من أرشيف عبد الرحيم علي
عبد الرحيم علي: مأساة أوروبا مع الإسلاموية بدأت عند زحف الجيل الثالث من الإخوان في ثمانينيات القرن الماضي
نشر بتاريخ 08/ديسمبر/2020 بموقع "البوابة نيوز"
قال الدكتور عبد الرحيم علي، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس: إن مأساة أوروبا الحقيقية مع الإسلاموية بدأت مع زحف الجيل الثالث من جحافل الإخوان على القارة الأوروبية في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فإلى ذلك الحين لم يكن الإسلام أو المسلمون يمثلون عبئا أو مشكلة داخل المجتمع أو الدولة الفرنسية.
وتابع "علي": "لقد توافد المسلمون العاديون على أوروبا منذ أكثر من قرن من الزمان تجارا وعلماء ودارسين، يستفيدون ويتبادلون الخبرات وينقلونها إلى بلدانهم أو يندمجون معها في تلك المجتمعات الجديدة، بينما بدأت الأزمة الحقيقية تطفو على السطح رويدًا رويدًا، بدءًا من وصول جماعة سياسية إسلامية تؤمن بأن المسلم يجب أن يسعى لتكوين دولة الإسلام في أي بقعة من الأرض يقف أو يعيش عليها.
وذكر أن جماعة الإخوان، اعتبرت أن تلك البلدان الأوروبية غنيمة يجب أن يحولوا أهلها إلى الإسلام، وتدريجيا يستولوا عليها حكاما لها، إيمانا بالمراحل الستة التي علمهم إياها مؤسسها "حسن البنا"، فالإخواني مأمور بتنفيذ تلك المراحل في أي بلد تواجد به، وهي: الإنسان المسلم، الأسرة المسلمة، المجتمع المسلم، الحكومة الإسلامية، الخلافة الإسلامية، أستاذية العالم، والمرحلة الأخيرة تعبر عن شطح وطموح مؤسس الإخوان حسن البنا بالسيطرة الكاملة على العالم، بعد أن يكون قطاره قد غادر محطات، تشكيل الحكومة، وإقامة الدولة، والخلافة المزعومة.
وقال "علي": لقد غرس مؤسسي الإخوان الأوائل، البنا والهضيبي وسيد قطب وفتحي يكن، عبر برامج تربية مكثفة هذه الأفكار في عقل كل متعاطف وكل مريد للجماعة، ناهيك عن العضو العامل أو الكادر الحركي حتى باتت تلك الأفكار "قرآنا إخوانيا جديدا"، بديلا عن كتاب الله الذي يؤمن به المسلمون العاديون، ولقد تعلم الإخوان في مدارسهم الفكرية أن هذه المراحل الست تأتي عبر أكثر من طريقة، وتبدأ بالدعوة والتجنيد لتشكيل نظام الأسر الإخوانية، وهي هنا تغاير مفهوم العائلة، هي أقرب للخلية في التنظيمات العقائدية أو الوحدة الحزبية عند الأحزاب السياسية، ثم تأتي خطة إعادة تشكيل المجتمع عبر إسقاط أعمدته المدنية أو العلمانية، سواء كانت جمعيات أو نقابات أو اتحادات مهنية أو طلابية ليتشرب بمفاهيم الدولة الدينية التي تعتمد المظاهر العقائدية في كل تشكيلاتها، وليس هذا وفقط وإنما تعتمد أيضًا أخوة العقيدة بديلًا عن أخوة الوطن، فيصبح التمييز قائما على أساس الديانة، ثم المذهب داخل الديانة، ثم الانحياز لمنهج الإخوان دون غيرهم من الجماعات التي تنطلق من الإسلام، في فهم ظواهر الحياة والسياسة، ثم يأتي استخدام مفهوم الديمقراطية باعتباره طريقة للاختيار وليس منهج حياة قائما على ركائز أساسية، منها حرية الرأي والتعبير، وحرية العقيدة ليتحول وفق مفهوم الإخوان إلى طريقة للوصول إلى السلطة، جسر لا يسمح سوى بالمرور لمرة واحدة، إلى الضفة الأخرى، ويأتي أخيرا مفاهيم استخدام العنف وفق ما تسمح به موازين القوى في الدولة المعنية، أو إشاعة الفوضى، أو إجراء التحالفات حتى ولو كانت "مع الشيطان".
واستطرد "علي": "هذه الإستراتيجية العنكبوتية للتنظيم الذي يختطف الإسلام في فرنسا، تستفيد من كل خطوة للاعتراف به أو وقيادته أو ممثليه بشكل رسمي من قبل السلطات كما حدث بعد مشروع ساركوزي في عام ٢٠٠٣، الذي منح ممثلي الجماعة حق تمثيل مسلمي فرنسا أمام السلطات الفرنسية عن طريق الاختيار الحر من خلال المساجد والاتحادات فراحوا يعقدون الصفقات مع دول بعينها لتمويل إنشاء المساجد الكبرى باعتبارها ممر الوصول إلى قيادة وتمثيل المسلمين في فرنسا، كما راحوا يشكلون الجمعيات والاتحادات التي تتيح لهم عبر ممثليها السيطرة الكاملة على الاتحاد الوليد؛ الذي أصبح هو الممثل الشرعي والوحيد للمسلمين في فرنسا.
ونظم مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس "سميو"، اليوم الثلاثاء في الثامنة مساءً بتوقيت القاهرة السابعة مساءً بتوقيت فرنسا، بقاعة المحاضرات بالمركز، ندوة تحت عنوان "قانون الانفصالية في فرنسا.. هل يكفي لحل المشكلة !"، بمشاركة الدكتور عبد الرحيم علي، مؤسس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، ورئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير "البوابة نيوز"، وعضو مجلس الشيوخ الفرنسي، چاكلين أوستاش برينيو، مقررة اللجنة الخاصة بالإسلام السياسي بمجلس الشيوخ الفرنسي، والتي قدمت تقريرا للحكومة حرك المياه الراكدة لأزمة الإسلام في المجتمع الفرنسي. كما شارك في الندوة أيضًا الكاتب الصحفي الشهير "إيڤ تريار"، رئيس تحرير صحيفة "لوفيجارو الفرنسية"، واسعة الانتشار، و"چيل ميهاليس"، رئيس تحرير موقع "كوزور" والكتابان المتخصصان في الإسلام السياسي "إيمانويل رازاڤي"، رئيس تحرير موقع "جلوبالنيوز" الشهير، و"إلكسندر ديلڤال"، الكاتب بصحيفة "ڤالور أكتيوال"، المؤثرة لدى النخبة السياسية الفرنسية.
وقدم الندوة، الندوة أحمد يوسف، المدير التنفيذي لمركز "سيمو"، بتمهيد يفتح ملف مشروع إنشاء إسلام فرنسي لدى نابليون بونابرت والإمبراطور نابليون الثالث.
وحضر الندوة عدد قليل من الضيوف نظرًا للظروف الصحية والإجراءات الاحترازية بسبب فيروس كورونا، وعلى رأسهم "چاك جودفران"، وزير التعاون الدولي الفرنسي الأسبق، والناشر الفرنسي الكبير "چان دانيال بيلفون"، و"كريستيان جامبوتي"، رئيس تحرير موقع "إنتلچنس أوف أفريكا".