الأربعاء 09 أكتوبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

"رمضان شلح" في حواره مع عبدالرحيم علي: المقاومة الفلسطينية هدمت السور الواقي الإسرائيلي

نًشر هذا الحوار بموقع "إسلام أون لاين نت" بتاريخ 20 نوفمبر 2002

نشر
عبد الرحيم علي

 "رمضان شلح": المقاومة الفلسطينية هدمت السور الواقي الإسرائيلي

ألقت عملية الخليل الأخيرة التي قامت بها حركة الجهاد الإسلامي، الضوء مجددًا على دور حركة الجهاد في المقاومة، خصوصًا بعدما ترددت أنباء عن إعطاء شارون الضوء الأخضر لاغتيال أمينها العام "رمضان شلح"، وتحذير الجهاد أنها سترد بقوة إذا تعرض "شلح" لمكروه. 

بادرت "إسلام أون لاين.نت" بإجراء حوار مع الدكتور "رمضان شلح" الأمين العام لمنظمة الجهاد الفلسطيني تحدث فيه عن مشروع الجهاد السياسي، وحوار فتح وحماس بالقاهرة، ولماذا لم تُدعَ الجهاد إليه؟ وكيف ترى الحركة "خريطة الطريق" والعمليات الاستشهادية ضد المدنيين الصهاينة والإصلاحات الفلسطينية؟ 

أسئلة كثيرة أجاب عليها المسئول الأول في حركة الجهاد الإسلامي بفلسطين صنعت هذا الحوار الذي أجريناه معه بالتليفون من القاهرة. 

الدكتور "رمضان شلح" الأمين العام لمنظمة الجهاد الفلسطيني سابقًا

عمليات نوعية 

* أظهرت العملية الأخيرة في الخليل قدرة فائقة على القيام بعمليات نوعية تهز من هيبة الجيش الإسرائيلي.. فإذا كنتم قادرين على ذلك فلماذا تلجئون إلى العمليات ضد المدنيين بما لها من نتائج سلبية أحيانًا على نضالكم المشروع؟ 

بداية، الجدل الذي يثار حول العمليات الاستشهادية والقول بأنها تحدث ضررًا بالنضال المشروع للشعب الفلسطيني لا مبرر له على الإطلاق؛ فهذه العمليات من الناحية الإستراتيجية ومن الناحية التكتيكية ربما تكون الأسلوب الأمثل أو الأوحد الذي يمكن أن نواجه به جبروت العدوان الصهيوني وآلته العسكرية، ونحدث به توازن الرعب المطلوب، خاصة عندما يستمر العدو في ضرب مدنيينا وشعبنا الأعزل بكل شراسة، نحن لن نقف مكتوفي الأيدي تجاه هذه الاعتداءات وتجاه الضرب في قلب مدننا، ونترك العدو ينعم في مدنه بالأمن والأمان؛ فعندما يستهدفون أمننا ومدننا ومدنيينا يجب أن نستهدف أمنهم ومدنهم ومدنييهم. 

أما بخصوص ما قلته حول نوعية العمليات فنحن كنا وما زلنا نركز عملياتنا في منظمة الجهاد على العسكريين والمستوطنين حتى بعض العمليات التي حدثت في العمق (أراضي 48) كعمليات (مجدو وكركور) كلها كانت ضد باصات تحمل جنودًا، وهذه العمليات النوعية ضد جيش الاحتلال التي تتحدث عنها تتوقف على الطبيعة اللوجستية الموجودة على الأرض؛ لأن العدو استطاع بعد أوسلو أن يُبقي معسكراته بعيدًا عن التجمعات السكنية؛ وبالتالي قام بتحصينها وحراستها بشكل يصعب معه الاختراق؛ الأمر الذي يستلزم قدرة خارقة وتخطيطا أكثر من جيد ودقة عالية مع درجة رفيعة من التأمين والسرية. ففي عملية الخليل -على سبيل المثال- استفاد المجاهدون من التداخل بين التجمع السكاني الفلسطيني في الخليل والمستوطنات؛ مما مكنهم من تنفيذ العملية، وحينما تتكرر هذه الفرصة في أي مكان سنقوم على الفور باستغلالها. 

اجتثاث المقاومة وهم 

* التصعيد الكامل للعمليات العسكرية.. ألا يؤدي إلى إمكانية قيام إسرائيل بتدمير البنية الأساسية للمقاومة أو لجوئها للترانسفير؟ 

فكرة تدمير المقاومة فكرة وهمية ومستحيلة في نفس الوقت، قد تتلقى المقاومة –كما حدث من قبل- ضربات تحُدّ من فاعليتها ولكن لا تنهيها، التجربة أثبتت ذلك، فبعدما حدث في جنين اعتقد العدو أن عملية السور الواقي نجحت وأنه قام بتدمير بنية المقاومة التحتية، ثم اكتشف بعد استئناف المقاومة لعملياتها أنه كان واهمًا، وأن المقاومة هي التي هدمت ما سمي "السور الواقي"، ثم جاءت بعدها عملية "الطريق المعبد"، وفشلت كل الوسائل التي استخدمها العدو في دحر المقاومة إلى الحد الذي اعترف فيه بعض الخبراء الإسرائيليين بعد العملية الأخيرة بأن إسرائيل فشلت في القضاء على المقاومة كما فشلت أمريكا في القضاء على تنظيم القاعدة. 

ولكن يظل السؤال.. لماذا؟ المقاومة تنبع من شعب يعيش الأزمة والصراع بكل تكاليفه من بدايات القرن، وتعلَّم الكثير من التجربة، ونضج بما فيه الكفاية وأصبح منقوعًا في الدم، أصبح شعبا ذا إرادة حديدية.. صحيح لا يملك شيئا، ولكن إرادته تكفي لمواصلة المقاومة على عكس الشعب الإسرائيلي الذي يعيش في ثكنة محصنة بالفولاذ والحديد، ولكن إرادته خائرة، هذا هو الفرق الذي يجعل من الصعب القضاء النهائي على المقاومة؛ فهي ولادة كل يوم تأتي بجديد وتلد الجديد وتعيد بناء نفسها، كلما أصابتها ضربات شبه قاتلة. وخير دليل على ذلك ما حدث في الخليل قبل يومين.

أما موضوع الترانفسير فهذا وارد، ولكنه مستحيل على الأرض؛ فهو يحتاج إلى ظروف دولية وإقليمية نادرة الحدوث. 

كتائب حركة حماس 

*ألم يحدث تنسيق بينكم في عمليات عسكرية من قبل؟ 

للأسف الإخوة في حماس رفضوا طلبنا المتكرر بإجراء عمليات مشتركة على الرغم من التوافق والتفاهم المشترك في كثير من المواقف، وعلى الرغم من قيامنا بعدة عمليات مشتركة مع كتائب "شهداء الأقصى" الذراع العسكري لتنظيم فتح. 

* كيف يمكنكم التنسيق العسكري مع فتح ويصعب هذا مع حماس؟ 

قرار كتائب شهداء الأقصى قرار ميداني، وليس سياسيا، ولكن قرار الإخوة في حماس سياسي يراعي تاريخ العلاقة بين التنظيمين. 

* وما الذي في هذا التاريخ يمنع التنسيق بين قوى إسلامية تقاوم عدوا واحدا لهدف واحد؟ 

لقد مرت العلاقة بيننا وبين الإخوة في حماس بفترات توتر طويلة، نحن للأمانة قد تجاوزنا هذه المرحلة وحاولنا ترسيخ جو إيجابي من التفاهم البنّاء بين التنظيمين، لكن للأسف الإخوة في حماس لم يتجاوزوا هذه الفترة؛ لذلك فحتى التنسيق السياسي بيننا عادة ما يتأرجح بين فترات ازدهار وفترات انعدام باختلاف المرحلة السياسية التي نمر بها. 

* بصراحة.. ما هو مشروع "الجهاد" السياسي؟ وما هو هدفكم المرحلي؟ 

مشروعنا السياسي استنهاض الأمة على قاعدة مركزية القضية الفلسطينية؛ فالمشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين وحدها، ولكنها بالنسبة له نقطة ارتكاز لاستهداف الأمة جمعاء. 

وبصراحة أيضًا لا يمكن -من وجهة نظرنا- استنهاض حقيقي للأمة أو إجراء تنمية فعلية طالما أن هذا الكيان الغريب عن جسم الأمة المسمى إسرائيل الذي يُعتبر رأس حربة الاستعمار وقاعدته الأساسية في المنطقة جاسم على قلوبنا. 

بالطبع نحن ندرك أن هزيمة إسرائيل وإنهاء المشروع الصهيوني لا يمكن أن تقوم به منظمة بمفردها -الجهاد أو غيره-، ولكن يجب أن تتكاتف كل قوى الأمة الحية من أجل تحقيق هذا الهدف، ونحاول أن نقوم بعملية الاستنهاض هذه عن طريق تعبئة شعبنا بواسطة استمرار المقاومة والاستشهاد، ونحن متوافقون في الهدف المرحلي على دحر الاحتلال بلا قيد أو شرط من حدود 1967 تمهيدًا لخروجه من كل فلسطين، فلن نترك شبرًا واحدًا من أرض فلسطين يدنسهؤ. 

المرحلية 

* ألا ترى أن الاتفاقات المرحلية تسمح بتحسين شروط المقاومة؟ 

انظر إلى حالة السيد عرفات وأنت تعرف الإجابة.. أليست أوسلو اتفاقا مرحليا؟ لقد صممت أوسلو لتصفية القضية الفلسطينية، وعندما حاولت السلطة الخروج على النص جرى تكسيرها ومحاصرة رئيسها، ثم المطالبة في النهاية بتغييره؛ لأنه خرج عن السيناريو المرسوم له، هذه هي الاتفاقات المرحلية؛ فالاتفاقيات الجيدة بالنسبة لأمريكا وإسرائيل هي التي تحقق الأمن بشكل كامل للعدو، وفيما عدا ذلك لن يسمحوا بأي اتفاقات تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه؛ لذلك فنحن ضد أي اتفاقيات تعطي مشروعية للاحتلال، وتحول البعض منا إلى حراس لأمن العدو، ولماذا نذهب بعيدًا وأصحاب الاتفاقات نفسها (فتح) قد اقتنعوا تمامًا بفشلها.. فهل نكرر ما اقتنع غيرنا بفشله؟! 

ياسر عرفات رئيس فلسطين سابقًا

* ألا ترى معي أن المقاومة أصبحت رد فعل لعمليات الاغتيال التي تقوم بها إسرائيل ضد قادة الفصائل العسكريين، ولا يوجد لها إستراتيجية تراكمية ثابتة؟ 

نحن بداية ضد سياسة المناداة بالثأر والانتقام؛ لأن المقاومة مشروع أكبر من ذلك بكثير، ويجب أن تتم في سياق جهاد شعبنا الفلسطيني ضد الاحتلال، ولكن العدو يركز أحيانًا على بعض الرموز في محاولة للنيل من معنوياتنا، وكسر إرادة شعبنا؛ وهو ما يجعلنا نرد بعنف حتى يعرف العدو أن المقاومة لن تنتهي بغياب هذه الرموز، أما أن نضع المقاومة في كفة والاغتيالات في كفة فنحن نرفض ذلك بشدة، وهناك من يطالب بوقف المقاومة مقابل وقف الاغتيالات، ونحن نقول له: لا؛ لأن المقاومة موجودة قبل الاغتيالات، وستستمر؛ لأن هدفها ليس وقف الاغتيالات، وإنما دحر الاحتلال وتحرير الأرض.

 وقد أكدنا مرارًا أننا في منظمة الجهاد لا ننطلق من دوافع انتقامية، ولكن من عمل جهادي مشروع ضمن برنامج مقاومة واضح ومحدد. 

* كيف تتحقق الوحدة -من وجهة نظركم- بين فصائل المقاومة؟ 

لن تتحقق الوحدة بدون إجماع على الهدف والوسيلة، وبدون ذلك لن تتحقق الوحدة، وسأضرب لك مثلاً: هناك البعض يرى في الانتفاضة وسيلة لتحسين شروط التسوية، بينما نراها نحن وسيلة لتحرير الأرض ودحر الاحتلال بلا قيد أو شرط.. الهدفان هنا يختلفان، وبالتالي فبدون اتفاق حول الهدف والوسائل يصبح الحديث عن الوحدة كلامًا فضفاضًا. 

هل تمت دعوتكم لحضور اجتماع القاهرة بين فتح وحماس؟ 

لا، لم يدعُنا أحد لحضور ذلك الاجتماع. 

* لماذا؟ 

السبب الذي سمعناه من بعض الأطراف المشاركة أو الراعية للحوار أن هذه الاجتماعات جاءت على خلفية الخلافات بين التنظيمين التي اشتعلت بسبب اغتيال العقيد "أبو لحية" في غزة، ونحن لم نكن طرفًا في هذا الخلاف؛ لهذا لم تتم دعوتنا إليه. 

* ألا تعتقد بوجود أسباب أخرى؟ 

لا أعتقد. 

* تردد أنه طُرح على حماس في القاهرة المشاركة في السلطة، ودخول منظمة التحرير، ووقف العمليات العسكرية.. فهل طرح عليكم أحد مثل هذه الأمور؟ 

نعم في مناسبات عديدة كان الإخوة في فتح يطرحون علينا المشاركة في السلطة، ودخول المنظمة، ومحاولة وقف العمليات خاصة في أراضي 48، وكان جوابنا واضحا أنه لا يمكننا الدخول في أي مشروع محكوم بسقف أوسلو، كما لا يمكننا إيقاف العمليات وشعبنا يتعرض للعدوان على أيدي الجيش الإسرائيلي وأرضنا محتلة. 

* ما هو المشروع الذي على أساسه يمكنكم قبول وقف العمليات؟ 

لا أتخيل ما هو المشروع الذي يمكن أن يقدمه شارون وعلى أساسه يمكننا التنازل ووقف العمليات من أجله. مشكلة هذا الطرح –من وجهة نظري- هي في علاقتنا بالسلطة وعدم وجود توصيف دقيق لطبيعة هذه السلطة، وطبيعة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية؛ فهاتان المسألتان تحددان موقف كل فصيل بدقة، وتحددان المشروع الذي على أساسه يمكن وقف العمليات. 

والسؤال: هل هذه السلطة لدولة ذات سيادة تمارس صلاحياتها على الأرض في تحقيق الأمن لعشبها وتلبية كل مطالبه الحياتية؟ أم سلطة وظيفية مهمتها -طبقًا لاتفاق أوسلو- تحقيق الأمن للعدو الإسرائيلي عن طريق قمع شعبها؟ ثم هل نحن نعيش مرحلة تحرير أم مرحلة بناء دولة مستقلة تختلف على الأساليب التي يجب الأخذ بها لتحقيق التنمية؟ 

نحن نرى أننا نعيش مهلة تحرر وطني، وما لم تتصرف السلطة على أنها تقف على رأس مقاومة وطنية للاحتلال هدفها تحرير الأرض، واستعادة الحقوق.. فلن يمكننا بلورة مشروع متجانس بيننا وبين السلطة؛ وبالتالي فلا يمكننا إيقاف المقاومة أو العلميات. 

خريطة الطريق 

* أخيرا.. كيف تنظرون إلى خريطة الطريق؟ 

نحن ننظر إلى كل اتفاق من منظور حق الشعب الفلسطيني والشعب العربي في أرض فلسطين كاملة من البحر إلى النهر، وخريطة الطريق جاءت على خلفية أوسلو التي تنازل فيها الفلسطينيون عن 80% من الأرض، وارتضوا البحث في الـ20% المتبقية وقسموها إلى "أ"، "ب"، "ج".

 المعادلة يتم رسمها بدقة، والمطلوب ضمان كامل لأمن إسرائيل دون أي إعادة حقيقية لحقوق الشعب الفلسطيني المسلوبة، بل على حساب الأمن الاجتماعي والوضع الإنساني للفلسطينيين، وبالتالي فكل هذه الاتفاقيات مرفوضة من قبلنا رفضًا تامًّا وباتًّا. 

* كيف تنظرون إلى عمليات الإصلاح الفلسطيني الداخلي؟ 

لا أعتقد أن هناك إنسانًا سويًّا يحب الفساد، ويرفض الإصلاح، ولكن الإصلاح الذي يأتي من إرادة وطنية حرة ويخدم القضية الفلسطينية، ولكن ما تريده أمريكا غير ذلك؛ فالإصلاح الأمريكي كلمة حق يراد بها باطل؛ فالمطلوب تهدئة الجبهة الفلسطينية مجانًا لصالح تمرير برنامج أمريكا لضرب العراق؛ فالأمريكان يحاولون إشعال الساحة الفلسطينية بالإصلاح وغيره، وهم لا يريدون سوى إصلاح أمني -بتركيز أجهزة الأمن في قبضة رجل واحد تسيطر هي عليه- هذا هو ما يريده الأمريكان من الإصلاح.