الثلاثاء 08 أكتوبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

جمال أسعد في حواره مع عبد الرحيم علي: العزلة السياسية للأقباط وريثة صدام السبعينيات

نُشر هذا الحوار في موقع "إسلام أون لاين نت" بتاريخ 27 يوليو 2007

نشر
عبد الرحيم علي

 

أكد السياسي القبطي وعضو مجلس الشعب الأسبق الأستاذ "جمال أسعد عبد الملاك" أن فترة الانكفاء الحقيقي للأقباط والانعزال عن الشأن السياسي والعام لم تبدأ إلا بعد أن تولى الرئيس السادات السلطة متزامنا مع صعود البابا شنودة لكرسي البابوية. 
وقال "أسعد": تلك هي المرحلة الفاصلة في تقوقع الأقباط داخل كنيستهم، والتي جاءت كنتيجة منطقية لصدام الرجلين (أصحاب الكاريزميتين المختلفتين)، وأشار إلى أن الحل الحقيقي يأتي بمشاركة حقيقية تقوم على أساس وطني لا طائفي، ووفق برنامج سياسي يعلي من قيم الديمقراطية والحرية.

جمال أسعد عبد الملاك

وهذا نص الحوار:
*  أين الأقباط مما يجري على الساحة السياسية المصرية من حراك سياسي في هذه الآونة؟
- لن يتواصل الأقباط مع أي حراك سياسي حالي أو مستقبلي ما داموا منكفئين داخل كنيستهم، وستظل الرموز القبطية المدنية التي تعمل على الساحة السياسية من دون إضافة لفترة طويلة؛ لأن المناخ الكنسي لا يفرز قيادات قبطية سياسية مصرية حقيقية تستطيع الالتحام بالشارع السياسي.

*  ومن المسئول برأيك عن انكفاء الأقباط داخل كنيستهم وتغييبهم عن الحياة السياسية طوال الخمسين عامًا السابقة؟
- أنا أختلف معك بداية في تحديدك لمدة انكفاء الأقباط بخمسين عامًا؛ لأن معنى كلامك أن تهميش الأقباط عن الحياة السياسية بدأ مع بداية ثورة يوليو، وهذا غير صحيح؛ فأنا تربيت سياسيا كقبطي مصري إبان مرحلة المد الثوري لثورة يوليو، وقد تم تشكيل وجداني السياسي والاجتماعي في هذه الفترة داخل الكنيسة؛ حيث كنا وزملائي من المسلمين نقوم بالأعمال الفنية المشتركة لصالح المجهود الحربي على مسرح الكنيسة، ولم تبدأ فترة الانكفاء إلا بعد أن تولى الرئيس السادات السلطة، وتزامن مع صعوده صعود البابا شنودة لكرسي البابوية، تلك هي المرحلة الفاصلة في تقوقع الأقباط داخل كنيستهم والتي جاءت كنتيجة منطقية لصدام الرجلين.

وهو ما دعا السادات إلى أن يعلن أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة، وما دفع البابا شنودة إلى محاولة جذب المزيد من الأقباط داخل الكنيسة حتى يستطيع تشكيل زعامة سياسية قبطية يمثلها بنفسه، وعند هذه اللحظة انعدمت مشاركة الأقباط الحقيقية في الحياة السياسية.

الرئيس المصري الراحل أنور السادات

*  إذن.. الرئيس السادات والبابا شنودة هما المتسببان الأساسيان في عزلة الأقباط؟
- هناك ثلاثة عوامل رئيسية ساعدت في تهميش الأقباط وعزلتهم: الأول متمثل في الدولة؛ لأن النظام في ذلك الوقت بدأ يتحرك مرتكزا على الشللية العائلية، ومن يدورون في فلكها ثم تحالف السادات مع الإخوان، فأفرز ذلك التحالف مناخ التطرف الذي ساعد على ميلاد الجماعات الإسلامية، وزرع بذور الفتنة الطائفية، وكان هذا هو العامل الثاني، أما العامل الثالث فقد تمثل في رد فعل الكنيسة التي راحت تُذكي لدى الأقباط الشعور بالخوف، وضرورة التقوقع داخل الكنيسة، واختيار رمز هذه الكنيسة (البابا شنودة الثالث) كزعامة سياسية للأقباط.

*  أنت رجل سياسي ومفكر قبطي.. ما هو موقفكم من النص الدستوري الذي يعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع؟
- بداية يجب أن ننظر للدستور نظرة شاملة لا أن ننظر إلى مواده بشكل مجتزئ؛ فنص المادة 2 من الدستور التي تقرر أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع لا يلغي إمكانية وجود مصادر أخرى، والمهم أن المادة 40 من الدستور تنص على المساواة الكاملة للمصريين بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين، وهذه ضمانة كاملة لمفهوم المواطنة؛ الأمر الذي يعني أن المادة الثانية في الدستور لا تلغي ما هو ثابت ومقرر حول مفهوم المواطنة الكاملة لكل المصريين بلا استثناء.

البابا شنودة الثالث 

*  إذن لا تمثل هذه المادة عائقا أمام الحركة السياسية للأقباط من وجهة نظركم؟
- وفق مفهومي السابق لا أعتبر أنها تمثل عائقا أمام الحركة السياسية للأقباط؛ فلا يوجد تعارض من وجهة نظري بين المرجعية للشريعة الإسلامية في الدستور، والحقوق المدنية لغير المسلمين طبقا لمبدأ المساواة الكاملة الذي ينص عليه الدستور ذاته.

*  هل دور الكنيسة الأرثوذكسية مع الأقباط يحد من مشاركتهم السياسية؟
- نعم.. لأن الكنيسة تحولت -في الواقع- نتيجة لقوقعة الأقباط إلى بديل اجتماعي؛ الأمر الذي زاد من دور الأكليروس، فامتد دورهم ليتعدى الديني إلى السياسي والاجتماعي، فأصبحت الإيماءة أو الإشارة أو التعليمات الصريحة -في بعض الأحيان- التي تصدر من الكنيسة هي التي تسيّر أغلبية المجتمع القبطي.

*  وما رأيكم الشخصي في هذا السلوك؟
- هذا المسلك يمثل خطورة شديدة على الأقباط أولا، وعلى الكنيسة ثانيا، وعلى مصر دولة وشعبا؛ فالأقباط بهجرتهم للكنيسة وتشجيع الكنيسة لهذه الهجرة يتنازلون جميعا بشكل طوعي عن حق المواطنة، ويستبدلون دور الكنيسة بدور الدولة؛ الأمر الذي يضر بالجميع في نهاية الأمر.
*  وما الحل من وجهة نظرك؟
- لا حل إلا بأن ترفع الكنيسة يدها عن الأقباط، وأن تكتفي بأداء الدور الروحي فقط، على أن تتكفل الدولة بتفعيل دور الأقباط في الحركة السياسية، وأن تقوم الأحزاب بدورها في تفعيل حركة الجماهير (مسلمين ومسيحيين) حتى نعيد مرة أخرى روح المشاركة الحقيقية لكل الفئات في مصر.


* هل من مصلحة الأقباط الاستجابة لدعوات التعاون والتنسيق مع حركات الإسلام السياسي من أجل إحداث التغيير؟
- تيار الإسلام السياسي قوة موجودة في الشارع لا يملك أحد إلغاءها، والدعوة إلى الإصلاح السياسي الحقيقي في مصر تقتضي التحالف بين كافة القوى السياسية الحقيقية (وفق برنامج واضح ينحصر في شعارين أساسيين: المطالبة بالديمقراطية الحقيقية، وإعمال مبدأ الحريات). 
والمسيحيون المصريون ليسوا خارج هذا السياق؛ فهم يجب أن يكونوا بجوار كافة التيارات السياسية وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين -في إطار جبهة أو تحالف واحد- لتحقيق الإصلاح المنشود، وليس من حق الأقباط أن يشرطوا مشاركتهم في مثل هذا التحالف الوطني أو غيره باستبعاد فريق سياسي بعينه؛ لأن المشاركة يجب أن تكون على أرضية سياسية وديمقراطية وليست وفق أرضية طائفية.
ولكن يجب أن نشير هنا إلى تخوفات مشروعة لدى الأقباط؛ فمن حقهم أن يتحفظوا وينزعجوا من ممارسات سابقة لتيار الإسلام السياسي وفي مقدمته "الإخوان المسلمون"؛ فهذا التيار ارتكب فظائع كثيرة في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وخرجت من بين منظماته وبأقلام قادته فتاوى عديدة فيما يخص أهل الذمة ومفهوم الجزية وبناء دور العبادة للمسيحيين، فكيف يمكن أن يتصور الأقباط خيرا عندما يحكم هؤلاء. 
ومن هنا أقول: إن على تيار الإسلام السياسي وفي القلب منهم الإخوان المسلمون أن يغيروا من خطابهم السياسي، ويعلنوا هذا التطور في الخطاب الجديد، خاصة فيما يتعلق بالموقف من الآخر، بغير هذا لن تتولد أي ثقة بين الطرفين.

*  هل من مصلحة الأقباط تشكيل كيانات سياسية خاصة بهم في هذا التوقيت أو في المستقبل؟
- هذا من وجهة نظري خطر على مصر وعلى الشعب المصري بكافة انتماءاته الدينية والسياسية؛ لأن هذا معناه تكريس الطائفية بكل معانيها. ولكن الحل الحقيقي -كما قلت- يكمن في الاندماج والمشاركة السياسية على أسس وبرامج سياسية بعيدا عن المطالب الطائفية.