من أرشيف عبد الرحيم علي
عبد المنعم سعيد يتضامن مع عبد الرحيم علي ضد تهديدات القاعدة ويكتب: في البحث عن فولتير !
نُشر هذا المقال بموقع دار نهضة مصر بتاريخ الخميس 1 نوفمبر 2007
في مقاله بجريدة نهضة مصر منذ ١٥ عاما، أي يوم الخميس ١ نوفمبر ٢٠٠٧ أعلن الدكتور عبد المنعم سعيد تضامنه مع عبد الرحيم علي ضد تهديدات القاعدة وكتب: لم يحمل الرجل سيفا وإنما حمل قلما، ولم يلعن الرجل تنظيما وإنما خلق مزيجا حريفا من التحقيق الصحفي والبحث العلمي يغوص في الحركات السياسية الإسلامية ويحاول أن يبحث عن جذورها وأصولها منتميا إلى تلك الجماعة من الناس الذين إذا أخطأوا كان لهم أجر، أما إذا أصابوا فلهم أجران.
… إلى
نص المقال كاملا
في البحث عن فولتير !
ما قاله فولتير يوما عن أنه على استعداد لكي يبذل حياته فداء لحق المخالفين له في إبداء أرائهم لا يبدو أنه سيكون عملة عربية في القريب العاجل رغم كل الحديث عن حرية الرأي والتـعـبـيـر والديمقراطية والتسامح مع الآراء المعارضة، وما يبدو سائدا في مصر والمجتمعات العربية الأخرى أن نعرة الحريات تزيد بشدة عندما تكون المخالفة من السلطة السياسية، فساعتها فإن معزوفة الاستبداد والديكتاتورية يصير لها كثرة من المصفقين؛ ولكن عندما تأتى المخالفة من جماعات سياسية ليست في الحكم، فإن الصمت يذيع، وتصبح الأصوات خافتة هامسة، لأن جماعة الرأى ليست متأكدة تماما عما إذا كان في الأمر مخالفة لحقوق الإنسان والحريات العامة أم أن الأمر قد يكون فيه التباس بين المقاومة والإرهاب.
القصة هذه المرة دارت حول الأستاذ عبد الرحيم على ، الصحفي المهتم بقضايا الإسلام السياسي وتوابعه من عقائد وايدلوجيات وإرهاب وعنف وانتخابات أحيانا حينما توجه له تهديد مباشر بالقتل من جماعة القاعدة في العراق من خلال حث الجماعات الحليفة على التخلص من الرجل أو ضرب عنقه حسب التعبيرات الذائعة في تلك الجماعات الجهادية .
وجاء الحكم عقابا على ما ينشره صاحبنا في صحف عدة فضلا عن تواجده الكثيف في الفضائيات التليفزيونية العربية لم يحمل الرجل سيفا وإنما حمل قلما، ولم يلعن الرجل تنظيما وإنما خلق مزيجا حريفا من التحقيق الصحفي والبحث العلمي يغوص في الحركات السياسية الإسلامية ويحاول أن يبحث عن جذورها وأصولها منتميا إلى تلك الجماعة من الناس الذين إذا أخطأوا كان لهم أجر، أما إذا أصابوا فلهم أجران.
وبالتأكيد فإن في الموضوع نوعاً من الاختبار الأخلاقي والمعنوي لصاحب القلم، فليس من الأمور السهلة أن يعيش إنسـان تحت رحمة تهديد بالقتل خاصة من جماعات لم يعرف عنها فضيلة المزاح، ويحافظ في نفس الوقت على مـوضـوعيته الفكرية، ومن الجائز بالطبع أن يحدث له ما حدث للمفكر الكبير سيد القمني الذي عاش تجربة مشابهة رتبت عليه ضغوط عائلية ونفسية كبيرة خرج منها بشجاعة كبيرة ، ولكن الاختبار الأكبر كان للجماعة الصحفية والفكرية المصرية والعربية كلها من يسارها ليمينها .
وللحق فقد كان هناك بعض من رد الفعل في شكل بيانات من لجنة الحريات في نقابة الصحفيين، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان وبعض من الأخبار والمقالات، ولكن كل ذلك لم يزد عن نوع من إبراء الذمة، فلا وجدت حركة كفاية في الموضوع يستحق موقفا، ولا وجدت جماعة الإخوان المسلمين على كثرة بياناتها ما يستحق الاستهجان وباستثناء لجنة الحريات في حـز التـجـمـع فـإن الـجـدية ظلت مستبعدة في النظر إلى القضية التي من أهم قضايا الحريات العامة.
وفي الحقيقة إن دفاع الجماعة الفكرية الراهن عن الصحفيين المحكوم عليهم بالسجن لن يستقيم ما لم يتحول إلى موقف عام من حرية الرأى ، خاصة أن كتابات عبد الرحيم على لا يدخل فيها التباس متعلقة بالسب أو القذف، وإنما هي اجتهادات فكرية من الطراز الأول.
ومن المرجح أن تكون القضية ذات أبعاد اأكثر اتساعا بكثير من تهديد بالقتل من جماعة إرهابية لكاتب صحفى، فما يبدو أن المرحلة المقبلين عليها سوف تشهد أمورا متعددة من هذه الناحية، فلا يمكن فهم تهديد جماعة القاعدة فى العراق إلا على ضوء موقعها الذى بات يتعرض لضغوط كثيرة.
فخلال العام الحالى، رغم الفشل العام للتجربة الأمريكية فى العراق، فإنها نجحت - بالتعاون مع السعودية ودول الخليج الأخرى- فى جذب القبائل السنية التى بدأت هي نفسها تعائى من الضغوط العنيفة للجماعات الجهادية التي تركت
الجهاد ضد الأمريكين ووجهته بصفة أساسية نحو العراقيين، وكان نتيجة ذلك انتشار مجالس الصحوة فى المحافظات السنية وتوجيه جهود قبائلها إلى طرد جماعة القاعدة وأمثالها.
هذا التحول الذى دفع حتى أسامة بن لادن شخصيا لنقد ممارسات القاعدة فى العراق، يتعمق حاليا ويهدد بقاء الجماعات الإرهابية المختلفة فى بلاد الرافدين، ومن ثم بفقدانهم قاعدة هامة للحركة السياسية والسسكرية والتدريب والتسليح.
وجريا على التجارب السابقة فإن تشديد الخناق على جماعة القاعدة وأمثالها كان دائما مدعاة لنقل الحركة "الجهادية" إلى مسارح أخرى حيث إن أهم مميزاتها من الناحية الاستراتيجية هى المرونة وخفة الحركة والقدرة على الانتقال من مسرح عمليات إلى آخر.
ويبدو أن المسرح المختار القادم فى حالة الخررج من العراق سوف يكون اختبار الأوضاع فى الدول العريية المختلفة، فضلا بالطبع عن المعركة الكبرى التى تجرى الآن فى باكستان.
وهذه على أى حال لها قصة أخرى، ولكن ما يعنينا هنا أن المثقفين والكتاب سوف يكونون من الأهداف الرئيسية للقاعدة لأنهم من ناحية أهداف سهلة لأفراد عزل، وعلى الأغلب فإنهم بسبب أرائهم ليسوا ممن يحصلون على حماية مباشرة من السلطات الأمنية؛ ولكنهم من ناحية أخرى يحققون عائدا إعلاميا كبيرا يلبى الحاجة إلى تحقيق أكبر عائد من الخوف والتوتر والانسحاب الفكرى ليس فقط على المفكرين وعائلاتهم بل أيضا على الطبقة الفكرية كلها التى قد تنسحب خوفا من القاعدة أو تقترب منها تملقا ومداهنة.
وفى أثناء الموجة الإرهابية خلال التسعينيات فإن محاولات الاعتداء على الأستاذ نجيب محفوظ والأستاذ مكرم محمد أحمد واغتيال الدكتور فرج فودة كانت كلها جزءا من معركة كبرى للإرهاب الفكرى فضلا عما فيها من إرهاب مادى.
وفى الحقيقة فقد كان الموقف الشجاع للجماعة الفكرية أيامها واحدا من أهم أسباب نجاع مصر فى مقاومة الإرهاب عندما توحدت جهود الجميع من أجل محاربة الخوف والإرهاب والعنف، ومثل ذلك ينبغى ان يبدأ مبكرا هذه المرة، فلا داعى لسقوط عدد من الكتاب والمفكرين حتى تستيقظ الجماعة الفكرية والسياسية، وأكثر من ذلك ينبغى أن يكون جزءا من الاخلاق العامة والأسس التى يقوم عليها البناء الثقافي والفكرى والسياسى فى مصر.
صحيح أن الجماعة الفكرية والسياسية فى مصر مثخنة بجراح كثيرة تتعلق بالحريات الفكرية والحريات العامة، إلا أن التهديد الموجه إلى الكاتب عبد الرحيم على يمثل لحظة أخرى لا ينبغى أن تفوت على أحد!