الخميس 28 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

«فالير أكتويل».. أشهر موقع فرنسي يحتفي بمقال عبدالرحيم علي «تفكيك تنظيم الإخوان ضرورة اللحظة»

نشر بتاريخ 26/يناير/2021 بموقع" البوابة نيوز"

نشر
عبد الرحيم علي

احتفى موقع "فالير أكتويل"، أشهر موقع فرنسي بمقال الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير "البوابة نيوز"، ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس، الذي حمل عنوان "تفكيك تنظيم الإخوان .. ضرورة اللحظة".

وأبرز الموقع المقال في صدر صفحته الرئيسية، مشيدًا بما جاء فيه من معلومات مهمة.

 

وإلى نص المقال:

تقف فرنسا اليوم في مفترق طرق، ليس بسبب جائحة كورونا، فذلك النوع من الكوارث الإنسانية يستطيع العلم سريعًا الانتصار عليه، كما حدث من قبل مع جائحات عديدة مرت بها الإنسانية.

لكن ما أقصده هنا هو جائحة التطرف والإرهاب، تلك الآفة التي عانت منها فرنسا لعقود عديدة والتي قررت الحكومة مؤخرا مواجهتها بحسم عبر إصدار قانون مكافحة الانفصالية.

وأعني بمفترق الطرق هنا، ليس فقط المعارضة التي تواجهها الحكومة في الداخل من بعض أقطاب اليسار ودعاة حقوق الإنسان، ولكن أيضًا بسبب الأوضاع الدولية التي على وشك أن تتغير، وبشكل جذري فيما يتعلق بهذا الموضوع ، وخاصة بعد إعلان فوز الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة في أمريكا بما له من تأثيرات في حركة الإسلام السياسي في العالم نظرًا لما قام به سلفه من قبل باراك أوباما من تقديم الدعم لهذا التيار حتى أسهموا جميعا في إسقاط عدة دول في الشرق الأوسط مؤدية بذلك إلى ما أسمته كونداليزارايس بالفوضى الخلاقة التي لم يزل العالم بأثره يعاني من آثارها حتى يومنا هذا.

إن مفترق الطرق هنا يعني أن تكون فرنسا بجميع تياراتها يقظةً وواعية تجاه هذه المشكلة (مكافحة الانفصالية)، وأن تحدد الأسباب جيدا وتسعى للمواجهة بمنتهى الحزم والسرعة في آنٍ واحد، لأن المعركة التي هي بصددها من وجهة نظري معركة وجود.

وعندما أتحدث عن تحديد دقيق للسبب الرئيسي وراء تلك الجائحة المزمنة، التي يعاني منها المجتمع الفرنسي منذ أكثر من اربعة عقود أعني ما أقول..

فطوال تلك العقود الأربعة ومنذ محاولات جان بيير شوفينمون عام 1999 مرورًا بمحاولات ساركوزي عام 2003 وحتى الآن كانت تلك المحاولات للأسف تعيد إنتاج الأزمة عبر تحديد خاطئ لها باعتبارها أزمة دين، ومن هنا كان الحل دائمًا هو الاستعانة ببعض المنفذين داخل هذه الديانة للقيام بحل المشكلة والتعامل مع الدولة كممثلين لها، الأمر الذي كان يسهم دائما في إعادة إنتاج الأزمة؛ لأننا نضع الحل في أيدي المتسببين في المشكلة.

فقد اختطف التنظيم الدولي للإخوان الإسلام ومعه مسلمو فرنسا منذ عقود عديدة في جريمة واضحة تمت على ضفاف السين وعلى مرأى ومسمع من الجميع وربما بمساهمة من البعض، عن عمد أو سوء فهم.

لقد حان الوقت لتغيير الإستراتيجية لمواجهة التحدي وتعريف من هو العدو على وجه التدقيق؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين ليست مجرد تنظيمًا "محافظ": فهم مصنفون في الإمارات ومصر كمنظمة إرهابية، وفرعهم الرسمي في فلسطين "غزة" هو منظمة حماس الإرهابية التي اعتمدت أسلوب العمليات الانتحارية بفتوى من مفتي الجماعة يوسف القرضاوي الذي أقر تلك العمليات علانية شريطة أن تكون بتوجيه من جماعة الإخوان. ثم قامت في يناير 2011 بتنفيذ أوامر قيادتها في مصر باقتحام الحدود ومهاجمة أقسام الشرطة المصرية، واقتحام السجون والإفراج عن 36 قيادة من قيادات جماعة الإخوان بينهم محمد مرسي، وكذا قيادتان من حزب الله اللبناني وغيرهم من حركة حماس، الأمر الذي أدى إلى إشاعة الفوضى في البلاد وتمكين تنظيم الإخوان الأم في مصر من إسقاط نظام مبارك والوثوب مكانه إلى السلطة.

حماس وداعش.. تعاون وثيق

وفي يوليو 2017 عقد عصام صالح، القيادي في "جيش الإسلام" التابع لتنظيم داعش في غزة، مؤتمرًا صحافيًّا، أعلن فيه إنهاء الخلاف القائم بين داعش وحركة حماس، مضيفا أن مشاورات جرت بين الطرفين تم على إثرها الاتفاق على وقف "داعش" التفجيرات في قطاع غزة، على أن توقف حماس اعتقالاتها لعناصر داعش.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما وصل الأمر إلى حد التعاون وتقديم المساعدات اللوجستية من قِبَل حركة حماس لتنظيم داعش وبخاصة في سيناء في مواجهته للجيش المصري حيث نشرت مؤسسة (جيوش نيوز سينديكيت - Jewish news syndicate) الإسرائيلية تقريرا حصريا حول حصولها على وثائق خطيرة مسربة من داخل تنظيم "داعش" الإرهابي، تكشف تفاصيل وكواليس خطيرة عن الحرب الدائرة في سيناء.

وأوضحت المؤسسة الإسرائيلية أنها حصلت على وثائق داخلية تابعة لـ"داعش" صاغها أحد قيادات التنظيم، ويدعى أبو مرام الجزائري يكشف فيه عن الطرف الذي يقدم مساعدات كبيرة لفرع "داعش" في سيناء، أو ما يعرف بـ"ولاية سيناء".

وتشير الوثيقة المكونة من 11 صفحة إلى أن جناح "ولاية سيناء" كان يحصل على مساعدات كبيرة من قبل الجناح العسكري لحركة "حماس" في قطاع غزة.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي تتعاون فيها حركة حماس الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان مع التنظيمات الإرهابية، فقد كشفت أوراق القضية 230 لسنة 2009 المعروفة بتفجيرات "المشهد الحسينى"، والتي راحت ضحيتها مواطنة فرنسية استغلال اثنين من المخططين هما: خالد محمود مصطفى، وأحمد محمد صديق، لغزة كملاذ آمن، تحت سمع وبصر وبحماية حركة حماس، أيضا استخدام البلجيكى من أصل تونسى، فاروق طاهر للأنفاق، فى العودة من غزة إلى مصر للمشاركة فى التفجيرات، بعد الحصول على التوجيهات من قادة تنظيم حركة حماس فى غزة .

كما أوضحت أيضا أوراق القضيتين رقم 409 لسنة 2006، 867 لسنة 2005 المعروفتين بتفجيرات دهب المصرية وشرم الشيخ، دخول الشقيقين أيمن ويسرى محمد حسين محارب إلى غزة لتلقي التدريب والتمويل والسلاح لتنفيذ تلك التفجيرات، حيث دخلا القطاع بمساعدة من ماجد الدرى أحد أكبر كوادر حركة حماس هناك. وتقابلا مع أبو سليمان القيادى بالحركة والذى قام بتجهيزهما بالأموال اللازمة للقيام بالعمليتين.

وقد يتصور القارئ أن تلك الوقائع قديمة ويتعلق معظمها بفرع تنظيم الإخوان في فلسطين لكننا نذكره بقرار الإدارة الأمريكية في يناير 2021 بإدراج حركة حسم الإخوانية في قوائم التنظيمات الإرهابية وهي الحركة التي أسسها محمد كمال عضو مكتب الإرشاد الدولي لتنظيم الإخوان والذي لقي مصرعه في إحدى المواجهات الأمنية بمنطقة المعادي إحدى ضواحي العاصمة المصرية القاهرة في أكتوبر 2016، وهو ما لم يذكره خبر إدراج الحركة كتنظيم إرهابي في أمريكا.


 

بداية الخطر الإخواني :

لقد جاء التنظيم الدولي إلى فرنسا منذ ثمانينيات القرن الماضي بهدف واحد أطلق عليه الإخوان آنذاك مسمى "التمكين في الغرب".

هذا التمكين الذي يتم وفق رؤيتهم عبر ثلاث مراحل، تعمل بالتوازي وليس بالتوالي.

أولًا التمكين الاجتماعي:

عبر إنشاء المؤسسات الاجتماعية التي يتم من خلالها جمع وتنظيم المسلمين الفرنسيين والمهاجرين في وحدات إدارية منظمة؛ بدأت بسبع جمعيات في عام 1989 لتصل إلى 250 جمعية في منتصف 2005.

ثانيًا: التمكين الاقتصادي:

وذلك عبر التمويل المباشر وغير المباشر، حيث يتمثل الأخير في حقائب المال الدبلوماسي الذي استخدم في بناء المساجد والمدارس والمراكز الثقافية، وعدد من الأنشطة التربوية الأخرى.

والتمويل المباشر من خلال التبرعات والتحويلات البنكية بالإضافة إلى عائدات الأنشطة الإسلامية كتجارة الحلال وأنشطة الحج والعمرة وجمع الزكاة والصدقات.

ثالثًا: التمكين الثقافي:

وذلك عبر إنشاء المراكز الثقافية والمدارس وإقرار ودعم التعليم الخاص والتعليم بالمنازل، مما سمح للإخوان بنشر منهجهم في التربية الفكرية والدينية في كل ربوع تلك الضواحي.

هذا التمكين بأشكاله الثلاثة يقودنا الى التمكين السياسي الذي يبدأ عادة بالتأثير في الانتخابات المحلية والعامة، ويتطور ليصبح ورقة مهمة ينبغي على السياسيين أخذها بعين الاعتبار في معاركهم الانتخابية، حتى نصل إلى مرحلة يصبح الاخوان فيها ورقة حاسمة في أي انتخابات تشريعية أو رئاسية.

ووفق تلك الاستنتاجات فان تفكيك هذا التنظيم بجميع تجلياته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية يصبح واجب اللحظة في فرنسا .. قد يسهم القانون الجديد (قانون مكافحة الانفصالية) في جزء من عملية التفكيك تلك ولكنه لن يكون كافيا بالطبع حيث عرف التنظيم الإخواني بالقدرة على التأقلم مع جميع الظروف والمهارة في التغلب على مجمل المعوقات التي واجهته عبر تاريخه. فقد نجح الإخوان طوال ما يقرب من مائة عام في استخدام تناقضات خصومه ليحولها إلى صالحه ويبني من خلالها مؤسساته؛ والتجربة المصرية خير دليل على ذلك.

تفكيك سيستغرق سنوات

ولهذا يجب إعطاء الأولوية، كخطوة أولى، لتجفيف مصادر التمويل ومراقبة وحظر هذه الجمعيات ومحاكمة قادتها، هذه هي الأسلحة الرئيسية التي في حوزتنا لاتخاذ الخطوة التالية الحاسمة، وهي تفكيك النظام الأيديولوجي الذي نجحت هذه الجماعة في غرسه في المجتمع الفرنسي من خلال مدارسها ومساجدها وجمعياتها. هذا التفكيك سوف يتطلب سنوات من العمل من أجل القضاء عليه، تواجه فرنسا عملية معقدة استمرت لسنوات وسنوات، يلزم اتخاذ إجراءات أسرع وتطبيقات أقوى لحفظ ما يمكن حفظه، وإلا ستستمر الدولة والمجتمع، للأسف، في العمل في حلقة مفرغة.

لقراءة الموضوع على موقع "فالير أكتويل" اضغط هنا