الخميس 28 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

إكرام لمعي: الكنيسة والدولة وانعدام الأحزاب سبب العزلة السياسية للأقباط

نُشر هذا الحوار بموقع "إسلام أونلاين نت" بتاريخ 27 يوليو 2005

نشر
عبد الرحيم علي

 

أكد الدكتور "إكرام لمعي" أستاذ علم مقارنة الأديان أن انعزال الأقباط السياسي ناتج عما تعرضوا له هم وشعب مصر كله من قهر طوال الخمسين عاما الماضية؛ لأن هذه الفترة شهدت حلول الدولة محل جميع طوائف الشعب في كل شيء حتى أصيب الشعب المصري بحالة من العجز أفقدته القدرة على التعبير عن نفسه بحرية ودون وسيط.

 وأشار "لمعي" إلى أن غياب الحزب السياسي الذي يستطيع الأقباط من خلاله التعبير عن أنفسهم وتطلعاتهم مثل حزب الوفد القديم، ودخول الكنيسة في السبعينيات على خط العمل السياسي واحتضانها للأقباط هي أسباب رئيسية لهذه العزلة التي يعيشها الأقباط الآن.

 الدكتور "إكرام لمعي"

وهذا نص الحوار:. 

  أين الأقباط مما يجري على الساحة السياسية المصرية من حراك سياسي في الآونة الأخيرة؟

- هناك حالة من عدم المشاركة السياسية وهي غير مقتصرة على الأقباط فقط، وإنما هي حالة عامة تخص الأغلبية العظمى من الشعب المصري وفي مقدمتهم المسلمون، وهذا ناتج عما تعرضت له كافة طوائف هذا الشعب من قهر طوال الخمسين عاما الماضية، حيث حلت الدولة محل جميع طوائف الشعب في كل شيء حتى أصيب الشعب المصري بحالة من العجز أفقدته القدرة على التعبير عن نفسه بحرية ودون وسيط.

أما عن الأقباط أنفسهم فهم يشعرون بالظلم والقهر والاستبعاد والتهميش طوال تلك الفترة، أضف إلى هذا غياب الحزب السياسي الذي يستطيعون من خلاله التعبير عن أنفسهم وتطلعاتهم (مثل حزب الوفد القديم) الذي كان الأقباط يستطيعون التعبير من خلاله ومن خلال أحزاب أخرى عديدة طوال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، مثلهم مثل كافة طوائف ومكونات الشعب المصري عن آرائهم وطموحاتهم، ولكن بمرور الزمن ومنذ بدأت حقبة يوليو 1952 تراجع هذا الدور الحزبي، وبدأ الأقباط في الهجرة إلى الكنيسة؛ وهو ما أدى بدوره إلى العزلة التي يعيشها الأقباط الآن.

  ولكن هل كان للكنيسة دور سياسي في الخمسينيات والستينيات؟

كانت هناك هجرة من الأقباط في ذلك الوقت إلى الكنيسة، رغم أنها كانت ترفض مبدأ القيام بدور سياسي، ولكن عندما جاء البابا "شنودة" في بداية السبعينيات اكتملت أطراف المعادلة، زعيم ديني يريد القيام بدور سياسي وكتل بشرية (ممثلة في جموع الأقباط) تريد من ينوب عنهم سياسيا، ومنذ هذه اللحظة أصبحت الكنيسة هي المعبر السياسي عن الأقباط، فتعمق انعزالهم عن المجتمع.

  إذن يمكن القول: إن الكنيسة كانت سببا في انعزال الأقباط؟

- ليست الكنيسة فقط بل كان الدور الأعظم للدولة؛ فقد انقلب مناخ الحرية الذي كان موجودا في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي مع بداية حقبة يوليو 1952، حيث تم مصادرة السياسة وحرية التعبير عن الرأي لصالح الحكم، ثم جاءت الحقبة الساداتية لتنشر التعصب والتطرف الديني عندما قامت الدولة في محاولة لتبرير فشلها في معالجة مشكلات ما بعد حرب أكتوبر السياسية والاقتصادية بزرع الفتنة الطائفية للتغطية على مشاكلها المزمنة، كل هذا أنتج مناخا انعزاليا كان له تأثيره الكبير على الأقباط خاصة مع دخول الكنيسة على خط السياسة مع تواجد البابا شنودة على كرسي البابوية.

  د. إكرام، وأنت مفكر قبطي ما هو موقفكم من النص الدستوري الذي يعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع؟ وهل يعد هذا النص عائقا في وجه ممارسة الأقباط لحقوقهم السياسية؟

هذا النص ليس عائقا في وجه الأقباط فقط، ولكنه عائق في وجه شرائح عديدة من المسلمين الذين يشعرون بأن الحكم بالشريعة لا يحقق طموحاتهم في وطن ديمقراطي، والتجارب التاريخية في البلدان المجاورة في المنطقة (السودان وإيران) تزيد من مخاوف الأقباط والمسلمين على حد سواء، من هنا فأنا أرى وجوب أن يبقى الدستور محايدًا في مواده، وتطلق الحريات الدينية بما فيها حرية تكوين الأحزاب على أساس ديني؛ فليس من المعقول أو المقبول أن ينص الدستور على أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأن يحظر نشاط جماعة إسلامية كبرى كالإخوان المسلمين، هذا في حد ذاته يحمل تناقضا كبيرا..

والأفضل -من وجهة نظري- أن نجعل الدستور مدنيا يعبر عن الجميع مسلمين وأقباطا ويهودا وبهائيين وشيعة، كل مصري يجب أن يجد نفسه في هذا الدستور؛ بأن تكفل من خلاله الحرية الدينية كاملة؛ فلا حد للردة، ولا حظر على تكوين حزب على أساس ديني.

 وعندما تتكون هذه الأحزاب ويوجد مثل هذا الدستور ستتعزز الديمقراطية والحرية بشكل كامل، وسينشأ مجتمع فاعل سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، وفي هذه الحالة سيحمي الدستور الجميع من الجميع. 

  هل تقوم الكنسية بتوجيه الأقباط لتبني خيارات بعينها خاصة في المجال السياسي؟

أعتقد أن هناك توجيها سياسيا غير مباشر من الكنيسة؛ فعلى سبيل المثال من الممكن أن يسأل مواطن قبطي البابا شنودة في اجتماع الأربعاء سؤالا محددًا، وتأتي الإجابة تحمل توجيها معينا فينفذ الأقباط هذا التوجيه، وهذا للأسف لا يحدث في لقاء الأربعاء فقط، ولكن يحدث في المطرانيات مع كافة الآباء المطارنة.

  وكيف تقرءون هذا التصرف من الكنيسة؟

- هذا المسلك غير سليم وليس به وضوح؛ فالكنيسة -على سبيل المثال- تقول: إنها ليس لها دخل بالسياسة وهذا كلام غير حقيقي؛ لأنها تقوم بتوجيه غير مباشر للمواطنين الأقباط كل يوم، والأفضل من وجهة نظري أن يعلنوا عن مطالبهم بوضوح، وأن يدعوا المسلمين لمشاركتهم في الإعلان عن هذه المطالب، هنا يتغير الوضع وتصبح هذه المطالب مطالب مصرية وطنية وليست مطالب طائفية.

  

هل من مصلحة الأقباط الاستجابة لدعوات التعاون والتنسيق مع حركات الإسلام السياسي وفي القلب منها الإخوان المسلمون من أجل إحداث التغيير؟ وما هي شروط هذا التعاون إن وجد؟

- رأيي الشخصي أن وجود الإخوان على الساحة لا يمثل مشكلة حقيقية وحتى وصولهم إلى الحكم -من وجهة نظري- لا يمثل مشكلة أيضا.. لماذا؟ لأنهم إذا وصلوا إلى الحكم فسيعملون بضرورات الحكم التي تختلف عن ضرورات المعارضة السياسية، وأعتقد أن الإخوان سيقومون حينها بعمل توازنات أكثر من أي حكم آخر في هذا الاتجاه، وهم الآن يرفعون شعارات ديمقراطية، ويعلنون إيمانهم بالحرية والعدل والمساواة؛ لذلك ففي حالة وجود دستور مدني، من حقهم إذا اختارهم الشعب أن يأتوا إلى الحكم، هذا من ناحية المبدأ، ولكن يلاحظ أن للأقباط تراثًا تاريخيًّا متوارثًا من الخوف من مجيء الإخوان إلى الحكم؛ فهم يعتقدون أنه إذا جاء إلى الحكم أي فصيل من فصائل تيار الإسلامي السياسي فسيحكم بصبغة دينية ينبغي بالقطع أن تنال من حرية العقائد الأخرى، وهذا ما على الإخوان أن يفسروه ويوضحوه.

أما مسألة التعاون معهم من أجل إحداث التغيير فأنا أعتقد أنه مقبول بشروط أساسية: أولها الإقرار بأنه في حالة الوصول إلى السلطة لن يكون هناك حكم بالشريعة الإسلامية، وثانيها أن يعترفوا بمبدأ المواطنة كمبدأ أساسي في الحكم.. بدون هذين الشرطين لن يقبل أحد على التعاون معهم.

 

  هل من مصلحة الأقباط تشكيل كيانات سياسية خاصة بهم في محاولة لتفعيل دورهم على الساحة السياسية في مصر؟

 في هذا التوقيت أنا أرفض وجود كيانات سياسية خاصة بالأقباط؛ لأن هذا يكرس الطائفية، والدستور لن يستطيع حمايتنا، ولكن عندما يتم وضع دستور مدني جديد يؤدي إلى وجود جمهورية برلمانية واعتماد حقيقي لمبدأ تداول السلطة.. ساعتها يصبح من حق كل فئة إيجاد كياناتها السياسية الخاصة، ومنهم الأقباط