من أرشيف عبد الرحيم علي
عبد الرحيم علي: تفكيك المنظمات والجمعيات المتعلقة بالإخوان وتنظيمهم هو الحل بالنسبة لفرنسا
نشر بتاريخ 12/ديسمبر/2020 بموقع "بوابة الحركات الاسلامية"
الإثنين الماضي استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نظيره الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ولم تخل القمة من الحديث عن ملف حقوق الإنسان والذي تم التطرق له بطريقة دبلوماسية وغير معلنة، خاصة أن الطرفين اتفقا على أن تكون الواقعية السياسية هي القاعدة الأساسية للمصالح المشتركة الجيو اقتصادية والأمنية، إذ تم الاتفاق على العديد من الملفات الإستراتيجية ومنها: ليبيا وتهديد أردوغان في المتوسط والإسلام السياسي ومكافحة الإرهاب وتوقيع اتفاقات اقتصادية.
لم تكن مفاجأة أن يكشف الرئيس السيسي عن خطر جماعة الإخوان؛ وأن مصر وضعتها على قائمة المنظمات الإرهابية فلم يكن ذلك من فراغ.
وتطرقت القمة بين الزعيمين أيضًا لخطر الإرهاب والأزمة التركية وأردوغان الذي يحاول الدخول للمياه الإقليمية اليونانية القبرصية والمصرية التي تحتوي على ثروات مهمة من الغاز الطبيعي، لهذا حاور موقع «اتلانتيكو» الفرنسي، الدكتور عبدالرحيم علي، الكاتب الصحفي، رئيس مجلس إدارة مركز دراسات الشرق الأوسط في باريس «سيمو»، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية ومؤلف العديد من الكتب في هذا المجال.
ذلك الرجل الذي كافح الإخوان منذ عقدين من الزمان؛ سواء في ظل حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك أو في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، وذلك من أجل حل تنظيمهم وحظره، إذ أنه يعتبر أن الإخوان هم منبع الإسلام السياسي والإرهاب والمنظمات الإرهابية في العالم كله.
ومن هنا جاء نداءه للأوروبيين والغرب ومطالبته لهم بوضع تنظيم الإخوان في القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية، ففي حين لم يقدم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على مثل تلك الخطوة، قامت بها مصر والإمارات العربية المتحدة، وذلك بحظر ومنع جماعة الإخوان من العمل على أراضيهما.
والى نص الحوار:
اجتمع الرئيس السيسي مع نظيره الفرنسي، هل يمكننا التحدث عن تقارب حقيقي في وجهات النظر الجيوسياسية في البحر المتوسط (الغاز) في ليبيا وتجاه تركيا؟
بالطبع هناك تقارب كبير بين البلدين والرئيسين السيسي وماكرون في ملف تركيا؛ وبخاصة العربدة التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شرق المتوسط ومحاولات استيلائه على حقول الغاز المكتشفة حديثًا، والتي تتشارك فيها كل من مصر وقبرص واليونان، فمصر تضع لأردوغان خطوطًا حمراء عديدة في ليبيا وفي البحر المتوسط، وفرنسا تشترك مع قوات حلف الأطلنطي في الإشراف البحري في هذه المنطقة وقامت مؤخرًا بالاحتكاك بعدد من القطع البحرية التركية التي كانت تحمل السلاح إلى ليبيا، هذا بالإضافة إلى الموقف من الداخل الليبي ومواجهة البلدين لطموحات «أردوغان» في السيطرة على ليبيا عبر دعم ميليشيات الإخوان في الغرب، في محاولة لوضع يديه على كامل التراب الليبي والحصول على أكبر حصة من الغاز الليبي ، نظرًا لاستيراد تركيا كميات ضخمة من الغاز تكلفها أكثر من خمسة مليارات دولار كل عام.
لقد قام الغرب وحكومة أوباما والاتحاد الأوروبي بتوجيه العديد من الانتقادات إلى حكومة السيسي فيما يتعلق بحقوق الإنسان متهمة إياها بالبطش بالإخوان منذ عام 2013، بيد أن فرنسا تختلف عن الولايات المتحدة والدول الأوروبية منذ أن تفهم الرئيس ماكرون خطر الإخوان، وذلك في سياق حربه ضد النزعة الانفصالية.
وبالطبع فإن التطابق واضح جدًا في رؤية البلدين لفكرة التوازن بين حقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي التي تتخذ من هذه الأفكار ذريعة لارتكاب جريمتي نشر الكراهية والفكر الانفصالي، وهو ما تعاني منه فرنسا بشكل خاص فيما يتعلق بما اطلق عليه الإسلام الفرنسي الذي تختطفه فكرًا مؤسسات جماعة الاخوان.
إن قانون الانفصالية المقدم للبرلمان الفرنسي يشبه إلى حد كبير قانون الكيانات الإرهابية الذي قدمه الرئيس السيسي للبرلمان المصري العام الماضي والذي تم بناء عليه مصادرة أموال الإخوان وحصر تنظيمهم والجمعيات الخاصة بهم.
إن التشابه الكبير بين القانونين؛ وكذا هجوم منظمات حقوق الإنسان على مواد القانونين يؤكد التطابق التام بين البلدين والزعيمين فيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان.
هل يمكن القول إن الرئيس ماكرون يؤكد تحالفه العربي مع المحور «المصري ــــ الإماراتي» ضد المحور المعادي قطر وتركيا الإخوان؟
أستطيع أن أؤكد هذه الفكرة بنسبة مائة في المائة فيما يتعلق بمحور تركيا والإخوان، يتبقى المحور القطري فهو مختلف قليلًا، فالموقف الفرنسي وبالتحديد موقف الرئيس ماكرون يراوح مكانه فيما يتعلق بقطر، نظرًا للتشابكات الاقتصادية التي استطاعت قطر أن تقوم بها طوال أكثر من عشر سنوات في فرنسا في كل المحالات العقارية والرياضية والنقل والمواصلات وغيرها من الأنشطة الاقتصادية.
أضف إلى ذلك أن قطر استطاعت أن تخلق ما يمكن أن يطلق عليه لوبي قطري يعمل لصالحها داخل فرنسا، والأمر من وجهة نظري يحتاج إلى قليل من الشجاعة في التوجه نحو الإمارات والسعودية بنظرة جديدة تتناسى تاريخ العلاقة بين السعودية والإسلاميين في فرنسا لأن هذا التوجه تغير بنسبة 180 درجة الآن وأصبح من ضرورات اللحظة أن تفتح فرنسا قنوات مع دول الخليج؛ السعودية والإمارات تكون بديلًا للقنوات مع قطر التي تساهم في تخريب الداخل الفرنسي من خلال الدعم المتواصل للإخوان .
هل أصبحت فرنسا مرة أخرى أفضل حليف أوروبي أو غربي لمصر ولهذا المحور؟
بالطبع؛ فالتاريخ يعيد نفسه، وهذه الفترة تضاهي فترة العلاقات بين مصر وفرنسا إبان عهد الرئيسين الأسبقين حسنى مبارك وجاك شيراك، بل أعتقد أنها تفوقت على تلك الفترة وأصبحت فرنسا الحليف الأوروبي رقم واحد لمصر، وهذا يتضح من التطابق الشديد في وجهات النظر بين البلدين والزعيمين السيسي وماكرون في مجمل قضايا الشرق الأوسط، وبخاصة ملفات الإسلام السياسي وقضايا الإرهاب وملف ليبـيا.
بعد أزمة الرسوم الكاريكاتورية بشارلي إبدو ومحاولة الإخوان في قطر وتركيا «شيطنة فرنسا» وتحفيز الجماهير الإسلامية ضد ماكرون وبلد العلمانية المتهم بالإسلاموفوبيا، كيف أصبحت صورة فرنسا في مصر وهل دافعوا عن ماكرون وباريس ضد حملة شيطنة فرنسا؟
دعنا فيما يتعلق بهذا الأمر نوضح أمرين أساسيين؛ الأول أننا في مصر حكومةً وشعبًا ضد الاساءة لنبي الإسلام عبر ما نشرته «شارلى إبدو» من رسوم كاريكاتورية، ولا يستطيع المسلمون في أي مكان في العالم أن يتفهموا ذلك تحت أي بند من البنود.
الأمر الثاني أننا نقدر موقف الرئيس ماكرون من الإسلام، ونعي جيدًا أنه كان يقصد جماعات الإسلام السياسي التي تختطف الإسلام في فرنسا، كما نعي أن الرئيس الفرنسي محكوم بدستور علماني يعطي الحرية الكاملة للمواطنين وللكتاب وللصحفيين في التعبير عن أنفسهم وأفكارهم، ولكن دعني أذكرك بأنه عندما تعلق الأمر بأمن فرنسا القومي قام الرئيس ماكرون بإصدار قانون الانفصالية، واتخذ عددًا من الإجراءات الاستثنائية للأمن القومي الفرنسي متجاوزًا الهجوم الذي شنته قوى يسارية وشيوعية وكتاب وصحفيون وبرلمانيون اعتبروا القانون انتهاكًا لحرية الرأي والتعبير.
وقد غضبنا في مصر جراء تصريحات الرئيس ماكرون الأخيرة، لكننا أدركنا محاولات استغلال تركيا والإخوان للموقف، وسرعان ما تم تغير اتجاه الدفة وبدأت صحف ومواقع عديدة في الإعلام المصري مساندة الرئيس الفرنسي إيمانا من الصحفيين والإعلاميين المصريين بما يقوم به من مواجهة حادة وجدية للإرهاب من ناحية وبحجم الشراكة مع مصر والرئيس السيسي من جهة أخرى.
مركز دراسات الشرق الأوسط «سيمو» الذي تترأسه في باريس قام بتنظيم ندوة عن قانون الانفصالية الإسلامية، وذلك بحضور النائبة الفرنسية الشجاعة جاكلين اوستاش برينيو ومدير تحرير لوفيجارو ايف تريار وإيمانويل رازافي وعدد من الخبراء والمحللين، فهل تدعمون مواد هذا القانون الأبدي الذى يحارب الانفصالية الإسلامية؟
خلال تلك الندوة المهمة استمعت جيدًا للتحفظات التي قالها أصدقائي «ايف» والنائبة جاكلين وباقي الخبراء المشاركين في الندوة، ولا يوجد شيء يدعى الإسلاموفوبيا أو أن هناك مواد في القانون ضد الإسلام، وأعلن تأييدي لهذا القانون بنسبة 100% والذي يحارب الجمعيات والدعاة المتطرفين والمتعصبين والأصوليين والجماعات الإخوانية والذين يقومون بنشر الأفكار والأيديولوجيات المتعصبة في العديد من الدول والمناطق، كما أن تلك الأفكار والأيديولوجيات تتعارض تماما مع مبادئ الجمهورية وقوانين العلمانية، واسمح لي بأن أوضح لك ما قلته في تلك الندوة:
هناك ثلاث إشكاليات تواجهنا حينما نتعرض للقضية التي تطلق عليها فرنسا «اعادة تنظيم الإسلام الفرنسي».
الإشكالية الأولى: هي أن المسؤولين الفرنسيين يخطئون حين يتعاملون مع المسألة الإسلامية كما سبق وأن تعاملوا من قبل «خاصة نابليون» مع المسألة اليهودية بفرنسا، والفروق هنا كبيرة ومتعددة يكفي أن نشير فقط إلى إحداها وهي أن اليهود كانوا يبحثون عن الاندماج في فرنسا بينما يبحث الإسلاميون اليوم عن الانفصال.
الإشكالية الثانية: الخلط بين الإسلام كدين والمسلمين كمواطنين فرنسيين وكمهاجرين.. خلط في غير موضعه.. فالمسلمون لهم انتماءاتهم السياسية والفكرية ومشاربهم الثقافية، والتوحيد بينهم وبين الاسلام كدين يجعلهم يتمترسون للدفاع عن دينهم بصرف النظر عن اختلافاتهم، فيقعوا فريسة للجماعات المنظمة سواء الإخوان أو الميلي جروس ( النسخة التركية منهم).
الإشكالية الثالثة: أن كل المشروعات التي هدفت إلى إعادة تنظيم ما سمي بالإسلام في فرنسا بدءًا بمشروع جان بيير شوفينمون عام 1999 مرورًا بمشروع ساركوزي عام 2003 وحتى الآن كانت تستعين بصناع الأزمة للمساهمة في حلها، كما يحدث الآن عندما أوكلت الحكومة الفرنسية مهمة عمل ميثاق للإسلام في فرنسا لمجموعة نصفهم ينتمون إلى جماعة الإخوان.
والذي يحدث طوال تلك السنوات أن هؤلاء الذين يتم اختيارهم لتنظيم العلاقة بين الإسلام والدولة الفرنسية يستخدمون هذا الاعتراف الحكومي بهم لتقوية أوضاعهم وسط المسلمين والادعاء بتمثيل الإسلام نفسه في فرنسا، ما أدى إلى تعميق الأزمة بدلًا من حلها.
من وجهة نظرك هل تفكيك تلك المنظمات والجمعيات المتعلقة بالإخوان وتنظيمهم هو الحل بالنسبة لفرنسا؟
تفكيك التنظيم هو الحل.. إن تفكيك هذا التنظيم بكل تجلياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية هو واجب اللحظة في فرنسا .. قد يساهم القانون الجديد (قانون مكافحة الانفصالية) في جزء من عملية التفكيك تلك، لكنه لن يكون كافيًا بالطبع، إذ عرف التنظيم الإخواني بالقدرة على التأقلم مع حميع الظروف والمهارة في التغلب على مجمل المعوقات التي واجهته عبر تاريخه.
إن حل وتفكيك هذا التنظيم والجمعيات والمنظمات التابعة له يتطلب سنوات عديدة من العمل الدؤوب الذي يستلهم ويستفيد من التجارب المختلفة وخاصة تجربتنا في مصر.