الثلاثاء 08 أكتوبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لعبد الرحيم على : الانتفاضة مثلت الرد الشعبي الفلسطيني 

نشر هذا الحوار بتاريخ 28/09/2004 فى إسلام أون لاين.نت

نشر
عبد الرحيم علي

حواتمة: انتفاضة الاستقلال مثل إعادة الاعتبار لحركة الشارع الفلسطيني .

أهداف الانتفاضة انتزاع الاستقلال الوطني الناجز وقف التلاعب بالحقوق الوطنية الفلسطينية. 

قال نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين: إن المحصلة النهائية لما حققته الانتفاضة طوال أربع سنوات حتى الآن، رغم الصعوبات والإخفاقات والظروف الصعبة التي واجهتها، كبيرة جدًّا، ويمكن البناء عليها بالمراكمة وبتجاوز حالات الخلل التي شابت عمل فعاليات الانتفاضة.

وأضاف حواتمة في حوار شامل مع «إسلام أون لاين.نت» بمناسبة دخول الانتفاضة عامها الخامس أن تحصين الانتفاضة يتم من خلال تعميق طابعها الديمقراطي وتهديف فعالياتها، كما شدد على أن الإخفاق الأكبر للانتفاضة يتمثل في غياب البرنامج الوطني الفلسطيني الموحّد، القيادة السياسية الموحّدة، وحكومة وحدة وطنية بجانب غياب الإصلاح الديمقراطي الشامل لمؤسسات السلطة الفلسطينية حتى الآن.

ورفض حواتمة القول بتراجع الانتفاضة نتيجة للوضع الدولي والعربي الحالي، وقال: "إن الحديث عن استمرارية المقاومة والانتفاضة ربطاً بالوضع العربي والدولي في إشارة إلى احتمال تراجعها يفتقد إلى الدقة والعلمية"، وأضاف "نحن لا نملك سوى خيار المواجهة. وحتى نستطيع أن نصمد يجب أن نعزز صمودنا بتحصين البيت الداخلي الفلسطيني والانتفاضة بعملية إصلاح شاملة تعيد بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية على أسس ديمقراطية جبهوية ائتلافية، ينتفي منها الفساد والهيمنة والاستفراد.

وفيما يلي نص الحوار:

* سيد حواتمة: اندلعت الانتفاضة الثانية في أعقاب زيارة شارون للحرم القدسي، لكن تطور الأحداث يشير إلى أن الأمر كان أبعد من مجرد رد فعل على هذه الزيارة، وقد اتهمت المصادر الإسرائيلية الرئيس عرفات بتبييت النية على إطلاق ما أسمته (موجة عنف) ردًّا على فشل مسيرة المفاوضات، خاصة بعد كامب ديفيد (كلينتون، باراك، عرفات).

أ- الآن كيف يمكنكم تقويم الدوافع الحقيقية والظروف الميدانية وراء اندلاع الانتفاضة الثانية؟

ب- وما هي العلاقة بين ما هو عفوي وما يتعلق بعناصر الإرادة والتصميم على اعتماد خيار الانتفاضة في عام 2000؟

** انفجار انتفاضة الاستقلال في (28 سبتمبر 2000) مثل إعادة الاعتبار لحركة الشارع الفلسطيني بخياراته الواسعة بعد أن وصلت أوسلو إلى طريق مسدود عقب الفشل الذريع الذي نتج عن مفاوضات كامب ديفيد2 (يوليو 2000).

فلقد تواصلت النشاطات الاستيطانية بوتائر متسارعة في ظل استمرار المفاوضات حول استحقاقات المرحلة الانتقالية، وبدء مفاوضات الوضع الدائم. واستخدمت إسرائيل المفاوضات كغطاء لكسب الوقت وفرض الأمر الواقع الاستيطاني بتحويله إلى عامل رئيسي في رسم حدود التسوية في المسار الفلسطيني، وخاصة في محيط القدس وفي بقية مناطق الضفة الفلسطينية (الأنشطة الاستيطانية تضاعفت 300% عما كانت عليه قبل أوسلو2، وتضاعفت أعداد المستوطنين)، وسقطت على أرض الواقع الأحلام الوردية بتحويل غزة إلى "سينغافورة المتوسط"، بعد أن كرس اتفاق باريس الهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية، واستمرار إجراءات الإغلاق والحصار الإسرائيلية، ولم تكن أموال الدعم التي قدمتها الدول المانحة بقادرة على أن تفعل شيئاً بحكم عدم كفاية أموال الدعم هذه، والأولويات الخاصة التي كانت تفرضها الدول المانحة اشتقاقاً من مصالحها، أو الدور المحدد لها في بنية النظام الاقتصادي العتيد، والنهج الاقتصادي والاجتماعي للسلطة الفلسطينية، الذي غذى عمليات النهب الطفيلي لموارد المجتمع المنتج عبر وسائل متعددة.

يضاف إلى كل هذا سياسات التدمير المنهجي واليومي التي كانت وما زالت تمارسه قوات الاحتلال بحق البنية التحتية للمجتمع الفلسطيني. وجرّاء كل هذا استفحلت البطالة، وتدنى مستوى المعيشة إلى أرقام قياسية، وارتفعت نسبة الفقر.

لذلك فإن الانتفاضة مثلت الرد الشعبي الفلسطيني على ما آلت إليه الأمور بعد سنوات عديدة من المفاوضات المتعثرة ذات المسار التراجعي على كل المستويات السياسية والاقتصادية والحياتية المباشرة.

وقد حملت انتفاضة الاستقلال (28/9/2000)، في طياتها أيضا الرد على استمرار القبضة الأمنية الإسرائيلية على حقوق الإنسان الفلسطيني، وعلى البنود الأمنية للاتفاقيات المبرمة وتناقضها مع الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، والنهج الاستبدادي للسلطة الفلسطينية.

لذلك لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال، وصف تفجر انتفاضة المقدسات والاستقلال، بأنها مثلت ردًّا عفويًّا على تدنيس شارون لحرمة المسجد الأقصى. الأمور أبعد وأعمق من ذلك بكثير. انفجار الانتفاضة في لحظته كان عفويًّا، أما الانتفاضة فهي نتاج عشر سنوات عجاف من الحلول الجزئية والمجزوءة، وعشر سنوات عجاف من استبداد وفساد أجهزة السلطة الفلسطينية.

* ما هي الأهداف التفصيلية التي تبنتها الانتفاضة عند انطلاقتها لترسم بها الطريق نحو الهدف الأكبر، المتمثل في التحرير الكامل للأرض؟ وهل دخلتم ساحة الانتفاضة متوافقين على نفس الأهداف التي دخل بها غيركم، أم كانت لكم رؤية ما متمايزة عن الآخرين؟ وهل حدث تطور على لائحة هذه الأهداف، فرضته ظروف الواقع، وما طبيعة مثل هذا التطور؟

** بداية أقول إن كل ما ذكرته في إجابتي على السؤال الأول مثل الأهداف التفصيلية التي كانت الانتفاضة قد رفعتها وسعت لتحقيقها في معركة انتزاع الاستقلال الوطني الناجز، وقف التلاعب بالحقوق الوطنية الفلسطينية، ومقاومة تنامي عمليات الاستيطان التي تنهب الأرض الفلسطينية بسرعة قياسية، ومنع تهويد القدس، وشطب حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم حسب ما ينص عليه القرار الدولي 194، ومكافحة الفساد السياسي والمالي في السلطة الفلسطينية، الذي بات يهدد بالدمار مسيرتنا النضالية في هذه المرحلة السياسية العصيبة والدقيقة.

البعض ركب موجة الانتفاضة التي رأى أنها بدأت تطيح بنهجه السياسي الذي مارسه على مدار سنوات طويلة، لكن الخط العام للانتفاضة بقي متماسكاً، رغم العديد من الشوائب.

ولكن حدة الهجمة الصهيونية، وعودة قوات الاحتلال لاحتلال كامل مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة، وعمليات القتل والاجتياح اليومية لغزة، فرضت على الانتفاضة مواجهات أكثر عنفية، تمثلت في تصعيد المقاومة المسلحة في مواجهة قوات الاحتلال وميليشيات المستوطنين.

وفي العامين الأخيرين وضع صراع أجنحة "السلطة ـ فتح"، الانتفاضة وقواها أمام ملفات داخلية ساخنة، الاستبداد السياسي، الفردية، الفساد بمختلف أنواعه، وما يتطلبه ذلك من سرعة في عملية إصلاح بنيوية شاملة تستنهض قوى الانتفاضة المتصاعدة، فكان برنامج (أغسطس 2002)، ووثيقة رام الله (مارس 2004). لكن يبدو أن المعركة ما زالت طويلة مع قوى التسلط والفردية والفساد. وعلى الانتفاضة وقواها أن تطور من نضالاتها وفاعليتها لتحقيق هدف الإصلاح الذي بات يمثل أولوية، وحجر الزاوية لاستمرارنا في الانتفاضة والمقاومة كما ينبغي وبالفعالية والنجاعة المطلوبة.

* بدأت الانتفاضة بمشاركة شعبية واسعة توحي باستعادة الطابع المتميز للانتفاضة الأولى، حيث كان الجميع يحمل حجراً ويلقيه، لكن سرعان ما انحسرت موجات المشاركة الشعبية لتقتصر على المقاومة المسلحة فقط؟

أ): ما هي أسباب ودوافع هذا التحول؟

ب): هل خسرت الانتفاضة شيئاً بعدم الإبقاء على الطابع الشعبي؟

ج): هل كانت هناك إمكانية لاعتماد إستراتيجية توازن ما بين خيار المقاومة المسلحة والطابع الشعبي للانتفاضة؟

** هذا الحكم بإطلاقيته غير صحيح. وعلينا أن نلاحظ بأن العمل الانتفاضي أصبح من مفردات الحياة اليومية للفلسطينيين في الداخل المدعوم بإسناد عالي الوتيرة من كل أبناء شعبنا الفلسطيني في مناطق 48 والشتات، ولكن هذا لا يلغي بالضرورة أن وتيرة المواجهات اليومية ترتفع وتنخفض دون أن تتوقف، وتتنوع وتختلف أشكالها، أحياناً تتركز الفعاليات في مواجهة الجدران العازلة، وأحياناً في مواجهة عمليات الاستيطان، وأحياناً في مواجهة عمليات هدم البيوت واقتلاع الأشجار وتجريف الأراضي الزراعية والمنشآت الصناعية. وأحياناً ضد الفساد والفاسدين، والاستبداد السياسي والفردية، بين كل هذه الفعاليات خط واصل. وتشتت الفعاليات بحكم تشعب المهمات، لكن يبقى الجوهر هو استمرار وتنامي روح المقاومة الجماهيرية في مواجهة قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين.

التوازن يحفظ الطابع الشعبي للانتفاضة

تصاعد أعمال المقاومة المسلحة -كما قلت في جواب سابق- نتيجة لارتفاع وتيرة الدموية الإسرائيلية والاجتياحات، وسياسة القتل اليومي والوحشية الإسرائيلية. تخسر الانتفاضة طابعها الشعبي فقط إذا ما تمت الاستعاضة عن الفعاليات الجماهيرية بأشكال نضالية محددة، لتصبح غاية بحد ذاتها، مثال ذلك "المقاومة المسلحة"، لكن إذا ما استطعنا حفظ التوازن، نكون بذلك قد أوجدنا تكاملاً بين مختلف الأشكال النضالية، وهذا هو المطلوب.

فالتوازن يحفظ الطابع الديمقراطي والشعبي للانتفاضة، ويعزز من دور مؤسسات المجتمع المحلي. لذلك فالبعض رأى في هذا تهديداً لمصالحه ومكتسباته التي حققها بالتفرد والتسلط، فبدأ بشن حرب خفية على الانتفاضة لإفراغها من طابعها الديمقراطي والشعبي قولاً أو عملاً.

 

* الاندفاع لتغليب خيار المقاومة المسلحة، هل كان تحت تأثير تجربة حزب الله في لبنان، وهل كان الوقت والظرف مناسبين لتبني هذا الخيار بدلا عن المقاومة الشعبية التي يمارسها الجميع بالحجارة؟

وهل كان من الأفضل حصر المقاومة في نطاق الأراضي المحتلة عام 1967؟

** يبدو لي هذا السؤال غير مناسب؛ لأن المقاومة الفلسطينية كانت السباقة في الكفاح المسلح، والظروف والشروط النضالية التي خاضت فيها المقاومة الوطنية اللبنانية كفاحها من أجل طرد الاحتلال الإسرائيلي كانت مختلفة تماماً. والإنجاز الذي تحقق في ظل تنامي فعل حزب الله والتضحيات التي قدمها لا يمكن عزله عن التضحيات والمقاومة التي سبقت ذلك بكثير على أيدي أبناء المقاومة الوطنية اللبنانية على مختلف منابتهم ومشاريعهم الفكرية (الشيوعيين، القوميين السوريين، أمل، الحزب الشعبي الناصري، التقدمي الاشتراكي، البعثيين… إلخ).

ورغم كل ما سبق فمن الطبيعي أن يبقى تبادل الخبرة النضالية قائماً، ولكن ليس على مبدأ الاستنساخ والمحاكاة والتقليد كما تشي به صيغة هذا السؤال.

حزب الله معادلة مختلفة

مقاومة حزب الله معادلة لبنانية ـ لبنانية، ولبنانية ـ سورية ـ إيرانية، وعلى قاعدة الجمع بين المقاومة والمفاوضات على يد الدولة اللبنانية في إطار القرار الأممي 425، وعليه كان تفاهم إبريل/ نيسان 1996 المكتوب وتشكيل اللجنة الدولية الإقليمية لتطبيق التفاهم (الولايات المتحدة، فرنسا، لبنان، سوريا، إسرائيل)، ولذا أشرفت الأمم المتحدة على رسم خط الحدود الأزرق في إطار التطبيق الكامل للقرار الدولي 425.

أما الحديث عن حصر المقاومة في المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1967، فنحن نؤكد دائما على ضرورة توجيه المقاومة نحو استهداف قوات الاحتلال وقطعان وميليشيات المستوطنين، مع تحييد المدنيين على جانبي خط الصراع.

مطلوب مراجعة لأشكال المقاومة

* قبل الانتفاضة لم تكن العمليات الاستشهادية واستهداف (المدنيين) بالإضافة لجنود الاحتلال تمثل هدفاً معتمداً لأي من الفصائل الفلسطينية.

أ): ما هي العوامل وراء هذا التحول؟

ب): وما هي الضوابط التي تم اعتمادها لتصاحب تلك العمليات؟

ج): وما الذي ترتب سلباً وإيجاباً من وراء اعتماد هذا المنهج في المقاومة؟

د): ثم ألم يحن الوقت بعد لمراجعة هذه الطريقة في المقاومة؟ وهل تحقق أهدافها أم تحتاج إلى تقويم؟

** تحييد المدنيين على جانبي الصراع أساسه مصلحة شعبنا في ظل الاحتلال الواسع في ميزان القوى، وعدم تورع إسرائيل عن ارتكاب المذابح بحق أبناء شعبنا الأعزل. فهم استطاعوا أن يجعلوا من العمليات التي استهدفت "مدنيين" إسرائيليين مبرراً لتصعيد عمليات القتل والبطش بحق شعبنا وسرقة المزيد من الأراضي عبر إقامة جدران الضم والعزل العنصرية.

وهنا ليس من المفيد الخوض في موضوعة هل يوجد مدنيون في مجتمع عسكري كالمجتمع الإسرائيلي، أو محاولة جعل استهداف المدنيين المحتلين كقيمة أخلاقية مطلقة في ميزان الربح والخسارة. لن أدخل في تفاصيل تحليل عوامل التحول لدى بعض القوى لممارسة هذا النوع من الأعمال المقاومة، والغايات من وراء ذلك. لكن أقول هذا لن يحقق ميزان الرعب والدم، بل سيزيد من خسائرنا الكبيرة في ظل اختلال ميزان القوى لصالح المحتل، وسيضعف من الدعم الدولي لقضيتنا، وسيبقى المجال مفتوحاً أمام الدموية الإسرائيلية لتبرر أعمال قتلها اليومي بحق أبناء شعبنا.

لذلك نحن بحاجة إلى مراجعة انطلاقاً مما تحقق من ممارسة مثل هذه الأشكال المقاومة ربحاً أو خسارة، وبرأينا أن توجيه الجهد المقاوم ضد قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين هو ضرب للحلقة الأضعف والتي بكسرها سننتزع استقلالنا الناجز، لنبني عليه بعد ذلك استمرار نضالنا نحو تحقيق الباقي من أهداف شعبنا.

 

* بعد أقل من عام على انطلاق الانتفاضة وقعت أحداث 11/9/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية.

أ): كيف تمت في حينه قراءة هذا الحدث؟

ب): ما هو تأثير وانعكاسات هذه الأحداث على الانتفاضة؟

ج): ما هي السياسات التي كان من الممكن اعتمادها في أعقاب الأحداث وتم تجاهلها؟

** بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر كانت قراءتنا للحادث واضحة فقد وجدت الإدارة الأمريكية الفرصة سانحة أمامها للمضي بعيداً في سياسات وضع نفسها فوق القانون والشرعية الدولية في مسعاها لبسط سيطرتها على العالم. وكان في مقدمة أجندة هذه السياسة القديمة الجديدة استخدام قوة الدفع المتحققة من أجل إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وكمدخل لهذا شطب القضية الوطنية الفلسطينية التي تشكل عامل عدم استقرار ونزاع دائم ودموي في المنطقة برمتها، وتنامي العداء للسياسات والمصالح الأمريكية في العالمين العربي والإسلامي نتيجة للانحياز الأمريكي الأعمى لصالح إسرائيل.

وغداة ما جرى في نيويورك حذرنا من مغبة الاستهانة بما جرى، ومما قد تلحقه بنا الروح العدوانية الأمريكية التي تنامت، والتي تضع في سلم أولوياتها البطش بقضيتنا الوطنية كمدخل لبسط الهيمنة الأمريكية، المتقاطعة مع مصالح وأجندة الهيمنة التوسعية الإسرائيلية على المنطقة. وبالتأكيد أثرت السياسات الأمريكية الجديدة على انتفاضة شعبنا كونها مكنت إسرائيل من تصعيد عدوانيتها ضد شعبنا الفلسطيني، ومارست ضغوطاً هائلة من أجل وقف الدعم العربي والدولي المحدود الذي كان يقدم لنا. وبدأت السياسة الأمريكية تتبنى بشكل معلن أجندة السياسات الشارونية المتطرفة وتحاول فرضها. وللتخفيف من آثار ونتائج تصاعد الروح العدوانية الأمريكية كان وما زال علينا أن نسد الأبواب أمام الذرائع والمبررات الأمريكية، وأن نعزز من لحمتنا ووحدتنا بتصويب أوضاعنا الداخلية عبر عملية إصلاح ديمقراطية شاملة، تعيد بناء كل مؤسسات م. ت. ف. والسلطة الفلسطينية على أسس ائتلافية جبهوية، ينتفي منها التسلط والفساد والفردية.

ولكن الاستمرار في المراهنة على إمكانية بناء عملية تفاوضية تصل إلى بر الأمان بحلول واتفاقيات جزئية وتطوير المشروع الشاروني للفصل الأحادي الجانب إيغال في درب التفريط بحقوق شعبنا، وتشتيت لقوى الانتفاضة والمقاومة.

* رغم مرور أربع سنوات على اندلاع الانتفاضة، كيف تقيمون إنجازاتها، وفي هذا الإطار:

أ): ما الذي يمنع حتى الآن، التوصل إلى صيغة لتشكيل قيادة وطنية موحدة؟

ب): ما هي الصيغة الأفضل لهذا الإطار القيادي:

ـ أن تكون في إطار السلطة بعد توسيعها.

ـ في إطار منظمة التحرير بعد إعادة تشكيلها.

ـ إنشاء إطار جديد مستقل بديل عن السلطة.

ـ في الحالة الأخيرة، كيف تكون طبيعة العلاقة بين الإطار الجديد والسلطة؟

ـ كيف يمكن التوصل إلى هذه الصيغة، بالتوافق أم بالانتخابات؟

** قد تبدو الإجابة فجة، ولكن علينا أن نعترف بأن ما يمنع قيام قيادة وطنية موحدة هو تمترس بعض الأطراف في الساحة الفلسطينية وراء مصالحها الفئوية الخاصة، وعدم مغادرتها لقمقم برنامجها الخاص نحو المصالح الوطنية العليا لشعبنا، التي لا يمكن أن تتحقق إلا بوقوف الجميع على أرضية برنامج القاسم الوطني المشترك.

القيادة الوطنية الموحدة ليست بديلاً عن مؤسسات م. ت. ف. ولكنها إطار مؤقت يضمن مشاركة الجميع في صناعة القرار الوطني، وأخذهم لدورهم في تنفيذه والمراقبة والمحاسبة عليه. وذلك حتى الوقت الذي نعيد فيه بناء مؤسسات م. ت. ف. والسلطة الفلسطينية لتأخذ دورها الوطني المفترض، بعد أن يتم تخليصها من الفئوية والتسلط والفردية والفساد. وهذا يشترط انتخابات ديمقراطية وفق قانون انتخابي جديد، يعتمد مبدأ التمثيل النسبي في الانتخابات البلدية والقروية والبرلمانية وكل مؤسسات المجتمع المدني، لضمان شراكة كل التيارات وبناء الجبهة الوطنية المتحدة بين هذه القوى.

القيادة الوطنية الموحدة لا يمكن أن تتم في إطار السلطة الفلسطينية، فهي أوسع نطاقاً ومهاماً وتمثيلاً. ومن مهمات هذه القيادة الوطنية الموحدة أن تضع الإطار والأساس الذي سيتم من خلاله إعادة بناء السلطة حتى تكون مؤسسة ائتلافية قيادية لشعبنا في الداخل، وأساس أي اتفاق بالضرورة سياسي يبعد السلطة عن أرضية أوسلو.

الاتفاقات والصفقات الفوقية لا يمكن لها أن تحل المعضلات التي تعاني منها مؤسساتنا الوطنية، لذلك فإن المدخل الأنسب للإصلاح الجذري والشامل هو انتخابات ديمقراطية تمثيلية على مبدأ التمثيل النسبي، وعندها يأخذ كل ذي حق حقه، ونرسي أسس النظام السياسي الفلسطيني على مبادئ الديمقراطية وجماعية العمل.

* هناك ثلاثة مشروعات سياسية للتسوية طرحت على الانتفاضة (خريطة الطريق، وثيقة جنيف، ما سمي بمبادرة الإحصاء القومي).

أ): هل هناك أي احتمال لاعتماد أي من هذه المشروعات؟

ب): ما هي الأسس التي يقوم عليها مشروع التسوية الذي تفضلونه؟

** من بين المشروعات الثلاث التي ذكرت (إذا صح تسميتها جميعاً بالمشاريع) مشروع واحد يمكن أن يوضع في إطار مشروعات التسوية ألا وهو "خطة خارطة الطريق". أما ما يسمى "بوثيقة جنيف"، أو "بمبادرة الإحصاء المركزي (نسيبة ـ يعالون)"، فهي ليست سوى مبادرات أفراد، ولا تعدو كونها بالونات اختبار.

خطة خارطة الطريق التي أطلقتها اللجنة الرباعية الدولية ولدت فاقدة للتوازن من حيث تقديمها الأمني على السياسي، ووضعها للالتزامات بالتوالي لا بالتوازي، وغرقها بالتفاصيل على حساب الجوهر، وتركها للكثير من القضايا الجوهرية معلقة بجعلها إياها مواضيع تفاوضية خاضعة لشكل الحل الذي يتفق عليه الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي، وليس تطبيق قرارات الشرعية الدولية (اللاجئين، الاستيطان، القدس… إلخ).

وزاد من عدم توازن هذه الخطة الدولية الشروط الإسرائيلية الأربعة عشر عليها، والتي تفرغها من مضمونها.

خريطة الطريق والموت السريري

الإدارة الأمريكية بأخذها لأكثر الشروط الإسرائيلية عطلت هذه الخطة ووضعتها في حالة "موت سريري". المطروح الآن هو خطة الفصل الأحادي الجانب الشارونية. وهناك أفكار تدعو للتعامل مع هذه الخطة كمدخل لإعادة إحياء "خطة خارطة الطريق". وفي هذا خطأ وخطر كبير على قضيتنا، فهذه الخطة تقوم على أكذوبة شارون بعدم وجود "شريك فلسطيني"، ومقايضة الانسحاب من غزة مقابل ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، والتغطية على مجزرة جدران الضم والفصل العنصرية التي تلتهم 58% من أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة.

لذلك ليس لدينا عمليًّا خطة تسوية جيدة ومقبولة مطروحة للتنفيذ، ولا وجود للمخايرة بين مجموعة مشاريع غير موجودة وقائمة أصلاً.

إن أي أساس للتسوية يجب أن يقوم على الارتقاء بخارطة الطريق باتجاه قرارات الشرعية الدولية، ومن أجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والأرض مقابل السلام، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة في عدوان الرابع من حزيران/ يونيو 1967 بما فيها القدس، بتواصل جغرافي ومقدرة على الاستمرار في الحياة والنمو.

* ماذا إذا طرح مشروع لتدويل القضية الفلسطينية، هل تقبلونه، وفي هذه الحالة ما هي شروطكم لقبول مثل هذا المشروع، وما هي أسباب رفضكم له في حالة عدم القبول؟

** إسرائيل أنشئت بقرار دولي تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه والسيادة عليها، حسب ما نص عليه القرار 181، والذي قضى بقيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية. فالقضية الفلسطينية مدولة من حيث الأساس. وأحد المطالب التي قامت من أجلها ثورة شعبنا الفلسطيني هو إرغام إسرائيل على قبول تطبيق قرارات الشرعية الدولية ومنها 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم، وتنفيذ القرارين 242 و338 بانسحاب إسرائيل من كامل الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها في عدوان الخامس من حزيران/ يونيو 1967، وبقية القرارات الأخرى التي نصت على حق شعبنا في إقامة دولة مستقلة كاملة السيادة، وحقه أن يقرر مصيره بحرية.

أخلص للقول بأن قضيتنا بالأساس مدولة، ونحن مع حل دولي يضمن حلاًّ شاملاً ومتوازناً يعيد لنا حقوقنا الوطنية والقومية المغتصبة.

* إلى أي حد أثرت المتغيرات الدولية في مسار الانتفاضة، وعلى مجمل القضية الفلسطينية، وبخاصة احتلال العراق، مشروع الشرق الأوسط الكبير؟

** لا يمكن عزل الانتفاضة من محيطها تأثراً وتأثيراً، ولكن أقول وكما يقول المثل "إذا أردت أن تنظر إلى الوادي المظلم فالأفضل أن تنظر إليه من السفح المضيء". وهذا ضروري حتى لا نسقط في حبال اليأس والتيئيس جراء المصائب الكبرى التي حلت بالعرب والمسلمين في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

احتلال العراق أثر على الخارطة السياسية والأوضاع في المنطقة برمتها، ونحن في مقدمة من تأثروا. ولكن انطلاق المقاومة العراقية بشكل مبكر كما كنا واثقين، كبح من جماح هذه الهجمة، ومكَّن الانتفاضة من أن تلتقط أنفاسها. وبالتالي فإن مقاومة تقاطع مصالح ومشاريع الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على المنطقة تطير بجناحي المقاومتين الفلسطينية والعراقية. وكما نرى فإن مسلسل التراجعات قد تباطأ كثيراً، وبدأت أصوات مسموعة في العالم تدعو للعودة إلى حل الشرعية الدولية، ورفض السياسات الأمريكية الاحتلالية، الداعمة للدموية الاستيطانية التوسعية الإسرائيلية. والأمر يحتاج إلى مزيد من الجهود والصمود من جانبنا.

* ما هي أبرز الإنجازات التي تمكنت الانتفاضة من تحقيقها على مدار السنوات الأربع الماضية؟ وما هي بالمقابل إخفاقاتها؟

** قد لا يتسع المجال هنا للحديث بالتفصيل عن إنجازات وإخفاقات الانتفاضة، ولكن أقول: إن أهم إنجاز حققته الانتفاضة هو إعادة الاعتبار للدور الجماهيري، ولأشكاله النضالية.

لقد أدت سنوات أوسلو العجاف بما رافقها من تنازلات وتضليل إعلامي إلى خلق التباس عانت منه جماهيرنا، وأثر على مستوى الفعالية الجماهيرية، وتطلب الأمر نضال سنوات عديدة حتى انفضاح هذه المسيرة التنازلية، ووصولها إلى الجدار بفعل السياسات الإسرائيلية والانحياز الأمريكي، ونهج الخضوع للابتزاز الذي مارسته القيادة المتنفذة في م. ت. ف. والسلطة الفلسطينية المنخرطة في المفاوضات الأوسلوية.

إن الكثير من السياسات التي مورست بحق الانتفاضة أعاقت محافظة فعاليات الانتفاضة على الطابع الديمقراطي والشعبي، وتعميق هذا الطابع صيانة للانتفاضة، واستمرارها حتى تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها، حتى الحرية والاستقلال. يضاف إلى هذا تحميل البعض للانتفاضة ما لا تحتمل، أو ما لا تقوى على حمله وتحقيقه دفعة واحدة.

ولكن في المحصلة ما حققته الانتفاضة كبير جدًّا، ويمكن البناء عليه بالمراكمة وتجاوز حالات الخلل التي شابت عمل فعاليات الانتفاضة، وتحصين الانتفاضة من خلال تعميق طابعها الديمقراطي وتهديف فعالياتها.

إن الإخفاق الأكبر للانتفاضة هو غياب البرنامج الوطني الفلسطيني الموحّد، القيادة السياسية الموحّدة، حكومة وحدة وطنية، وغياب الإصلاح الديمقراطي الشامل لمؤسسات السلطة الفلسطينية حتى الآن.

 

* ما هو مستقبل الانتفاضة في مطلع عامها الخامس؟

أ): هل يجب التمسك بخيار الانتفاضة بشكلها الحالي؟ أم يحتاج الأمر لتعديل ما؟ وما هي الشروط المطلوبة لدعم هذا الخيار؟

ب): هل يجب إحداث تحول إستراتيجي باتجاه اعتماد الكفاح المدني وتعزيز الطابع الشعبي للانتفاضة؟

ج): أم هل يجب منح الأولوية لتطبيق برنامج شامل للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي يشمل السلطة وكل مناحي أوضاع المجتمع الفلسطيني؟

** الانتفاضة يجب أن تستمر، وكما قلت في إجابة سابقة يجب حمايتها بتعميق طابعها الديمقراطي والجماهيري، وهذا خيار مجمع عليه من قبل كل أبناء شعبنا وقواه المناضلة.

الأشكال النضالية متعددة ومتكاملة، لذلك يجب علينا عدم تغليب خيار أو شكل نضالي على أي من الأشكال الأخرى وتحويله إلى هدف قائم بحد ذاته.

ولا يمكن أن تستوي الأمور وتوضع في نصابها إلا إذا عالجنا ظاهرة الفردية والفساد والتسلط التي تعصف بمؤسساتنا الوطنية، والتي باتت تمس عملنا النضالي وعصب حياة مجتمعنا الفلسطيني ككل.

مقاومة الاحتلال بكل أشكال المقاومة التي تستهدف قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين، والإصلاح الديمقراطي، وتعميق الطابع الجماهيري والديمقراطي، هي مهمات على درجة واحدة من الأهمية والراهنية على جدول أعمال الانتفاضة، لا يمكن المفاضلة بين واحدة وأخرى.

* ماذا بعد انسحاب الاحتلال من غزة ـ إن فعل ـ؟

أ): ما هو شكل الإدارة السياسية الذي ترغبونه؟

ب): هل تستمر المقاومة انطلاقاً من غزة، وما هي الأساليب التي يمكن اتباعها بعد الانسحاب لكي تستمر المقاومة؟

** الانسحاب الإسرائيلي من غزة -إن وقع- وهو سيقع، ليس نهاية المطاف بل البداية، لذلك فنحن لا نتحدث عن شكل مستقل للإدارة السياسية في غزة، السلطة في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة التي ينسحب منها الاحتلال يجب أن تكون واحدة، نحن ندعو إلى الإسراع في عملية الإصلاح الشامل الذي يعيد بناء كل مؤسسات م. ت. ف. والسلطة الفلسطينية حتى تكون قادرة على الاضطلاع بدورها المطلوب.

وحول استمرار المقاومة انطلاقاً من غزة بعد الانسحاب، فإن المقاومة حق مشروع لكل أبناء شعبنا وواجب أيضاً، والشكل والتكتيك النضالي المقاومة الذي تتخذه انطلاقاً من المكان والظروف التي تقوم تبعاً لذلك، تقديره خاضع لقوى الانتفاضة والمقاومة حينذاك وحالتذاك، ويجب الاتفاق عليها وعلى أسسها ومبادئها.

* هل يمكن أن تستمر الانتفاضة والمقاومة على هذا النحو في ظل الوضع العربي المنسحب والمتقوقع والمشغول بمشكلاته القطرية ومطارداته الدولية، وما الذي تعدونه لمواجهة هذا الوهن والوضع غير المسبوق؟

** إن الحديث عن استمرارية المقاومة والانتفاضة ربطاً بالوضع العربي والدولي في إشارة إلى احتمال تراجعها يفتقد إلى الدقة والعلمية، ونقول لذوي الذاكرة المثقوبة متى كان الوضع العربي والدولي وميزان القوى في صالحنا. صحيح أنه كنا في وضع أفضل، ولكن تضحيات شعبنا هي التي فرضت التعديلات والتطويرات الجزئية على ميزان القوى في حينها، بما شكلته من رافعة لتطور الحالة العربية والدولية في مواجهة السياسات التوسعية والدموية الإسرائيلية. نحن لا نملك سوى خيار المواجهة. وحتى نستطيع أن نصمد يجب أن نعزز صمودنا بتحصين البيت الداخلي الفلسطيني والانتفاضة بعملية إصلاح شاملة تعيد بناء مؤسسات م. ت. ف. والسلطة الفلسطينية على أسس ديمقراطية جبهوية ائتلافية، ينتفي منها الفساد والهيمنة والاستفراد، وبهذا نعبر نحو العام الخامس من انتفاضة الاستقلال لنرسي مدماكاً في صرحنا النضالي الفلسطيني الذي سيكلل بالنصر القادم والأكيد.