الأربعاء 17 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

مصر والتعاطي مع الجماعات المحظورة

الشرق الأوسط 17-8-2006

نشر
عبد الرحيم علي


شهدت الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة والتى تلاها هجوم مكثف على جماعة الإخوان المسلمين ـ التي فازت بخمس أعضاء البرلمان ـ شمل هذا الهجوم تاريخ الجماعة وأفكارها وموقفها من الديمقراطية وقضايا العنف وفكرة الوطن. وكنت واحدا من الذين فندوا أفكار واستراتيجيات الجماعة، موضحا مخاطر وصول الإخوان أو فريق منهم الى سدة الحكم في مصر قبل المراجعة الكاملة لمجمل مسيرة الجماعة والتنازل الطوعي عن حلم الدولة الدينية لصالح «الدولة المدنية»، مع كل ما يتعلق بهذا التنازل من تقديم طرح جديد فيه انتقاد واضح للماضي وأفكار واستراتيجيات جديدة تناسب المستقبل.
ورغم أنني شاركت وبشكل واسع «ومستقل» في تلك الحملة التي استهدفت مكاشفة الرأى العام بالحقائق وتعرية الجماعة من بعض أوراق التوت التي حاولت بها مداراة ما بدا من عوراتها. إلا أننى كنت ـ ولا زلت ـ من المطالبين بالسماح لرموز الجماعة بالظهور في القنوات الإعلامية الرسمية للدولة، وفى مقدمتها التليفزيون المصرى لشرح وجهة نظرهم والدفاع عن أنفسهم، وكانت حجتى في ذلك التوجه أمرين: الأول أن هذا التوجه يعد أبسط مبادئ الديمقراطية التي تنادى بها الدولة المصرية في مراحل تطورها الحديث، وهو أن تعطى خصمك حقه في إبداء رأيه والاعتراض على ما تقوله وتقديم أدلته الثبوتية على ذلك. والثانى: أن الجماعة كانت تكسب أكثر مما ظن البعض من أصحاب توجه المنع هذا، أنها تخسر. فقد أدت مهاترات مثل تلك التي حدثت في برامج تليفزيونية عديدة حاول بعض الحذقاء فيها أن يبدوا ديمقراطيين ومحاورين، الى نتائج عكسية رفعت من أسهم الجماعة في الأوساط الشعبية بشكل لم يسبق له مثيل، على الرغم من سهولة المواجهة واتضاح الرؤية وضعف رؤى الجماعة وقلة حيلة كوادرها في هذا المجال. وقد حصلت مناقشات مع أكثر من مسؤول مصرى في هذا الشأن. وكان الجميع يرجع ـ وبرؤية واحدة ـ عدم ظهور كوادر الإخوان في الإعلام الرسمى للدولة، الى أن هذا يعد اعترافا من الدولة بهذا التنظيم غير الشرعى، حتى ولو أسبقناه بلفظ المحظور.
احترمنا هذا الرأي وتفهمناه خاصة مع شرح البعض أن الشرعية القانونية في مصر تكتسب بثلاث طرق، إما رخصة حزبية من قبل لجنة شؤون الأحزاب، فإن لم يكن فبحكم نهائى من محكمة القضاء الإدارى برفض قرار لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص، أو عن طريق قانون الجمعيات عبر تأسيس جمعية، أو عن طريق قانون الشركات عبر تأسيس شركة. ولقد دافعت شخصيا ـ وفعل غيرى ـ عن موقف رئيس الحكومة الدكتور أحمد نظيف عندما تمت مهاجمته عقب تصريح له أكد فيه على عدم شرعية جماعة الإخوان وقانونيتها.
ولكن كل هذا وجدته يذهب أدراج الرياح قبل أسبوع عندما سمحت الحكومة المصرية لرئيس ما سمى بمجلس شورى الجماعة الإسلامية المصرية، بالظهور علانية في التليفزيون المصرى لما يقرب من ساعة ونصف الساعة يشرح فيها، ليس ما يكفى للرد على ما قاله الظواهرى من انضمام عدد من قادة تلك الجماعة لتنظيم القاعدة، وإنما تعدى ذلك الى شرح توجهات الجماعة ورؤيتها للسياسة العامة والخاصة وبرنامجها الدعوى. الغريب أن مقدم البرنامج قدم كرم زهدى بوصفه رئيسا لمجلس شورى الجماعة الإسلامية، دون أن يسبقها باللفظ المفروض على كافة الصحف ـ حتى المعارضة منها ـ عندما يأتى ذكر مثل تلك الجماعات «المحظورة»، الأمر الذي أثار دهشتى ودهشة عدد من المراقبين والمتابعين. وأثار أيضا السؤال: هل هناك توجه جديد أقرته لجنة السياسات في الحزب الوطنى الحاكم، بوصفنا أمام حكومة حزب ـ كما فهمنا ـ تصنع سياساتها وتوجهاتها لجنة الحزب الموقرة. أم أن هناك استراتيجية حكومية جديدة في التعامل مع تيار الإسلام السياسى في مصر، غير معلنة. ولماذا لا تطبق هذه الاستراتيجية الجديدة على الجماعة الأم «الإخوان المسلمون» التي منحها الشعب المصرى ثقته بنسبة 20% من الأصوات.
وإن كان الأمر ليس كذلك فهل نحن بصدد أمر لا يعدو كونه «بروباجندا» إعلامية في مواجهة تنظيم القاعدة وقائده الميدانى أيمن الظواهرى، تمنع الأخير من استغلال ما يحدث في لبنان وفلسطين والعراق من كسب تأييد عناصر جديدة، وتضرب مصداقيته في مقتل.
وإن كان الأمر هكذا، فما هى الخطة التي اتخذتها الحكومة وهى تشرع في تنفيذ هذا الأمر الخطير، لتلافى تداعيات ظهور أمثال كرم زهدى وناجح إبراهيم على شاشة التليفزيون المصرى، ومدى إضرار مثل هذا العمل بمصداقية الحديث عن التنظيمات المحظورة والاعتراف بهم من عدمه.
نتفهم بالطبع دوافع من قاموا بهذه الخطوة، ولكن لا نتفهم الطريقة التي نفذوها بها، والتى أعطت انطباعا أننا أمام «جزر» غير منسجمة التوجه. هل فكر هؤلاء في مدى ارتفاع شعبية تلك الجماعة وانضمام عدد كبير من شبابنا إليهم في تلك المرحلة المتوترة من مراحل التطور السياسي في المنطقة، والتى تسير لصالح مزيد من العنف والتطرف، وما هى النتائج الكارثية من جراء تقديم دعاة وشيوخ غير معترف بهم من قبل أجهزة الدولة المعنية «الأزهر ووزارة الأوقاف» وتأثيرات ذلك على الرأى العام.
إن مراجعات الجماعة الإسلامية ـ ورغم تسليم البعض بأنه جل ما يبتغى منها ـ عليها ملاحظات عديدة ليس أقلها الموقف من الأخوة الأقباط. فالجماعة ما زالت تصر على تعريفهم بأنهم أهل ذمة يجب فرض الجزية عليهم، وتعرف الجزية في أحد كتب تصحيح المفاهيم «مبادرة وقف العنف ـ رؤية واقعية ص85» على أنها ما «يؤخذ من أهل الكفر جزاء على تأمينهم وحقن دمائهم».
بالطبع هناك ملاحظات عديدة على مراجعات الجماعة الإسلامية ليس هذا مجالها.
نحن مع شرعية للدولة المصرية لا تنتقص مهما كانت الأسباب، ومع قانون لا يعلو أحد فوقه مهما كانت مكانته، ومهما جاءت مبرراته. ولهذا فنحن بصدد واقعة مهمة، ولا أعنى هنا حظر الإدلاء بالرأى عبر تليفزيون الدولة الرسمى فهو حق خالص لكل مصرى، وإنما أعنى هنا عدم وجود معيار موحد تجاه قضية واحدة، الأمر الذي يبرك الجميع في مواجهة خطر لا يجوز لنا أن نرتبك ونحن نواجهه.