الثلاثاء 16 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: 30 يونيو

نُشرعلى موقع البوابة نيوز،الأربعاء 24 يونيو 2015

نشر
عبد الرحيم علي

خمسة أيام وتحل علينا الذكرى الثانية لثورة الشعب العظيم فى 30 يونيو 2013، تلك الثورة العظيمة التى فتحت باب الأمل أمام المصريين فى استعادة بلادهم التى كانت على وشك الضياع من بين أيديهم وإلى الأبد.
وكما فتحت تلك الثورة العظيمة باب الأمل لملايين من المصريين فى استعادة بلادهم، تكسرت على صخرتها آمال وطموحات القوى المعادية لمصر، تلك القوى التي سعت منذ اللحظة الأولى إلى تدمير قدرات ذلك البلد الأمين وتركيعه عبر تفتيت أرضه وتدمير قدراته العسكرية والمدنية.
مقدمات الثورة:
لم تكن قد مرت خمسة أشهر على دخول مرسى قصر الاتحادية، فى نوفمبر من عام 2012، إلا وتفجرت موجات من العنف السياسى والأمني، باتت هى السمة الأبرز لحكم تنظيم الإخوان الإرهابى للبلاد.
هذا التهديد لم يمثل تهديدا للشعب الآخر، حسبما راق لهم تسميته، وحسب، بل امتد ليشمل تهديدا واضحا لكيان الدولة ومؤسساتها ووحدة نسيج المجتمع، بعدما سيطرت حالة من الفوضى على المجتمع، وبدأت معالم اقتتال داخلى تلوح فى الأفق، ليصبح بذلك الأمن القومى المصرى، وأحلام المصريين فى إكمال عملية التحول الديمقراطى فى مهب الريح.
فمع الإعلان الدستورى المكبل لإرادة الأمة، الذى أصدره الرئيس المعزول فى نوفمبر 2012، سرعان ما تفجرت موجات من العنف السياسى تسيطر على المشهد، بدأت باعتداء ميليشيات من الجماعة وأنصارهم على معارضين معتصمين أمام قصر الاتحادية، بدعوى أنهم يريدون الانقضاض على الشرعية.
ورغم إعلان عدد من القوى السياسية والشبابية كـ«البلاك بلوك» و«ألتراس ثورجي»، تكوين حركات تدافع عن الاحتجاجات السلمية الرافضة لنظام الإخوان، لم تتعظ السلطة باقتراب لحظة الاقتتال الأهلى، وواصلت إخفاقها فى انتهاج سياسات جادة لصالح الوطن، مفضلة فى ذلك المضى قدما فى فرض سياسات تصب فى صالح الجماعة، وتابعت تلويحها المتكرر باستخدام العنف ضد المعارضين، فيما أصر مناصروها على نشر رسائل التهديد بقتل وإرهاب الآخرين من وجهة نظرهم.
اختار المعزول وجماعته مواصلة الاستحواذ والانفراد بمقاليد الدولة، وواصل مناصروهم ومؤيدوهم إرهاب الشعب ورموزه، ما دفع ملايين الشعب المصرى، بفضل التغييرات التى طرأت على طبيعة شخصيته، إلى رفض الإذعان والاستسلام، واختيار التمرد والرفض واستخدام كافة الوسائل فى التعبير عن الرأى والمطالبة بالحقوق، باعتبارها سبيلا وحيدا لتحقيق إرادتهم وأحلامهم.
ومع إعلان يوم الخلاص من الرئيس وجماعته، وإشهار الكارت الأحمر فى وجه نظامه، فى الثلاثين من يونيو 2013، ما كان من الإخوان، ومنظريهم، إلا تكفير الشعب وتخوينه، وتهديده بالقتل والإرهاب، وإشعال البلاد جمرة حمراء، حال الاقتراب من رئيس بات مخلوعا فى نظر الملايين قبل أن يكون مطرودا من القصر بالكارت الأحمر من الشعب.
نماذج من الكفاح السلمى:
على مر السنين، عرفت عدة دول حول العالم ثورات سلمية، كان سلاحها الوحيد الحق والإرادة والكلمة، فى مواجهة جموح الظلم والطغيان والفساد، هذه الثورات كللت مجهوداتها بالنجاح، بعد أن ارتجفت قلوب داعميها وارتعشت أناملهم، وهم يدقون نواقيس الحرية من أجل تنفس نسائمها والبحث عن مستقبل أفضل.
ففى أقصى الشرق واجه الزعيم الهندى غاندى ظلمات الاستعمار البريطانى، أعقبه فى أقصى الجنوب خروج سلمى وعصيان لشعب جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا لمواجهة ظلمات العنصرية والتمييز، وفى بلاد الحرية خاطب مارتن لوثر كينج، جموع الشعب الأمريكى بـ«لدىّ حلم»، ليسطروا بنضالهم السلمى صفحات ناصعة فى تاريخ الحرية.
وجاء أول احتجاج سلمى فى القرن العشرين، فى روسيا عام 1905، عندما قام الكاهن الأرثوذكسى «جورجى جابون» بترأس «جمعية الشرطة المرعبة» العمالية، وحشد أكثر من مائة وخمسين ألف عامل روسى فى مسيرات عبرت شوارع موسكو خلال موسم الصقيع، ضد السلطات الملكية القمعية، وأشعلوا خلالها حراكًا شعبيًا، أثمر فى النهاية عن أول برلمان منتخب فى روسيا، وقيام الملكية الدستورية، تلك التى أعقبتها ثورة البلاشفة فى أكتوبر 1917، والتى غيرت تاريخ البشرية لثمانين عاما تالية.
وبين عامى 1930- 1931، قاد الأيقونة الهندية الزعيم المهاتما غاندى، حركة عصيان مدنى واسعة النطاق ضد الاستعمار البريطانى، بدأها بإقناع أتباعه بضرورة التوقف عن دفع ضريبة الملح وشراء الملابس والمشروبات، وهى التجارة التى كان يهيمن عليها «الحكم البريطاني»، ليتصاعد الاحتجاج بعد ذلك، إلى أن حقق الحراك السلمى الاستقلال عن المستعمر عام 1947، لتكون بذلك الثورة الهندية إحدى الثورات التى حققت مطالبها دون إراقة أى نقطة دماء سوى دم قائدها «غاندي» نتيجه الخلاف الدينى والعرقى فى البلاد.
وفى عام 1955، وبعد أقل من عشر سنوات من خروج البريطانيين من الهند، وصلت أصداء نجاحات «غاندي» إلى الولايات المتحدة وألهمت مقالاته وأفكاره الواعظ المسيحى، مارتن لوثر كينج، ذى الأصول الإفريقية، الذى خرج مطالبا بإنهاء التمييز العنصرى والذى قاد بدوره حملة سلمية تواصلت على مدى خمسة عشر عامًا ضد سياسة التمييز العنصرى فى الجنوب الأمريكى، مستعينة بشكل أساسى بالمسيرات ونشاطات العصيان المدنى والمقاطعة والإضراب.
ثم توالت الأحداث، وتلقى أفارقة أمريكا درسهم، فقاموا فى عام 1963 بثورة لم يسبق لها مثيل فى قوتها اشترك فيها 250 ألف مواطن، منهم نحو 60 ألفا من البيض متجهة صوب نصب لينكولن التذكارى، فكانت أكبر مظاهرة فى تاريخ الحقوق المدنية، وهنالك ألقى «كينج» أروع خطبه: بعنوان «إنى أحلم» قال فيها: «لدىّ حلم بأن يعيش أطفالى الأربعة يومًا من الأيام فى وطن لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوى عليه أخلاقهم».
وفى جنوب إفريقيا، توحدت مجموعة من النقابات والتنظيمات والقيادات الدينية عام 1983، فى حملة سلمية واسعة ضد سياسة الفصل العنصرى، نجحت الحملة، بالتزامن مع العقوبات الدولية التى فرضت على جنوب إفريقيا، فى الضغط على السلطة لإطلاق سراح الزعيم «نيلسون مانديلا»، وبدأت على إثرها مفاوضات أدت فيما بعد إلى ترسيخ الأسس الديمقراطية فى البلاد، وتوجت بتولى مانديلا كأول رئيس أسود السلطة عام 1994.
لتحيا بالحق والإرادة، آمال الشعوب فى الحرية والسلام.
الخارج وثورة يونيو:
رغم أن المشهد كان واضحًا للجميع، ملايين هادرة فى الشوارع، رافضة لسلطة فقدت شرعيتها، وجيش حذر من صعوبة المشهد مرارًا وتكرارًا، ثم انحاز للإرادة الشعبية، ونظام وأنصار، خيروا بين السلطة أو المضى قدما بنشر الفوضى والعنف فى البلاد، جاءت المواقف الخارجية من ثورة الثلاثين من يونيو، متراوحة ومختلفة فى تصنيفها للحدث، بين اعتباره ثورة شعبية، والتلويح بوصفه انقلابًا عسكريًا على الشرعية الإخوانية القائمة.
فما بين الثلاثين من يونيو 2013، والثانى والعشرين من فبراير 2014، ثمانية أشهر، فى الأولى تكالبت الدول الغربية ضد الإرادة الشعبية وأصوات الملايين، منددين وملوحين بوصف ما حدث فى مصر، بأنه انقلاب على رئيس منتخب ديمقراطيا، كان عليه الرحيل أيضا بشكل ديمقراطى، أما فى الثانية فسرعان ما وصف الأمر، من ذات القوى الغربية، بأنه ثورة شعبية أطاحت بحكم فاسد، رغم أن فيكتور يانكوفيتش، الرئيس الأوكرانى المعزول، كان منتخبًا ديمقراطيا، أيضًا، وراحوا يهددون باستخدام القوة والضغط الاقتصادى، حال سعى الرئيس الروسى بوتين إلى الاعتراف بيانكوفيتش رئيسا شرعيا للبلاد.
والحقيقة، فى المشهدين، تكمن فى مدى إخلاص تلك الأنظمة للمصالح والأهداف الغربية، ففى أوكرانيا، أخطأ يانكوفيتش عندما قرر الابتعاد عن الغرب، والتحالف مع الروس، ليأتى له العقاب سريعا وفوريا، قائلين «ليس لأنه منتخب وله شرعية ألا يستمع لأصوات المعارضة ويستجيب لمطالبها المطالبة برحيله».
وفى مصر، تحالفت الجماعة مع الغرب، إلا ان الشعب قرر أن يربك تلك الحسابات، ويخرج ضد ما خطط له الغرب من سيطرة للتيار الإسلامى على دول الربيع العربى، كجزء لا يتجزأ من حسابات وترتيبات قديمة ومتجددة، فى رسم صورة المنطقة.
والخلاصة أن ثورة 30 يونيو، التى تحظى الآن باعتراف العالم كله، قد أعطت درسا للجميع، فى الداخل والخارج، أنه لا يهزم شعب أراد الحرية وتعاهد على ذلك عبر تمسكه بوحدته الوطنية الداخلية، وهو ما يميز ويحمى تلك الثورة حتى الآن.