السبت 20 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: عام جديد وتحديات كبيرة

نُشر هذا المقال بموقع البوابة نيوز يوم الأحد 31/ديسمبر/2017

نشر
عبد الرحيم علي


وها نحن نودّع عام ٢٠١٧ بعد أن لملم جراحه وأفراحه وذكرياته، ونستقبل بعد ساعات عام ٢٠١٨، ولا نعلم ما كتب الله لنا فيه، لكنه عام جديد على كل حال يأتى وسط احتفالات العالم بعيد الميلاد المجيد عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، الأمر الذى يدعونا دائما إلى التفاؤل بعام يملؤه الفرح والحب والسلام.

وبهذه المناسبة، نقدم تهنئة من القلب لإخواننا من المسيحيين فى جميع أنحاء العالم، كما نهنئ إخوتنا من الأقباط الأرثوذكس فى مصر، ونتذكر تضحيات المسيحيين المصريين كجزء أصيل من هذا الوطن يشكلون مع إخوتهم من المسلمين نسيجًا واحدًا لوطن يعيش فينا ونعيش فيه.

لقد وقف المسيحيون المصريون شامخين خلال ثورتى يناير ويونيو، يدافعون عن وطن الحلم والذكريات والأجداد، وطن جمعنا جميعًا وصهرنا فى بوتقة واحدة منذ مئات السنين، وطن عشقناه معًا ودافعنا عنه معًا واحتضناه معًا وثُرنا من أجل كرامته معًا.

لقد دفع الأقباط المصريون ضريبة الدم من أجل بلادهم، جنودًا على الحدود يدافعون عن أمن مصر وأمانها، ومواطنين مسالمين يمشون آمنين فى شوارع المحروسة ومصلين فى الكنائس يتضرعون إلى الله ليحل السلام مثلهم مثل إخوانهم من المسلمين، واختلطت دماؤهم جميعًا لترسم لنا خارطة المستقبل.

ونأمل فى العام الجديد أن تقل الصراعات والدماء، وتتحقق خلاله رسالة رسول السلام السيد المسيح عليه السلام، وذلك بعد عام مضى بكل أحداثه المريرة.

فقد شهد العام الماضى أحداثا مؤلمة ومؤسفة، واختتم بحادث كنيسة مارمينا بحلوان الذى دل بشكل عملى على صلابة الشرطة المصرية وتلاحم المصريين جميعًا ووقوفهم صفًا واحدًا ضد الإرهاب، وارتفع صوت الشيخ طه رفعت إمام مسجد الدسوقى المجاور للكنيسة، عبر الميكروفون: «أنقذوا إخواننا المسيحيين»، وتقدم البطل صلاح الموجى دون خوف نحو الإرهابى بعد إصابته فنزع عنه سلاحه، وتقدم الشاب عبدالله مصطفى بشهامة المصريين ينقذ طفلة مسيحية، وينقل المصابين بسيارته.

وعلى المستوى العربى شهد ختام العام الراحل فتنة اليمن وقتل رئيسها السابق على يد جماعة الحوثى المدعومة من قطر وإيران، والتى تستهدف فى الأساس تفتيت اليمن وتمزيق بنيانه الطبيعى، كما شهد نفس العام وقبيل نهايته بأيام قليلة قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل، ذلك القرار الذى أشعل نيران الغضب فى أرجاء العالم، لمخالفته ليس فقط لقرارات الشرعية الدولية ممثلة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن لمخالفته لرؤية كل الشعوب والدول الديمقراطية والمتحضرة فى العالم أجمع، فقد رفض الاتحاد الأوروبى القرار مثلما رفضه معظم دول العالم ورأينا تظاهرات فى عدد كبير من الدول الغربية، وكذلك فى الشرق الأوسط فضلا عن اشتعال الأوضاع كاملة فى فلسطين المحتلة.

تحركات تؤكد جميعها على طبيعة مدينة القدس كمدينة تحتضن الديانات السماوية الثلاث على حد سواء.

وكان قرار مجلس الأمن الدولى رقم ٤٧٨، الذى اعتمد فى ٢٠ أغسطس ١٩٨٠، واحدًا من أهم قرارات الأمم المتحدة، الذى خالفه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حيث أدان القرار محاولات إسرائيل ضم القدس الشرقية، كما أدان قرار إسرائيل الصادر فى العام نفسه «١٩٨٠» الذى أعلنت فيه الحكومة الإسرائيلية أن القدس عاصمة إسرائيل، باعتباره انتهاكًا للقانون الدولي، ونص القرار على دعوة الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة المقدسة.

وإذا كان عام ٢٠١٧ قد شهد انحسار داعش من العراق فلا تزال له جيوب فى سوريا ولا يزال التنظيم يمثل خطرًا على ليبيا ومواقع أخرى من العالم، مدعومًا بقوة من دول بعينها تسعى لإشعال المنطقة وتفتيت تماسكها، ولا يزال الإرهاب بشكل عام يمثل خطرًا داهما على شعوب العالم كله، خاصةً فى أوروبا التى تتخفى فيها جماعة الإخوان وراء لافتات الجمعيات الاجتماعية والمؤسسات البحثية. 

لقد بات الإرهاب يمثل أحد أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين، الأمر الذى دفع الأمم المتحدة إلى التشديد على الحاجة لتقديم مرتكبى ومنظمى وممولى وداعمى الأعمال الإرهابية للمحاكمة، وقد اعتمدت الجمعية العامة فى سبيل ذلك القرار رقم ٧١/٢٩١ فى ١٥ يونيو ٢٠١٧ بإنشاء مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.

وفى عام ٢٠١٨ يحتاج العالم إلى وقفة حازمة لمواجهة الإرهاب ووضع حد لممارسات الدول الداعمة له سواء بالتمويل أو الإيواء والاحتضان أو الدعم الإعلامى والعسكرى وعلى رأسها قطر وإيران وتركيا.. فالإرهاب خطر على الإنسانية كلها، الأمر الذى يتطلب توحيد الجهود لمواجهة أخطاره والقضاء عليه. 

وستظل القرارات والتدابير التى تتخذها الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها قاصرة عن مواجهة هذا النوع من الجرائم بجميع أشكالها ما لم تكن هناك آليات ملزمة وحقيقية تجاه الدول الراعية والممولة للإرهاب من ناحية، وتلك الدول التى توفر له ملاذات آمنة من ناحية أخرى، إضافة إلى توفر سياسات دولية عادلة تجاه الشرق الأوسط وبالأخص فيما يتعلق بالقضية المحورية للعرب وهى القضية الفلسطينية، وعدم الكيل بمكيالين تجاه دول المنطقة.

وفى العام الجديد نتطلع جميعًا إلى ضرورة عقد المؤتمر الدولى ضد الإرهاب واتخاذ كل ما يلزم لإصدار قرارات أممية فى هذا المجال، تنطلق من تحديد مفهوم الإرهاب ووضع تعريف واضح ومحدد له، ووضع خريطة طريق حول خطط المواجهة وآلياتها.

ورغم كل الأخطار يظل الأمل يحدونا بعام أكثر إشراقًا وأقل خطرا ننعم فيه جميعا بالحب والخير والسلام.

وكل عام وأنتم بخير.