الأربعاء 24 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

قانون الطوارئ فشل في منع الإرهاب طوال ربع قرن2-2

جريدة الأهالى العدد 1280 ( 31 مايو - 7 يونيو) 2006

نشر
عبد الرحيم علي


  لم يكد عام 1990 يشرف علي الانتهاء حتي بدأت مرحلة جديدة من الصراع بين أجهزة الأمن والجماعات الإرهابية وعلي الأخص تنظيما الجماعة الإسلامية والجهاد. وقبل الحديث عن هذه المرحلة نود أن نضع أمام القارئ عدة حقائق مهمة ، لم تكن غائبة عن أجهزة الأمن في تلك الفترة . 
أولا: كانت خطة تنظيمي الجماعة الإسلامية والجهاد طوال سنوات الثمانينيات وعقب خروج كوادرهم من السجون عام 1984 تتضمن البناء التنظيمي والتمكين والتدريب كلٍ حسب رؤيته، وقد تم لهما ما أرادا بمساعدة أمنية قل أن يجداها في أي مكان في العالم ، وفي ظل قانون الطوارئ الذي صنع خصيصا من أجلهم .. الجهاد كان يري ضرورة التوغل داخل الجيش والشرطة تمهيدا لإجراء انقلاب عسكري علي السلطة؛ فسافرت معظم كوادره إلي أفغانستان للتدريب علي فنون القتال وسبل التجنيد الاستخباراتية حتي يقوموا بتنفيذ خطتهم على أكمل وجه.
الجماعة الإسلامية كانت تري ضرورة العمل في مجال الدعوة والتواجد وسط الجماهير واكتساب ثقتها والانتشار الذي يمكن من خلاله تجنيد أكبر عدد ممكن من الكوادر، بالإضافة إلي إرسال بعثات من قادة وأعضاء الجناح العسكري للتدريب في أفغانستان والتمهيد لقيام ثورة شعبية مسلحة.
ثانيا: استطاع تنظيم الجماعة الإسلامية أن يتواجد بقوة ويجند الآلاف من الشباب في محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وأسوان، بينما استطاع تنظيم الجهاد أن يستولي علي بني سويف جماعة أحمد يوسف وبعض أحياء الجيزة كالهرم بينما كانت بعض أحياء القاهرة كعين شمس حكرا علي الجماعة الإسلامية.
ضعف في المعلومات
كانت خلايا العائدون من أفغانستان تتدفق علي مصر، وكان الجزء الأكبر من هؤلاء ينتمون للجماعة الإسلامية. عادت هذه الكوادر وهي مدربة علي أعلي مستوي عسكريا وبدنيا ؛ خاصة ما يتعلق بعمليات حرب العصابات والاغتيالات والتفجيرات عن بعد ، وخطط الهروب من مسرح العمليات إلي آخر هذه الدروس التي أتقنوها جيدا في أفغانستان.. وكانت أولي عملياتها الانتقام لمقتل متحدثها الرسمي د. علاء محيي الدين؛ حيث قامت مجموعة من كوادرها العسكرية تضم: صفوت أحمد عبدالغني وممدوح علي يوسف وضياء الدين فاروق؛ برصد ومهاجمة ركب الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب ظنا منهم أنه اللواء عبدالحليم موسي وزير الداخلية وقد كانت نتيجة الهجوم أن قتل الدكتور المحجوب ومعه حارسه الخاص.
شكلت هذه الحادثة علامة مهمة من علامات المواجهة مع أجهزة الأمن، فقد أكدت علي أن هذه التنظيمات عادت من أفغانستان ، علي عكس ما أراد لها من ساهموا في إخراجها ، فقد أصبحت من القوة وحسن التدريب بحيث تستطيع أن تنال من أي مسئول حتي ولو كان الرجل الثاني في الدولة وفي وضح النهار، كانت المعلومات غائبة تماما لدي جهاز الأمن الذي راح يتكئ علي مواد قانون الطوارئ دون بذل مجهود يذكر في إعادة التأهيل للتعامل مع المرحلة الجديدة .
خطة الإرهابيين بعد عودتهم من أفغانستان :
بعد حادث اغتيال المحجوب وضعت الجماعة الإسلامية خطة تستهدف ثلاثة أهداف رئيسية:
أولا: اغتيال ضباط النشاط الديني بجهاز مباحث أمن الدولة.
ثانيا: الهجوم علي المنشآت السياحية لضرب اقتصاد النظام .
ثالثا: الضغط بورقة الأقباط لإحراج النظام عالميا.
فهل نجحت الجماعة طوال عقد التسعينيات في تحقيق أهدافها ، أم منعها قانون الطوارئ من ذلك؟
أولا: اغتيال ضباط الشرطة :
وضع الجناح العسكري للجماعة الإسلامية كشفا بأسماء 36 ضابطا من ضباط جهاز مباحث أمن الدولة العاملين في مجال النشاط الديني ، جاء في مقدمتهم المسئول الأول عن هذا النشاط علي مستوي الجمهورية اللواء رءوف خيرت .
وبدأت خلايا الجناح العسكري خطتها عام 92 باغتيال المقدم أحمد علاء مسئول النشاط الديني في الفيوم ثم المقدم مهران عبدالرحيم مسئول النشاط الديني في أسيوط وبصحبته نجله محمد الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات، كما قامت بحرق سيارة العقيد محمد البدوي مسئول النشاط الديني بالمنيا وخططت لقتله لكن المحاولة فشلت. كذلك فشلت محاولة اغتيال اثنين من ضباط مباحث أمن الدولة بالإسكندرية بينهم مسئول النشاط الديني الذي كان له دور ملحوظ في قضية العائدون من أفغانستان الأولي ، ولكنها نجحت في اغتيال مفتش أمن الدولة في أسيوط العميد ممدوح عثمان وحاولت اغتيال مفتش أمن الدولة في أسوان. وبدأت سلسلة من عمليات تنظيم الجماعة الإسلامية ضد ضباط الشرطة في محافظات الصعيد، بدأتها بأسيوط ثم المنيا فسوهاج فأسوان؛ قتل علي إثرها مجموعة كبيرة من قادة الأجهزة الأمنية منهم اللواءات: محمد الشيمي وعبدالحميد غبارة ورءوف خيرت ورفعت أنور وجمال فائق، وكذا العمداء: ممدوح عثمان وشيرين فهمي وعصام الزمزمي، والعقيد مجدي فائق والعقيد أحمد شعلان، بالإضاقة إلي عدد كبير من الضباط من ذوي الرتب الصغيرة.
ثانيا: الهجوم علي السياحة
لم تكن مذبحة الأقصر ولا تفجيرات سيناء الأخيرة هي أولي الجرائم الإرهابية الموجهة ضد السياح الأجانب؛ فمنذ أواخر عام 1992 والعمليات الإرهابية ضد النشاط السياحي والسائحين في مصر مستمرة ، ففي 30 سبتمبر 1992 حذر متحدث باسم تنظيم الجماعة الإسلامية الإرهابي السائحين من دخول محافظة قنا بالتحديد والتي تحوي معظم أشهر المعابد والمقابر الفرعونية. وفي اليوم التالي مباشرة الأول من أكتوبر أطلقت مجموعة من الإرهابيين النار علي باخرة سياحية تقل 140 سائحا ألمانيا بالقرب من أسيوط مما أسفر عن إصابة ثلاثة من طاقم الباخرة المصرية. وتستمر العمليات الإرهابية ضد السائحين وتصل إلي ثلاث عمليات في شهر واحد من العام 1992 م، ففي 21 أكتوبر نصبت مجموعة إرهابية كمينا لأتوبيس سياحي. أسفر الكمين عن مقتل سيدة بريطانية وإصابة اثنين آخرين، وكانت السيدة أول امرأة أجنبية تلقي مصرعها في إحدي عمليات الإرهاب ضد السائحين الأجانب. وفي 12 نوفمبر من العام نفسه أطلقت مجموعة إرهابية النار علي فوج سياحي ألماني؛ مما أدي إلي إصابة خمسة سائحين واثنين من المصريين وذلك بمدينة الأقصر.
وتصاعدت العمليات ضد السائحين الأجانب لتصل في عام 1993 إلي 8 حوادث راح ضحيتها 6 سائحين بينهم اثنان من الأمريكيين، بالإضافة إلي مقتل ثلاثة من المصريين وإصابة 33 سائحا أجنبيا و 25 مصريا.
هنا القاهرة :تميز هجوم الإرهابيين في هذه الفترة بعدم الدقة والتخطيط مما فسره البعض علي أنه نوع من ترويع وتخويف السائحين لمنعهم من القدوم الي مصر ، وضرب السياحة .. ففي 7/1/93 ألقي إرهابي قنبلة بالقرب من أتوبيس سياحي بالقاهرة وكان هذا أول هجوم إرهابي يحدث بالعاصمة ولم تنتج عنه أية إصابات.
وفي فبراير من العام نفسه وبالتحديد في 26/2 حدث انفجار مقهي وادي النيل بميدان التحرير وأسفر عن مصرع تركي وسويدي ومصري وإصابة 20 سائحا من جنسيات مختلفة، وتتصاعد الأحداث.. ففي 16 مارس تم إلقاء قنبلة علي مجموعة من الأتوبيسات السياحية أمام المتحف المصري بميدان التحرير، أسفرت عن تدمير خمسة أتوبيسات بينما لم تحدث أية خسائر في الأرواح.
وفي يونية من العام نفسه انفجرت عبوة ناسفة بالقرب من أتوبيس سياحي في طريق الأهرام مما أسفر عن مصرع 2 من المصريين وإصابة 22 آخرين بينهم خمسة سائحين من بريطانيا.
وفي 16/ 8 أطلق خمسة إرهابيين النار علي مركب سياحي.. بالقرب من المنيا ولم تحدث إصابات.
وفي 15/9 أطلق مجموعة من الإرهابيين النار علي باخرتين سياحيتين.. الأولي بالقرب من القوصية والثانية بالقرب من أبوتيج ولم يسفر الهجومان عن أية إصابات.
وفي 27/10 قام صابر فرحات الذي فجّر في سبتمبر 1997 أتوبيس ميدان التحرير بإطلاق النار علي اثنين من رجال الأعمال الأمريكيين؛ فلقيا مصرعهما بالإضافة إلي قاضٍ فرنسي وآخر إيطالي، كما أصاب ثلاثة أشخاص.
وفي 27/12 قامت مجموعة إرهابية بالهجوم علي أتوبيس سياحي بمنطقة جامع عمرو بمصر القديمة؛ مما أسفر عنه إصابة 8 سائحين نمساويين و8 مصريين بإصابات خطيرة توفي منهم خمسة.. ثلاثة من الأجانب واثنان من المصريين.
وفي عام 94 وصل عدد العمليات الموجهة ضد السائحين إلي اثني عشر اعتداء راح ضحيتها خمسة قتلي من الأجانب واثنان من المصريين، بينما أصيب أربعة عشر أجنبيا واثنا عشر مصريا.
ففي 14 فبراير أطلق إرهابيون النار علي أتوبيس يحمل سائحين رومانيين بمحافظة أسيوط ولم يسفر الحادث عن أية إصابات.
وفي 17 فبراير أطلقت مجموعة من الإرهابيين وابلا من النيران علي باخرة نيلية بأسيوط ولم يسفر الحادث عن أية إصابات.
وفي 28 فبراير هاجم مسلحون قطارا سياحيا مارا بأسيوط؛ مما أسفر عن إصابة سائحين بولنديين وآخرين تايوانيين.
وفي 23 فبراير أيضا وهو الحادث الرابع في شهر واحد فجَّر إرهابيون قنبلة بقطار سياحي مار بأسيوط؛ مما أسفر عن إصابة ستة سائحين أجانب: استراليين وألمانيين ونيوزيلانديين.
وفي مارس 1994 قام الإرهابيون بثلاث عمليات ضد السياح؛ حيث قاموا في 4 مارس بهجوم علي باخرة نيلية بأسيوط أسفر عن إصابة سيدة ألمانية توفيت عقب وصولها إلي المنيا.
وفي 13 مارس أطلقت مجموعة من الإرهابيين النار علي باخرة سياحية بمنطقة بين أسيوط وسوهاج ولم يسفر الهجوم عن أية إصابات.
ومنذ مارس 1994 وحتي أغسطس من العام ذاته وطوال خمسة أشهر لم تشهد السياحة أي هجوم عليها إلا في نهاية أغسطس حيث قتل إرهابيون صبيا ألمانيا في هجوم علي أتوبيس سياحي كان متجها إلي الأقصر وأصيب والده في الهجوم.
وفي سبتمبر من العام نفسه أطلقت مجموعة إرهابية النار علي فوج سياحي بمدينة الغردقة بالبحر الأحمر مما أدي إلي مقتل اثنين من السائحين الألمان ومصريين.
وفي أكتوبر قامت الجماعات الإرهابية بقتل سائح بريطاني و إصابة ثلاثة آخرين وسائق الأتوبيس في هجوم بالأسلحة الآلية علي أتوبيس كان متجها أيضا إلي الأقصر.
تراجع في 1995
وعلي الرغم من تراجع العمليات ضد السياح في عام 1995 وانخفاض عدد الحوادث إلي ست حوادث، انعدم فيها سقوط اية قتلي في أوساط ضيوف مصر من الأجانب .
إلا أن عام 96 شهد رغم قلة عدد الحوادث خلاله مقتل 17 يونانيا واثنين من المصريين وإصابة 15 آخرين.
الذروة في 1997
وفي عام 97 بلغت الخسارة ذروتها علي الرغم من قلة عدد الحوادث أيضا وتركزها في شهرين متتالين في آخر العام؛ فقد بلغ حجم الضحايا في مذبحتي أتوبيس ميدان التحرير والدير البحري 78 قتيلا من السائحين الأجانب وإصابة 35 سائحا، بالإضافة إلي مقتل أربعة مصريين 3 من قوات الشرطة. والراصد لكل هذه الحوادث لابد وأن يلحظ أنه وعلي الرغم من كثرة عدد الحوادث الموجهة ضد السائحين في أعوام (91 ثماني عمليات و 94 اثنتي عشرة عملية) إلا أن الضحايا لا يقارنون بالمذبحة الأخيرة بالدير البحري ، ولا بما حدث في طابا بعد ذلك برغم سريان العمل بقانون الطوارئ.
ثالثا: الأقباط
كانت خطة الجماعة الإسلامية المسلحة تهدف الي إعتبار الأقباط رهائن لإجبار النظام علي الرضوخ لطلباتها ، وبعيدا عن الإضطهاد الذي رأيناه بأم أعيننا للأقباط في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات في المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا ، والذي وصل حد تطبيق الحدود عليهم في مسجد الرحمن بأرض المولد بالمنيا علي مرأي ومسمع من أجهزة الأمن ، وكذا تعليق الرؤوس علي أعمدة الإنارة بعد عمليات القتل، كما حدث بين عامي 1992 و1994 في أبوقرقاص بالمنيا ، فإن الإعتداءات علي الأقباط بلغت ذروة لم تبلغها من قبل في تلك المرحلة التي شهدت مقتل أكثر من مائة قبطي في حوادث متفرقة وظل الأمن كعادته يصف هذه الحوادث المنظمة بأنها حوادث فردية يقوم بها بعض الموتورين غير صحيحي العقيدة ، ووصل الأمر بمدير أمن أسيوط اللواء مجدي البسيوني أن وصف مذبحة عزبة الأقباط بأسيوط في فبراير عام 1996 - والذي راح ضحيتها ثمانية من الأقباط - بحادث عشوائي! ولم يستخدم النظام سيف الطوارئ الذي سلطه علي رقاب السياسيين والصحفيين والكتاب والمفكرين مرة واحدة ضد أحد من مرتكبي تلك الجرائم البشعة ضد الأقباط .
وأكتفي بحفلات التقبيل بين الشيوخ والقساوسة عقب كل حادثة ، خاصة عندما تكون عنيفة كحادثة اقتحام كنيسة ماري جرجس بأبي قرقاص في فبراير عام 1997 وإطلاق النار علي المصلين من الخلف ، وهي الحادثة التي خلفت ثلاثة عشر قتيلا .
سياسة أمنية لم تتغير :
تلك كانت أهداف الجماعة الإسلامية التي سعت إلي تحقيقها دون كلل أو ملل ، فماذا كانت تفعل أجهزة الأمن في المقابل ، خاصة وهي مسلحة بقانون يسمح لها أن تفعل العجب العجاب. سأعطي مثالا واحدا لتلك السياسة خاصة أنها كانت سياسة ثابتة ومكررة في كل الأماكن وفي كل الأوقات .
حدث في أسيوط
ينتقل مسرح الأحداث إلي أسيوط حيث يدور خلاف حول بيع منزل بقرية صنبو بين أحد أقارب أمير الجناح العسكري للجماعة الإسلامية جمال فرغلي هريدي وأحد الأقباط وتحدث مشاجرة تنتهي بمقتل اثنين من الأقباط وأحد المسلمين.. وبنفس منطق الأمن وسياسته في رد الفعل، ترك الأحداث تتطور حتي حدثت مذبحة صنبو والتي راح ضحيتها أربعة عشر قبطيا ونفذها جمال فرغلي هريدي ومجموعته وأثناء متابعتنا لتلك الأحداث اكتشفنا عدة مفاجآت مذهلة:
الأولي: أن النيابة العامة كانت قد أصدرت أوامر بضبط وإحضار ستة متهمين في أحداث صنبو الأولي في 12 /4 /92 علي رأسهم جمال فرغلي هريدي ولم تقم الشرطة بتنفيذ هذه القرارات حتي تتفادي غضب الجماعة الإسلامية وقتها وبالتالي تتفادي أحداث شغب قالت إنها كانت محتملة .
الثانية: أن مجموعة من الأقباط علي رأسهم د. صبحي نجيب الذي قتل في الأحداث كانوا قد سلموا أجهزة الأمن خطابات تهديد بدفع إتاوة أو القتل وكان تعليق أجهزة الأمن علي هذه الخطابات: إنها كلام فارغ .
الثالثة : أن جمال فرغلي هريدي حصل علي إجازة مرضية من القومسيون الطبي بمستشفي ديروط العام بعد تنفيذه حادث اغتيال المواطن عبدالله مسعود وأثناء سريان الأذن بضبطه في جريمة قتل من النيابة العامة.
الرابعة : وقائع ما جري في منزل النائب حسام الكيلاني والذي رواه لنا بنفسه ، مؤكدا أن هذا الإجتماع تم بموافقة وزير الداخلية آنذاك اللواء عبد الحليم موسي ، وحضره عدد من قادة جهاز أمن الدولة بالمحافظة ممثلين عن الوزير ، وحضره من الجانب الآخر قادة الجماعة الإسلامية بأسيوط وفي مقدمتهم جمال زكي أمير ديروط وجمال فرغلي أمير صنبو ، والمتهم الأول في الأحداث.. والمفاجأة أن الاجتماع الذي تم بناء علي توجيهات من وزير الداخلية عبدالحليم موسي (الذي طلب من النائب صاحب العصبية القبلية التدخل لإنهاء الأزمة مؤكدا أن الشرطة ستقبل كل شروط ممثلي الجماعة الإسلامية) انتهي الي لا شئ عندما رفض قادة الجماعة التنازل عن أي شرط من شروطهم .
المواطنون وقانون الطوارئ :
هذا كان جانبا من سياسة أجهزة الأمن في محافظات الصعيد في تعاملها مع ظاهرة الإرهاب ، الذي من أجله قامت بتمديد حالة الطوارئ لربع قرن من الزمان .
أما الجانب الآخر فكان يخص المواطنين العاديين (الطرف الثالث في معادلة الإرهاب) بالإضافة إلي عائلات وأقارب أعضاء جماعات العنف؛ فأول وأسرع وأسهل قرار كان يتم اتخاذه من قبل أجهزة الأمن (عندما تعجز بسبب من نقص في المعلومات وعدم قدرة علي وضع خطط للمواجهة) أن تقوم بإغلاق الأسواق وحظر التجوال والاعتقال العشوائي واحتجاز الرهائن، وهو ما فعله بالضبط اللواء عبدالوهاب الهلالي فور وصوله إلي أسيوط قادما من الفيوم لتولي منصب مدير الأمن في يوليو 92 ؛ حيث أصدر قراره بحظر التجوال في ديروط وإلغاء السوق الأسبوعي وقام باحتجاز خمسين مواطنا من عائلات المطلوبين رهائن لحين تسليم ذويهم.
وعندما تولي الألفي منصب وزير الداخلية تم توسيع ظاهرة حظر التجوال في نوفمبر 1993 لتشمل أبوتيج والقوصية وديروط ولتتوقف الحياة نهائيا في محافظة أسيوط، وهو عكس ما صرح به فور توليه المسئولية من أنه سينهي حالة حظر التجوال المفروضة علي ديروط.والسيناريو نفسه تكرر في المنيا حيث تم فرض حظر التجوال في ملوي وأبوقرقاص واستمر لأربع سنوات كاملة في بعض القري والمداهمات اللاإنسانية التي شملت كل المواطنين بلا استثناء ؛ الأمر الذي استخدمته أجهزة الرصد والتجنيد الخاصة بالجماعات الإرهابية حيث بدأت في إرسال خطابات لكل من تمت مداهمة منازلهم واعتقال بعض من ذويهم للانضمام للجماعة والثأر من أجهزة الأمن. وأصبح المواطن في صعيد مصر - في ظل الطوارئ - هو وقود المعركة الدائرة رحاها بين أجهزة الأمن وجماعات العنف...
ملاحظات مهمة :
ومن الملاحظات الجديرة بالذكر في هذه المناسبة :
أولا : ما ردده بعض المتابعين قريبي الصلة من جماعات العنف وقتها حول القتل خارج إطار القانون والذي دفع إلي موجة من الثأر أدت إلي سعار دموي داخل فرق الموت المنتمية لجماعات العنف؛ فراحت تقتل علي الهوية، وقد راح ضحية لهذا الأسلوب 61 ضابط شرطة وجنديا علي رأسهم اللواء رءوف خيرت واللواء رفعت أنور والعميد شيرين فهمي، كذلك تم قتل ما يقرب من تسعين مواطنا في المواجهات.
ثانيا: الإشراك القسري للمواطنين في عمليات المواجهة وهو ما تم علي نطاق واسع في المنيا وأسيوط وأدي إلي مقتل هذا العدد الكبير من المواطنين دون أي سبب منطقي لذلك... فاستدعاء المواطنين للمكوث مع ضباط الشرطة داخل الزراعات والسير مع آخرين كدليل في القري واستخدام منازل البعض في الرصد والمتابعة أدي إلي دخول مجموعات من المواطنين دون أدني ذنب لهم في أتون الصراع مع الجماعات المسلحة؛ مما أدي إلي مقتل تسعين مواطنا تحت دعوي التعاون مع أجهزة الأمن؛ فإذا علمنا أن حصاد القتلي من المدنيين مصريين وأجانب في المواجهات طوال عشر سنوات بلغ 319 مواطنا وباستثناء ضحايا حوادث فندق أوربا وأتوبيس ميدان التحرير والأقصر باعتبارها حوادث تخص السياح الأجانب. والذين بلغوا حوالي خمسة وتسعين سائحا ليبلغ عدد الضحايا من المدنيين خلال عشر سنوات حوالي 224 شخصا أي أن نسبة المدنيين الذين قتلوا نتيجة لاستخدام السلطة لهم في المواجهات بلغت في عامين فقط حوالي 40 % من مجمل ضحايا العنف من المدنيين.
ثالثا : توسيع دائرة الاشتباه واستخدام العنف أثناء المداهمات... وتلك كانت ممارسات معتادة في تلك الفترة؛ الأمر الذي أدي إلي إمداد كوادر جماعات العنف المسلح بأجيال جديدة كل يوم؛ يخرجون من ديارهم للانتقام مما حدث لذويهم من اعتقال أو مهانة، فلا يجدون سوي حضن الكوادر المسلحة ليرتموا داخله.. وأزعم أن نسبة كبيرة ممن قتلوا في الصعيد ووصفتهم أجهزة الأمن بأنهم إرهابيون كانوا من هذا النوع من الشباب، أما الإرهابيون الحقيقيون فكانوا غالبا ما يهربون سالمين نتيجة لخبرتهم الطويلة في هذا المجال بالإضافة للتدريب والاستعداد الجيد.
وذاكرة قانون الطوارئ تتناسي من هؤلاء خمس مجموعات إرهابية نسبت إليها أجهزة الأمن المصرية المسئولية عن مائة وسبعين حادثا إرهابيا ولم يتم القبض عليهم حتي الآن ، رغم مرور أكثر من عشر سنوات وهم علي الترتيب :
مجموعة محمد عبدالرحمن سلام.
مجموعة أنور حامد.
مجموعة محمود الفرشوطي.
مجموعة رفعت زيدان.
مجموعة عبدالحميد أبو عقرب.
والسؤال الملح: أين هذه المجموعات؟ ولماذا تناساها جهاز الأمن طوال هذه المدة التي وصلت الي أكثر من عشر سنوات؟ وهل يمكن أن يفعل ذلك مع الكتاب والمفكرين والقضاة أم أن قانون الطوارئ شرع من اجل الأخيرين فقط؟
وبعد .. إن ما حدث في العامين الأخيرين من تفجيرات في قلب القاهرة ( خان الخليلي ) ، وفي طابا وشرم الشيخ ودهب وراح ضحيته أكثر من خمسمائة قتيل وجريح ، لدليل قاطع علي أن هذا القانون نمر من ورق ، شرع من أجل إعاقة نمو الحياة السياسية في مصر ومنح الإرهاب فرصة ذهبية للنمو والإنطلاق والتدمير