الثلاثاء 23 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

توبة مصطنعة

عبد الرحيم على - جريدة الأهالى

نشر
عبد الرحيم علي


لم تغمض أجهزة الأمن عينيها علي ما يجري داخل السجون فقط، وإنما راحت تلقي للمجتمع بالمئات من أعضاء الجماعات ، ولم يكن قد مر علي حادث المنصة سوي أشهر معدودة، تحت دعوي استجابتهم للحوار وقناعتهم بالتوبة ، دون أية تأكيدات عملية علي ذلك.. الأمر الذي تسبب في كوارث عديدة في تلك الفترة . حدث هذا في الوقت الذي كانت تصادر فيه جريدة الأهالي ويجري فيه اعتقال قيادات حزب التجمع ، وتمنع ندواتهم ولقاءاتهم الفكرية . ففي شهر سبتمبر 1982 ، وقبل مرور عام علي أحداث 1981 ألقت أجهزة الأمن القبض علي 58 شخصا شكلوا تنظيما إرهابيا يهدف إلي نسف العديد من المنشآت والأماكن الحيوية المهمة، ومحاولة تهريب عبود الزمر وعصام القمري المحكوم عليهما في قضية اغتيال الرئيس السادات وينتظران الإحالة للمحاكمة في القضية رقم 462 لسنة 81 المسماة بقضية تنظيم الجهاد. ويلتقط مكرم محمد أحمد رئيس تحرير المصور الخيط ويسطر مقالا مهما في مجلة المصور يوم 24 سبتمبر 1982 حول هذا التنظيم، وأهم ما أورده مكرم في هذا المقال: إن ثلاثين من أعضاء هذا التنظيم الجديد كان قد تم الإفراج عنهم ، منذ فترة وجيزة عقب جلسات الحوار .
ولكي نفهم ما حدث في تلك الفترة الأهم في تاريخ نمو وتشكل تنظيمات العنف في مصر 81 - 90 في ظل العمل بقانون الطوارئ . يجب أن نستعرض ثلاثة مشاهد رئيسية لرسم صورة متكاملة لما كان يحدث علي ساحة هذا الوطن.
الأول : يتعلق بأوضاع جماعات العنف داخل السجون.
والثاني: انتشار الفكر المتطرف في المحافظات نتيجة استخدام المساجد في غيبة كاملة من الدولة حتي وصل الأمر لاستخدام دور العبادة في تأديب المخالفين وإقامة الحدود.
الثالث : السماح لبعض قادة جماعات العنف بالسفر إلي أفغانستان.
تنظيمات خلف الأسوار
ولأن السجون لها منطقها الخاص وقانونها الداخلي الذي لا علاقة له باللوائح التي وضعتها الحكومات المتعاقبة علي مصر وآخرها لائحة عام 1956 ؛ فقد استغلت جماعات العنف هذه الأعراف في صنع مملكة خاصة بها داخل أسوار السجون، فحولتها إلي غرف للتدريبات العسكرية وأرشيف للمعلومات وأماكن صالحة للتجنيد والتدريب والتنشئة.. وسنترك هنا اثنين من كوادر جماعات العنف يتحدثان عن هذه الأوضاع وهما: أكرم فوزي (قائد تفجيرات خان الخليلي الشهيرة في 2005) وجابر عبدالستار (زعيم الجناح العسكري لتنظيم الجهاد ببني سويف .
يقول فوزي في محضر نقاش أجريناه معه في سجن مزرعة طرة مارس 1994 : إن المناهج التي تدرس في السجن عديدة يأتي علي رأسها المنهج العسكري والمنهج الشرعي. ويضيف أكرم: إن المنهج العسكري يعتمد علي مذكرات تم تهريبها للسجن وأعدت في الخارج في أفغانستان وجنوب لبنان والسودان إلي جانب مذكرات قديمة كان قد كتبها عصام القمري، والمنهج الشرعي تتم دراسته عبر كتيبات تختلف من مجموعة إلي أخري؛ فالجماعة الإسلامية تدرس حتمية المواجهة لناجح إبراهيم وفتاوي الدكتور عمر عبدالرحمن، بالإضافة لميثاق العمل الإسلامي. أما الجهاد فيعتمد بالأساس علي كتابي الحصاد المر والعمدة في إعداد العدة.
وعن كيفية قضاء يوم في السجن يقول أكرم: اليوم يبدأ بتدريبات بدنية شاقة جدا هدفها عسكري بالأساس وعقب التدريبات تبدأ النشرة الصباحية التي يتم جمعها من خلال وكالات الأنباء وتسريبها يوميا إلي داخل السجن عن طريق الأقارب أو المحامين بالإضافة لبعض العاملين بالسجن، وبعد النشرة تبدأ فترة راحة تستمر ما بين ساعتين أو ثلاث يبدأ بعدها البرنامج الرسمي لكل جماعة؛ وهناك غرفة الإعلام وهذه الغرفة لا يدخلها سوي المتخصصين في جمع المعلومات. والمعلومات داخل السجون تنقسم إلي قسمين : ومعلومات علنية يتم جمعها من خلال الصحف ووكالات الأنباء، ومعلومات سرية يتم تسريبها من عناصر خارج السجن وذلك لعمل أرشيف خاص بالجماعة يضم أسماء الضباط والصحفيين والأماكن والأهداف، ويتم من خلال هذا الأرشيف رسم الخطط وإصدار التوجيهات عبر جسر مصنوع علي نطاق ضيق يربط بين الداخل والخارج وغير معلوم إلا لفئة ضئيلة جدا ومحدودة وهي ما تشكل مجموعة القيادة.
ويمضي أكرم فوزي في رسم الصورة:
..وصولا إلي غرفة التحقيقات وهي خاصة بالتحقيق في أي واقعة تحدث داخل السجن وبالتحديد مع الذين تثور حولهم بعض الشكوك حيث يتم إصدار العقوبة وتنفيذها داخل هذه الغرفة، إلي جانب ذلك هناك غرفة التدريس العسكري ويتم داخلها تدريس المناهج العسكرية من خلال المذكرات والكتيبات، كما يتم فيها التدريب علي كيفية صناعة القنابل والمتفجرات وكيفية تنفيذ العمليات.
أكاديمية للعنف
ويكمل جابر عبدالستار أحد قادة تنظيم الاغتيالات ببني سويف الصورة وذلك في محضر نقاش أجريناه معه في عام 1995 .. حيث يقول: كنت محبوسا في سجن أبو زعبل وعندما ذهبت وجدت أن كل عنبر له أمير وكل زنزانة لها أمير، بالإضافة إلي أمراء السجن من تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية حيث يجب التنسيق بينهما حتي لا تحدث أخطاء. ويضيف جابر: إنه من بين أربعين زنزانة كانت في السجن توجد زنزانة واحدة تملكها الإدارة والباقي موزع بين الجماعتين حيث لا سيطرة لإدارة السجن علي هذه الزنازين.. ونظرا لأنني اختلفت مع تنظيم الجهاد الذي كنت عضوا فيه حول من أعطي تعليمات بضرب سيارات الشرطة في بني سويف ومن أوشي بالتنظيم، فقد نزلت ضيفا علي زنزانة خاصة بالجماعة الإسلامية، وكانت الدروس تتم بصفة مستمرة ولكنني رفضت الحضور لأن فكري مختلف، وهم احترموا هذا حتي يأتي أحمد يوسف أمير جماعة الجهاد ببني سويف، حيث كان يؤدي الامتحانات الخاصة به ويفصل في أمري. وكانت التدريبات عبارة عن فن الدفاع عن النفس الكاراتيه ومواجهة أجهزة الأمن بالسلاح الأبيض وكانت أنظمة التدريب تدخل السجن بسهولة.... ويكمل عبدالستار: إنه كان للجماعات مميزات خاصة عن الجنائيين حيث كانت الزيارات تستمر من العاشرة صباحا وحتي الثالثة عصرا بدون تصاريح، وكذلك كانت إدارة السجن تسمح لقادة الجماعات بالاجتماع بزوجاتهم داخل السجن في خباءات صنعوها خصيصا لهذا الغرض حتي أن بعضهم أنجب وهو في السجن مثل حسن الغرباوي وفاروق الفوال و بهيج وآخرين.
بالإضافة إلي ذلك، فقد كانت كل مقاليد السجن بيد الأمراء ولا علاقة للإدارة بشيء سوي الحرص علي الهدوء وعدم افتعال أي قلاقل تؤدي إلي دخول المسئولين بالسجن في مشاكل مع رؤسائهم..
هكذا كان منطق المسئولين عن السجون منذ أوائل الثمانينيات وحتي منتصف التسعينيات حسب آخر محضر نقاش أجريناه وكان ذلك يتم تحت دعوي الهدوء وتمضية مدة مأمور السجن ورئيس المباحث في سلام حتي يذهب إلي مكان أفضل؛ حيث المعروف أن السجون هي أسوأ مكان يمكن أن ينقل إليه ضابط، لذا كثر الفساد، لأن عقاب المفسدين كان النقل لمصلحة السجون.. هذه الفلسفة التي أدت إلي نتائج مرعبة علي صعيد تنامي حركة العنف وتنظيماتها في مصر ولعبت دورا في نقل التكليفات التي ارتكبت بها أفظع العمليات الإرهابية بدءا من حادث الدكتور رفعت المحجوب ، رئيس مجلس الشعب السابق، ومرورا بالدكتور فرج فودة وانتهاء باغتيال ضباط الشرطة بمحافظات الصعيد. ولم يكن هذا هو المشهد الوحيد للصورة ولكن كان لها مشاهد أخري تكملها وتوضحها وتؤكدها. هذه كانت حال السجون التي أفرزتها حالة الطوارئ في مصر ، وعلي مدي عشرين عاما ، أفرخت خلالها أكثر وأبشع عناصر الإرهاب ليس علي المستوي المحلي وفقط ، ولكن علي المستوي الإقليمي والدولي .
مساجد الجماعات، دولة داخل دولة
لنستمع مرة أخري لجابر عبدالستار، أحد قادة الجناح العسكري لتنظيم الجهاد ببني سويف وهو يروي لنا ما عايشه وشاهده في تلك الفترة من عام 87 وحتي 89 تتويجا لما حدث بين جماعة أحمد يوسف وجماعة حسام البطوجي والتي انتهت بمقتل حسام علي مرأي ومسمع من جميع الأجهزة الأمنية وفي ظل قانونها المبجل المسمي بقانون الطوارئ . يقول جابر: في عام 86 بدأنا نشاطنا المسلح في بني سويف بخطبة ثورية لأحمد يوسف أمير الجماعة في ذلك الوقت ، قمنا علي أثرها بالهجوم علي الصيدليات الخاصة بالمسيحيين وتكسيرها ، ثم هاجمنا بعض الكنائس.
ويضيف جابر : كان ناظر مدرستنا يدعي محمد الغمري وكنت وقتها أميرا للمدرسة وأدير حلقات القرآن داخلها ، وكنا نستعرض عضلاتنا أثناء الطابور الصباحي فنعقد حلقة القرآن كنوع من الاستفزاز وفرض السيطرة. وعندما حاول الناظر التصدي لنا انتظرناه خارج منزله وضربناه بالجنازير والمطاوي أنا وأربعة من زملائي. وبعدها قمت بالمشاركة في عملية تأديب طلبة كليتي الحقوق والتجارة لأنهم لم ينصاعوا لأوامرنا الخاصة بمنع الاختلاط ، وذلك عبر تقطيع عدد كبير منهم بالمطاوي والجنازير ..
تحت سمع وبصر الأمن :
ويروي جابر قصة إنشقاق حسام البطوجي، زعيم الجناح العسكري لتنظيم الجهاد ببني سويف، عن التنظيم ، وتشكيله تنظيما جديدا ، وكيف قوبلت بإجراءات عنيفة من التنظيم وصلت إلي حد قتله تقطيعا علي مرأي ومسمع من أجهزة الأمن ، التي وقفت علي حد تعبيره تتفرج .
يقول جابر : قام حسام بتأجير شقتين؛ وكوَّن مجموعة جديدة باسم الحركيين؛ والتي تعني غير المعروفين لجهاز أمن الدولة .
وعلي النمط نفسه قام أحمد الخولي في الفيوم بتشكيل تنظيم باسم الغرباء، وكان هناك تنسيق بين التنظيمين ، حيث كان الهاربون من الفيوم يختبئون في بني سويف والعكس صحيح . وبدأت عملية التدريب تمهيدا للمواجهة مع أجهزة الأمن.
ويكمل جابر: بدأ أعوان أحمد يوسف في خطف وتعذيب رجال حسام البطوجي أمام أعين رجال الشرطة، حيث كان يتم اقتيادهم الي مسجد الشادر ويقوم رجال أحمد يوسف بربطهم بأعمدة المسجد وحلق رموشهم ورءوسهم وجلدهم علي ظهورهم، ثم إجبارهم علي السير في الشارع بالملابس الداخلية 
ويروي جابر تجربته الشخصية فيقول : كنت في طريقي الي زيارة حسام بمنزله عندما فوجئت بأحد الأخوة ويدعي مجدي كمال يحاول منعي . وعندما وجدني مصرا اختطفني هو وشخص آخر يدعي تهامي أحد المتهمين في قضية عاطف صدقي ، وقاما بتوثيقي ووضعوني علي دراجة بخارية وذهبا بي إلي مسجد الشادر، ويضيف جابر : بدأوا في تكتيفي الي أحد الأعمدة ثم شرعوا في جلدي ، كان صراخ الشباب داخل المسجد مسموعا بقوة ، وكان رجال الأمن يقفون حول المسجد دون أن يفعلوا شيئا علي بإعتبار أنه صراع داخلي لا ناقة لهم فيه ولا جمل .. وفق ما أخبرونا به فيما بعد .
ويستطرد جابر : موقف أجهزة الأمن هو الذي دفع حسام لمحاولة الإستعانة بأحد قادة جماعة الجهاد في القاهرة ( نبيل نعيم ) ، الذي أخبره بأنه سيكوِّن لجنة تحكيم وينزل الي بني سويف لحل الموقف بين الرجلين (أحمد يوسف وحسام البطوجي ) . ولكن عندما شعر حسام بأن الموضوع سيطول بدأ في ممارسة نفس اللعبة (خطف وتعذيب رجال أحمد يوسف ).
كان التعذيب علي الجانبين يشمل ، حلق الرموش وقطع الحواجب بمشابك الشعر وقطع فروة الرأس وحلق الذقون ، والإجبار علي السير بالملابس الداخلية في الشارع .
وكان ذلك يتم تحت علم وبصر جهاز الأمن ، وفي ظل قانون الطوارئ حتي حدثت الكارثة .
فقد حدد رجال أحمد يوسف يوما لتأديب حسام البطوجي ، الخارج عن الجماعة ، وفي اليوم المعلوم كان البطوجي متوجها الي المستشفي لزيارة أعوانه الذين يتلقون العلاج هناك ، حيث حاصرت مجموعة المستشفي من الخارج ودخلت مجموعة أخري الي داخل المستشفي محملة بالسنج والجنازير والزجاجات الحارقة . وأثناء نزول حسام وبصحبته 14 من معاونيه ( كنت أحدهم ) ، بدأوا في قذفنا بالقنابل.. وكانت بجانبنا ثلاجة كوكا كولا فقذفناهم بالزجاجات الممتلئة ، وما أن انتهت القنابل وزجاجات الكوكاكولا، حتي هجم أحدهم علي حسام وأصابه بجرح كبير في ساقه، وقال لنا حسام: اهربوا فصعدنا للدور الخامس وكان علي الإخوة المصابين حراسته من الشرطة ، فاستنجدنا بهم فرفضوا ، وأخذ حسام يصرخ ويشتم وهو في الدور الثاني وقد تتبعوا آثار الدماء وصعدوا للدور الثاني ودخلوا عليه وكانوا مجموعة كبيرة وقوية.
وأخذوا يضربونه جميعا بالسيوف ؛ وهو يهتف بالتكبير والشهادة الي أن لفظ أنفاسه الأخيرة علي مرأي ومسمع من الجميع ، حيث كانت قوات الشرطة في ذلك الحين تطوق المستشفي من الخارج . وقد رأوا قتلة حسام اثناء خروجهم من المستشفي وهم يهتفون بقتله وكأنه فتح إسلامي وانتصار عظيم، ولكنهم لم يحرك لهم ساكنا .
.. في المنيا أيضا
لم يكن هذا الحادث يخص بني سويف وحدها، فقد تحول مسجد الرحمن بالمنيا لمكان تقام فيه الحدود علي كل من يوقعه حظه السييء تحت يد الجماعة المسماة بالإسلامية؛ بل وصل الأمر عقب أحداث أبو قرقاص 1990 إلي إجراء اتفاق بين أجهزة الأمن وقادة هذه الجماعات يتم بناء عليه تسليم كل من تتهمه الجماعة الإسلامية بارتكاب مخالفة شرعية ليقوم جهاز الأمن بتحرير محضر له وعمل اللازم من إيذاء وضرب وحبس تنفيذا لإرادة الجماعة ودفعا لفكرة أنهم الحكام الفعليون في هذه المناطق، وهو المفهوم الذي بدأ ينتشر وسط قطاعات كبيرة ، ووصل الي أن تناولته بعض الصحف في تلك الفترة بعد أن فجرته الأهالي في حينه .
وزير الداخلية وقانون الطوارئ :
يكفي أن نرصد واقعتين أساسيتين لبيان كيفية استخدام أحد وزراء الداخلية المصريين لقانون الطوارئ في محاربة الإرهاب وتحجيمه .
الواقعة الأولي عقب اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب في عام 90 ؛ فقد ظهر الوزير عبد الحليم موسي علي شاشات التليفزيون في حال يرثي لها وقال : أول ما وصلت لمكان الحادثة سألت الناس اللي واقفة.. العيال هربوا منين فأشار واحد من اللي واقفين للجهة اللي هربوا منها ونظرت حولي فوجدت أمين شرطة واقفا في مكان الحادث فطلبت منه طبنجته وهرولت وراهم في محاولة للحاق بهم ولكنني بحثت ولم أجدهم
حدث في أبي قرقاص
الواقعة الثانية رواها اللواء ماهر حسن، مدير أمن المنيا، إبان أحداث أبو قرقاص في محضر نقاش أجريناه معه في فبراير عام 1994 بمنزله بالقاهرة بعد خروجه من الخدمة حيث ذكر أن اللواء عبدالحليم موسي وزير الداخلية اتصل به يوم الأربعاء قبل حريق أبو قرقاص بيومين، وكان من المقرر القبض علي أحد عشر عنصرا من عناصر الجماعة الإسلامية؛ تفيد معلومات الأجهزة الأمنية أنهم يجهزون لاعتداءات علي ممتلكات المسيحيين بأبي قرقاص يوم الجمعة عقب أداء الصلاة مستغلين شائعة بدأ ترويجها حول زواج شاب مسيحي بفتاة مسلمة (وهو ما لم يحدث). وأضاف اللواء ماهر حسن: كنا قد أعددنا أذون النيابة بالضبط والإحضار وجهزنا فرق الضبط وسيارات الأمن المركزي، وفوجئت باتصال من الوزير عبدالحليم موسي بي في مكتبي يأمرني بإلغاء جميع الإجراءات التي تم اتخاذها وانتظار أوامر جديدة .
ويكمل اللواء ماهر حسن: وعلي الفور تم تنفيذ تعليمات الوزير لنفاجأ يوم الجمعة التالي بما حدث من حريق كبير أتي علي أبو قرقاص بالكامل، وتولت المجموعات التي قادت تلك الاعتداءات نفس الأسماء التي كنا قد استصدرنا أذونا من النيابة بالقبض علي أصحابها، وبعد الأحداث اتصل بي عبدالحليم موسي ليخبرني أن الوضع في القاهرة متأزم وأنه يرجوني أن أقبل طلبه الذهاب لشمال سيناء وأخذ يمزح معي قائلا: اعتبرها فسحة ياعم شهر ولا شهرين حتي تنتهي موجة الهجوم علينا ياعم ماهر ويضيف الرجل : كان اللواء عبدالحليم موسي يعلم أنه هو السبب الرئيسي في إشعال الأحداث ولكنه حملني المسئولية !
ساحة التدريب العظمي
لم يكن يسمح قانون الطوارئ بسفر أي من الكوادر التي تمت محاكمتها في قضية الجهاد الكبري عام 1981 ، ولكن أجهزة الأمن كانت لديها رؤية مختلفة تقوم علي مفهوم ضرب عصفورين بحجر واحد: إثبات مساهمة مصر في الجهاد ضد الخطر الشيوعي السوفيتي، ومجاملة الأمريكان ،.. وكذلك التخلص من هذه العناصر التي تسبب قلقا للنظام؛ فربما يلقون مصرعهم في هذه الحرب فيريحوا ويستريحوا حسب المفهوم الحكومي السائد وقتها.. النتيجة أن بعض هؤلاء عادوا وهم مدربون علي أعلي مستوي حسبما ظهر في المواجهات اللاحقة مع أجهزة الأمن ، ومن بقي منهم قاد عمليات الإرهاب الدولي في العالم كله وما زال يفعل حتي اللحظة الراهنة .
كانت هذه هي بعض شواهد السياسة الأمنية - في ظل قانون الطوارئ - حتي عام 1990 ، وهو العام الذي بدأت فيه مواجهات فعلية علي الأرض بين أجهزة الأمن وقادة وكوادر الجماعات الإرهابية، التي تعللت الحكومة مرارا وتكرارا بأنها تقوم بمد العمل بقانون الطوارئ لمواجهتها.. فماذا فعلت معها عندما حانت ساعة المواجهة ؟ ، هذا ما سوف نكشف عنه في العدد القادم .

.

.