الجمعة 19 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

الطوارئ فشل في منع الإرهاب طوال ربع قرن

جريدة الأهالى العدد 1280 ( 31 مايو - 7 يونيو) 2006

نشر
عبد الرحيم علي


  في مايو 1948 وبمناسبة دخول الجيش المصري إلي فلسطين أعلنت الأحكام العرفية للمرة الثالثة علي التوالي ، وظلت سارية حتي أبريل 1950 عندما قرر رئيس حكومة الوفد مصطفي النحاس باشا إنهائها . ولكن نفس الحكومة عادت بعد أقل من عامين في 26 يناير 1952 ، عقب حريق القاهرة الشهير ، وأعلنت الأحكام العرفية للمرة الرابعة . وهي المرة التي شهدت اختتام عهد بأكمله وميلاد عهد جديد ، عندما قامت ثورة يوليو 1952 . اندلعت ثورة يوليو إذن ومصر تحت الأحكام العرفية، ولكن الثورة لم تحتج الي تلك الأحكام لحكم البلاد ، حيث حلت محلها قرارت وإعلانات مجلس قيادة الثورة . وظل الحال كذلك حتي عام 1958 عندما أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قانون الطوارئ - المعمول به حاليا - رقم 162 لسنة 1958 ، والذي تم تطبيقه لأول مرة عقب هزيمة يونيو 1967.
وقد استمرت حالة الطوارئ قائمة في البلاد منذ ذلك التاريخ إلي أن قرر الرئيس الراحل أنور السادات ، وتحت ضغط عارم من جميع القوي السياسية المعارضة ، إنهائها في أبريل من عام 1980 . ثلاثة عشر عاما من الطوارئ ( 1967 - 1980 ) اعتبرها المصريون أطول كابوس عاشوه ، ولم يدروا أنهم مقبلون علي الأسوأ إلا عقب اغتيال الرئيس السادات في أكتوبر 1981 عندما أعلن الرئيس المؤقت لمصر ، الدكتور صوفي أبو طالب حالة الطوارئ التي استمرت حتي يومنا هذا .
محاربة الإرهاب
كان لكل مرة من المرات الخمس التي أعلنت فيها حالة الطوارئ في مصر قبل أغتيال الرئيس السادات - وعلي مدي ستة وستين عاما - ظروفها وملابساتها ، ولكن المرة الأخيرة وطوال خمسة وعشرين عاما لم نسمع إلا سببا واحدا ووحيدا يردده القائمون علي حكم البلاد ، وهو محاربة الإرهاب . فتحت هذا العنوان جري تأميم الحياة السياسية للمصريين جميعا لصالح الحزب الحاكم ، فمنعت الأنشطة السياسية ، والتجمعات ، والمؤتمرات ، والندوات ، والتظاهرات ، وحلت الأحزاب ، ومنع قيام الجديد والجاد منها ، وأغلقت الصحف ، وأعتقل السياسيون وأصحاب الرأي ، وصودرت الحياة السياسية للمصريين جميعا ، وسلمت جميع ملفاتهم لجهاز الأمن ، لينفرد وحده بحكم البلاد .
والنتيجة ، فشل ذريع في منع عشرات الحوادث الإرهابية التي أضرت بسمعة مصر إقليميا ودوليا ، ومئات القتلي والمصابين ، بالإضافة الي إهدار المليارات دون نتائج تذكر علي صعيد تلك الحرب .
في هذا التقرير نشرح بالوقائع كيف جرت استباحة مصر من أجل التغطية علي فشل الحكم في معالجة تلك الظاهرة ، حتي تحولت إلي سرطان ينخر في جسد الأمة دون علاج .
الثمانينيات كانت البداية
أصيبت أجهزة الأمن بصدمة شديدة عقب اغتيال الرئيس السادات، ومذبحة أسيوط التي راح ضحيتها مائة ضابط وجندي بالإضافة إلي 150 جريحا ومصرع 20 مواطنا... وعلي الفور نزلت القوات المسلحة إلي أسيوط وتم حسم الموقف والقبض علي منفذي الأحداث وبدأت المداهمات والاستجوابات التي أسفرت عن اعتقال ألفين من أعضاء الجماعة الإسلامية، لم يشمل قرار الإحالة سوي 301 منهم.
وثائق داخل السجون :
يقول المهندس أبوالعلا ماضي - في محضر نقاش أجريناه معه عام 1995 -: في ذلك الحين لم تكن لهؤلاء الشباب وثائق فكرية يرتكزون عليها في حركتهم، ولكنهم قاموا بوضع هذه الوثائق التي تؤصل فكرهم الجهادي من وجهة نظرهم داخل السجون؛ فكان ميثاق العمل الإسلامي (1985 ) وحتمية المواجهة ( 87) وقتال الطائفة الممتنعة (87 ).. إلخ. هذه الوثائق التي تلقفها الشباب الذين خرجوا من السجون بعد أحكام البراءة والأحكام المخففة (3 5 سنوات) ليدرسوها في المساجد والجامعات وليبدأ تكوين جسم التنظيم الذي تم بناء رأسه وعموده الفقري؛ أي بنيته الفكرية وبنيته التنظيمية داخل السجون علي مرأي ومسمع من أجهزة الأمن.
كلام ماضي تؤيده هذه الواقعة المهمة : فعند قيام أحد الضباط بتفتيش زنزانة عبود الزمر والتي كان يشاركه فيها ابن عمه طارق الزمر تم العثور علي أوراق تؤكد محاولات أعضاء الجهاد الذين شملهم قرار الإحالة عام 1982 لتنظيم صفوفهم داخل السجون؛ بل إنهم تمكنوا من فتح قنوات اتصال بعناصر التنظيم من المفرج عنهم والذين لم يشملهم قرار الإحالة محاولين تصدير العنف الي خارج السجن. كما كشفت التحقيقات التي أجريت عقب الواقعة ، أن عددا كبيرا من الذين يزورون المتهمين في السجون قاموا بنقل تعليمات وتوجيهات محددة من قيادات الجماعات المحبوسين إلي كوادرهم في المحافظات وأن هذه الحركة التي استمرت لسنوات عديدة هي التي ساهمت في بناء تنظيمات قوية تتبني الفكر الجهادي