من أرشيف عبد الرحيم علي
فى حواره لعبد الرحيم على… فتح الله أرسلان يكشف حقيقة رغبة أمريكا لفتح حوار مع إسلاميو المنطقة العربية
نُشر هذا المقال بموقع "إسلام أون لاين نت" بتاريخ 8 مايو 2005
إسلاميو المغرب والحوار مع أمريكا
أرسلان: المستقبل للإسلاميين
أعرب المتحدث الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان في المغرب "فتح الله أرسلان" عن أمله في أن تكون التصريحات الأمريكية والأوربية حول الحوار مع الإسلاميين، وتقبلهم لفكرة وصول بعض هذه الحركات إلى السلطة ليست مجرد تصريحات في الهواء؛ بل إستراتيجية حقيقية سرعان ما يتم تجسيدها في خطوات عملية.
وطالب "أرسلان" بأهمية مراعاة الخصوصية الثقافية والعقيدية للمنطقة كشرط أساسي للحوار، وأعلن أن الجماعة لا ترى مانعا من إجراء مثل هذا الحوار لوجود استعداد أصيل لديها للقبول بالآخر ومراعاة خصوصياته.
وفيما يلي نص الحوار:
* بداية ما هو موقفكم من الحوار مع الولايات المتحدة؟ وما هي الشروط التي يمكن قبولها للدخول في مثل هذا الحوار؟
من جهتنا لدينا استعداد أصيل للقبول بالآخر ومراعاة خصوصياته، وقد خلقنا الله -عز وجل- شعوبا وأمما مختلفة، وأمرنا بتغليب دواعي المسالمة على نوازع الصراع؛ حيث قال سبحانه: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. والآخر مطالب أيضا باحترام خصوصياتنا.
والأمر أضحى أكثر إلحاحا في الواقع العالمي الذي أصبح فيه الكون قرية صغيرة؛ مما يستدعي روح التعايش والشراكة، ونبذ منطق القوة والابتزاز بعد لي الذراع والإضعاف والإخضاع. فالحوار لا يكتسب عمقه ومعناه إلا بوجود كيانات قائمة الذات، ويسود الاحترام فيما بينها.
وشروطنا تنحصر في مراعاة خصوصيتنا الثقافية والعقيدية؛ فهناك خصوصيات ينبغي أن تحترم، ومصالح يجب أن تراعى، هذه ضمانات أساسية لنجاح الحوار.
* كيف تقرءون تصريحات المسئولين الأمريكيين حول قبول الحوار مع الإسلاميين المعتدلين في المنطقة؟ وما هي دوافع هذا الحوار من وجهة نظركم؟
بغض النظر عن حقيقة هذا الأمر ومصداقيته وخلفياته؛ فإننا لم نفاجأ به ولم نستغربه، بل الغرابة عندنا أن تستمر الإدارة الأمريكية في نفس سياساتها الهيمنية والصدامية.
وقد أشرنا مرارا إلى أن أمريكا ليس أمامها إلا خياران اثنان؛ إما الاعتدال وإما التطرف، وسياستها عامل مهم في تقوية أحدهما وانتشاره، وهي تجني طبعا نتائج خيارها. فالتطرف في الصف الإسلامي كان نتيجة منطقية لتطرف الإدارة الأمريكية.
وبمنطق العقل والمصلحة اللذين تقول أمريكا إنهما جوهر توجهاتها لم يكن ممكنا إلا الوصول لخيار محاورة الإسلاميين، خاصة أن كل المؤشرات الواقعية والتوقعات القريبة والإستراتيجية تؤكد يقينا أن المستقبل للإسلاميين، خاصة بعد فقدان الشعوب مطلق الثقة في باقي الخيارات والأيديولوجيات، والترهل الحاصل في الأحزاب، والفشل الذريع الذي أصاب تجربتها في إدارة شئون الشعوب العربية والإسلامية، وكذلك أمام فشل أمريكا في أسلوب العنف والانفراد في التعامل مع المسلمين.
* هل يعني ذلك حدوث بعض التغيير في التوجهات الإستراتيجية للولايات المتحدة بالمنطقة يسمح بإمكانية الحوار؟
نأمل أن يكون كذلك، وألا يكون مجرد تصريحات في الهواء، ونراه متجسدا في خطوات عملية، وأن يتعزز ويتوسع ليشمل المنطقة كلها وكافة التيارات الإسلامية بها، وقد سمعنا بالفعل مؤخرا تصريحات مماثلة في هذا الاتجاه من الاتحاد الأوربي؛ فبهذا وحده يمكن للعالم أن ينعم بالاستقرار والأمن.
* هل يمكن القول بأن هناك مناطق مشتركة للتوافق بينكم وبين الإدارة الأمريكية؟ وما هي القضايا الرئيسية التي ترونها محل خلاف؟
على مستوى الشعارات المرفوعة مثل حقوق الإنسان والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة وتعميم المعرفة.. فلا يمكن لسوي العقل أن يختلف فيها مع أحد، وهي متأصلة في ديننا ومتجذرة في قناعاتنا ومفصلة في مشروعنا. أما أن تكون هذه الشعارات معبرا للهيمنة على الصغار، وفرض نموذج الأقوى في السياسة والاجتماع والثقافة والعقيدة والأخلاق، أو أن يتم باسمها التدخل المباشر في شئون الآخرين سياسيا وعسكريا؛ فهذا نرفضه رفضا مطلقا، وهو لن يزيد الشقة إلا تباعدا، ويعمق الكراهية، ويهدد المصالح.
ونقاط الخلاف بيننا وبين الإدارة الأمريكية نجملها في سياسة الكيل بمكيالين، ومناقضة شعار إشاعة الديمقراطية بالتدخل في شئون الآخرين ودعم الأنظمة المستبدة، وفي دعم أمريكا الدائم للكيان الصهيوني في مقابل التوهيم بشعار دولة فلسطين، والأخطر من ذلك غزو واستعمار دول أخرى مثل أفغانستان والعراق والتهديد باحتلال أخرى ضدا على شعار السيادة الدولية.
* ما هي آليات التغيير التي تفضلونها؟ الاستعانة بالجماهير أم الحوار مع الأنظمة؟
نعتقد أن ما وصلنا إليه يستدعي تغييرا عاجلا غير آجل، ونعتقد أن ضرورة التغيير يجب أن تكون محط إجماع جميع مكونات المجتمع؛ لأن الحالة التي نحن عليها من وهن وفتنة وتخلف لا تسر أحدا.
لذلك نعتقد أن كل الآليات يجب أن تتضافر ليكمل بعضها بعضا؛ فلا تغيير يرجى إن لم تسنده قوى الشعب؛ لأنه سيكون عملا انقلابيا يستبدل طاغوتا بآخر، وما نعتقده هو أن تعقل الأنظمة، واستجابتها لمطالب وحاجيات شعوبها من شأنه أن يجنب بلادنا دوامة العنف بما يترتب عنها من تضييع الوقت والجهد وسفك الدماء وإزهاق الأرواح.
لكل هذه الاعتبارات ما زلنا متمسكين بدعوة الأنظمة إلى توبة عمرية -مثل توبة عمر بن عبد العزيز- هذا إن كان الوقت ما زال يسمح بذلك، يعلنون فيها الصلح مع ربهم، ويكونون في مستوى طموحات شعوبهم، وإلا فهو الطوفان الجارف، أعاذنا الله وإياكم.
* ما رأيكم في استعانة البعض بالخارج لفرض التغيير والإصلاح؟
لا نفتأ نؤكد أن الإصلاح والتغيير في بلادنا أمر ملح، وسنكون واهمين إن اعتقدنا أن هناك بديلا آخر عن ذلك؛ لأننا سنفتح بلادنا على خراب محقق لا قدر الله.
كما نؤكد على أن الإصلاح ليس وصفة سحرية، ولكنه تفاعل ومخاض بين كل مكونات المجتمع وصيرورة ومسلسل، يتحكم فيها طبيعة المجتمع وتاريخه وخصوصياته وحاجياته وطموحاته.
والأمر الثالث الذي يجب أن نستوعبه هو أن التغيير الذي ننشده لا يستهدف فقط أنظمة الحكم أو مؤسسات الدولة، ولكنه يهدف إلى تغيير الإنسان، والانتقال به من موقع المفعول به إلى موقع الفاعل التاريخي، وإلى تغيير السياسات العامة المتعبة التي قادتنا إلى الفشل والتخلف والشتات.
إن تغييرا بهذا الحجم وهذا العمق لن ينجح إلا إذا انطلق من الداخل، مستعينا بالقدرات الذاتية لمجتمعنا، ولكننا بالمقابل يجب أن نعيش عصرنا الذي أصبح مفتوحا، وتحطمت فيه الحواجز والحدود، وأصبح التأثير والتأثر بين الدول كبيرا.