من أرشيف عبد الرحيم علي
عبدالرحيم علي يكتب: متى يعلن الرئيس تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب؟
نُشر هذا المقال بموقع البوابة نيوز يوم الجمعة 26/مايو/2017
دفع المصريون أثمانًا باهظة طوال عقود طويلة امتدت من سبعينيات القرن الماضي وحتى كتابة تلك السطور، لتصدّيهم لظاهرة الإرهاب بشقّيها المحلي والدولي.
وكان رجال وضباط الشرطة وإخوتنا من الأقباط هم دائمًا وقود تلك المعركة التي انضم إليها فيما بعد أبناؤنا من القوات المسلحة. تاريخ طويل من المواجهة المفتوحة مع تلك الجماعات التي لا تراعي في وطنها أو دينها إلًّا ولا ذمّة.
وطوال كل تلك السنوات كانت، وما زالت، هناك ثغرات عديدة يَنفذ من خلالها الإرهابيون إلى أهدافهم، لعل أهمّها كانت انتشار الفكر المتطرف في ربوع مصرنا المحروسة، ذلك الفكر الذي لم نكن نعرفه قبل عصر السبعينيات حينما هلّت علينا روائح كريهة من فكر متطرف بعيد عن فهمنا كمصريين للإسلام وفهم أزهرنا الشريف. لذلك أستغرب أحيانًا من توجيه البعض سهام الاتهام للأزهر الشريف وكأنه لم يكن موجودًا طوال ألف عام أو يزيد عندما كنا نعيش إخوة متحابين حتى بدأت أحداث الخانكة عام 1972، وكأنه هو المسئول عن قتل أحمد ماهر والخازندار ومحمود فهمي النقراشي، وحرق أقسام الشرطة و"محلات" اليهود المصريين ومحاولة اغتيال عبدالناصر.
وكأن ذلك الفكر لم يصل إلى مصر محملًا على أعناق عقول مَن هاجروا إلى الصحراء العربية سنوات الستينيات والسبعينيات وعادوا إلينا محملين بتلك الجرثومة.
لقد عانينا كثيرًا انتشار ذلك الفكر المتطرف في القرى والنجوع من خلال شيوخ الفتنة المعروفين بالاسم ولكننا لم نتخذ إجراء قانونيًّا واحدًا تجاههم يردعهم ويردع تابعيهم وتابعي تابعيهم من ممارسة تلك الأفكار عمليًّا على الأرض ضد مواطنين عُزّل جُلّ ما ارتكبوه هو حبُّهم وتمسكهم بهذا الوطن وبوحدة ترابه وأبنائه. إن مواجهة شيوخ الفتنة وأتباعهم بات واجب اللحظة ضمن حزمة من الإجراءات الأخرى سنذكرها جميعها حتى نكون قد أبرأنا أنفسنا أمام الله وأمام مجتمعنا.
ثاني تلك الثغرات كان ولم يزل هو افتقادنا لمنظومة شاملة لمواجهة الإرهاب تضعها هيئة جامعة تتشكل خصيصى لهذا الغرض من خبراء ومتخصصين، وتكون تبعيتها المباشرة لرئيس الجمهورية وحده.
وحسنًا فعل الرئيس، بعد نداءات عديدة منذ عام 1996، حينما أعلن مؤخرًا عن تشكيل تلك الهيئة التي أطلق عليها المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف، ولكننا ومنذ أن أعلن الرئيس عن تلك الفكرة المهمة لم نجد أية خطوات عملية في اتجاه تنفيذها، خاصة ونحن نصارع الوقت في حرب شرسة ضد إرهاب مموَّل ومدعوم عالميًّا وإقليميًّا لا يرحم كبيرًا أو صغيرًا، طفلًا أو امرأة، مدنيًّا أو عسكريًّا.
إن الإعلان عن تشكيل تلك الهيئة وتحديد اختصاصاتها وتبعيتها ورصد الموازنات اللازمة لها، بات واجب اللحظة الذي لا يتم أي شيء إيجابي في التصدي لقضية الإرهاب إلا به.
ثالث تلك الثغرات هو وجود منظومة أمنية تعمل بجناحين أحدهما جنائي، والآخر سياسي، يتبعان مسئولًا واحدًا هو وزير الداخلية.
وقد أثبت التاريخ والمصائب التي مررنا بها، خطأ ذلك التفكير؛ لأننا نخضع جهازًا مهمًّا مثل الأمن الوطني "أمن الدولة سابقًا" لأهواء أشخاص عبثوا به مرارًا وتكرارًا، بدءًا من المرحوم اللواء زكي بدر عندما أخرج مائة من أفضل عناصر الجهاز خارجه، وانتهاء بالإخوان الذين طردوا أكثر من خمسمائة ضابط من أفضل ضباط الجهاز واتهموهم بأنهم كانوا ضد المد الإسلامي طوال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. إن تبعية هذا الجهاز القومي والخطير لرئيس الجمهورية، مثله مثل جهاز المخابرات العامة، بات واجب اللحظة أيضًا؛ حتى يستطيع العمل على تراكم الخبرات ووضع الخطط المناسبة والتنسيق الكامل مع باقي أجهزة المعلومات المعنية دون المرور والتأثر بمصفاة وزير الداخلية أيًّا كان اسمه أو شخصه، فالتجارب أثبتت أن شخصية الوزير دائمًا ما تؤثر على ذلك الجهاز تحديدًا، بالإيجاب أحيانًا، وبالسلب في أحايين كثيرة.
إن التعامل مع تلك الثغرات الثلاث التي يَنفذ منها الإرهابيون ومعالجتها بما يجب وكيف يجب، بات واجب اللحظة، وإلا سنظلُّ نحصد شهداءنا كل يوم متعللين بالمعركة العالمية وشراسة الإرهاب.