الخميس 28 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

قاعدة الجهاد في أوربا.. المنشأ والمخاطر

اسلام أون لاين 13-7-2005

نشر
عبد الرحيم علي


أسامة بن لادن زعيم تنظيم قاعدة الجهاد
لم يثر إعلان ما تطلق على نفسها "جماعة التنظيم السري- تنظيم قاعدة الجهاد في أوربا" مسئوليتها عن تفجيرات لندن يوم 7-7-2005 مفاجأة كبيرة حول حقيقة وجود تنظيم القاعدة داخل القارة العتيقة، بقدر ما كان هذا الإعلان مثيرا للارتباك والحيرة حول ارتباط مثل هذا التنظيم بحركة التيار السلفي الجهادي العالمي التي يُعَدّ تنظيم القاعدة أحد أهم روافدها.
وما أحدث هذا الارتباك في وسائل الإعلام المختلفة بعد هذا الإعلان هو أن كافة وسائل الإعلام كانت قد تعارفت على الاسم الإعلامي لتنظيم "قاعدة الجهاد" بأنه هو ذاته "تنظيم القاعدة"، في حين أن الاسم الحقيقي لتنظيم القاعدة الذي يقوده ميدانيّا "أيمن الظواهري" ويتزعمه "أسامة بن لادن" هو تنظيم "قاعدة الجهاد" الذي أعلن في فبراير 1998 عندما انضمت جماعة الجهاد إلى تنظيم القاعدة في أفغانستان، وتم إطلاق اسم "قاعدة الجهاد" على التنظيم الجديد المكون أساسا من تنظيمي الجهاد والقاعدة.
على أن تشتت هذا التنظيم بعد الحرب على أفغانستان، وضرب مراكز التدريب الأصلية له، وتصفية معظم منابعه التمويلية دوليّا لم يمنع من القيام بالعديد من العمليات التي تشير إلى أصابع "قاعدة الجهاد" في أنحاء متفرقة في شبه الجزيرة العربية والعراق وفي داخل القارة الأوربية، كان آخرها تفجيرات لندن.
ويثير هذا التناقض الكامن أسئلة عدة حول شكل وفروع التنظيم وقدرته على الاستمرار والتخطيط، بل والتنفيذ أيضا، وكيفية التنسيق بين فروعه المختلفة، وكيف أوجد لنفسه موطئ قدم داخل القارة الأوربية، ومن ثَم إثارة تساؤل آخر حول جدوى الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب الذي يزداد انتشاره شيئا فشيئا وإن يكن مكبل الأيادي في تنفيذ عمليات جديدة داخل الأراضي الأمريكية.
أربعة فروع لتنظيم قاعدة الجهاد
يرصد المراقبون لحركة الإرهاب الدولي منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 ولأماكن تنفيذ عمليات تحمل بصمات التنظيم وجود أربعة أجنحة أساسية (فروع معتمدة) للتنظيم في العالم يشكل كل منها بأسلوب مختلف عن الآخر، ولا ينفي ذلك حقيقة استناد هذه الفروع في عملها وأهدافها على فكر "بن لادن" الذي لا يزال رغم صعوبة التواصل رأسيّا مع بقية الفروع هو الموجه لها فكريّا وتخطيطيّا، وإن كان يعتمد أسلوبا يختلف عما كان سائدا قبل هجمات سبتمبر. هذه الفروع الأربعة هي:
أولا- منطقة شرق آسيا، لا سيما أفغانستان وباكستان، حيث يتواجد بمنطقة القبائل الجبلية بين الدولتين أعضاء التنظيم وبعض من قياداته المركزيين منذ حرب "تورا بورا" أواخر 2001. ويُذكر أن هذا الفرع كان حتى قيام الولايات المتحدة بحملتها على القاعدة في أفغانستان التي بدأت في أكتوبر 2001، هو المركز الرئيسي لبقية الفروع الأخرى فكريّا وروحيّا ولوجستيّا، أما الآن فيمكن القول إنه بات أحد الفروع المحدودة التأثير من الناحية اللوجستية، بينما يظل فكريّا وروحيّا هو الملهم والمرشد لباقي الفروع بعد أن حدث انقطاع مباشر في التواصل بينه وبين تلك الفروع اتصاليّا وماليّا وتخطيطيّا. 
ثانيا- قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، وقد تشكل هذا الفرع بعد ضرب الولايات المتحدة لمنطقة "تورا بورا" بأفغانستان، حيث انقسم التنظيم الأصلي "قاعدة الجهاد" إلى مجموعتين الأولى هي القيادة الحقيقية التي فضلت البقاء مع القبائل في المناطق الجبلية، أما الثانية، فقد مكثت بإيران لمدة أربعة أشهر حتى دخلت إلى منطقة السليمانية بالعراق في يناير 2000، وهي تلك المنطقة التي يسيطر عليها "جماعة أنصار الإسلام"، إلا أنها أيضا تعرضت في أغسطس 2002 لضربات أمريكية وتم مقتل 70 عضوا رئيسيّا من الجماعة التي قامت فيما بعد وتحديدا في أكتوبر 2002 بالتنسيق مع الاستخبارات العراقية لمواجهة الولايات المتحدة التي كانت تستعد للحرب على العراق، الأمر الذي ساعدها على الانتقال بالقرب من بغداد في فبراير 2003 قبل الحرب مباشرة، وتقابلت هذه المجموعة التي عرفت باسم مجموعة المائة التي يقودها العقيد "محمد مكاوي" الشهير بسيف العدل ومسئول تأمين القاعدة في بلاد الرافدين مع مجموعة التوحيد والجهاد التي يتزعمها "أبو مصعب الزرقاوي"، ودخلوا سويّا المثلث السني لتلتقي بعد احتلال العراق بالعناصر التي دخلت العراق من سوريا وإيران وغيرهما لمجاهدة الأمريكيين. 
هذا ويلاحظ أن البيانات التي تصدر عن هذا التنظيم تحمل توقيع تنظيم قاعدة الجهاد وليس القاعدة، وزعيم هذا التنظيم هو "الزرقاوي" الذي ظل يقاتل تحت لواء تنظيم التوحيد والجهاد في العراق لأكثر من عام ونصف حتى اعترف به "أسامة بن لادن" في ديسمبر 2004 أميرا على تنظيم القاعدة في العراق الذي تحول اسمه إلى قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين.
ثالثا- قاعدة الجهاد في شبه الجزيرة العربية، وقد بدأ هذا الفرع في التشكل منذ تفجيرات الخبر في المملكة العربية السعودية عام 1995، حيث بدأت تتكون الخلايا من المتعاطفين مع القاعدة وبن لادن، وقام ما يعرفون باسم فقهاء التيار الجهادي في السعودية بتجنيد الشباب لحساب القاعدة، لأنهم يرون أن الأمريكيين يدنسون الأراضي المقدسة وعليهم الخروج من شبه الجزيرة العربية، وقد أخذ هذا الفرع في التوسع داخل السعودية وجوارها، ويتولى زعامتها الآن "صالح العوفي" بعد أن قتل زعيمها السابق "عبد العزيز المقرن" العام الماضي على أيدي قوات الأمن السعودية. 
رابعا- قاعدة الجهاد في أوربا، وهي محل الحديث بعد قليل.
التنسيق بين فروع قاعدة الجهاد
بالطبع فقدت قيادات تنظيم القاعدة المركزية في أفغانستان ذلك القدر من التحكم والضبط الذي كانت تمارسه على أنصارها في أنحاء العالم بعد التدخل الأمريكي هناك، مما أحدث غموضا وتشويشا على حدود التنظيم وشكله، بل وأهدافه وخططه وطرق تنفيذها في ظل غياب التواصل الرأسي بين المركز والقاعدة داخل التنظيم؛ لذا لم يكن غريبا أن تكون العمليات الجديدة على نفس القدر من التنسيق والتعقيد الذي حدث في هجمات سبتمبر أو تفجير السفارات في شرق أفريقيا عام 1998.
لكن لا يعني ذلك انتفاء العلاقات الاتصالية بين فروع التنظيم؛ لأن الاعتماد على شبكة "الإنترنت" كان كفيلا بخلق مثل هذا التواصل الذي اقتصر فقط على قيام "بن لادن" بتحديد الأهداف الرئيسية وتوجيه رسائل ضمنية للفروع الأخرى بالاستعداد لتنفيذ عملية ما دون الخوض في تفصيلها أو شكلها.
وتتحدد الأهداف العامة لكل تنظيم على حدة، فالهدف الجوهري لقاعدة التنظيم في بلاد الرافدين هو إخراج القوات الأمريكية من العراق، وهدف تنظيم شبه الجزيرة العربية هو إخراج القوات الأمريكية وإنهاء التواجد العسكري الأمريكي المباشر وغير المباشر من المنطقة، وكذلك القضاء على النظام السعودي الذي يعتبرونه نظاما كافرا، أما هدف قاعدة الجهاد في أوربا فهو الضغط على الحكومات الأوربية وإثارة الرأي العام ضدها لسحب قواتها من العراق ووقف التعاون مع الولايات المتحدة وتركها وحيدة بالمنطقة في حرب مباشرة مع تنظيم القاعدة والجهاديين الآخرين.
ومتروك أمر تنفيذ هذه الأهداف العامة لقائد كل تنظيم فرعي، وعلى سبيل المثال، فقد ذكر "بن لادن" في مايو 2004 أنه يعطي الأوربيين فترة 3 شهور للخروج من العراق، وقد انتهت هذه المهلة في أغسطس، وهو ما أدى إلى نشر بيانات مجهولة المصادر على شبكة الإنترنت تدعو إلى تنفيذ عمليات في دول أوربية كما حدث قبيل الانتخابات الأسبانية في إبريل 2004، حيث بدأت الخلايا النائمة في أوربا في رسم الخطط لضرب أماكن متفرقة في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا وغيرها مع ترك خطط التنفيذ والتوقيت الملائم لقاعدة الجهاد في أوربا.
قاعدة الجهاد في أوربا
هل قامت قاعدة الجهاد فى أوربا بتنفيذ هجمات لندن؟
تقطع العمليات الإرهابية المتعاقبة من إستانبول مرورا بمدريد وصولا إلى لندن أي شك حول وجود فرع معتمد لقاعدة الجهاد داخل أوربا، لكن كيف تشكل هذا الفرع؟ وكيف يتم تجنيد أعضائه؟ وما مصادر تمويله؟ ولماذا لا يتم الإعلان عنه أو عن منفذي العمليات؟.
في الواقع يُعَدّ هذا الفرع هو أكثر فروع قاعدة الجهاد غموضا، وهذا أمر مقصود، حيث لا يعرف لهذا التنظيم قائد حتى الآن، كما أنه لا يتبنى الهجمات الانتحارية منعا لمعرفة أي من أعضائه، ويمكن استنتاج أن هذا الفرع لا يتمركز في منطقة أوربية معينة، حيث تؤكد بعض مصادر الجهادية السلفية أن تنظيم قاعدة الجهاد في أوربا مقسم إلى ثلاث مجموعات تعمل إحداها في شرق أوربا والأخرى في غربها والثالثة في وسط أوربا، وأن كل مجموعة تعمل بشكل منفصل عن الأخرى تحسبا للسقوط في قبضة أجهزة الأمن أو الاستخبارات الغربية، ويتم التنسيق بينهم عن طريق شخص واحد على علاقة بقادة المجموعات الثلاث.
وحول تمويل تلك المجموعات قالت المصادر: إن "بن لادن" كان قد رسم خطة للتمويل قبل إعلانه الحرب على أمريكا وسقوط أفغانستان -تحسبا لطول وشراسة تلك الحرب- تتضمن زرع عدد من الخلايا النائمة في أوربا وإلحاقها بمشروعات لا تحوم حولها أية شبهات كالملاهي الليلية ومحلات بيع الخمور وشراء القطع البحرية المستخدمة في الصيد، بالإضافة إلى شركات النقل البرية والبحرية، وأنه قد أصدر فتوى بمشروعية استخدام هذه المشروعات كواجهة لحماية خلايا المجاهدين، ويدير هذه المشروعات مجموعات بعيدة تماما عن شبهة الارتباط بأي تنظيمات دينية متطرفة أو معتدلة، وهي في نفس الوقت على علاقة وطيدة بمسئولي التمويل للخلايا النائمة الذين هم أيضا أبعد ما يكونون -نظرا لنمط حياتهم الاجتماعي- عن شبهة الانضمام إلى تلك الجماعات.
ويمكن القول إن "بن لادن" تمكن خلال فترة تعاونه مع المخابرات الأمريكية عند الغزو السوفيتي لأفغانستان من بناء خلايا التنظيم النائمة في أوربا وأمريكا بعد ذلك، حيث استطاع خلال تلك الفترة نسج خيوط وثيقة مع عدد من قادة تلك الأجهزة الذين خرجوا بعد الحرب الأفغانية إلى المعاش، ولكنهم ظلوا يحتفظون بعلاقات وثيقة مع بن لادن دعمها إغداقه الأموال على أصدقائه القدامى واستغلال بعضهم في بناء قاعدة دعم لوجستي كبرى لكوادره في أمريكا وأوربا. وربما لم تكن لتنجح خلية هامبورج التي كان يتزعمها المصري "محمد عطا" والتي شاركت في تنفيذ تفجيرات نيويورك وواشنطن لولا هذا الدعم الذي وفره لهم أمريكيون تم تجنيدهم من قبل زعيم القاعدة وعملوا معه لسنوات طويلة قبل التفجيرات.
ويقدر بعض الخبراء عدد الخلايا النائمة بستمائة شخص يتواجدون في أكثر من تسع دول أوربية، وأن هؤلاء الأشخاص يزيدون بنسب بطيئة، حيث يتم ترشيح عدد من الطلاب الموفدين من بعض الدول العربية والإسلامية للانضمام لتلك الخلايا من خلال كوادر تنظيم القاعدة المسئولين عن التجنيد والمنتشرين في عدد من الدول العربية والإسلامية بشكل غير لافت للنظر، وأن هذه الخلايا النائمة تنقسم لقسمين: الأول يطلق عليه "كوادر جيش الغضب" (الذين نشأوا في الدول الأوروبية) وهم المنوط بهم تنفيذ العمليات، والقسم الثاني هم النائمون ومهمتهم تقديم الدعم اللوجستي وتوفير السلاح والمال اللازم لعمليات التنفيذ. 
جدوى الحرب على الإرهاب
ويؤكد عدم التوصل إلى منفذي تفجيرات مدريد وأيضا الاحتمالات العديدة التي تضعها جهات التحقيقات البريطانية المشتركة مع أمريكا والأوربيين جزءا كبيرا من حقيقة وضع تنظيم القاعدة في أوربا وتثبت درجة الغموض العالية التي يتمتع بها أعضاؤه الذين إما يكونون قد نشؤوا في بريطانيا، أو ناشطون من الخارج، أو لديهم صلات بالفريق الذي قام بتفجيرات مدريد، أو أن من قام بها هو تنظيم القاعدة البريطاني كما نقلت صحيفة "إندبندنت" البريطانية يوم 11-7-2005. أيضا ثمة تصور آخر هو أن ناشطين من تنظيم القاعدة أو مؤيدين لأسامة بن لادن تمكنوا من الوصول إلى بريطانيا منذ عدة شهور قادمين من فرنسا أو أسبانيا، ثم استقروا في منازل آمنة، أو حصلوا على أوراق هوية مزورة تجعل من الصعب اكتشاف حقيقتهم، وأنه يصعب معرفتهم لأنهم ليسوا جزءا من شبكة معروفة وليس لديهم تاريخ في ممارسة العنف أو التورط في ارتكاب أعمال إجرامية.
وليس آخرا.. إذا كان تنظيم قاعدة الجهاد على هذا القدر من الغموض والقدرة على تنفيذ العمليات الإرهابية في قلب العواصم الأوربية بما يصعب معه معرفة أعضائه أو توفير الحماية الأمنية الضرورية لمنع تنفيذ هذه العمليات، فما هي إذن جدوى الحرب على الإرهاب؟ لقد ثبت حتى الآن الفشل الأمريكي والغربي في الحرب على الإرهاب؛ لأنهما جعلا من الجانب الأمني مدخلا أصيلا متغافلين أهمية الجانب السياسي.. لذا فإن البرجماتية تقتضي اتباع نهج سياسي آخر يعمل على توفير الحد الأدنى من العدالة الدولية، ووضع حدود للتدخل في شئون الدول العربية والإسلامية، ولن يكون ذلك دون الانسحاب الأمريكي من العراق والبدء في لعب دور أكثر إيجابية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتحقيق سياسة محايدة بوجه عام تجاه القضايا العربية الجوهرية