الثلاثاء 16 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: الحرب على الإرهاب.. ومباحثات السيسي في الإليزيه

نُشر هذا المقال بموقع البوابة نيوز يوم الجمعة 20/أكتوبر/2017

نشر
عبد الرحيم علي


عندما شرع العلماء المشاركون بالحملة الفرنسية على مصر (1798-1801) في اعداد المجلد المسمى بـ"وصف مصر"، أكدوا أهمية القيام بعملية إحصاء لجميع القطع الأثرية.

ومن محاسن الصدف أن التاريخ أراد أن تتحول جميع المحطات المؤسفة في العلاقات بين البلدين إلى مشروعات كبرى مبنية على التعاون الحضاري.

وبالتالي تمخضت الصدامات التي تسببت فيها الحملة الفرنسية على مصر، عن مجموعة من المشروعات النهضوية، بدءًا من حفر الآلاف من القنوات، بما في ذلك قناة السويس الشهيرة، مرورًا ببناء عدد من السدود على نهر النيل التي يعرفها المصريون تحت مسمى "القناطر"، وانتهاء بإنشاء مدرسة الطب والمدارس الفنية.

وإذا كان بونابرت استطاع هزيمة جيش المماليك، فقد تمكّن هذا الأخير من إقناع زملائه من الجنرالات، بالتعاون مع محمد علي، من أجل تأسيس جيش مصري جديد على غرار الجيش الفرنسي، وذلك بقيادة جوزيف ساف من مدينة ليون الفرنسية، والذي يعرفه المصريون، اليوم، باسم "سليمان باشا الفرنساوي"، هذا الجيش الذي استطاع غزو الشرق الأوسط وحتى أبواب القسطنطينية.

من وراء العمل السياسي والعسكري، يتسلل الزخم الثقافي الاستثنائي الناتج عن فك رموز الهيروغليفية ودخول السينما إلى وادي النيل؛ اقتداءً بالنموذج الفرنسي.

لقد أصبح هذا الزخم الثقافي في وقت قصير جدًّا، قاطرة تقود الطبقة الوسطى المصرية الجديدة نحو حداثة كانت باريس ومدارسها ومؤسساتها نموذجًا لها.

وهكذا وعند احتلال مصر من قِبل الإنجليز، شكّلت اللغة والثقافة الفرنسية سلاحًا ساهم في استعادة استقلال البلاد.

فيما يخص استراتيجية مكافحة الإرهاب فإن فرنسا ومصر تتعاونان بشكل وثيق؛ لأن التهديد الإرهابي أصبح وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة، تحديًا عالميًّا يتطلب حوارًا دبلوماسيًّا واسعًا وتعاونًا عسكريًّا أفضل في هذا المجال.

 

ولهذا تعتبر الملفات المتعلقة بالإرهاب في قلب العلاقات بين البلدين.

فقد عانت فرنسا كمصر من الإرهاب لسنوات طويلة حينما طالت العمليات الإرهابية معظم مدن فرنسا من نيس إلى باريس، وسقط 230 ضحية فقط منذ عام 2015 نتيجة تلك العمليات.

تلك المحطات المهمة دفعت فرنسا للتفكير جديًّا في إقرار قانون الإرهاب الذي سبقته إليها مصر، وأقرّته بعدها فرنسا، يوم الأربعاء الماضي. وقد حدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطاب له في نفس اليوم، نقاطًا سبعة اعتبرها وثيقة عهد جديدة موجهة منه إلى أجهزة الأمن، وعلى رأسها دعم الديمقراطية والأمن والأمان ومواصلة الحرب على الإرهاب.

ولذلك نتوقع أن يستحوذ "ملف الإرهاب وتمويله" على مجمل المباحثات بين البلدين، سواء تلك المعلنة أو تلك التي تُترك للأجهزة الأمنية كي تناقش بعيدًا عن أعين الصحافة، لأن تعاونًا أمنيًّا واستخباراتيًّا في مواجهة الإرهاب بات واجب اللحظة بين البلدين، خاصة ما يتعلق بتمويل العمليات الإرهابية والجماعات والمنظمات التي تشرف عليها، فهناك عدد من الدول متهمة بتلك التهمة، كقطر على سبيل المثال، وهناك لفرنسا علاقات دافئة معها، وقد وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسي خطابًا في الأمم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي، ركّز فيه على ضرورة محاصرة تلك الدول التي تدعم الإرهاب وتأوي عناصره، في إشارة واضحة منه إلى دولة قطر. فهل تصبح تلك نقطة اتفاق أم خلاف بين الزعيمين؟! هذا ما سوف تفصح عنه الأيام المقبلة.

وفي الواقع فإن جميع الملفات المتعلقة بمختلف الجبهات على طاولة الشرق الأوسط، يتم التعامل معها على عدة مستويات من قِبل قادة البلدين: على مستوى المعلومات، ومبيعات الأسلحة والعمليات الميدانية.

وفيما يخص مجال الاستخبارات الذي يعد من المجالات الحسّاسة، فإن مسئولي الأجهزة يعملون على تبادل المعلومات والتحليلات والملاحظات فيما بينهم. ويحرص هؤلاء على عقد اجتماعات منتظمة في القاهرة وباريس لتبادل وجهات النظر حول القضايا المتعلقة بالإرهاب في الشرق الأوسط. ولا يزال الملف الليبي من أخطر الملفات التي يهتم بها خبراء البلدين.

ونحن نعلم أن هناك قوات فرنسية على الأراضي الليبية، وأن هناك "مراقبين" فرنسيين يقومون بمساعدة فريق المشير حفتر في مكافحة الإرهاب المحلي بليبيا.

وبالرغم من تعرض الوجود الفرنسي في ليبيا لانتقادات من قِبل بعض البلدان، بما في ذلك قطر وتركيا وإيطاليا، ولكن الحالة الليبية تحظى بأهمية سياسية كبيرة: مسألة الهجرة غير الشرعية، حيث إن ليبيا تعتبر بمثابة قاعدة خلفية للمهربين والسماسرة الذين يقومون باستغلال الفقراء الراغبين في السفر إلى أوروبا.

وتتعاون أجهزة البلدين في التعامل مع هذه الملفات الاستراتيجية؛ سعيًا منها لمعالجة المشكلات الناتجة عنها. 

وبالنسبة لمبيعات الأسلحة، فإن فرنسا كانت قد حققت مكاسب ضخمة في عامي 2015 و2016 من صفقات بيع الأسلحة لمصر. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر صفقة شراء حاملة الطائرات الشهيرة ميسترال، وأيضًا الطائرات الرافال فخر الصناعة العسكرية الفرنسية.

ومثلما كانت الحال أثناء حكم محمد علي، وجدت فرنسا نفسها مرة أخرى مسئولة عن تحديث الجيش المصري من أجل مساعدة هذه الدولة التي يسكنها حوالي 100 مليون شخص، من أجل أن تسترجع دورها كلاعب رئيسي للاستقرار في الشرق الأوسط.

وبالإضافة إلى هذه القضايا الحسّاسة، سوف تكون أيضًا قضايا التعاون الاقتصادي والثقافي والسياحي على طاولة المفاوضات. فالوفد الكبير الذي يرافق الرئيس سيكون مسئولًا عن متابعة جميع هذه الملفات.

ونأمل في أن يكون هذا الاجتماع الأول بين الرئيسين المنتخبين نقطة انطلاق لصفحة جديدة في كتاب العلاقات الفرنسية المصرية الكبير.