من أرشيف عبد الرحيم علي
الجعفري في حواره مع عبد الرحيم على في 2003: لا يوجد حل سوى التخلص من صدام حسين
نشر هذا الحوار بتاريخ 21/01/2003
الجعفرى: نحن لم نعقد لقاءات سرية مع الأمريكان
الناطق الرسمي باسم حزب الدعوة: نرفض الحرب وليس هذا معناه أننا مع صدام
الجعفرى: صدام لا يمتلك الشجاعة الكافية
الدكتور "إبراهيم الجعفري" الناطق الرسمي باسم "حزب الدعوة" الشيعي طرف أصيل في المعارضة العراقية، وتواجُد الحزب في الداخل ملحوظ، خاصة في المحافظات ذا ت الأغلبية الشيعية، وهم قاطعوا مؤتمر لندن، وأبدوا تحفظات عليه تنطلق من رفضهم إعلان الحرب من قِبل أمريكا على العراق، وطالبوا بدعم المجتمع الدولي والعربي للمعارضة الوطنية؛ لمساعدتها في الإطاحة بنظام صدام، وعندما ترددت أنباء عن لقائهم سرا وبشكل منفرد للأمريكان في الأيام القليلة السابقة دافع الرجل عن هذه اللقاءات، موضحا أنها كانت بدعوة من أمريكا لسماع وجهة نظر الحزب الذي يُعد رقما كبيرا لا يمكن تجاهله في المعادلة السياسية العراقية.
وأكد الرجل على أنه لا يوجد حل سوى الإطاحة بالرئيس العراقي صدام من خلال جهود عراقية وطنية مدعومة عربيا ودوليا، مشيرا إلى أن الشعب العراقي سبق أن قال كلمته في انتخابات جرت بلغة الدم إبان انتفاضة 1991 التي راح ضحيتها مائتي ألف شهيد، ونفى "الجعفري" إمكانية حدوث فوضى نتيجة الإطاحة بصدام، مشددا على أن المعارضة على رغم اختلافاتها الداخلية.. فإنها جميعا متفقة على مبدأ الإطاحة بصدام، وحسم مستقبل العراق عبر صناديق الاقتراع.
* بداية د. "إبراهيم" لماذا رفضتم الاشتراك في مؤتمر "لندن" احتجاجا على التدخل الأمريكي في أعمال المؤتمر، ثم عدتم لعقد مقابلات سرية ومنفردة مع الأمريكان ؟
- أولا.. نحن لم نعقد لقاءات سرية مع الأمريكان؛ فاللقاءات الثلاثة التي عقدناها مع الجانب الأمريكي كلها كانت معروفة للجميع، وجميعها بالمناسبة جاءت بمبادرة أمريكية: اللقاء الأول كان في أكتوبر 2002، وقد بادرت أمريكا بطلبه، وتم في مكتبنا في لندن؛ وذلك رغبة منهم في التعرف على وجهات نظرنا، ولماذا نعارض مؤتمر المعارضة الذي كان يتم التجهيز له؛ لعقده في لندن، ثم عقدنا لقاء آخر تحت هذا العنوان، وتم لقاء ثالث أيضا، وهذا هو اللقاء الأخير، وتم بواشنطن وبدعوة أمريكية أيضا.
وفي هذا اللقاء وجه الأمريكان لنا الدعوة لحضور مؤتمر المعارضة الثاني الذي كان مزمعًا عقده في الثاني والعشرين من الشهر الحالي يناير 2003 بمدينة "أربيل" الكردية في الشمال العراقي، وتم تأجيله.
* ولكن لماذا رفضتم وما زلتم ترفضون الاشتراك في مؤتمرات المعارضة؟
- لقد كانت هذه أيضا هي الأسئلة المحورية في لقاءاتنا مع الأمريكان، وقد تميزت إجاباتنا معهم بالصراحة والوضوح التامَّين؛ فنحن بداية أبدينا تخوفنا من الحرب، وقلنا لهم: إننا نرفض شن الحرب على العراق؛ لما في ذلك من مخاطر مروعة على شعبنا هناك.. هذه واحدة، والثانية نحن أبدينا لهم ملاحظاتنا على مؤتمر لندن الذي قاطعناه، على الرغم من أننا لم نقاطع "المؤتمِرين" فجميعهم تربطنا بهم علاقات قديمة؛ فنحن كحركة إسلامية وطنية نحرص أشد الحرص على التعددية، ونسعى لاستقلال القرار السياسي العراقي، ومن هذا المنطلق كانت مقاطعتنا لمؤتمر لندن.. لماذا ؟
لأن الفريق الذي نهض للإعداد للمؤتمر لم يكن يتحرك بإرادة عراقية مستقلة، ولم يكن من حيث الكفاءة يضم كافة الفصائل المفصلية في العراق، ولكنه اقتصر على 6 تيارات أو جهات، نحن اختلفنا أيضا؛ لأن عدد المطروح اشتراكهم في المؤتمر ضعيف، وحتى بعد أن قاموا بزيارات لم تراعِ الزيادة الموازين الدقيقة لاختيار الكادر السياسي.
أيضا افتقد المؤتمر الإعداد الجيد من جهة تجهيز أوراق للمناقشة تتحدث عن كيفية ملء الفراغ الذي سيحدث نتيجة لتغيير النظام في العراق، كيف سيمكننا مواجهة "الاضطرابات – الفوضى - هدر الدماء - توفير التغذية والدواء لشعبنا - الأمن القومي"؟ كل هذه الموضوعات كان من الضروري مناقشتها، وإعداد خطط محددة لمواجهتها.
طالبنا أيضا بضرورة خروج آلية عراقية تمثل حالة رمزية تعبر عن المساحة السياسية الموجودة بالعراق دون أي استقصاء لأي فصيل، كما طالبنا بضرورة أن تنبع الحالة المستقبلية العراقية من رحم صناديق الانتخابات.. كل هذا قلناه للأمريكان، وتحفظنا على عدم استطاعة المعارضة تحقيقه حتى الآن. لذا فعندما وجهت لنا دعوة مرة أخرى لم نعطِ موافقة، وانتظرنا، وما زلنا، ربما تحدث تغييرات جوهرية تدفعنا لمراجعة موقفنا.
مساندة المعارضة
* قلتم: إنكم ضد شن حرب على العراق.. فكيف ترون وسيلة الخروج من الأزمة بشكل سلمي؟
- عندما نقول: إننا نرفض الحرب؛ فليس هذا معناه أننا مع صدام، وعندما نطالب بالتغيير فليس هذا أننا مع الحل الأمريكي، هذا يجب أن يكون واضحًا من حيث المبدأ. فنحن نريد تغيير النظام، وهذا هو الحل الوحيد الذي يبعد شبح الحرب عن العراق. وعلى العالم كله بما في ذلك الحكومات والشعوب العربية أن تحترم رغبة الشعب العراقي الذي صوت "بالدم" في انتخابات حقيقية أجريت عبر انتفاضة 1991 التي راح ضحيتها مائتي ألف شهيد في 17 محافظة عراقية، هذه يا أخي انتخابات حقيقية لم يشهد العالم لها مثيلا. وبالتالي فإننا ننظر إلى أي شعب ونقيمه بمدى ما يقدمه لنا كعراقيين من أجل مساعدتنا على الإطاحة "بصدام حسين".
* ولكن ألا ترى معي أن هذا الحل معناه "الحرب" التي ترفضونها؛ باعتبار أن صدام ومن معه من قوات شاركته كل أفعاله لن يقبلوا بسهولة بهذا الطرح، خاصة إذا كانت وراءه نيات تتجه إلى مطاردتهم قانونيا؟
- الذي لا تعرفونه أن الذين اشتركوا مع صدام في أعماله الإجرامية هم عدد قليل جدا من خاصة خاصته؛ فالمؤسسة العسكرية بشكل عام بريئة من أفعال صدام، وطالما حاولت هذه المؤسسة الوطنية الانقلاب عليه، وقُدم عدد كبير من أشرف وأنبل ضباطها إلى المحاكمة، وتم إعدامهم.
أيضا نحن لا نعتبر من يعملون في حزب البعث أو الوزارة شركاء لصدام؛ فهؤلاء عملوا تحت ضغط مرعب ورهيب، بالإضافة إلى أن هذا العدد القليل الذي شارك صدام جرائمه مثلهم مثل بيت العنكبوت، وهؤلاء إذا رأوا الحبل يلتف حول عنق صدام فهم أنفسهم سينقضون عليه؛ في محاولة لإنقاذ حياتهم؛ فهؤلاء ليس لهم أمان.
الأمر الآخر الذي أود أن ألفت نظركم إليه هو أن صدام ليس له رصيد شعبي في العراق، وسقوطه أصبح مسألة وقت، فقط على المجتمع الدولي والعربي أن يدعم المعارضة والشعب العراقي في مطالبه.
صدام لا يمتلك الشجاعة
* ولكن ألا ترون أن مطالبات دولية وعربية بهذا الشكل قد تدفع "صدام" إلى التمسك بخياره الأخير، وهو "وضع ظهره إلى الحائط، والمقاومة حتى الرمق الأخير"، وهذا معناه أيضا الحرب بكل شراستها ودمارها الذي سيطول الشعب العراقي كله؟
- صدام لا يمتلك هذه الشجاعة التي تتحدث عنها، وهو إذا وجد منفذا للخروج فسيخرج، وهذا ما أخبر به المقربين إليه عندما أحسّ بقرب انتصار الثورة عام 1991، والآن صدام يعلم علم اليقين أن هناك إجماعًا عراقيًّا وإقليميًّا ضده، وأن فرص الحرب غير متكافئة. ولهذا فهو يرسل "على حسن المجيد" ابن عمه وأخلص خلصائه في عدة مهمات إلى ليبيا وسوريا، وهناك حديث عن زيارة لمصر في محاولة لتهيئة أجواء لهروب صدام وأعوانه بصحبة عائلاتهم. فهذا هو ما يفكر فيه صدام الآن، وكل ما يقوله عدا ذلك من خطابات حول الحرب والمقاومة ما هو إلا تغطية لما يقوم به سرا من البحث عن منفذ للخروج يضمن له حياته وحياة أسرته.
خلافا ت المعارضة والفوضى
* ولكن ألا يسبب هذا الخلاف داخل المعارضة فوضى إذا تم الإطاحة بصدام سريعا؟
- أود أن أنطلق من حقيقة أولية، وهي أن المعارضة رغم كل اختلافها حول أساليب العمل فإن ذلك لا يؤثر إطلاقا في هدفها الأساسي، وهو تغيير النظام في بغداد، والإطاحة بصدام حسين، ما بعد ذلك هناك اتفاق عام فيما بيننا على أن تحسمه صناديق الاقتراع.
المستقبل وصناديق الاقتراع
* وماذا عن الفترة الانتقالية؟
- هناك تنوع في الساحة العراقية، وهذا التنوع بالطبع سيكون ممثلا في الحكومة أو الإدارة الانتقالية المؤقتة، أما ما بعد هذا فكل فصيل لديه اتجاهات، وجميعها محترم من الكل، ولم يتحدث أحد بلغة التحدي للآخرين، نعم هناك خلافات في الرؤى بيننا -على سبيل المثال- وبين المجلس الأعلى في قضية المشاركة السابقة واللاحقة في مؤتمر المعارضة، ولكننا لم نجعل حضور المؤتمر سببا لهدم الجسور بيننا وبين كافة فصائل المعارضة، وأعتقد أننا بصدد صيغة سياسية توافقية ستحكم المرحلة الانتقالية.
* ولكن هناك تخوفات -على سبيل المثال- من اقتتال داخلي بين "السنة والشيعة" على خلفية ثارات انتفاضة 1991، وبين العرب والأكراد على خلفية ما حدث في حلبجة 1987، وبالتالي حدوث فوضى عارمة ودخول دول طرفا في الصراع كتركيا التي سيضيرها محاولة الأكراد إعلان دولة في شمال العراق!
- أود أن أخبرك أولا بشيء مهم.. صدام عندما ارتكب حماقاته في حلبجة ضد الأكراد وفي انتفاضة 1991 ضدنا نحن الشيعة وضد حزبنا (حزب الدعوة) الذي قاد الانتفاضة حاول أن يُلبسها أثيابا شتى؛ فتارة يزعم أنه فعل ما فعل في حلبجة باسم العروبة ضد الأكراد، وتارة يقول: إنه فعل ما فعل في 1991 ضد "الشيعة" باسم السنة، ويعلم الإخوة الأكراد جيدا أن صدام يكذب، وأنه لم يفعل ذلك كعربي، وإنما فعله كطاغية وديكتاتور، وكذلك نحن في الشيعة نعلم ذلك جيدا.
لذلك فقد جمعنا كلمتنا جميعا كشعب في العراق على ضرورة الإطاحة به وبنظامه الديكتاتوري الفاسد، وإيجاد نظام ديمقراطي يحترم التعددية، ويقر مبدأ الديمقراطية، ويحفظ للجميع حقوقهم في عراق حر كونفدرالي. لهذا فأنا لا أتوقع على الإطلاق حدوث فوضى.