الخميس 28 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

محمد حمزة في حواره مع عبدالرحيم علي: النضال الفلسطيني يعود للمربع صفر

نُشر هذا الحوار بموقع "اسلام أون لاين نت"بتاريخ 23 أكتوبر 2002

نشر
عبد الرحيم علي

محمد حمزة: النضال الفلسطيني يعود للمربع صفر

عامان على الانتفاضة، هل عدنا إلى المربع رقم واحد؟ هذا ما دفعنا للحديث مع الدكتور محمد حمزة الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي والمستشار السابق للمناضل الفلسطيني أبو جهاد ومدير مركز "مقدس" للدراسات السياسية والإستراتيجية بمدينة غزة حاليا. 

الدكتور محمد حمزة الخبير الإستراتيجي 

* بداية.. ما هي الأهداف التي وضعتها الانتفاضة نصب عينيها.. وماذا تحقق منها وما لم يتحقق منها حتى الآن؟ 

- لا يمكن الحديث عن أهداف الانتفاضة وما تحقق منها دون الحديث عن السياق التاريخي للانتفاضة نفسها. 

فقد بدأت الانتفاضة في أعقاب الأزمة التي وصلت إليها المفاوضات –خاصة كامب ديفيد وتفاهمات طابا– وذلك في الفترة التي أعقبت سقوط نتنياهو وصعود باراك، فقد كان مشروع حزب العمل يستند إلى وعود بإمكانية تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: الأول الانسحاب من جنوب لبنان من طرف واحد؛ والثاني التوصل إلى اتفاقية ترتيبات نهائية مع الجانب الفلسطيني؛ والثالث التوصل إلى اتفاق نهائي مع السوريين بخصوص الجولان. 

باراك أوباما، الرئيس الأمريكي الأسبق

وكانت خطة باراك الأساسية للتوصل إلى اتفاقية ترتيبات نهائية مع الجانب الفلسطيني تتمثل في الالتفاف على السياسة التي تتبعها السلطة الفلسطينية التي اعتمدت على إمكانية استغلال أوسلو لتحرير 90% من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 قبل التفاوض حول الوضع النهائي أو ما يسمى بالقضايا الخمس الأساسية "القدس واللاجئين والمياه والحدود والمستوطنات". 

وبدا واضحا إصرار باراك على منع القيادة الفلسطينية من الحصول على 90% من الأرض دون أن يتم إغلاق ملف الصراع وتقديم تنازلات فلسطينية تتعلق بالقضايا الخمس الرئيسية؛ لذلك عرض باراك على عرفات القفز على المرحلة الانتقالية، والتوصل إلى صفقة شاملة حول ترتيبات الوضع النهائي، في الوقت الذي بدا واضحا أنه لا يمكن تجاهل الهوة بين الطرفين فيما يتعلق بالموقف من القضايا الخمس الأساسية. 

ياسر غرفات، الرئيس الفلسطيني الأسبق

عرفات أضاع الفرصة 

* ولكن البعض يرى أن عرفات أضاع فرصة كبيرة في كامب ديفيد، وتحديدا في خلال فترة حكم باراك وحزب العمل؟ 

- هذا صحيح من وجهة نظر إدارة الصراع، حيث كان هناك رهان أساسي على أن إسرائيل لن تنفذ ما جاء في كامب ديفيد وفي وثيقة كلينتون، وكان يمكن تفادي إلقاء اللوم على عرفات، واعتبار أنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام.. هكذا قالها باراك والاتحاد الأوروبي وكلينتون.

 أضف إلى ذلك أنه طبقا للاتفاق كان مطلوبا من إسرائيل في المرحلة الأولى –ودون أي مطالب على عرفات- أن تقوم بتفكيك مائة مستوطنة ومستوطنة؛ الأمر الذي كان سيحدث زلزالا داخل إسرائيل؛ ومن الممكن أن يشعل حربا أهلية، بالإضافة إلى أنه يضرب الأساس الفكري والعقائدي الذي قام عليه المشروع الإسرائيلي والصهيوني برمته.

 وما كان على عرفات إلا أن يوافق على التوقيع بالأحرف الأولى، ويؤجل التوقيع النهائي لحين التزام إسرائيل، كتكنيك لإدارة الصراع مع الحكومة الإسرائيلية في ظل ظروف دولية غير مواتية لحلول بديلة. 

التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد

* ولكن ألا ترى أن نفس الزلزال الذي كان سيحدثه التوقيع على كامب ديفيد أو ورقة كلينتون في إسرائيل سيحدث أفظع منه في فلسطين وداخل الدول العربية؟ 

- نعم.. أدرك هذا. ولكن كان على عرفات أن يدعو إلى قمة عربية ليأخذ إجماعا بالموافقة على خوض مثل هذا التكتيك؛ وأن يطلب من الفصائل الفلسطينية هدنة لمدة سنة لضمان الصراع على الجانب الإسرائيلي فقط. وهنا تبرز أهمية القيادة التاريخية ودورها في صنع واتخاذ قرار تاريخي، متحملة كافة نتائجه على أرض الواقع طالما أنه لا يغلق الصراع. 

الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية

*وما أدراك أن إسرائيل كانت ستطلب توقيعا نهائيا وليس بالأحرف الأولى؟ 

- الظروف كانت مواتية لذلك. فموقف باراك في الداخل كان ضعيفا إلى الحد الذي طلب فيه من عرفات إصدار بيان مشترك لينقذ نفسه في الداخل، بعدما استقال معظم وزرائه ولم يبق معه سوى ثمانية. إلى جانب أن كلينتون كان في حاجة ماسة لإنجاز مثل هذا الاتفاق في أسرع وقت ممكن ليختتم به حياته السياسية.

 فكان الجميع سيقبلون لو وافق عرفات، وبهذا التصور، أوافق على أن عرفات أضاع فرصة تاريخية؛ عاد وقبل بها الجميع في مؤتمر بيروت. فما مقررات القمة سوى "كلينتون" مضافا إليها الأراضي العربية الأخرى في سوريا ولبنان، أو ما يسمى بالحل الشامل الذي هبط سقفه الآن إلى التباحث عبر اللجنة الرباعية حول ورقة بوش المتضمنة دولة مؤقتة على 43% من الأرض لمدة خمس سنوات.. أي أننا أمام مزيد من العودة إلى الوراء بالقياس بورقة كلينتون. 

اتفاقية أوسلو

*إذن هذه هي الأرضية التي مهدت للانتفاضة؟ 

- نعم.. فلم تكن زيارة شارون للمسجد الأقصى سوى الشرارة التي أشعلت الأرض المزروعة بالألغام. فقد كان واضحا بعد كامب ديفيد، أن "أوسلو" وصلت إلى طريق مسدود؛ وكان الشعب الفلسطيني يرغب في وضع حد لسياسة المماطلة التي اتبعتها إسرائيل طوال السنوات السبع من بدء أوسلو حتى كامب ديفيد، والتي لم تفض سوى إلا استلام السلطة لما لا يتجاوز 40% من الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. 

عسكرة الانتفاضة 

* ماذا عن بداية الانتفاضة والعوامل التي أدت لتحولها إلى المسار العسكري؟ 

- بدأت الانتفاضة عفوية وشعبية في مرحلتها الأولى، حيث شارك فيها غالبية الشعب الفلسطيني. وبدا واضحا منذ اللحظة الأولى أنها ستتخذ نفس طابع الانتفاضة الأولى، مستخدمة كافة أشكال الاحتجاج الشعبي. 

وتركزت المواجهات الأولى للانتفاضة حول نقاط تمركز القوات الإسرائيلية وحول المستوطنات، بالإضافة إلى تعظيم حركة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، والسعي إلى كسب تعاطف الرأي العالمي والضغط على إسرائيل لحملها على الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والعودة إلى طاولة المفاوضات وتنفيذ الاتفاق المرحلي الذي يقضي بحصول الفلسطينيين على 90% من الأرض، تمهيدا للاتفاق النهائي الذي يقضي في  مسائل الحدود واللاجئين والمياه والسيادة على القدس الشرقية والمستوطنات. 

*إذن ما الذي جعل الانتفاضة تتطور إلى استخدام أسلوب العمليات العسكرية؟ 

- في البداية، لعب العنف الإسرائيلي تجاه الانتفاضة دورا أساسيا. فقد أنذرهم باراك بسحق الانتفاضة إن هي استمرت لأكثر من 48 ساعة قادمة، وعندما جاء شارون واجه المنتفضين بطائرات الأباتشي والدبابات والأسلحة الثقيلة.. كل ذلك ساعد على التحول السريع في مسار الانتفاضة نحو العمل العسكري. 

 

شارون يعود بالقضية إلى الوراء

* هل تعتقد أن إسرائيل كانت تفكر في ذلك قبل استخدامها لهذه الأدوات – أي أنها كانت تريد دفع الانتفاضة للعمل العسكري حتى تستطيع ممارسة أقصى درجات التصعيد تجاهها؟ 

- نعم، كان شارون يدفع الانتفاضة والمنتفضين عمدًا إلى التسليح، فهذا مجاله المفضل؛ وأكثر من هذا أنه كان يعرقل –وما زال– أي اتجاه ناحية حل سياسي، دافعا بكل قوة الانتفاضة إلى مزيد من الأعمال العسكرية التي أتاحت له تحالفا من نوع لم تشهد إسرائيل مثيلا له بين هيئة الأركان ورئيس الحكومة شارون وبين الشعب الإسرائيلي نفسه الذي وقف خلف شارون مؤيدا كل ما من شأنه سحق الأعمال العسكرية للانتفاضة والتصدي لها. 

فشارون وكل القوى داخل إسرائيل كانت تعلم أنه ينقل الصراع إلى أرض عسكرية، فإن شارون يستطيع استغلال الوضع الدولي ونظام القوى المختل لصالح إسرائيل، للتفوق على الانتفاضة والعودة بالقضية الفلسطينية إلى المربع رقم واحد؛ وربما الرقم صفر عندما يستطيع إكمال مخططه المفضل "الأردن هي فلسطين" وممارسة أسلوب الترانسفير.. فكل شيء بعدما حدث مؤخرا يصبح احتمالا مقبولا. 

لم ندرك تغير الداخل الإسرائيلي 

* هل كان يمكن من وجهة نظرك الالتفاف على خطة شارون وعدم الانجرار إلى نقل الصراع على الأرضية العسكرية؟ 

- كان يمكن ذلك في حالة واحدة؛ لو أننا درسنا جيدا المتغيرات التي حدثت داخل المجتمع الإسرائيلي، وأدت إلى صعود شارون بفارق 25% عن باراك. فقد أصبح مزاج الشعب الإسرائيلي السياسي يميل بشدة ناحية اليمين؛ وشاعت مقولات "باراك" حتى باتت في حكم الحقائق "أنه لا يوجد شريك للسلام بين الفلسطينيين"؛ وذلك عقب فشل مباحثات كامب ديفيد؛ الأمر الذي أدى بالشعب الإسرائيلي إلى القبول باستخدام القوة المفرطة بدون تحفظ لقمع الانتفاضة.

مباحثات كامب ديفيد 

 وهو ما لم نفهمه، أو بالأحرى تفهمه الفصائل الفلسطينية، التي راحت على العكس تنقل الصراع مرة أخرى من التسليح المرتبط بأراضي 1967 إلى الضرب في عمق إسرائيل؛ وهو ما ساعد مرة أخرى على صف المجتمع الإسرائيلي بأكمله خلف "شارون".

 وانتهى الأمر بالانتفاضة من انتفاضة شعبية إلى عمليات عسكرية استشهادية، تمارسها فصائل بعينها عن طريق أجنحتها المسلحة. وتم عزل الشعب الفلسطيني عن المشاركة بحكم الطبيعة؛ فقد تحولت الانتفاضة إلى معركة مسلحة أو بالأحرى حرب بين طرفين لا مكان فيها ولا دور للشعب الذي زادت معاناته بشكل لم يسبق له مثيل منذ دخول السلطة للأراضي الفلسطينية عام 1993. 

العمليات الاستشهادية "انتقامية" 

*هناك مقولات عديدة صاحبت العمليات الاستشهادية.. ما هو تقييمك الشخصي لها؟ 

-  لقد تحولت هذه العمليات للأسف إلى عمليات ثأر وانتقام لمقتل عناصر المقاومة التي تقود الفصائل الفلسطينية المسلحة؛ وفشلت في تحقيق أهدافها الرئيسية في إجبار شارون وآلته العسكرية على التراجع أو دفع الإسرائيليين لإسقاط شارون. 

أحداث 11 سبتمبر

فكل يوم تزداد شعبية شارون داخل إسرائيل؛ هذا في الوقت الذي ازدادت بشاعة العمليات التي تقوم بها الآلة العسكرية الإسرائيلية، خاصة بعد المتغيرات التي أحدثتها حقبة ما بعد 11 سبتمبر، ونجاح شارون في الربط بين المقاومة المشروعة والإرهاب – خاصة أن المجتمع الغربي لا يستطيع تفهم العمليات التي توجه ضد مدنيين. 

وبالتالي، فهذه العمليات لم تحقق هدفا فلسطينيا وطنيا أو قوميا؛ وإنما حققت فقط رغبة الانتقام. وهذا لا مجال له في السياسة؛ فالسياسة فن تحقيق الهدف والوصول للغايات وليس الاندفاع بأقصى قوة نحو هوة الانتحار أو بالأحرى "النحر". 

مستقبل مظلم 

*ما هو تقييمك للوضع الحالي بعد عامين من الانتفاضة؟ 

- القضية الفلسطينية  تمر الآن بأخطر مرحلة من مراحلها؛ وكل الاحتمالات الآن مفتوحة: الترانسفير مفتوح، قتل عرفات وإحداث فراغ في السلطة مفتوح، إبقاء الوضع على ما هو عليه مع نزع مكاسب لشارون وآلته العسكرية مفتوح أيضا.

 فللأسف.. لقد تحولت الانتفاضة في جزء منها إلى صراع مكتوم على السلطة؛ فكلما كانت تقترب مجموعة عرفات من تحقيق أي نجاح على أرض الواقع أو تقدم نحو الحل السياسي، قامت منظمة فلسطينية بعملية استشهادية داخل القدس أو تل أبيب، وهو ما يعيد المواجهة من جديد. 

والآن يجب أن تجلس جميع الفصائل وتقوم بعمل ما، كان يجب عمله منذ بدء الانتفاضة: دراسة وتقييم شامل لمسيرة الانتفاضة وتحولاتها، والنتائج المحققة سلبا وإيجابا طوال هذين العامين. يجب أيضا تغليب المصحة العامة، وإيجاد قيادة موحدة تمثل فيها كافة الفصائل للعمل الوطني الفلسطيني في هذه المرحلة. 

يجب أيضا وضع دستور للعمل يتضمن أهدافا واضحة وخططا مرحلية وإستراتيجية شاملة، تقيس بمقياس جماعي وطني كل الأساليب والتكتيكات، ومدى ملاءمتها لكل مرحلة من المراحل. يجب استعادة تعاطف الرأي العام العالمي والتعامل معه بكل الجدية اللازمة.

الفصائل الفلسطينية

 فالشعوب – طوال التاريخ البشري- وكما تثبت كافة التجارب لم تتمكن من تحقيق الانتصارات إلا في ظل وحدة القرار السياسي. مطلوب أيضا مساندة عربية موسعة.. فالقرار الفلسطيني المستقل لم يعد قائما بعد؛ وإن لم نسرع في إعادة التقييم واتخاذ قرارات شجاعة وتاريخية، فإن الطوفان قادم لا محالة.. والانهيار مؤكد الحدوث إن لم يكن قد بدأ.