر، وإدعاء الرجعة.. الخ.
وأضاف الظواهري، هذا فضلا عن الحقائق العملية المتمثلة فى :
إدعى أئمة الثورة الإيرانية، بعد ثورتهم على الشاه، أن ثورتهم إسلامية وليست شيعية، وانهم يقفون مع المسلمين في كل مكان يضطهدون فيه ـ من دون تفرقة بين سني وشيعي ـ الأمر الذي كشفت عن كذبه الحقائق يوماً بعد يوم؛ فقد ثبت أن هذا الكلام هو من قبيل الدعاية، وأن الحكومة الإيرانية تتحذ موقفاً صلباً في أي قضية، طالما كان المتضرر فيها من الشيعة، أو كان للشيعة مصلحة في هذا الموقف. أما ما عدا ذلك، فموقفهم هو التجاهل التام، حتى لو كانت القضية صراعا بين الكفر والإسلام، ومن أمثلة ذلك :
موقفهم من الثورة الإسلامية السورية؛ حيث ساندوا حكومة حافظ الأسد، وقالوا؛ إن الإخوان المسلمين عملاء لأمريكا، وتركوهم يُذبحون على يد حافظ الأسد7.
موقفهم من الجهاد الأفغاني؛ حيث ساندوا الأحزاب الشيعية فقط من دون غيرها من الأحزاب.
ولم يقف الظواهري عند هذا الحد، وإنما تمادى الى تحذير كافة الحركات الإسلامية، التي وصفها بأنها تدور في فلك إيران بالقول: «إننا نحذر تلك الحركات من أن مسلكهم هذا لن ينفعهم بشيء، ففي مقابل القليل الذي تقدمه إيران لهم، سيُتهم الشباب المسلم بأنهم عملاء لها، وسيفقدون احترام جمهور أهل السنة لهم، ولن يملكوا حرية قرارهم إرضاءً لإيران، التي فقدت حتى ثوريتها التي كانت تدعيها في الآيام الأولى للثورة».
انتهى كلام الظواهري وبعد!
ماذا يريد إذن الظواهري من خطابه في هذا التوقيت، القائد الميداني لتنظيم القاعدة يخشى من تصاعد نفوذ حزب الله الشيعي، في المنطقة، بما يؤثر على مساحة الدعم التي يتمتع بها تنظيم القاعدة. لذا فهو يريد إستبدال تلك المقاومة الشيعية بمقاومة أخرى سنية تنتزع أو تشارك ـ من وجهة نظره ـ في انتزاع نصر ما على الإسرائليين، يمكن تسويقه جماهيريا. إذ يجوز ـ وفق رؤية الظواهري ـ أن يجلب حزب الله الشيعي «الرافضي» النصر للعرب والمسلمين، والقاعدة «المؤمنة» السنية تقف متفرجة. ولأهداف طائفية بحتة، لها علاقة مباشرة بالصراع الدائر في العراق بين القاعدة وبعض الأجنحة الشيعية المسلحة، يمكن وضع خطاب الظواهري الأخير. فلا الرجل يريد دعم حزب الله ولا يريد تقاربا مع الشيعة، ولا توجد أي تغييرات ضمن استراتيجية التنظيم تجاه الشيعة «الروافض» وفق توصيف التنظيم وقادته.
ولكن هل يمكن للقاعدة ـ ضمن هذا الإطار ـ أن تقوم بأي شيء؟ لقد تواجدت القاعدة وأعلنت عن ذلك في فلسطين. وسبق لها توجيه صواريخ من جنوب لبنان على شمال إسرائيل، فهل يمكن لها من خلال ذلك التواجد أن تفعل شيئا على الأرض؟ أزعم أن الإجابة بالنفي، لماذا؟ لأن حماس في غزة وحزب الله في لبنان، سيحرصان على ذلك. ليس كرها في القاعدة بأكثر منه توجيها سياسيا من إيران. فإيران حريصة على عدم تمدد نشاطات القاعدة خارج العراق وأفغانستان في هذا التوقيت، أداء لوظيفة ومهمة محددة، وهي إشاعة الفوضى التي تريدها الدولة الصفوية على الأرض العراقية، تمهيدا لإجبار الأمريكان على التفاوض مع القادة الإيرانيين حول الملف العراقي. وتسهيلا لعملية لملمة الأزمة في حال التوصل الى اتفاق مرض بين الأمريكان وإيران.
وهنا يثار السؤال: ماذا عن خارج المنطقة «أوروبا وأمريكا ومصالحهما في عدد من دول المنطقة»؟ ازعم أن تنظيم القاعدة يعاني من ضيق في التنفس، يمنعه من مد نشاطاته في مناطق أخرى من العالم، باستثناء الجبهات المفتوحة، في العراق وأفغانستان». لذا فهو سيكثف من عملياته وفقط في كلا البلدين، متمنيا أن يقوم الإعلام المعاون بتغطيتها على أنها عمليات ضد مصالح إسرائيل وأمريكا في المنطقة، وأعتقد أنه سيجد من الإعلام العربي من يقوم بهذا الدور