الأربعاء 24 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: سيد الباحثين .. نحن في انتظارك

نُشر هذا المقال بموقع البوابة نيوز يوم الخميس 09/مارس/2017

نشر
عبد الرحيم علي

يرقد الكاتب والمفكر الكبير السيد ياسين على سرير المرض، منذ أكثر من شهر، يصارع قدرًا عنيفًا يحاول النَّيْل منه.

فى زيارتى الأخيرة له، وكان لم يزل بمستشفى دار الفؤاد قبل نقله بقرار من رئيس الوزراء إلى مستشفى الشيخ زايد التخصصي، ابتسم لي في لُطف وضَغَط على يدي مشجعًا وكأننى أنا الذى يرقد على سرير المرض وليس هو، ثم طلب ورقة وقلمًا، وكتب لى فيها عبارات لم أفهمها لفرط الرعشة فى يديه، لكنني قلت له: لقد فهمت، وأومأت له أنى أعرف كل أسراره عبر زملاء دراسته فى باريس، فضحك حتى دخل فى نوبة سُعال مستمرة، جعلتني أخرج على الفور من الغرفة منفجرًا فى البكاء.

لقد كان السيد ياسين بالنسبة لي، ولم يزل، أستاذًا وصديقًا ووالدًا.

لم تكن علاقتى به عادية مذ عرفته قبل عشرين عامًا فى العام ١٩٩٨ عندما زرته بمكتبه بالأهرام لأهديه كتابي الأول «المخاطرة في صفقة الحكومة وجماعات العنف»، ظننت فى البداية أن الرجل لن ينظر إليه بعدما أغادر مكتبه فلم تكن لى واسطة لديه إذ اتصلت به مباشرة إلا أنه فى الأسبوع الذى يليه كان قد كتب عني وعن الكتاب، بشكل لم أكن أحلم به من قبل. 

تعمقت علاقتي بالسيد ياسين المفكر والإنسان منذ ذلك التاريخ صار قارئي الأول، وعندما فكرت فى إنشاء المركز العربى للبحوث لم أجد خيرًا من عباءة السيد ياسين لنلتحف بها جميعًا تلاميذ ومريدين، فكان أول مدير له، ولم يَزَلْ.

أسعدتنى الأقدار أن نتزامل معًا فى العمل فرأيته باحثًا مُدقِّقًا وملتزمًا إلى أقصى حدود الالتزام، وعندما احتفلنا ببلوغه عامه الثمانين قبل عامين هنا في مكتبى بـ«البوابة»، كانت الفرحة تعلو وجهه كطفل، تحدث من القلب، وضحك حتى السعال كالعادة، فقد كانت رئتاه الضعيفتان تضيقان بالضحك كما تضيقان بالدخان الذى ظل محافظًا على استنشاقه عبر "البايب" الذى لا يفارق حقيبته حتى وضعه الأطباء على أجهزة التنفس الصناعي.

فى الزيارة الأخيرة ودَّعْتُه وقلت له: لن أزورك مرة أخرى، فقد تأخرت كثيرًا على غير عادتك على مكتبك، فأشار إلي بيديه ما ينبئ بأنها أيام وسيكون هنا فى مكتبه، ونحن فى الانتظار لم نَزَلْ.