الثلاثاء 08 أكتوبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: الإخوان المسلمون.. حزب أم جماعة؟

نُشر هذا المقال بجريدة المصري اليوم بتاريخ 31 أكتوبر 2007

نشر
عبد الرحيم علي

كنا نتحدث عن حزب الإخوان وبرنامجه في إحدي القنوات الفضائية الخاصة، كان السؤال المطروح: ما هي الشروط الواجب توافرها حتي يتم التوافق المجتمعي علي حزب وبرنامج الإخوان؟

وبالرغم من تأكيد القطب الإخواني الدكتور عصام العريان، انسداد الأفق السياسي أمام الحزب، كان جوابي حاسما : حل الجماعة هو الشرط الموضوعي الوحيد للتوافق علي حزب الإخوان.. نعم.. إذ لا يكفي أن يقوم الإخوان بتدشين برنامج توافقي يوافقون - أو بالأحري يتنازلون - فيه، وفق فقه الضرورة، عن فكرة هيئة كبار العلماء، التي يقول عنها الإخوان في برنامجهم «ويجب علي السلطة التشريعية أن تطلب رأي هيئة من كبار علماء الدين في الأمة علي أن تكون منتخبة أيضًا انتخابًا حرًا ومباشرًا من علماء الدين ومستقلة استقلالاً تامًا وحقيقيا عن السلطة التنفيذية في كل شؤونها الفنية والمالية والإدارية، و يعاونها لجان ومستشارون من ذوي الخبرة وأهل العلم الأكفاء في سائر التخصصات العلمية الدنيوية الموثوق بحيدتهم وأمانتهم،ويسري ذلك علي رئيس الجمهورية عند إصداره قرارات بقوة القانون في غيبة السلطة التشريعية ورأي هذه الهيئة يمثل الرأي الراجح المتفق مع المصلحة العامة.

ولا يكفي أيضا أن يقوم الإخوان بالتنازل، طوعا أو كرها، عن فكرة عدم جواز ولاية القبطي أو المرأة، وهو النص الذي يتنافي وبشكل واضح وحاسم مع المادة (٤٠ ) من الدستور المصري التي تؤكد، وبوضوح لا يكتنفه لبس، أو غموض، أن «المواطنون لدي القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة». 

ولا يكفي أيضا أن يتنازل الإخوان، أو يغضوا الطرف، عما قالوه فيما يتعلق بالثقافة والأدب والفنون في ص١١٨ من البرنامج، حيث يجب «إعداد ميثاق للشَّرف الإبداعي طبًقا لقيم المجتمع وأخلاقياته وآدابه»، ولا أدري كيف نقنع الشاعر المصري الكبير أحمد عبد المعطي حجازي أو عمنا أحمد فؤاد نجم، أو العظيم الأبنودي، أو الروائي الكبير جمال الغيطاني، وكافة أدبائنا ومبدعينا بقبول مثل هذه اللجنة. ولا يكفي أيضا، أن يشطب الإخوان علي ما جاء في برنامجهم فيما يتعلق بالموسيقي ص١٢١، حيث يجب «توجيه الأغنية المصرية إلي أفق أكثر أخلاقية وإبداعا واتساقا مع قيم المجتمع وهويته».

لا يكفي عندنا أن يقوم الإخوان بكل هذا وغيره، إذ سيبقي بيت القصيد غائبا، وهو وجود تنظيم برأسين، الجماعة، والحزب.. حيث يكون دور الجماعة منحصرا في التربية والدعوة في المساجد والمنابر الدعوية والإعلامية المختلفة، وإنتاج جيل يؤمن بأفكار الآباء الأوائل، من علي شاكلة الشيخ محمد عبد الله الخطيب، حيث يتعلمون علي يديه، أنه لا حق للأقباط في بناء دور العبادة الخاصة بهم، إذ إن هذه الأشياء - وفق تعبير الخطيب - لا يجب أن تبني في ديار الإسلام، وحيث مكان المرأة هو المنزل، ووظيفتها المقدسة والوحيدة، هي رعاية الأسرة، وما زاد علي ذلك يقدر بضرورته. وحيث الموسيقي حرام والغناء فجور. وحيث كافة أعضاء الحكومة في الدولة الإسلامية يجب أن يكونوا مسلمين مشهودًا لهم بحسن الإسلام. وهو الصك الذي لا يمنحه أحد في مصر سوي الجماعة وقادتها المباركين.

ولا يقف دور الجماعة بالطبع عند هذه الأمور البسيطة بما في ذلك تربية جيش من المناضلين علي فضيلة السمع والطاعة دون مناقشة، ولكن يمضي إلي حيث مكمن الخطورة، المال، حيث الغموض الذي لا ينتهي حول مصادر تمويل الجماعة وعلاقاتها الدولية والإقليمية، بدول ومنظمات لها أهداف واستراتيجيات دائما ما تتعارض وبشكل جذري مع المصالح المصرية. فإذا أضفنا ملف العلاقات الدولية، أو كما يحلو لبعض قادة الجماعة أن يسموه بالتنظيم الدولي الذي ينتشر في أكثر من سبع وسبعين دولة، وفق آخر تصريح لواحد من أهم قادة الحرس القديم في الجماعة نكون قد تعرفنا علي دور الجماعة ووظيفتها في عصر الرأسين. 

وفي هذا العصر - أو الشكل - يترك للحزب الأمور السياسية التكتيكية، والتحالف والتنابذ مع مختلف التيارات السياسية الموجودة علي الساحة، وفق قانون الشفافية المعمول به في الحياة الحزبية، حيث يسمح للجهاز المركزي بالإشراف علي أموال الحزب وأوجه إنفاقها، وحيث تكون الاجتماعات المشتركة والبيانات المشتركة مع كافة التنظيمات والأحزاب والهيئات، وكذا تشكيل الجبهات الحقيقية والمفتعلة، ضد النظام ومن والاه في الداخل والخارج، وعند اللزوم تكون التظاهرات والدفع بقوائم المرشحين في كافة الانتخابات المحلية، والبرلمانية، والنقابية، العمالية منها، والمهنية.

الحزب واجهة والجماعة هي الأصل، الحزب ذراع سياسية والجماعة جسد لا غني عنه. فإذا حانت اللحظة المرتقبة ذاب الحزب داخل الجماعة، وابتلع الجسم الذراع، وتخلت الواجهة عن مكانها للأصل، وبدا لنا سوء ما فعلنا. لهذا ولكثير غيره فإن الشرط الوحيد لدي، ولدي كثيرين ممن يفكرون مثلي أن يكون الحزب بديلا حقيقيا للجماعة، فإذا حصل الإخوان عليه قاموا بحل الجماعة علي الفور.

وليكن هذا عهد بيننا وبينهم حتي يتساووا مع كل الأحزاب العلنية الموجودة، فنعرف عددهم، ومصادر تمويلهم، وأفكارهم الحقيقية، ومناهج التربية الداخلية لديهم.. إلخ

كل هذه المؤرقات التي تؤرق الباحث قبل المسؤول، والمعارضة قبل الحكومة، والصديق قبل العدو. وإلي لقاء.