الأربعاء 09 أكتوبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

نايف حواتمة فى حواره لعبد الرحيم على : البيت الأبيض في عهد الرئيس بوش الابن تحول إلى هيئة أركان حرب

نشر هذا الحوار بتاريخ 25/9/2004 بموقع إسلام اونلاين 

نشر
نايف حواتمه
نايف حواتمه

فتح لنا قلبه وخزائن أسراره، لم يحذر وهو يؤكد لنا أن أطرافًا عربية أجهضت برؤية قُطْرية ضيقة، ومدي إمكانية إنجاز برنامج وطني موحد وقيادة سياسية موحدة بين الفصائل الفلسطينية في أغسطس عام 2002، عندما مارست ضغوطًا لتمنع عددًا من الفصائل الفلسطينية من التوقيع في اللحظات الأخيرة.

عبد الرحيم علي يحاور "نايف حواتمة" الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ويكشف العديد من الأسرار.

على مدى أكثر من ساعة ونصف دار حوارنا مع المناضل الفلسطيني الذي يزور مصر بعد غياب دام ما يقرب من ثلاثين عامًا – حيث كانت آخر زيارة له عام 1974- تحدثنا مع السيد "نايف حواتمة" الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في كل شيء، مباحثاته الثنائية مع ممثلي القيادة المصرية، ورؤيته لمسار الحوار الفلسطيني- الفلسطيني، وطبيعة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية والمخاطر المحدقة بها، والمعوقات التي منعت من بناء وحدة وطنية فلسطينية حتى الآن.

وكان واضحًا حينما أشار إلى ضرورة إنجاز الوحدة بأسرع وقت ممكن للتصدي لخطط شارون الرامية لاجتياح غزة وطرد القيادات الفلسطينية بما فيهم عرفات إلى خارج الأراضي المحتلة، وإحلال سلطة مدنية إسرائيلية على طول المدن الفلسطينية في الضفة والقطاع.

وبحسم أوضح أن إمكانية تجاوز الخلافات عبر التمسك بالقواسم المشتركة والنزول عليها هي الحل لما تعانيه القضية الفلسطينية من إحباطات، وبشجاعة وحنكة سياسي قدير شرح الرجل تجربة حزب الله في لبنان موضحًا أن المرحلية ما زالت تحمل قدرًا كبيرًا من البريق، وأن أمام إنجاز مهامها سنوات عديدة من الجهد، محاولاً الرد على من قالوا بانتهاء عصر المرحلية بعد 28 عامًا من التمسك بها منذ عام 74 وحتى الآن.

وفي النهاية شرح الرجل برنامج الجبهة الديمقراطية "المرحلي" لتحرير فلسطين، مؤكدًا أنه السبيل الوحيد لفتح بوابة أخرى تطل على مراحل أخرى لتحررنا الوطني، أسئلة كثيرة وإجابات دقيقة صنعت هذا الحوار مع المناضل الفلسطيني السيد "نايف حواتمة".

 

 

حواتمة.. لا بديل عن المقاومة سوى الخضوع  

قال نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين: إن البيت الأبيض في عهد الرئيس بوش الابن تحول إلى هيئة أركان حرب، تدير العمليات الحربية على كل الجبهات والمستويات الاقتصادية والإعلامية والدينية.

ورأى في حوار شامل مع "إسلام أون لاين.نت" بمناسبة مرور 3 أعوام على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 أن الإدارة الأمريكية بوضعها "الانتصار" في معركة "صراع الحضارات والأديان" كهدف نهائي، لن تتورع عن استخدام أية أساليب لا أخلاقية في حروبها؛ لأنها أصلاً لا تقوم على أساس أو مبرر أخلاقي. وبالتالي ستتحول المعركة من محاولة لفرض الأيديولوجية والفكر الليبرالي الاستئصالي الأحادي المتوحش، إلى حروب إبادة جماعية بحق الشعوب.

وشدد حواتمة على أنه في ضوء ذلك لا خيار أمام الأمة العربية والإسلامية سوى "خيار المقاومة"، ودعا إلى "أن نؤسس لهذا الخيار بعملية إصلاح بنيوية وجذرية شاملة لكل المجتمعات العربية، تضعنا على درب الحداثة والتحديث والتقنية الحديثة وعصر الثورة المعرفية، وهذا لا يكون إلا بحكومات تأخذ في قيادتها لمجتمعاتنا بالخيار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة".

وفيما يلي نص الحوار..

*سيد نايف: بعد مرور ثلاث سنوات على تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، كيف ترون الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة؟

لقد وجدت إدارة المحافظين الجدد في واشنطن الفرصة سانحة أمامها بعد الحادي عشر من أيلول- سبتمبر 2001، للمضي بعيداً بسياسة وضع نفسها فوق القانون والشرعية الدولية، وسعيها لممارسة هيمنة كلية على العالم، تحت وهم أنها باتت تمثل القوة النهائية، التي تقود "الرأسمالية المنتصرة"، "النظام النهائي في التاريخ الإنساني".

وأصبح استهداف منطقتنا العربية من قبل سياسات الهيمنة الأمريكية جزءًا لا يتجزأ من استهدافها للعالم ككل، فالإستراتيجية الإمبريالية الأمريكية التي أعادت الإنسانية إلى زمن الاحتلال الاستعماري المباشر من خلال احتلال العراق ما زالت تقوم على آراء توماس هوبس العنصرية القائلة بأن "الإنسان ذئب للإنسان" و"أن لا شيء يحمل الدول على الاجتماع والتعاون، وبالتالي فإن على دول العالم الخضوع، صراحة أو ضمناً، لإرادة سلطة مركزية"، أي لإرادة الولايات المتحدة الأمريكية".

منطقتنا وقوس المصالح

المنطقة العربية والمنطقة الإسلامية عموماً تقع في قوس المصالح الإمبريالية الأمريكية "النفط والغاز تحديداً"، وواقع حال دول المنطقتين شكل أرضية خصبة لشراسة الهجمة عليها، فدول المنطقتين ترزح تحت مشاكل تخلف البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وصراعات إثنية وعرقية وطائفية أفقدتها القوة والمنعة، وأبقتها بعيداً عن عالم الحداثة والديمقراطية والتنمية البشرية والاقتصادية المستقلة والمستدامة. لذلك فإن السياسة الأمريكية حيال المنطقة تقوم على مزيد من ممارسة الضغط وتصعيده بمختلف أنواعه، لإخضاع المنطقة كلياً وربطها بعجلة التبعية لأمريكا، وفي سبيل تحقيق هذا تسعى واشنطن إلى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية، وذبح المقاومتين الفلسطينية والعراقية اللتين ما تزالان تشكلان عقبة كأداء في وجه تحقيق مشروع الهيمنة الأمريكية على المنطقة.

*هل تختلف تلك الإستراتيجية عما كانت عليه قبل التفجيرات؟

من حيث الجوهر لا، ومن حيث الأساليب نعم تختلف جذرياً. سياسات الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول بدأت تجاهر علناً بعدائها لمبادئ التعايش السلمي، وتنزع لسياسات إبقاء الصراع مستمراً بين دول ومجتمعات العالم تحت شعارات نظرية هنتنجتون العنصرية "صراع الحضارات والأديان"، ومقولة الفيلسوف المتأمرك فوكوياما بـ"نهاية التاريخ، وخروج جموع بشرية هائلة منه". والمقصود هنا دول العالم الثالث التي "تجاوزها التاريخ"، حسب ما يعتقده فوكوياما.

لقد ردت إدارة بوش على الإرهاب الذي استهدف مركز التجارة العالمي بتصعيد غير مسبوق منذ سنوات عديدة لإرهاب الدولة المنظم الذي مارسته الإدارات الأمريكية ضد الكثير من شعوب العالم: فلسطين، فيتنام، كوريا، كوبا، إيران، أفغانستان... إلخ. إحدى نتائجه المباشرة احتلال العراق ومن قبله أفغانستان، ووضع كل منطقة الخليج العربي تحت الوصاية المباشرة لقواعدها العسكرية ومراكز قيادة جيوشها. وزيادة مستوى دعمها وتغطيتها للسياسات الدموية التوسعية، التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.

عبد الرحيم علي

وما هي الآليات التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ هذه الإستراتيجية؟

منذ انتهاء "الحرب الباردة" ومع اختلال ميزان القوى العالمي لصالحها بشكل شبه مطلق عادت الولايات المتحدة الأمريكية لأساليب الاستعمار بأشكاله التقليدية، الاستعمار الكولونيالي ومن ثم الاحتلال العسكري المباشر. وسياسات الترغيب والترهيب ما زالت النهج الذي تسير عليه الإدارات الأمريكية، والذي تصاعد مع مجيء إدارة ريجان، التي قادت التحول الكبير في السياسات الأمريكية ما بعد المكارثية، وشكلت المهد لولادة سياسات المحافظين الجدد التي نرى نتائجها اليوم على الأرض.

في عهد الرئيس بوش الابن تحول البيت الأبيض إلى قيادة أركان حرب، تدير العمليات الحربية على كل الجبهات، ولمختلف أشكال الحروب: الكلاسيكية، الاقتصادية، الإعلامية، الدينية... إلخ. وبوضعهم "الانتصار" في معركة "صراع الحضارات والأديان" هدفاً نهائياً، فهذا يعني أنهم لن يتورعوا عن استخدام أية أساليب لا أخلاقية في حروبهم؛ لأنها أصلاً لا تقوم على أساس أو مبرر أخلاقي. وبالتالي ستتحول المعركة من محاولة لفرض الأيديولوجية والفكر الليبرالي الاستئصالي الأحادي المتوحش، إلى حروب إبادة جماعية بحق الشعوب.

 

*كيف يمكن التعاطي/ التصدي لهذه الإستراتيجية؟

صيغة السؤال خير دليل على مأزق أكثر الرسميات العربية وشريحة واسعة من المثقفين العرب، البعض يعيد صياغة السؤال بشكل مختلف: هل سيكون بمقدورنا التصدي للسياسات الأمريكية؟. طبعاً إجابة من يطرحون هذا السؤال جاهزة ومعروفة، سيجيبون: المواجهة انتحار، علينا التعاطي معه للتقليل من الخسائر!!.

لكن دعنا ندقق بالأمر، هل تترك لنا السياسات الأمريكية سوى خيار المواجهة؟. الجواب المنطقي والعلمي: قطعاً لا.

ففي ظل غياب سياسة الحوار عن أجندة سياسات الإدارة الأمريكية لا يبقى لنا بديل عن المقاومة سوى الخضوع، بثمن التنازل عن قضايانا الوطنية وحقنا في أرضنا والسيادة عليها، والتخلي عن ثرواتنا، وجعل دولنا ومجتمعاتنا تحت سيف مظالم نظام التجارة الأحادية الطريق المعولمة، وفريسة للشركات ما فوق القومية والمتعددة الجنسيات، لتملي علينا إعادة مأسسة مجتمعاتنا وأنظمتنا السياسية والاقتصادية بما يخدم مصالح هذه الشركات لتمارس نهبها بشكل مقنن. ونتيجة كل هذا سيكون فقداننا لمقومات التنمية المستقلة والمستدامة، ليحل بمجتمعاتنا المزيد من الخراب فقراً وتهميشاً وتخلفاً والمزيد من الصراعات الإثنية والدينية والطائفية. لن تكون مجتمعاتنا عندها سوى خزانات تنضح بالعنف الاجتماعي والإرهاب.

ليس لدينا سوى خيار المقاومة، وأن نؤسس لهذا الخيار بعملية إصلاح بنيوية وجذرية شاملة لكل المجتمعات العربية، تضعنا على درب الحداثة والتحديث والتقنية الحديثة وعصر الثورة المعرفية، وهذا لا يكون إلا بحكومات تأخذ في قيادتها لمجتمعاتنا بالخيار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة. والمفتاح أنظمة ملكية دستورية وجمهورية برلمانية، وبناء مؤسسات المجتمع المدني. بهذا نمتلك القوة والمنعة التي تعيد لنا حقوقنا المغتصبة، ونوقف زحف المشروع الاستعماري الصهيوني، ونتصدى لمشاريع الهيمنة الأمريكية.

 

*وما هي آليات هذا التصدي؟

لا آليات ناجعة دون قيام نظام الحكم الصالح في بلداننا، الحكم المنبثق عن مؤسسات دستورية والمنضبط بها، هذه المؤسسات منتخبة بشكل ديمقراطي مباشر وحر، ومبنية على أساليب العمل الجماعي.

*هل هناك أمل بالإصلاح السياسي بالمنطقة، وما رأيكم بالجدل الدائر حول الإصلاح من الداخل والإصلاح من الخارج؟

الإصلاح ليس خياراً، بل هو ممر إجباري علينا أن نعبره جميعاً، فإن لم يكن بخيارنا، فسنجر إليه بشروط وإملاءات الآخرين. بعض الرسميات العربية الحاكمة ما زالت تراهن على إمكانية إعادة بناء الجسور مع الإدارة الأمريكية من خلال الالتحاق بـ"أجندة" السياسات الأمريكية في المنطقة، والعودة إلى لعب دور الوكيل المنفذ لهذه السياسات ضمن التطويرات التي بات يتطلبها لعب هذا الدور بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، ولكن هذه أضغاث أحلام هيهات أن تشكل البلسم الشافي لحكومات الأنظمة التوليتارية الشمولية القمعية. فسياساتها القمعية تمنع الاستقرار في مجتمعاتها، وتبقيها عرضة لتوترات وصراعات هائلة على كل المستويات. وبمرارة أقول، وفي هذا شيء من المفارقة: إن مستوى البؤس الذي تسببه سياسات هذه الرسميات الحاكمة بسبب التخلف الذي يطال كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية لا يمكّن الشركات متعددة الجنسيات من تحقيق أهدافها في نهب خيرات هذه البلدان بالسرعة والسلاسة المطلوبة. لذلك فهي تسعى إلى فرض تغييرات شاملة من زاوية مصالحها للهيمنة على المنطقة وخيرات شعوبها، وهذا هو جوهر الإصلاحات التي طالبت بها إدارة بوش في مشروعها لإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة والمسمى "مبادرة الشرق الأوسط الكبير". لذلك من مصلحتنا الوطنية أن نأخذ قضايا الإصلاح بيدنا، وأن نشرع به على الفور، وإلا فالثمن سيكون باهظاً بخسارتنا لاستقلالنا وهويتنا وحقوقنا في أرضنا والسيادة عليها والتمتع بخيرها.

*ما هي توقعاتكم للسيناريوهات القادمة في ظل الظروف الدولية والإقليمية المحيطة؟

إذا لم نستنهض قوانا، ونحصن مجتمعاتنا بالديمقراطية فإن الهجمة الأمريكية ستزداد شراسة، وستكسب جولات جديدة، واحتلال العراق وممارسات المحتلين، وتصاعد الدموية الإسرائيلية خير شاهد على ذلك.

قد يكون قدر المقاومتين الفلسطينية والعراقية أن تبقيا إلى حين ـ لا نعرف إلى متى يستمر ـ لوحدهما في ميدان المواجهة المباشر مع مشاريع الهيمنة والاستعمار والقتل الإسرائيلية والأمريكية. لكن في النهاية هذه السياسات الاستعمارية تحفر قبرها بيدها، أمريكا حولت نفسها إلى إمبراطورية، هي بفعل سياساتها في طور الانحدار ولكن الطويل الأمد؛ لأنها وضعت مصالح طغمة رأس المال لشركاتها ما فوق القومية فوق مصالح كل شعوب العالم، ومشروع العولمة البديلة بدأ يستقطب حركة واسعة في مواجهة السياسات الأمريكية، وسيأتي قريباً اليوم الذي تأخذ فيه الشعوب العربية زمامها بيدها، لتتبوأ مكانها في مواجهة العدوانية الأمريكية، وسياسات هيمنتها المعولمة.