السبت 20 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: "أبومازن".. مقاتل من جنس العمالقة

نُشرعلى موقع البوابة نيوز، الأحد 27 سبتمبر2015

نشر
عبد الرحيم علي

لم يثق الزعيم التاريخى ياسر عرفات فى أحد من رفاقه قدر ثقته فى القائد الفلسطينى الفذ محمود عباس «أبومازن».

تستطيع بسهولة التعرف على ذلك من خلال مسيرة الرجل، فقد تزعم وفد المفاوضات مع الإسرائيليين تلك التى أدت إلى دخول أبوعمار لأول مرة إلى غزة وتدشينه أول نظام للحكم الذاتى في الأرض المحتلة، وفى هذا النظام الجديد تبوء الرجل منصب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وعقب رحيل أبوعمار لم يجد الفلسطينيون خليفة له سواه فقد انتخب بالإجماع رئيسا للسلطة الفلسطينية ورئيسا لمنظمة التحرير الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى وهى المناصب التى كان يتولاها الزعيم التاريخى ياسر عرفات.

ولد محمود رضا عباس فى ٢٦ مارس ١٩٣٥ بمدينة صفد فى فلسطين الخاضعة آنذاك للانتداب البريطاني، لأب يعمل فى التجارة، بعد بدء العام الدراسى السابع له، اضطر للرحيل مع بقية أفراد أسرته إلى سوريا بعد احتلال فلسطين فى عام 1948 وتهجير غالبية سكانها الأصليين إلى الدول العربية المحيطة.

تلقى تعليمه الثانوى فى سوريا والجامعى فى جامعة دمشق، ثم التحق بجامعة القاهرة لدراسة القانون، وفى عام 1982 حصل من جامعة صداقة الشعب السوفياتية فى موسكو، على شهادة الدكتوراة فى العلوم السياسية، وكانت أطروحته عن «العلاقات السرية بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية».

فى عام 1957، عمل مديرًا لشئون الموظفين فى وزارة التربية والتعليم فى قطر، زار خلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عدة مرات لاختيار معلمين وموظفين للعمل فى الإمارة الصغيرة، واستمر فى عمله حتى عام 1970 حيث تفرغ كليا للعمل الوطني.

حياته السياسية:

بدأ أبومازن حياته السياسية بالاتصال بحركة التحرير الوطنى الفلسطينى (فتح) التى كانت وليدة آنذاك عام ١٩٦٥.

شارك فى اللجنة المركزية الأولى، لكنه ظل بعيدًا عن مركز الأحداث نظرًا لوجوده فى دمشق، وظل عضوا فى المجلس الوطنى الفلسطينى منذ عام ١٩٦٨.

قاد المفاوضات مع الجنرال ماتيتياهو بيليد والتى أدت إلى إعلان مبادئ السلام على أساس الحل بإقامة دولتين والمعلنة فى 1 يناير 1977.

تولى حقيبة الأراضى المحتلة بعد اغتيال خليل الوزير (أبوجهاد) وفى عام 1996 اختير أمينًا لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما جعله الرجل الثانى عمليا فى ترتيب القيادة الفلسطينية، وكان قد عاد إلى فلسطين فى يوليو من عام ١٩٩٥.

شارك فى محادثات السلام السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين من خلال وسطاء هولنديين عام 1989، كما قام بتنسيق المفاوضات أثناء مؤتمر مدريد للسلام، الذى عقد عام 1991، كما أشرف على المفاوضات التى أدت إلى اتفاق أوسلو، وقاد المفاوضات التى جرت فى القاهرة تلك التى عرفت فيما باتفاق (غزة- أريحا).

ترأس إدارة شئون التفاوض التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها عام 1994، وعمل رئيسا للعلاقات الدولية فى المنظمة.

رئيس وزراء السلطة:

مع بداية عام 2003 وباتفاق بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية على عدم مواصلة المفاوضات مع ياسر عرفات سطع نجمه كبديل براغماتى باتفاق كامل مع الزعيم ياسر عرفات، فى لعبة لتبادل الأدوار أجادها الرجلان جيدا فيما بدا للناظر من بعيد وكأنه شرخا فى الإدارة الفلسطينية، وذلك لمن لا يعرف قيمة وحجم العلاقة بين المناضلين العظيمين.

عينه ياسر عرفات رئيسا للوزراء، فى 19 مارس 2003، إلا أنه سرعان ما قدم استقالته من منصبه فى سبتمبر 2003 احتجاجا على عدم منحه صلاحيات واسعة من قبل البرلمان للقيام بواجباته.

وفى أول انتخابات رئاسية بعد رحيل أبوعمار فى 2005، رُشح محمود عباس من قبل حركة فتح، وجرت الانتخابات فى 9 يناير 2005، وكانت النتيجة حصولة على 62.52% من الأصوات واعتلائه سدة الحكم كأول رئيس فلسطينى منتخب بعد الزعيم التاريخى ياسر عرفات.

وما زال يتولى رئاسة السلطة الفلسطينية على الرغم من انتهاء فترة رئاسته فى 9 يناير ٢٠٠٩ نظرا للظروف التى أحاطت بالسلطة وما قامت به حركة حماس من انقلاب عسكرى على الشرعية ورفضها إجراء انتخابات واستقلالها بإدارة قطاع غزة.

نضاله فى الأمم المتحدة:

فى 30 نوفمبر 2012 منحت الأمم المتحدة فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو بعد تصويت تاريخى فى الجمعية العامة، وصوتت لصالح الطلب الفلسطينى 138 دولة فيما عارضته 9 دول وامتنعت 41 دولة عن التصويت، عارضتها الولايات المتحدة وإسرائيل وحذرتا من تداعيات هذه الخطوة.

وفى 11 سبتمبر الجارى تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة رفع علم فلسطين على مقارها، وعبر الرئيس أبومأزن عن تقديره للدول التى صوتت لمصلحة هذا النص، وقال: «ما جرى خطوة مهمة جدا فى مسيرة القضية الفلسطينية، فعندما نذهب للجمعية العامة هذا الشهر سنرفع علم فلسطين، وإن شاء الله بعدها نرفع العلم فى القدس».

وأضاف عباس: «لقد حققنا شبه إجماع فى هذا التصويت لأننا ننظر إلى أن الممتنعين (عملوا) لصالح القرار، إذن ما حصل شبه إجماع، وهذه خطوة مهمة، وستأتى خطوات أخرى لاحقا»، وقال: «أصبح عدد المعترضين على مشاريع قرارات لصالح فلسطين الآن ثمانية، وهذا يعنى أن العدد فى تراجع».

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة وافقت على رفع علم فلسطين على مقرها فى نيويورك، ما شكل نصرا دبلوماسيا للفلسطينيين فى حملتهم للاعتراف بدولتهم، وتبنت الجمعية العامة القرار بموافقة 119 دولة، وامتناع 45 دولة عن التصويت، ومعارضة 8 دول، من بينها إسرائيل والولايات المتحدة.

ويتيح مشروع القرار الذى طرحه الفلسطينيون أمام الجمعية العامة رفع أعلام الدول غير الأعضاء التى لها صفة مراقب، وهو ما ينطبق على فلسطين والفاتيكان فقط، التى نأت بنفسها عن المبادرة الفلسطينية دون معارضتها.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، قد أعلن عن انضمام فلسطين لعضوية المحكمة الجنائية الدولية.

وتسمح هذه الخطوة للفلسطينيين باللجوء إلى المحكمة للنظر فى اتهامات لمسئولين إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وسلم الفلسطينيون قبل أيام وثائق موقعة للانضمام إلى اتفاق روما الأساسى المؤسس للمحكمة، و17 معاهدة دولية أخرى إلى الأمم المتحدة

وحظيت هذه الخطوة بإدانة شديدة من جانب كل من الولايات المتحدة، وإسرائيل، وهدد مسئولون أمريكيون بإيقاف نحو 400 مليون دولار من المساعدات الدولية للفلسطينيين.

وكان الرئيس الفلسطينى محمود عباس، أبومازن، قد وقع وثائق اتفاق روما الأساسى بعد يوم واحد من رفض مجلس الأمن الدولى تحديد مهلة 3 سنوات لإنشاء الدولة الفلسطينية بالكامل.

وفور إرسال المستندات الفلسطينية إلى الأمم المتحدة للانضمام لعضوية محكمة الجنايات الدولية جمدت إسرائيل تحويل 100 مليون دولار من المساعدات الدولية للفسطينيين، وتعهدت بمزيد من الإجراءات.

كما اعتبرت الولايات المتحدة أن هذه الخطوة تمثل عقبة أمام مفاوضات السلام وإمكانية التوصل إلى حل شامل للصراع فى الشرق الأوسط.

وأكدت واشنطن أنها تعيد النظر فى المساعدات التى تقدمها للفلسطينيين بشكل سنوى وتبلغ 440 مليون دولار.

وبأغلبية 138 دولة مقابل 9 ضد، وامتناع 41 دولة عن التصويت وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على رفع التمثيل الفلسطينى إلى صفة «دولة غير عضو مراقب» بعدما كان حتى الآن «كيانا» مراقبا.

واعتبر الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى أول تعليق له إثر التصويت أن هذا القرار هو «انتصار للسلام والحرية والشرعية الدولية».

ويشكل هذا الوضع الدولى الجديد الذى يصبح معه متاحا للفلسطينيين العضوية فى منظمات الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية، نصرا دبلوماسيا كبيرا رغم أنه يعرض السلطة الفلسطنية إلى عقوبات مالية أميركية وإسرائيلية، تتحملها السلطة ومعها الشعب الفلسطينى دفاعا عن حق الأجيال القادمة فى دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.

وفى خطاب من على منبر الجمعية العامة قبيل التصويت على القرار طالب الرئيس الفلسطينى الجمعية العامة بـ«إصدار شهادة ميلاد دولة فلسطين».

وقال عباس: «إن الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبة اليوم بإصدار شهادة ميلاد دولة فلسطين، ولهذا السبب بالذات نحن هنا اليوم»، موضحا أنه «قبل 65 عامًا وفى مثل هذا اليوم أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 181، الذى قضى بتقسيم أرض فلسطين التاريخية، وكان ذلك بمثابة شهادة ميلاد لدولة إسرائيل» فى إشارة إلى قرار تقسيم فلسطين الذى أصدرته الأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947.

 وتابع «بعد 65 عامًا وفى نفس اليوم الذى أقرته هيئتكم الموقرة يوما للتضامن الدولى مع الشعب الفلسطيني، فإن الجمعية العامة تقف أمام واجب أخلاقى لا يقبل القيام بأدائه ترددا، وأمام استحقاق تاريخى لم يعد الوفاء به يحتمل تأجيلا، وأمام متطلب عملى لإنقاذ فرص السلام، لا يتقبل طابعه الملح انتظارا».

وحذر عباس الأسرة الدولية من أنها اليوم أمام «الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين»، مضيفا «لم نأتِ إلى هنا ساعين إلى نزع الشرعية عن دولة قائمة بالفعل منذ عقود هى إسرائيل، بل لتأكيد شرعية دولة يجب أن تقام سريعا هى فلسطين، ولم نأت هنا كى نضيف تعقيدات لعملية السلام التى قذفت بها الممارسات الإسرائيلية إلى غرفة العناية المركزة، بل لإطلاق فرصة جدية أخيرة لتحقيق السلام».

معالم جديدة:

الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967، سيرسم معالم جديدة لخارطة العمل السياسى بما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحت مظلة القانون الدولي، وإن نجح هذا التوجه السياسى الفلسطينى فى استصدار اعتراف دولى للدولة الفلسطينية، فسرعان ما ستتشكل ملامح الصراع القادم مع الكيان الإسرائيلى، إذ إن جميع الأراضى المحتلة منذ العالم 1967، لم تعد أراض متنازع عليها، بل هى أراض محتلة وفق القانون الدولى تقع ضمن سيادة فلسطينية كاملة.

إن الثقل السياسى الذى ستمثله الدولة الفلسطينية المعترف بها من خلال الأمم المتحدة، سينقلها من طرف صراع أو حالة سياسية إلى دولة مستقلة تتمتع بكافة حقوق الدولة وفق القانون الدولى، الأمر الذى سيكسبها دعما دوليا سياسيا تستطيع من خلاله أن تجابه إسرائيل كدولة محتلة تخالف القانون الدولى وتنتهك سيادة الدولة الفلسطينية وتحاصر كافة مخططاتها وتحد من دور حليفها الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية، إن ما فعله المقاتل الصلب الرئيس محمود عباس «أبومازن» سيظل محفورًا بحروف من ذهب فى التاريخ الفلسطيني، وستذكره الأجيال القادمة باعتباره الخطوة التى حسمت مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشريف.