الجمعة 26 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عصام سلطان في حواره مع عبد الرحيم علي:  الإخوان يرون أنهم بديل عن الدولة، وليسوا جزءا من النظام السياسي والدستوري

نُشر هذا الحوار في موقع "إسلام أون لاين نت" بتاريخ يوليو 2012

نشر
عبد الرحيم علي

عصام سلطان المحامى، أحد أبرز مؤسسي حزب الوسط، رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة (1986)، وهى الفترة التي شهدت سيطرة شباب "الإخوان المسلمون" على الجامعات، حيث استطاعوا سحب البساط من تحت أقدام الجماعات الإسلامية الراديكالية (كالجهاد والجماعة الإسلامية).

قضى سلطان ما يقرب من ستة عشر عاما عضواً بارزاً في "جماعة الإخوان المسلمون" اقترب من الرموز التاريخية للجماعة، ويتحدث باحترام وتقدير- مثل رموز جيله من الشباب - عن دور المرشد الأسبق عمر التلمساني الذي هيأ مناخ الانفتاح والتواصل مع الشباب ومع المجتمع والنظام بشكل عام، ويتحدث بمرارة عن أدوار سلبية لجماعة "النظام الخاص" من الحرس القديم، الذين فرضوا نهجهم ومنهجهم على مسيرة "الإخوان" التنظيمية والفكرية.

عصام سلطان 

وكيف رفضوا – بل تصدوا – أي محاولة للتجديد والتطوير، وضاقت صدورهم بالنقد، خاصة عندما يأتي من جيل الشباب،  يقول سلطان إن السرية هي التي ساعدتهم في تمرير أفكارهم ورؤاهم وعدم التزامهم بالشورى والمنهج الديمقراطي داخل الأطر التنظيمية للجماعة، وساعدتهم أيضا في ارتكاب تجاوزات مالية تصل إلى حد الفساد والإفساد.

عصام سلطان.. صاحب رسالة الاستقالة الشهيرة، احتجاجا على "بيعة المقابر"، حيث اعترض على هذه الطريقة المباغتة –والبعيدة- عن الشورى والديمقراطية، بل ونظام الإخوان الداخلي، وهو يرى أن الجماعة محكومة "بالكتب الصفراء"، امتيازات خيالية للبعض دون رقابة ولا محاسبة، كل ذلك يتم تحت مبرر واحد  "الحفاظ على أمن الجماعة"!

عبد المنعم أبو الفتوح 

في محض نقاش طويل أجريناه معه وامتد لأكثر من جلسة، كان مما دار في هذا النقاش الآتي:

كنت موجوداً داخل الإخوان لمدة ستة عشر عاما، كم من جيل الشباب وصل إلى مكتب الإرشاد؟ وهل حدث تغيير في تركيبة هذا المكتب طوال تلك الفترة؟

أول مكتب إرشاد منتخب كان في سنة 1992، وأول واحد من جيل الشباب دخل المكتب كان ( عبد المنعم أبو الفتوح ) عام 1986 بالتعيين، وفى غيبة مصطفى مشهور والهضيبي، اللذين كانا خارج مصر في هذا التوقيت، وفي عام 1992 تكرر وصول أبو الفتوح للمكتب، ولكن هذه المرة كان بالانتخاب ولم يكن هناك حتى هذه اللحظة غيرة من جيل الشباب في المكتب.

هل يمكن اعتبار الدكتور محمد حبيب من الشباب؟

لا،  "حبيب" عمره 64 سنة، ودخل مكتب الإرشاد في التسعينيات، قلت في بعض الحوارات السابقة إن النظام الخاص لم يعد له وجود داخل الجماعة، ولكن رجاله استطاعوا تحويل مؤسسات الجماعة للعمل وفق أسلوب النظام الخاص.

الدكتور محمد حبيب

 ما معنى هذا الكلام؟

من أهم سمات النظام الخاص السمع والطاعة، وهم استطاعوا التوسع في هذا المفهوم حتى أصبحت مصلحة التنظيم تعلو فوق مصلحة ومقتضيات الشرع نفسه وربما فوق الإسلام في بعض الحالات.

 الشيء الآخر أنهم ثبتوا مفهوم أنهم يمثلون الإسلام وبالتالي من يختلف معهم فهو بالضرورة يختلف مع الإسلام، في حين أن مدرسة الدعوة التي كان يقودها الأستاذ البنا كانت ترى أن فهمها للإسلام فهم بشري وأن من يختلف معه فهو يختلف مع فهم بشري مثله، وبالتالي لا بأس من أن تتعدد وجهات النظر.

 القضية الثالثة أنهم يرون أنهم شيء والدولة شيء آخر، وبالتالي فهم بديل عن تلك الدولة، وليسوا جزءا من النظام السياسي والدستوري الموجود في البلد.

 المسألة الرابعة أن هؤلاء الناس فهموا كلام الأستاذ البنا حول الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم ثم الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية فهما خاطئا؛ لذلك فهم يعتقدون أن مرحلة الفرد المسلم انتهت ومرحلة الأسرة المسلمة انتهت ومرحلة المجتمع المسلم في طريقها للانتهاء، ولم يتبق أمامهم سوى مرحلة الدولة الإسلامية؛ ولذلك يجب تكريس الجهود في اتجاه قيام تلك الدولة، وهذا الكلام يعني بالضرورة أن الدولة الموجودة غير إسلامية.

الأخطر في الأمر أنهم لا يقدمون أية إجابات حول سبل الانتقال من مرحلة المجتمع المسلم إلى الدولة الإسلامية، ولأن البشرية لم تعرف سوى طريقين لمثل هذا الانتقال، الطريق السلمي عبر الأحزاب وصناديق الاقتراع والطريق الآخر هو الثورة، فإن أحدا من قادة الجماعة – وبخاصة رجال النظام الخاص – لا يجيبك عندما تسأله هذا السؤال.

هل هذه الرؤية تنطبق على الجيل الجديد؟

الجيل الجديد ونحن كأفراد حسمنا هذه القضية وأسسنا حزب الوسط وقررنا خوض الشوط إلى نهايته، بالطبع هناك آخرون من أبناء هذا الجيل لم يحسموا هذه القضية بعد، ولكن في المجمل هذا الجيل يرفض العنف كطريقة للتغيير.

كيف يكون 95% من كوادر وأعضاء الجماعة من الشباب، والقوى التقليدية ما زالت تتحكم في مسار الجماعة، ألا يمثل هذا مفارقة عجيبة؟

أنا في تصوري أن الحكومة لها دور كبير جداً، وذلك بغلقها الأبواب على الجماعة وإجبارها دائما على العمل بشكل سري الأمر الذي يساعد على احتلال الهاجس الأمني داخل الأطر التنظيمية للجماعة على الحيز لأكبر من تفكير ورؤية الجميع، وهذا يصب بشكل أو آخر في صالح جيل الحرس القديم، الذي يرفض تقديم أية معلومات أو اعتماد مبدأ الشفافية في إدارة أمور الجماعة بدعوى الظروف الأمنية التي تمر بها الجماعة.

كان قديمًا يقولون في التنظيمات اليسارية إن "اللى معاه المطبعة ومعاه الفلوس هو الذي يحكم وهو الذي يستمر"، هل هذا يمكن أن يطبق على الإخوان؟

لا ليست المطبعة والأموال في الإخوان هما المشكلة ولكن القائد التنظيمي، فلا المفكر الإسلامي ولا الخطيب ولا العالم ولا السياسي ولا المصلح ولا اللي معاه الفلوس، وإنما القائد التنظيمي المباشر، لذلك استطاع رجال النظام الخاص حسم مسألة القيادة في السبعينيات والثمانينيات لأن عقدهم لم يكن قد انفرط بعد وكانوا مجموعة متماسكة، في حين أن عقد الجماعة التي أسسها البنا نفسه كان قد انفرط بقرار سحب الترخيص منها في عام 1954.

هل استطاع رجال النظام الخاص أن يفرزوا صفا ثانيا يمكنه السيطرة على مسار الجماعة بعد رحيل هذا الجيل؟

بالطبع ولكن بصورة أسوأ من هذا الجيل! 

أنت عاصرت محاولات الإخوان في عام1995 إنتاج رؤى جديدة متعلقة بالموقف من المرأة والتعددية السياسية، ما هي الصراعات التي كانت موجودة حول هذا الموضوع؟ وهل عارض الحرس القديم هذا التوجه؟ وما الذي دعاه إلى الموافقة وتمرير هذه المشروعات الجديدة إذا كان هو المسيطر كما تقول؟

شهدت فترة الثمانينيات قفزة كبيرة في مجال العمل السياسي الإخواني، أنتجت جيلا منفتحا، وقد ضغط هذا الجيل على القيادة التي لم تستطع تحمل هذا الضغط، فتركت له هامشا كبيرا من حرية الحركة استطاع من خلالها تحقيق عدد من الانتصارات، كان في مقدمتها الانفتاح على القوى السياسية الأخرى وبناء جسور ثقة في العلاقة مع الدولة والنظام السياسي الحاكم، واستطاعوا أن يطرحوا رؤيتهم في قضايا المرأة والقبول بالتعددية السياسية وغيرها من القضايا التي كان يعارضهم فيها الحرس القديم، وأصحاب الفكر المستقى من الكتب الصفراء.

ألمحت في بعض الحوارات حول احتمالية وجود فساد مالي، هل لديك معلومات واضحة حول هذا الموضوع؟.

طبعاً هناك فساد مالي ضخم؛ لأنه لا يوجد رقابة على مصادر الصرف ولا توجد ميزانية ثابتة ولا وجود لأرقام حصرية حول حجم الاشتراكات أو التبرعات أو التحويلات التي تأتي من الخارج؛ لذلك فهناك أشخاص في الجماعة تتعدى مرتباتهم "عشرة آلاف جنيه شهريا" تصرف له من ميزانية الجماعة.

هل هذه الأموال التي يتم تحويلها من الخارج تأتي بأسماء أشخاص أم مؤسسات؟

بالطبع لا أستطيع أن أذكر أسماء، ولكن الأموال تحول لأشخاص خارج الصورة تماما، وهناك توكيلات من هؤلاء الأشخاص لآخرين تحسبا لأي ظرف طارئ.

قلت إنهم يغلبون مصلحة التنظيم على مصلحة المشروع؟ هل لديك أمثلة توضح بها ماذا تعني؟

في الانتخابات البرلمانية على سبيل المثال، يكون معلوما لدى القيادة أن الحكومة ستقوم بتزوير الانتخابات، وأن أحدا من كوادر الجماعة لن ينجح، ومع هذا تقوم بإلقاء الشباب في أتون تلك المعركة ويكون مصيرهم السجن بشكل مستمر ومتكرر.

هناك أيضا قضايا قومية ذات حساسية خاصة في مصر مثل الموقف من الأقباط، الجماعة تتخذ فيها مواقف مؤلمة للأمة بشكل عام دون مراعاة لما تحققه من أضرار للفكرة الإسلامية، أيضا إصرار قادة الجماعة على وجود تنظيم الإخوان بهذا الشكل الذي عفى عليه الزمن، على الرغم مما يسببه للأمة من مآسٍ وللفكرة الإسلامية من أضرار، كل هذا انتصار للتنظيم على حساب المشروع الإسلامي.