الجمعة 29 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: حرية الرأي والتعبير في الإسلام “4”

الدين كله لله تعالى يحكم فيه وحده يوم القيامة دون أن يغتصب أحدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأى

نشر
الإسلام سلام
الإسلام سلام

شبهات وردود حول النسخ في تشريعات الجهاد أو القتال في الإسلام

القرآن يشير إلى حقيقة تاريخية أغفلتها عنجهية الرواة في العصر العباسى

القرآن أكد على حصانة بيوت العبادة لليهود والنصارى والمسلمين

تشريع الإذن بالقتال ليس فقط لرد الاعتداء ولكن لتقرير حرية العبادة لكل إنسان مهما كانت عقيدته

الدين كله لله تعالى يحكم فيه وحده يوم القيامة دون أن يغتصب أحدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأى

الأفكار الإسلامية السامية، التى عرضنا لها في الصفحات السابقة، قد تجد من يتصدى لها ويرفضها باسم الإسلام، والحجة المعلنة أن كثيرًا من الآيات الواردة فيما سبق منسوخة، ولا حجة في الاعتماد عليها.

لقد زعموا أن آيات سورة «التوبة»، وبخاصة آية السيف قد نسخت ما نزل قبلها من آيات تحض على التسامح والتعايش المشترك.

إن القول بالنسخ مرض أصاب بعض المتكلمين في القرآن الكريم، وكان سبب بلاء شديد للأمة الإسلامية. ويمتد الداء إلى العصر الحديث، ويظهر شباب يتسمون بقلة العلم وضيق الصدر، يعلنون نسخ «لا إكراه في الدين»، ونسخ ألا محاسنة في الدعوة، ويؤكدون دون أن يدروا أن الإسلام دين بنى على القهر والإجبار!

ومن هنا وجب علينا قبل الولوج في الحديث عن «السنة النبوية وحرية الرأى والتعبير» أن نبحث قليلًا في دعوى النسخ، وما اشتبه على البعض من آيات نزلت في معاملة خصوم الإسلام بقسوة، إلى حد مقاتلتهم أحيانًا «لأسباب لا يختلف المشرعون قديمًا وحديثًا على وجاهتها، وعلى أنها لا تنافى الحرية الدينية في أرقى المجتمعات!». (1)

أولًا: قضية النسخ:

لقد احتج أنصار دعوى النسخ في إثبات دعواهم بآيتين لا يوجد ثالث لهما في القرآن الكريم، الأولى قول الله عز وجل: «وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» (النحل: 101).

«مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».(البقرة: 106). وفسروا الأولى بالقول: «إذا نسخنا حكم آية، فأبدلنا مكانه حكمًا آخر، ربما هو أصلح للناس، اتهم المشركون النبى بأنه (مفتر)، أى يختلق تلك الآيات من عنده. ويرد الشيخ محمد الغزالى- إمام أهل السنة في النصف الثانى من القرن العشرين بأن هذه التأويلات جميعها بعيدة عن الآية.

ويجزم بأن «مشركى مكة لم يدر بخلدهم شيء من هذا الذى جعله بعض المفسرين سببًا لنزول الآية، وإنما هو تنزيل الآيات على آراء الفقهاء والمتكلمين وتحميل القرآن ما لا تتحمله آياته ولا ألفاظه من معان ومذاهب، وإنما الشرح الصحيح للآية: أن المشركين لم يقنعوا باعتبار القرآن معجزة تشهد لمحمد بصحة النبوة، وتطلعوا إلى خارق كونى من النوع الذى يصدر عن الأنبياء قديمًا، فهو في نظرهم الآية التى تخضع لها الأعناق، أما هذا القرآن فهو كلام، ربما كان محمد يجىء به من عند نفسه، وربما كان يتعلمه من بعض أهل الكتاب الذين لهم بالتوراة والإنجيل دراية.. وقد رد الله سبحانه وتعالى على هذه الطعون، بأنه أدرى من المشركين بنوع الإعجاز الذى يصلح للعالم حاضره وغده، وأن هذه الآية أجدى على البشر وأخلد في إنشاء الإيمان وتثبيته من أى آية أخرى». (2)

وأما الآية الثانية فيقول الإمام محمد عبده في تفسيرها إن «المعنى الصحيح الذى يلتئم مع السياق: أن الآية هنا هى ما يؤيد الله تعالى به الأنبياء من الدلائل على نبوتهم، أى (ما ننسخ من آية) نقيمها دليلًا على نبوة نبى من الأنبياء، أى نزيلها، ونترك تأييد نبى آخر بها، أو ننسها الناس، لطول العهد بما جاء بها، فإننا بما لنا من القدرة الكاملة والتصرف في الملك، نأتى بخير منها من قوة الإقناع، وإثبات النبوة، أو مثلها في ذلك، ومن كان هذا شأنه في قدرته، وسعة ملكه فلا يتقيد بآية مخصوصة يمنحها جميع أنبيائه، والآية في أصل اللغة هي: الدليل، والحجة، والعلامة على صحة الشيء وسميت جمل القرآن آيات، لأنها بإعجازها حجج على صدق النبي، ودلائل على أنه مؤيد فيها بالوحى من الله عز وجل، من قبيل تسمية الخاص باسم العام». (3)

وقد قدم الشيخ محمد الخضرى في كتابه «أصول الفقه» تفسيرًا للآيات العشرين التى أوردها السيوطى في كتابه «الإتقان في علوم القرآن» على أنها منسوخة، وأثبت «الخضرى» بالدليل القاطع أنها غير منسوخة. (4)

ثانيا: آيات القتال:

يرصد الدكتور أحمد صبحى منصور حقيقة مهمة تؤكد على أن علماء التراث في العصور الوسطى قد تقاعسوا عن إعطاء آية الإذن بالقتال حقها من التدبر، لأن التدبر في معناها يعطى حقائق مسكوتًا عنها، فالآية تقول:

«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ». (الحج: 39)

فهى إذن وتصريح لكل من يتعرض للظلم والقتل بأن يدافع عن نفسه، بغض النظر عن عقيدته ودينه، يكفى أن يكون مظلومًا وأن يتعرض لاحتمال الإبادة بالقتل، حينئذ يأتيه نصر الله إذا قاتل دفاعًا عن حقه في الحياة. (5)

وقد غفل علماء التراث عن عمومية الآية في تشريعها الإلهى لكل مظلوم يفرض الآخرون عليه الحرب. وغفلوا عن معنى آخر أهم، وهو أن الإيذاء الذى أوقعه المشركون بالمؤمنين وصل إلى درجة القتل، بل القتال، وحين يقاتل المشركون قومًا مسالمين لا يردون عن أنفسهم القتل فإن الإبادة لأولئك المستضعفين حتمية.

أى أن القرآن يشير إلى حقيقة تاريخية أغفلتها عنجهية الرواة في العصر العباسي، وهى أن المشركين قاموا بغارات على المدينة وحدث قتل وقتال للمسلمين، وسكت المسلمون لأن الإذن بالقتال لم يكن قد نزل، فلما نزل التشريع أصبح من حقهم الدفاع عن النفس.

كما غفل علماء التراث أيضًا عن التدبر في الآية التالية لتشريع الإذن بالقتال.

فالآية تقول:

«الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ». (الحج: 40)

فالآيات هنا تعطى سببًا في حيثيات الإذن بالقتال لرد العدوان، السبب الأول أن أولئك المظلومين تعرضوا للقتل والقتال، والسبب الثانى أنهم تعرضوا للطرد من بيوتهم ووطنهم لمجرد أنهم يقولون ربنا الله، وهذا ما أشار إليه علماء التراث، لكنهم غفلوا بسبب التعصب الدينى في عصر الإمبراطورية العباسية في القرون الوسطي، عن التدبر في الفقرة الثانية من الآية، والتى تؤكد أنه لولا حق المظلوم في الدفاع عن نفسه لتهدمت بيوت العبادة للنصارى واليهود والمسلمين وغيرهم، حيث يذكر العابدون فيها اسم الله كثيرًا.

الأهمية القصوى هنا في تأكيد القرآن على حصانة بيوت العبادة لليهود والنصارى والمسلمين، حيث ذكر الصوامع والبيع والصلوات، أى كل ما يعتكف فيه الناس للعبادة من أديرة وكنائس وغيرها، ثم جاء بالمساجد في النهاية، وقال عن الجميع إنهم يذكرون فيها اسم الله كثيرًا، ولم يقل طبقًا لعقيدة الإسلام في الألوهية «يذكر فيها اسم الله وحده»، حتى يجعل لكل بيوت العبادة الخاصة بكل الملل والنحل حصانة من الاعتداء.

والأهمية القصوى هنا أيضًا أن تشريع الإذن بالقتال ليس فقط لرد الاعتداء، ولكن أيضًا لتقرير حرية العبادة لكل إنسان في بيت العبادة، مهما كانت عقيدته أو الطريقة التى يتعبد بها إلى الله، فلكل إنسان الحق في أن يتعبد لله، ويقيم بيوتًا خاصة بهذه العبادة، ولا بد أن تكون هذه البيوت واحة آمنة تتمتع هى ومن فيها بالأمن والسلام، وتلك هى حقيقة الإسلام التى غفل عنها علماء التراث.

وكان منتظرًا من المؤمنين المسالمين حول النبى أن يبتهجوا بتشريع الإذن لهم برد الاعتداء والدفاع عن النفس، ولكن حدث العكس، إذ إنهم تعودوا الصبر السلبى وتحمل الأذى، لذلك كرهوا التشريع الجهادى برد الاعتداء وغفلوا عن أنه ضرورى لحمايتهم من خطر الإبادة. لأنه إذا عرف العدو أنهم لن يسكتوا فسيتوقف عن الاعتداء عليهم، وبذلك يتم حقن الدماء. وفى ذلك يقول تعالى للمؤمنين: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ». (البقرة: 216)

لقد كرهوا القتال دفاعا عن النفس وهو خير لهم، وأحبوا الاستكانة والخضوع لمن يحاربهم وهو شر لهم، والسبب أنهم تعودوا السلام والصبر إلى درجة تمثل خطرًا على وجودهم ودينهم.

إلا أن هذا التوضيح القرآنى للمؤمنين المسالمين لم يكن كافيًا لبعضهم لكى يخرجهم من حالة الخضوع إلى حالة الاستعداد لرد العدوان، ولذلك فإن فريقًا منهم احتج على تشريع القتال ورفع صوته لله بالدعاء طالبًا تأجيل هذا التشريع، وفى ذلك يقول تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا». (النساء: 77)

كانوا في مكة مأمورين بكف اليد عن الدفاع عن النفس اكتفاء بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فلما فرض عليهم القتال الدفاعى احتج فريق منهم وطلبوا التأجيل.. وهذا يدل على عمق شعورهم بالمسالمة وكراهية الدماء.

تشريعات الجهاد أو القتال في الإسلام:

من خلال الإطار السابق نستطيع أن نتفهم تشريعات الجهاد أو القتال في الإسلام.

والجهاد في مصطلح القرآن يعنى “النضال ابتغاء مرضاة الله بالنفس والمال، وقد يكون ذلك بالدعوة السلمية بمجرد قراءة القرآن”، كقوله تعالى عن القرآن:

«فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا». (الفرقان: 52)

وقد يكون الجهاد قتالًا للدفاع عن النفس، وهنا تتولى تشريعات القرآن وضع أحكامه وقواعده وأهدافه أو مقاصده.

وعمومًا فالأحكام في التشريعات القرآنية هى أوامر تدور في إطار قواعد تشريعية، وهذه القواعد التشريعية لها مقاصد أو أهداف أو غايات عامة، فالأمر بالقتال له قاعدة تشريعية، وهو أن يكون القتال لدفاع عن النفس ورد الاعتداء بمثله، أو بتعبير القرآن «في سبيل الله»، ثم يكون الهدف النهائى للقتال هو تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد في الدين، كى يختار كل إنسان ما يشاء من عقيدة وهو يعيش في سلام وأمان، حتى يكون مسئولًا عن اختياره أمام الله تعالى يوم القيامة.

وهذه بعض الأمثلة على ما سقناه:

يقول تعالى: «وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ». (البقرة: 190)

فالأمر هنا «قاتلوا» والقاعدة التشريعية هي: ولا تعتدوا وتتكرر القاعدة التشريعية في قوله تعالى:

الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)

أما المقصد أو الغاية التشريعية فهى في قوله تعالى:

«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ». (البقرة: 193)

أى أن منع الفتنة هو الهدف الأساسى من تشريع القتال، والفتنة في مصطلح القرآن هى الإكراه في الدين والاضطهاد الديني، وهذا ما كان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين.

وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة أو الاضطهاد الدينى يكون الدين كله لله تعالى، يحكم فيه وحده يوم القيامة دون أن يغتصب أحدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأي. وذلك معنى قوله تعالى:

«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ». (الأنفال: 39)

والواضح أن هذه التشريعات عن القتال في الإسلام تؤكد على السلام وتحميه من دعاة العدوان، وتؤكد على حرية العقيدة وتفويض الأمر فيها لله تعالى يوم القيامة، وتحميها من دعاة التعصب والتطرف وإكراه الآخرين في عقائدهم واختياراتهم.

ومع وضوح الصلة بين مفهوم الإسلام والإيمان وتشريعات القتال، إلا أن تشريعات القرآن جاءت بتأكيدات أخرى؛ حتى تقطع الطريق على كل من يتلاعب بتشريعات القرآن ومفاهيمه، ونعطى لذلك مثالًا ساطعًا في سورة النساء وهى تتحدث عن حرمة قتل إنسان مسالم مؤمن الجانب. تقول الآية:

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا». (النساء:92)

أى لا يمكن أن يقتل مؤمن مسالم مؤمنًا مسالمًا إلا على سبيل الخطأ، أو بمعنى آخر لا يمكن أن يتعمد المؤمن المسالم قتل مؤمن مسالم آخر، ثم تتحدث الآية عن الدية المفروضة وأحكامها.
 

وتتحدث الآية:

«وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا». (النساء: 93)

عن عقوبة قتل المؤمن المسالم فتقول: فالذى يقتل مؤمنًا مسالمًا جزاؤه الخلود في جهنم مع العذاب العظيم ولعنة الله وغضبه، وهى عقوبات فريدة قلما تجتمع فوق رأس أحد من الناس يوم القيامة.
وتتحدث الآية:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا» (النساء:94)

عن ذلك المؤمن المسالم الذى تحرص تشريعات القرآن على حقه في الحياة، يقول تعالي: أى في جريمة قتل إنسان مسالم، شاء سوء حظه أن يوجد في الميدان، ويعطى القرآن مسوغًا للنجاة لكل إنسان في الجهة المعادية، بمجرد أن يقول «السلام عليكم» فإذا قالها حقن دمه، وأصبح مؤمنًا مسالمًا حتى في ذلك الوقت العصيب، أى أن المسلم المسالم المؤمن هو من يقول «السلام» حتى في ساعة الحرب.. وإذا تعرض للقتل فإن قاتله يستحق الخلود في النار والعذاب العظيم ولعنة الله وغضبه.

أما إذا كان محاربًا يقتل المسلمين في الحرب، ثم بدا له أن يراجع نفسه فما عليه إلا أن يعلن الاستجارة، وحينئذ تؤمن حياته أو يعطى الأمان ويسمعونه القرآن حتى يكون سماعه القرآن حجة عليه يوم القيامة، ثم على المسلمين إيصاله إلى بيته في أمن وسلام. وذلك معنى قوله تعالى:

«وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ» (التوبة: 6)

الهوامش:

1. نظرات في القرآن- محمد الغزالى ص 70.

2. المصدر نفسه ص 72.

3. محمد عبده- تفسير المنار- الجزء الأول ص 417- طبعة دار الفكر.

4. محمد الخضرى- أصول الفقه ص251- 255.

5. أحمد صبحى منصور- حول العلاقة بالآخر- مجلة الإنسان والتطور العدد رقم 60