الجمعة 26 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

المفكر اللبناني "هاني فحص" خلال حواره مع عبدالرحيم علي يدعو لتنشيط حركة الوحدة والتنمية..ويحذر اليمين الأمريكي بدأ التصويب بشكل أكثر دقة في اتجاه الإسلام

نُشر هذا الحوار بموقع "اسلام أون لاين نت" بتاريخ 16 سبتمبر 2004

نشر
هاني فحص المفكر اللبناني
هاني فحص المفكر اللبناني

هاني فحص : الوحدة والتنمية لنهضة الأمة

 

دعا المفكر اللبناني البارز "هاني فحص" إلى تنشيط حركة الوحدة والتنمية الشاملة في الأمة الإسلامية باعتبارها "الرافعة الحقيقية للنهوض والمواجهة" وباعتبارها أيضا أبرز "شروط" نهضة الأمة.

وفي حوار شامل مع "إسلام أون لاين نت" بمناسبة مرور 3 أعوام على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، دعا هاني فحص في السياق نفسه إلى تشكيل "مجلس حكماء" من العرب والمسلمين وإلى "ترشيد المقاومة" حذرا من الفوضى، وكذلك إلى إطلاق حوار حقيقي بين الدولة وقوى الإصلاح في العالم العربي والإسلامي.

وحذر في المقابل من أن "اليمين الأمريكي بدأ التصويب بشكل أكثر دقة في اتجاه الإسلام بعد هجمات سبتمبر، وبدأ يستعيد اكتشاف تجربة آسيا التنموية بعد تلك الأحداث مباشرة ليكشف أن الأشد خطورة في هذه التجربة كان بعدها الثقافي".

المفكر اللبناني البارز "هاني فحص"

وفيما يلي نص الحوار:

* سيد هاني فحص، بعد مرور 3 سنوات على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كيف ترون الإستراتيجية الأمريكية الحالية في المنطقة؟.

- لقد استغل اليمين الأمريكي انطلاق الذين قاموا بالعملية من أرضية إسلامية، ليصوب أكثر في اتجاه الإسلام وليعيد اكتشاف أن الأشد خطورة في تجربة آسيا التنموية هو بعدها الثقافي، وكأن تجربة اليابان سوف تستعاد في طول العالم الإسلامي والعربي مع رعاية للخصوصيات الثقافية التي هي إسلامية في الأساس، وما يتداخل معها من ثقافة مسيحية شرقية شريك لها مؤثر فيها ومتأثر بها.

 

من هنا كان لا بد لليمين الأمريكي أن يولي المسألة الثقافية اعتباره فيحول عملياته السياسية والاقتصادية والعسكرية في اتجاه الثقافة الإسلامية، أي الإسلام أيضا، ما يعنى أنه بصدد الاستحواز الاقتصادي والسياسي والعسكري على قاعدة ثقافية انطلاقا من اعتبار الثقافة الإسلامية هي المصدر الأول للإرهاب، وما تم حتى الآن هو دفعها لكي تصبح تفصيلا على القضية الأوسع والأكبر. وهذا لا يعني أن يكون النشاط الأمريكي منصبا على الثقافة وحدها، بل هو بصدد ضرب الروح بالجسد وضرب الجسد بالروح.

التوجه مستمر

من هنا اختار أفغانستان مطلا على آسيا الوسطى على حدود باكستان وبنجلاديش وإيران... إلخ. أي الإمساك باحتمالات طريق الحرير. ومن هنا جاء العراق واحتلاله باعتباره التلة المشرفة على إخضاع النفط والتاريخ والثقافة واحتمالات الوحدة على أساس التوحيد.

 

هذا التوجه مستمر لم ينكفئ ولا يبدو أن ضرباتنا الموجعة له سوف تجبره على التراجع رغم الخسائر، لأن خسائرنا أكبر على كل حال، وإذا ما ربحنا شيئا فسوف نعود لنخسره، لأن أهليتنا السياسية الرسمية والحزبية والأهلية مضروبة في العمق، ونظام معرفتنا العامة، ومعرفتنا بالإسلام غير ملائمة لمواجهة التحديات، مما جعل العنف العشوائي الذي نتفهم دواعيه وأسبابه ومخاطره يبدو كأنه اختزال شديد القسوة والالتباس ومن شأنه أن ينقل الاعتراض الثقافي إلى داخلنا.

 

* سيد فحص، إذن ما الذي أحدثته هذه التفجيرات من تغييرات في الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة؟.

- للإجابة على سؤالك يجب العودة قليلا إلى الوراء لاستيضاح المسارات وتتبعها، فقد تزامنت نهاية الحرب الباردة مع تراجع الدور الأوربي (الذي ربما كان الاتحاد الأوربي محاولة للتعويض الجزئي عنه) وبلغ اتجاه الهيمنة الأمريكية على القرار والحراك الدولي حالة شبه حصرية. ومع استقرار نصاب العولمة كواقعة جارية منذ زمن بعيد، ومرشحة للشمول بعد اكتمال ثورة المعلومات والاتصالات، وترافق هذا كله مع ضعف اقتصاديات الجنوب عموما لصالح الشمال وتراجع دور البترودولار في اقتصاديات السوق المهنية، مع الغلبة الأمريكية عليها كما ونوعا، وخضوع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للهيمنة الأمريكية... كل هذه العوامل دفعت الولايات المتحدة إلى العمل على مصادرة العولمة واحتكارها في اتجاه تعطيل إمكانيات النمو المساعد على تعزيز سيادة واستقلال الأطراف، وفى اتجاه تسارع النشاط الأمريكي في هذا المجال كانت الضربة الاحتياطية لإعاقة نموذج آسيا التنموي والتدخل في مناطق ومسارات مختلفة.

في هذه اللحظة جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لتزيد من سرعة النشاط وتدفعه ليصبح أشد تعقيدا. هذا هو الدور الذي قامت به الأحداث ليس غير.

 

* سيد فحص، ما هي إستراتيجيتنا في مواجهة هذه الإستراتيجية التي تضر كما وصفتها الآن بمستقبل وحاضر هذه الأمة؟.

- الوضع صعب ومركب، وأنا ليس عندي جواب إلا ما أسسه علاء الدين زنكي ورسخه ولده نور الدين محمود واستثمره تحريرا صلاح الدين من دون أن يتوفر له ما يثمره حضاريا بعد تحرير القدس.. دخل الصليبيون من خلال التجزئة وانهزمنا على قاعدتها وشرع علاء الدين في التوحيد واستغل الجدل الجميل ( وحدة ← تحرير← وحدة... وهكذا).

وعندما كانت تتعطل المسيرة يسود الصراع الداخلي وتستشري التجزئة ويتقدم العدو.. لم يبتدع الحاكم شيئا ولكنه كان من المسئولية بحيث تابع والتزم بقيم المجتمع الأهلي الذي يقاوم بفطرته ومخزونه الإيماني والوجداني، تماما كما حصل لاحقا في الهجمة الاستعمارية منذ أواخر القرن التاسع عشر.

الممانعة وسيلتنا الآن

والآن، مخزوننا الشعبي عظيم، ولكن المسألة أصبحت أشد تعقيدا، لا بد من تواطؤ مع من يريد أن يتواطأ من الأنظمة الحاكمة، ومع من يريد أن يتواطأ من القوى الحركية الحزبية الإسلامية والوطنية والقومية والمؤسسات الأهلية، لا بد من التواطؤ على نمط علاقة قائمة على استشعار الخطر وعلى اكتشاف المشتركات وتضييق الخلاف وضبطه. أي لا بد من نهوض تنموي هادئ نتجدد به ونتحاور في إطاره، على أساس أن تكون الممانعة والمعاندة هي وسيلتنا الآن وتمهيدا للمقاومة الشاملة وبكل معانيها. مع الحذر الشديد في العودة إلى طرح الشعار الملتبس (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ليقتل كل شيء حتى المعركة.

أليست مفارقة أن يكون التحدي هو الأكبر في تاريخنا ويكون هدفه الجميع من دون استثناء، وبدل أن نتوحد في مواجهته ونرسم سلم أولوياتنا بدقة أخذ يتفاقم فينا خطر الانقسام ومشهده الجارح!.

 

* في هذا الإطار.. لماذا برأيكم توقفت أمريكا عن حديث الإصلاح في المنطقة؟ وهل هذا مرجعه إلى صفقة بينها وبين حكومات المنطقة؟.

- الولايات المتحدة تريد أن تدربنا على إنتاج الاستبداد بالديمقراطية وإنتاج الديمقراطية بالاستبداد. وهذا لا يعفينا، فلماذا لا ننتج الديمقراطية بالديمقراطية؟ إن الدول العربية لم تنجح في شيء حتى الآن؛ لأن النجاح يعني الإسراع في تحقيق الإصلاح، وإلا فما يحدث من عنف ورد عليه سوف يعطي فرصة للأنظمة للتدخل في الإصلاح. وهنا تصب أكثر العمليات الموجهة ضد الأنظمة في الطاحونة الأمريكية أولاً.

* أخيرا، ما هي سيناريوهات الأمة للإصلاح؟.

- أحاول أن أقدم تصوري السريع لشروط النهوض باعتبار أننا ونحن نسعى إلى تحقيقها نحقق شروط المواجهة الراهنة ونعد العدة للمستقبل بشكل مضمون، إذن لا بد من تنشيط حركة الوحدة الإسلامية.

- بين الشيعة والسنة من دون أوهام.

- بين الشيعة والسنة والإسماعيلية والزيدية والإباضية والوهابية من دون ذاكرة مضخمة ومن دون استسهال للتفكير.

- لا بد من التوحيد والوحدة داخل كل مذهب، بمعنى تحويل الاختلاف إلى مصدر للتكامل، أي الوحدة من دون إلغاء لأي حساسية.

- لا بد من الإقرار بأن الاختلاف والتعدد ليس عيبا بل العيب في إدارتهما والتعدد ضروري وهو بقبوله وتثميره يؤهلنا لتأسيس المشاركة فيما بيننا ويؤهلنا للمشاركة على المستوى الدولي.

- لا بد من تنشيط حركة المعرفة.. لا بد من تجسير منهجي بين العلوم الدينية والعلوم المدنية، لا بد من الاجتهاد المبرأ من الفوضى مع الحذر من حصره وحصاره في الإطار المذهبي.

- لا بد من العودة العلمية الدقيقة إلى نقد العلمانية ونقد الذات في تعاطيها معها، وإلزام العلمانية بنقد ذاتها وتجربتها من أجل صيغة مدنية تناسب موروثنا ومستقبلنا.

- لا بد من حياة مدنية تعيد الدين إلى المدنية وتعيد المدنية إلى الدين.

- لا بد من جدل المعرفة والثروة من أجل تنمية ناجحة.

- لا بد من حوار حقيقي بين قوى التغيير والدولة وبين مكونات الاجتماع العربي والإسلامي.

- لا بد من مجلس حكماء مسلمين وعرب.. لا بد من إفساح الدور أمام مصادر الحيوية في حياتنا (الشباب والمرأة).

- لا بد من العناية بنظام القيم ونظام المصالح مع الانتباه الشديد إلى السوق.

- لا بد من نقد هادف لتصرفنا تجاه فلسطين طمعا في الخلاص الحقيقي من العار الذي ركبنا.

تعزيز دور العلماء. 

- لا بد من تعزيز دور العلماء والمثقفين وحماية استقلالهم وحياتهم.

- لا بد من تفاهم عميق حول العراق باعتبار أنه البوابة على التاريخ والجغرافيا.. لا بد من ترشيد المقاومة حذرا من الفوضى والكارثة، وقد أهملنا المقاومة المنظمة فتحولت إلى فوضى أكثر من مرة.

- لا بد من الإصلاح، أي الحرية والديمقراطية والدولة الحاضنة الجامعة والمجتمع المدني والمؤسسات وفصل السلطات والسقف القانوني وحقوق الإنسان والحوار الدائم والتنمية؛ التنمية الشاملة هي الوسيلة وهى الرافعة الحقيقية للنهوض والمواجهة، هي الفضاء الذي يمكننا من تجديد إسلامنا أي تجديد معرفتنا به؛ لأنه من دون هذا التجديد لا نهوض ولا صمود ولا فلسطين ولا عراق ولا ثروة ولا استقلال ولا سيادة.

- لا بد من إنجاز الدولة الوطنية وإعادة النظر في غيرها (الدولة الإسلامية والدولة القومية) حذرا من الوقوع ثانية في فخ الشمولية.

- لا بد أن ينتبه الإسلاميون إلى ضرورة تجنبهم استحضار واستعادة التجربة القومية العربية الفاشلة في فكرها وعملها.