الثلاثاء 08 أكتوبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

رسالة من مواطن مصري إلى حسن نصر الله بقلم : عبد الرحيم على

الشرق الأوسط الخميس 1-1-2009

نشر
حسن نصر الله
حسن نصر الله


تحدث حسن نصر الله، أمين عام حزب الله فى لبنان، موجها كلامه إلى المصريين، يطالبهم بالنزول إلى الشارع بالملايين والوصول إلى معبر رفح وفتحه بالقوة لإيصال السلاح والمعونات إلى الفلسطينيين، عفواً، أقصد إلى رفاقه، من قادة حركة حماس فى غزة.
ثم أضاف الرجل بكل صفاقة، نداء آخر إلى القوات المسلحة المصرية، درع مصر وبوابتها العتيدة، ضد كل من تسول له نفسه أن يطأ الأرض أو يلمس حبات الرمل. يطالبهم فيه أن يتمردوا على قادتهم، ويرفضوا حراسة حدود بلادهم. نبرة تشي بالكراهية لكل ما هو حضارى ومتمدين ودولتي. نصر الله الذى لم يعرف فى حياته معنى الدولة، أو مفهوم الانتماء لوطن، نصر الله الذي لا يعرف ما معنى الدستور أو القانون، أو دولة المؤسسات، يطالب الرجال الذين يحملون على كاهلهم سبعة آلاف سنة من الحضارة، الرجال الذين ضحوا، عبر خمس حروب (1948، 1956، 1967، والاستنزاف ـ 6 سنوات ـ و1973)، بمائة ألف شهيد وعشرات الآلاف غيرهم من الجرحى. يطالب الرجال الذين لم يهنوا، ولم يضعفوا، حتى استرجعوا كل شبر من أرض مصر قتالا وتفاوضا وتحكيما، يطالبهم بالتفريط في شرفهم العسكري.
نصر الله، وفي مقابلة رجال واجهوا العدو الصهيوني، ثلاثة وثلاثين عاما (1948 – 1982) دفعوا خلالها كل عزيز وغالي من أجل القضية الفلسطينية، يقدم أوراق اعتماده ناصحا وآمرا، عبر حديثه عن صمود متوهم في المخابئ، ثلاثة وثلاثين يوما.
الرجل الذى تملأ جيوب تنظيمه أموال إيرانية، غير نزيهة المقصد، جرؤ على دعوة خير أجناد الأرض، كما وصفهم النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، للتحرك ضد قادتهم، وضد مصالح بلادهم، ضد كل ما يحملوه من شرف، وما نقلوه جيلا عبر جيل من مبادئ ، أن يكونوا مثله، رجال عصابات.
وللذين استغربوا أن يصدر هذا الحديث من فم الرجل أقول، ألم يستخدم الرجل نفس المنطق، منطق رجال العصابات، من قبل، عندما اختطف القرار اللبناني منفردا، وقام في يوليو (تموز) 2006 بشن حرب على إسرائيل، بالوكالة عن إيران، دمر فيها مقدرات وطنه ومستقبل شعبه، وكلف لبنان خلالها ألف وخمسمائة قتيل من أبنائه، ومليون مشرد، ومئات الآلاف من الجرحى، وبعدها وقف صارخا: «لو كنت أعرف ما سيحدث ما أقدمت على ما أقدمت عليه».
ألم يستخدم الرجل، نفس المنطق، عندما اجتاح عاصمة بلاده، وسط دهشة الأصدقاء قبل الأعداء، وساح فيها قتلا وتشريدا، لم يستثن أحدا، ثم خرج علينا ليتحدث عن إحباطه لمؤامرة مزعومة. هل هذا هو المنطق الذي يريد نصر الله من المصريين اعتماده في بلادهم؟ ولصالح من؟ وهل يعرف الرجل المصريين جيدا، هل درس تاريخهم، هل قرأ ما كتبه عنهم «هنري برستد» في (فجر الضمير) هل اطلع على كتابات نجيب محفوظ أو يوسف إدريس، هل استمع لأم كلثوم أو سيد درويش، هل قرأ حرفا لطه حسين أو لويس عوض.
يريد نصر الله تحريك المصريين لفتح الحدود بالقوة، وتقديم السلاح لحماس، وخوض الحرب جنبا إلى جنب معها ضد إسرائيل.
لكن السؤال، من الأولى بهذا النداء يا سيد حسن؟
حلفاؤك فى سوريا الذين لم يبادروا بإطلاق رصاصة واحدة فى الجولان المحتلة منذ عام 1973 (خمسة وثلاثين عاما بالتمام والكمال) رغم خمس اختراقات ـ بالتمام والكمال ـ لسلاح الجو الإسرائيلي في سماء دمشق، إحداها حلقت فوق القصر الرئاسي.
ـ أم ميليشياتك فى الجنوب التى تدعي امتلاكها صواريخ تصل إلى قلب تل أبيب، وأنها تؤجل استخدامها لأجل فى عقل سيدها (وأقصد هنا السيد على خامئنى ـ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران).
ـ أم إيران التى لا يكف رئيسها السيد/ أحمدى نجاد عن الصراخ بضرورة إزالة إسرائيل من الوجود، وأن إيران تمتلك صواريخ تصل الى مبنى الحكومة الإسرائيلية، والسؤال: هل هناك وقت لتنفيذ ما وعد به نجاد خير من هذا التوقيت؟
أم أن الدماء التى تجرى أنهارا فى غزة، هي في عيني نجاد ماء، لا يستحق من إيران أن تستخدم صواريخها من أجله.
نريد جواباً وافياً، ليس من أمثال السيد حسن نصر الله، ولكن من رؤسائهم في طهران ودمشق، هل أنتم مستعدون لدفع الثمن، ثمن التمسح في القضية الفلسطينية، وإن كانت الإجابة بالإيجاب، وأظنها يجب أن تكون كذلك، فهبوا لنجدة غزة وأهلها، عبر إشعال الأرض في الجولان، والجنوب اللبناني، ومزارع شبعا، تحت أقدام أبناء صهيون نارا.
دعكم من مصر، والأردن، فهما دولتان بينهما وبين إسرائيل معاهدة سلام، بغض النظر عن وجهة نظرنا فيها، ولكنكم تعيشون على أرض محتلة، وليس بينكم وبين إسرائيل ما يكبلكم، فلماذا لا تبادروا الآن بالهجوم، حتى تخففوا الضغط عن غزة؟ سؤال يدمي القلب ولا يجد من يجيب.
وهو ما ينقلنا للسؤال الأهم: ماذا يريد حسن نصر الله من مصر؟ أو بالأحرى، حتى نكون واضحين أكثر، ماذا تريد إيران ومحورها السوري الحمساوي، من مصر؟
وبصراحة أقول: المحور الإيراني لا يريد من مصر سوى دفعها للعودة مرة أخرى إلى مربع المواجهة مع إسرائيل. إشعال المنطقة بحروب جديدة ـ هدف إيراني ـ يضع في يدي طهران أوراق جديدة في صراعها / مساوماتها، مع واشنطن، للسيطرة على المنطقة، بعد إضعاف مصر عن طريق الحرب.
لا تكتفى إيران باللعب بأوراق العراق وأفغانستان والجنوب اللبنانى، ربما لأن بعضها بدأ فى الاحتراق، والبعض الآخر لم يعد صالحاً للاستعمال. ومن هنا كان التفكير في مصر وإشعال المنطقة عبر فوضى الحرب الإقليمية الكبرى بين مصر وإسرائيل، الأمر الذي يؤدي بالتبعية إلى ارتماء مصر في حضن المحور الإيراني، تمهيدا لاستخدامها في ورقة المساومات، ضمن أوراق أخرى عديدة، مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي النهاية أقول: لقد راهن حسن نصر الله على خروج الشعب المصري بالملايين، متجهين الى رفح، لكسر الحدود، وخذله الجميع، حتى حلفاؤه من الإخوان رفضوا مجرد التعليق على خطابه، وأنا أضيف تحديا آخر له، ومنذ الآن وحتى إشعار آخر بعد عام أو أكثر من إطلاقه نداءاته العجيبة، أن يخرج مواطن مصري واحد، ليلبي نداء الشر وفق تصوراته.

* كاتب مصري
[email protected]