السبت 20 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: مرة أخري.. تاريخ الإخوان وتيار التجديد(1)

نُشر هذا المقال بجريدة المصري اليوم 24 أكتوبر 2007

نشر
عبد الرحيم علي

ونستمر حتي يعرف القاصي والداني أن حسم الصراع الجيلي، أو الفكري داخل جماعة الإخوان، بين أقطاب تيار التجديد، وتيار الحرس القديم، لا يمكن له أن ينجز قبل حسم موقف التيارين من التاريخ (تاريخ الجماعة) وبخاصة قضية العنف.

ونقرأ في مذكرة حل الجماعة وتحت عنوان (مقتل القاضي الخازندار) لم تتورع هذه الجماعة عن أن يمتد إجرامها إلي القضاء الذي ظل رجاله في محراب العدل ذخراً للمصريين، وملاذاً لهم، إذ قصدوا إلي إرهاب القضاة عن طريق قتل علم منهم هو المغفور له أحمد الخازندار بك وكيل محكمة استئناف مصر، الذي حكم بإدانة بعض أعضاء الجماعة لجرائم قارنوها باستخدام القنابل - وقد ثبت أن أحد المجرمين القاتلين كان سكرتيراً خاصاً للشيخ حسن البنا (في إشارة إلي السندي). 

ويأتي رد البنا سريعا بأن الجماعة بريئة من دم الخازندار كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب، ولكن التاريخ لا يرحم فقد جاء محمود الصباغ وبعد أكثر من أربعين عاما علي الحادث، ومثلها علي رحيل البنا مقتولا، ليؤكد أن «قيادة النظام الخاص عقدت محاكمة لعبدالرحمن السندي، وحضر المحاكمة كل من فضيلة المرشد العام الشهيد حسن البنا وباقي أفراد قيادة النظام بما في ذلك الأخوة صالح عشماوي، والشيخ محمد فرغلي، والدكتور خميس حميدة، والدكتور عبدالعزيز كامل، ومحمود الصباغ، ومصطفي مشهور، وأحمد زكي حسن، وأحمد حسنين، والدكتور محمود عساف، وقد أكد عبدالرحمن في المحاكمة أنه فهم من العبارات الساخطة التي سمعها من المرشد العام ضد أحكام المستشار الخازندار المستهجنة، أنه سيرضي عن قتله لو أنه نفذ القتل فعلاً،وقد تأثر المرشد العام تأثراً بالغاً لكلام عبدالرحمن لأنه يعلم صدقه في كل كلمة يقولها تعبيراً عما يعتقد، وبلغ من تأثر فضيلة المرشد العام أنه أجهش بالبكاء ألماً لهذا الحادث الأليم الذي يستوجب غضب الله، لأنه قتل لنفوس بريئة بغير حق، كما يعتبر مادة واسعة للتشهير بالدعوة ورسالتها في الجهاد من أجل إقامة شرع الله، وقد تحقق الإخوان الحاضرون لهذه المحاكمة من أن عبدالرحمن قد وقع في فهم خاطئ».

ويضيف الرجل: «ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلي الإخوان المسلمين وبسببه، فقد حق علي الجماعة دفع الدية التي شرعها الإسلام كعقوبة علي القتل الخطأ من ناحية». 

ويختتم الرجل شهادته بالقول: «ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت لهم من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة وبقي علي الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين الأخريين محمود زينهم، وحسن عبدالحافظ، واستراح الجميع لهذا الحكم دون استثناء، بل إنه لقي موافقة إجماعية من كل الحضور بما في ذلك فضيلة الإمام الشهيد».

هكذا ببساطة، في البداية إنكار تام أن يحدث مثل ذلك من أحد من أعضاء الجماعة، ثم محاكمة داخلية تبدأ بإقرار دفع دية القتل الخطأ وتنتهي إلي أن الدية قد دفعتها الدولة نيابة عن الإخوان، ولم يبق أمام الإخوان سوي الدفاع عن ضحيتين بريئين!!.

وتمضي مذكرة حل الجماعة لتسرد حادث الجبل، حيث قامت السلطات الأمنية بضبط خمسة عشر شخصاً من جماعة الإخوان المسلمين بمنطقة جبل المقطم يتدربون علي استعمال الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل. وتأتي إجابة البنا حاسمة وقاطعة: «هؤلاء الخمسة عشر الذين ضبطوا في ٩ يناير ١٩٤٨ لا صلة لهم بالإخوان أصلاً. وقد برروا عملهم بأنهم يستعدون للتطوع لإنقاذ فلسطين. 

ويأتي أحمد عادل كمال في كتابه (النقط فوق الحروف) ليكشف ما حاول البنا إخفاءه. يقول الرجل تحت عنوان (حادث الجبل)» كلفنا بالبحث عن مكان مناسب بجبل المقطم يصلح للتدريب علي استخدام الأسلحة والمفرقعات، وبدأ التدريب في ذلك الموقع بمعدل مجموعتين في اليوم الواحد، مجموعة تذهب مع الفجر حتي العصر وأخري تذهب مع العصر وتعود مع الفجر، وكان الترتيب ألا تري مجموعة الأخري، وأن يكون هناك بصفة دائمة في مكان مرتفع من يرقب المجال حول الموقع بمنظار مكبر، هذا الحارس كان في استطاعته أن يري أي سيارة قادمة بسرعة قبل أن تصل بثلث ساعة علي الأقل. وكانت هناك حفر معدة ليوضع بها كل السلاح والذخيرة ويردم عليها لدي أول إشارة وبذلك تبقي المجموعة في حالة معسكر وليس معها ممنوعات قانونية». 

ويكمل الرجل: «استمر ذهاب المجموعات وعودتها بمعدل مرتين كل يوم ولمدة طويلة حتي صنعت السيارة مدقاً واضحاً مميزاً في الجبل.. وحتي لفتت نظر الحجارة في محاجر الجبل بأول الطريق. 

وبلغ الخبر إلي البوليس ونحن لا نشعر. وكان مسؤول التدريب يدرب مجموعة هناك، ومن تكرار التدريب في أمن وسلام فقد تغاضي عن حذره فتجاوز عن وضع الحارس مكانه ولم يشعر والمجموعة معه إلا بقمم الجبل حوله قد ظهرت من فوقها قوات البوليس شاهرة سلاحها وتطالبهم بالتسليم وهم منهمكون في تدريبهم، كان ذلك يوم ١٩/١/١٩٤٨ ونشرت الصحف الخبر. 

ويضيف الرجل: «حتي هذه الحالة كان هناك إعداد لمواجهتها، فقد أجاب إخواننا المقبوض عليهم بأنهم متطوعون لقضية فلسطين، وهي إجابة كان متفقاً عليها. 

كما تم الاتصال بالحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا وشرحنا له الوضع علي حقيقته، وكان متجاوباً معنا تماماً فأقر بأن المقبوض عليهم متطوعون من أجل فلسطين وأن السلاح سلاح الهيئة. وبذلك أفرج عن الإخوان وسلم السلاح إلي الهيئة العربية العليا». 

وكلما مضينا وجدنا دائما كل شيء معداً له داخل الجماعة!! إلا النقد الذاتي، الذي يجب أن يكون الشغل الشاغل لتيار التجديد.. وإلي لقاء.