الأربعاء 09 أكتوبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: برنامج الإخوان .. في مفهوم الدولة المدنية والأمن القومي

نُشر هذا المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 5 سبتمبر 2007

نشر
عبد الرحيم علي

لا يمل الإخوان في برنامجهم السياسي من تكرار مصطلح الدولة المدنية، ولكنهم لا يتحدثون مطلقا عن مفهومهم للدولة المدنية، تلك التفاصيل التي ربما تدخلهم، ليس فقط ،في صراع فكري داخلي قد يهدد تماسك الجماعة، إنما الي كشف شامل لمفهوم مرتبك حول الدولة المدنية. ففي تلك الدولة، التي يجب أن يعكس دستورها، كما يوضح البرنامج، هويتها ذات الأبعاد الثلاثة (الإسلامية، الحضارية، العربية)، والتي ليس من بينها المصرية.

فإن المرأة يجب أن تمكن من جميع حقوقها، شريطة ألا تتعارض ممارسة تلك الحقوق مع القيم الأساسية للمجتمع المنبثقة بطبيعة الحال من المبدأ السياسي الحاكم، وهو الشريعة الإسلامية، وحيث إن الإخوان لديهم وجهة نظر واضحة في قضية «المرأة»، تتمحور بالأساس حول أن المرأة أس الشرور والبلاء في المجتمع، وملازمتها بيتها ورعايتها أسرتها واجب مقدس، لا يضاهيه واجب، وأن المشاركة السياسية لا تكون إلا بالقدر الذي يخدم وجود الإسلاميين في المجالس التشريعية المنتخبة، كالخروج المحتشم والمحتشد لإنجاح مرشحي التيار الإسلامي. ففيما عدا ذلك ،فإن صوتها عورة وجسدها عورة وعملها يجب أن يقتصر علي الضرورات التي - وفق فقه الإخوان - تبيح المحظورات.

وبالطبع فإن الحديث حول التفاصيل في برنامج سياسي، وفق الرؤية الإخوانية، لا يجوز. فاللبيب بالإشارة يفهم. أما غير المسلمين فحّدث ولا حرج، فوفق مبادئ الشريعة، بالمفهوم الإخواني، الذي يجسده مولانا عبدالله الخطيب مفتي الإخوان وحاديهم فإن لهم ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين، إلا ما ندر، فلا يجوز أن نرهقهم في الدولة المدنية الإخوانية بفريضة الجهاد، علي سبيل المثال، الذي هو في الدول الحديثة يسمي الدفاع عن الأوطان ضد أي اعتداء أجنبي، وهو شرف لا يضاهيه شرف، وهو فوق هذا وذاك محدد أساسي للمواطنة، دونه دفع الجزية صاغرين.

والتفصيل في هذا الموضع بالطبع غير مجد عند الإخوان، فهم يحاولون دغدغة المشاعر الوطنية دون الدخول في تفاصيل محرجة. الكارثة تتمثل عند الحديث حول الثقافة والفن، والإخوان هنا يفصحون بجلاء عن وجههم الحقيقي، «فالتزام الرقابة علي الإبداع الأدبي، طبقا لقيم المجتمع وأخلاقياته وتقاليده، واجب لا مناص منه». وكلنا يحضرنا موقف نوابهم من رواية «وليمة لأعشاب البحر» للكاتب السوري «حيدر حيدر»، ورائعة نجيب محفوظ «أولاد حارتنا»، وعدد لا بأس به من الأعمال الإبداعية المهمة.

وحول الغناء حدث ولا حرج، فوفق برنامج الإخوان يجب «توجيه الأغنية المصرية الي أفق أكثر أخلاقية واتساقا مع قيم المجتمع وهويته، مهمة وطنية لا يضاهيها مهمة». والسياحة يجب أن تكون «في ثوب لا يخدش حياء المواطن المصري إذ لا بد أن يلتزم السائح الغربي بالقيم الإسلامية ، ويتقيد بها». أما الأمن القومي فيجب ربطه بدوائر الانتماء الحضاري الثلاث «الإسلامية والحضارية والعربية» دون المصرية بالطبع، فهي لا تلزم الأمن القومي في شيء

ويجب في هذا السياق إعادة النظر ومراجعة الاتفاقات والمعاهدات الدولية، إذا ما ارتأي الإخوان أن ثمة غبنا متضمنا في المعاهدة يضر بمصر، وهو ما يفتح الطريق بشكل مباشر نحو مراجعة اتفاقات الصلح مع إسرائيل، وبغض النظر عن موقفنا من تلك الاتفاقات، فلم لا يذكر الإخوان صراحة في برنامجهم السياسي أنهم يريدون إلغاء تلك المعاهدات، ويطرحون علينا البدائل المتاحة إذا ما تم إلغاؤها، والنتائج المترتبة علي هذا الفعل وكيف سيتم مواجهتها في الوقت الراهن، ولصالح من يتم هذا، لصالح الأمن القومي المصري، أم الأمن القومي لآخرين لا نعلمهم، ولكن الإخوان يعلمونهم. 

لن نتحدث كثيرا عن الرؤية الاقتصادية للإخوان، فلسنا متخصصين في هذا المجال، لكننا فقط نشير الي الكم الهائل من التداخل بين رؤي حديثة تحاول أن تلامس العصر، ورؤي فقهية قديمة مستمدة من الأحكام السلطانية للمواردي (توفي ٤٥٠ للهجرة)، حيث مصطلحات: كالحسبة، وأنظمة القطائع، والحمي، والتحجير، والإحياء، والوقف.

إن جوهر ما يسعي إليه الإخوان واضح في برنامجهم، تأسيس دولة دينية، وليس هذا عيبا، ولكن العيب يكمن في المداراة، والالتفاف علي الهدف، والتعمية عليه، بقصد إيهام الناس، بمقولات مثل الدولة المدنية، التي تعني في النهاية عند الإخوان الدولة الدينية.

لهذا فإن الدستور في برنامج الإخوان ينحصر في المادة الثانية، وفق تفسيرهم هم وليس غيرهم، والمواطنة تعني الالتزام بأحكام الشريعة، حتي فيما يتعلق بغير المسلمين، والأمن القومي يعني تدعيم الأمن القومي لدول إسلامية بعينها، وفق مبدأ أولويات دوائر الانتماء الحضاري لمصر، بغض النظر عن المصالح العليا للوطن.

ووحدة الأمة تعني الابتعاد - في حرية كاملة - عن الفرقة في الشؤون الجوهرية، والسماح - في حرية تامة - بالخلاف في الفروع دون بغض أو خصومة.

وبالطبع فإن الإخوان وحدهم هم الذين سيحددون لنا تلك الأمور الجوهرية، التي لن تخرج عما أطلق عليه فقهاء العصور الوسطي مفهوم (المعلوم من الدين بالضرورة).

وهي أمور يكفر منكرها بإجماع الآراء، وقد وصل فقيههم «سيد سابق» في كتابه «فقه السنة» الي اعتبار «الجماعة المسلمة» ركنا أساسيا من المعلوم من الدين بالضرورة يكفر منكره بالإجماع. تلك رؤيتهم وهذا برنامجهم، والله شاهد والمصريون أجمعين.