الجمعة 19 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

سيناء.. إلى أين؟ دلائل ومؤشرات: خريطة الجماعات الجهادية

نشر بتاريخ 29/ديسمبر/2013 بموقع "المركز العربي للدراسات والبحوث"

نشر
عبد الرحيم علي

تحظى شبة جزيرة سيناء بمكانة متميزة في قلب كل مصري.. مكانة صاغتها الجغرافيا.. وسجلها التاريخ.. وسطرتها سواعد ودماء المصريين على مر العصور.. فسيناء هي الموقع الإستراتيجي المهم.. وهي المفتاح لموقع مصر العبقري في قلب العالم بقاراته وحضارته، هي محور الاتصال بين آسيا وإفريقيا.. بين مصر والشام.. بين المشرق العربي والمغرب العربي.

وسيناء هي البيئة الثرية بكل مقومات الجمال والطبيعة والحياة، برمالها الذهبية.. وجبالها الشامخة.. وشواطئها الساحرة.. ووديانها الخضراء.. وكنوز الجمال والثروة تحت بحارها، وفي باطن أرضها: من كائنات.. ومياه.. ونفط ومعادن .

وسيناء هي التاريخ العريق الذي سطرته بطولات المصريين وتضحياتهم الكبرى لحماية هذه الأرض.. هي البوابة الشرقية.. وحصن الدفاع الأول عن أمن مصر وترابها الوطني.

فسيناء، بمقوماتها الطبيعية ومواردها الصناعية والتعدينية والسياحية، هي ركن من أركان إستراتيجية مصر الطموحة؛ للخروج من الوادي الضيق حول وادي النيل إلى رقعة أرض مأهولة واسعة، حيث تبلغ مساحتها 25% من مساحة مصر.. رقعة تتسع لاستقبال الأعداد المتزايدة، والحالية، من السكان.. واحتضان الطموحات والتطلعات الكبرى لهذا الشعب.. رقعة تبني لهذا الجيل والأجيال القادمة.. وتضاعف من فرص العمل والنمو، ومن القواعد الإنتاجية والمراكز الحضارية، والقدرة الاستيعابية للاقتصاد المصري.

ونتناول في هذه الدارسة العديد من النقاط، هي: الخصائص الطبيعية والجغرافية والسكانية لشبه جزيرة سيناء، أهمية سيناء الاقتصادية والعكسرية والدينية، سيناء عبر العصور القديمة، سيناء وأزمة التنمية واللاهوية، خريطة الجماعات المتطرفة، والعلاقة بين النظام الجديد والجماعات التكفيرية، وسيناء والأمن القومي المصري، وأخيرًا، مؤشرات ودلائل الوضع في سيناء.

أولاً: الخصائص الطبيعية والجغرافية والسكانية لشبه جزيرة سيناء

في هذا الجزء من الدراسة ينتاول الباحث الخصائص الجغرافية والمناخية، والطبيعة السكانية والاجتماعية، والهيكل والتنمية العمرانية، ومصادر المياه والزراعة، والتركيبة الصناعية والتعدينية، والنقل والاتصال ونقاط العبور من وإلى سيناء، والتعليم والخدمات الصحية.

1. الخصاص الجغرافية والمناخية:

يشغل مثلث جزيرة سيناء حيزًا إستراتيجيًّا في خريطة التوازنات الدولية والإقليمية منذ فجر التاريخ؛ نظرًا لموقعه الحاكم في خريطة الشرق الأوسط، حيث تعتبر رقعة اليابسة الوحيدة التي تصل شرق العالم العربي بغربه، فهي بمثابة حلقة الاتصال بين الشطرين . وتبلغ المساحة الكلية لشبه جزيرة سيناء حوالي 61,000 كم مربع، أي ما يقارب من 6% من إجمالي مساحة مصر (مليون كم مربع)، وتعد ملتقى القارتين الإفريقية والآسيوية، والجسر البري الذي يربط بينهما؛ حيث كانت منذ القدم ممرًّا للقوافل والجيوش الغازية، وتأخذ شكل المثلث؛ تستلقي قاعدته الشمالية على امتداد البحر الأبيض المتوسط (من بور فؤاد غربًا إلى رفح شرقًا) بطول يبلغ قرابة 200 كم، أما رأسه فيقع جنوبًا في منطقة رأس محمد (التي تبعد عن ساحل البحر الأبيض بحوالي 390 كم)، ويبلغ امتداد الحد الغربي لمثلث سيناء حوالي 510 كم (ويشمل هذا الامتداد خليج وقناة السويس).

أما امتداد الحد الشرقي فيصل إلى نحو 455 كم (ويشمل خليج العقبة والخط الوهمي للحدود السياسية الشرقية لمصر).

تنقسم سيناء إلى ثلاثة أقسام :

1. القسم الشمالي: ويعرف بالسهول الشمالية.

2. القسم الأوسط: وتبلغ مساحة هذا القسم ثلث مساحة سيناء، وتظهر فيه هضبة التيه الجيرية، والتي سميت بهذا الاسم لأنها تصف حالة خروج اليهود من مصر، الذين تاهوا في هذه المنطقة 40 سنة، وفي جنوبها هضبة العجمة، وهي أصغر من هضبة التيه.

3. المثلث الناري: ويقع بجنوب سيناء، ويتميز بتعدد القمم الجبلية المدببة، وأهم القمم الجبلية التي تقترب من بعضها: قمة جبل سانت كاترين، وهي أعلى قمة جبلية في مصر، وتبلغ
2600 متر.

تحاط سيناء بالمياه من أغلب الجهات؛ فهي تقع بين ثلاثة مصادر للمياه: البحر المتوسط في الشمال (بطول 120 كيلو مترًا)، وقناة السويس في الغرب (160 كيلو مترًا)، وخليج السويس من الجنوب الغربي (240 كيلو مترًا)، ثم خليج العقبة من الجنوب الشرقي والشرق (بطول150 كيلو مترًا). وهكذا تمتلك سيناء وحدها نحو 30% من إجمالي سواحل مصر، حيث إن لكل كيلو متر ساحلي في سيناء هناك 87 كيلو مترًا مربعًا من إجمالي مساحتها مقابل 417 كيلو مترًا مربعًا بالنسبة لمصر عمومًا. وخلف كل كيلو متر مربع من شواطئ سيناء تترامى مساحة قدرها 160 كيلو مترًا مربعًا مقابل 387 كيلو مترًا مربعًا بالنسبة لمصر في مجملها.

وعلى الجانب المناخي، تتميز سيناء بالمناخ الصحراوي المتوسط. ويتصف عامة بالجفاف والحرارة معظم العام باستثناء الساحل المتوسط وأعالي الجبال. وتعد جبال سيناء شبه جافة؛ إذ يقدر علماء النبات الهطول فيها بنحو 300 مم/سنة. وتهطل الأمطار القليلة، وأحيانًا البرد والثلوج، في سيناء شتاء. وتقدر بنحو 200 مم فما فوق على ساحل البحر المتوسط (العريش)، تتناقص جنوبًا إلى 90 مم في جبل المغارة، وإلى 26 مم في نخل «التيه» على ارتفاع 400 م، وإلى 13 مم في محطة الطور على خليج السويس. حرارتها معتدلة شتاء، خاصة على شواطئ خليجي العقبة والسويس والمتوسط، كما تعتدل صيفًا في الجبال العالية؛ مما يساعد على تنشيط الحركة السياحية الشتوية والاستجمام .

وتسود سيناء التربة الفجة الرملية الصحراوية بالساحل المتوسطي، والجفافية العادية، الكلسية والجصية والمالحة، فيما بين رمال الساحل والتيه. بينما تسود مرتفعات التيه وجبال سيناء الترب الفجة العادية الضحلة الصحراوية والمتوسطية .

أما بالنسبة للمياه الجوفية، فهي مستثمرة في الشمال، بخاصة ما بين القنطرة و رفح ، وهي تزداد جودة بالاقتراب من مجرى وادي العريش. كما يتم تجميع مياه الأمطار هناك منذ زمن بعيد في خزانات محفورة في الصخر(سرابات). وقد شُيدت عدة سدود سطحية على أوديتها، كسد روافه (21 مليون م 3 ) على بعد 50 كم من ساحل العريش. وفي جبال سيناء عدة ينابيع، كنبع دير القديسة كاترين، ومنابع وادي حميرة .

2. الخصائص السكـانية والاجتماعية:

يعد سكان سيناء الامتداد الطبيعي للمصريين القدماء الذين عاشوا على هذه الأرض وعمروها منذ عصور ما قبل التاريخ، ولهؤلاء السكان حياتهم الاجتماعية الثرية بالعادات والتقاليد وأنماط العمل وسبل الرزق، تجمعهم قطرات المطر في الشمال، وآبار المياه في الوسط، وأسماك البحر في الجنوب.

وينتمي أهل سيناء إلى عدة قبائل بدوية ( بدو سيناء ) أبرزها قبيلة الترابين ، القبيلة الأكبر في سيناء والنقب ، وقبائل: سوراكة، والتياها، والحويطات، والمساعيد، من قبيلة هذيل العدنانية ، وقبائل أخرى كثيرة، ويشكل البدو ٦٠٪ من سكان سيناء. وتعود جذور البدو في سيناء إلى الجزيرة العربية و اليمن . واللافت أن البدو المصريين كانوا يسكنون في سيناء منذ القدم، وقليل من العرايشية، وهم من نسل الجنود الألبان القادمين مع محمد علي ، وكان للبدو دور بارز في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ، فكفاح الاحتلال كان كفاحًا مشتركًا بين أبناء الوادي والبدو . الجدير بالقول، أن هناك٤٠٪ من سكان سيناء هم أبناء الوادي، بعدهم انتقلت أعداد كبيرة من المصريين من وادي النيل و الدلتا إلى المنطقة للعمل في مجالات السياحة والزراعة .

ويبلغ عدد سكان سيناء، طبقًا لتعداد العام 2006 نحو 489.087 نسمة، منهم 339,752 نسمة في محافظة شمال سيناء، و149,335 نسمة في محافظة جنوب سيناء.

وقد أثرت في نمو السكان في سيناء مجموعة من العوامل، في مقدمتها العوامل السياسية والحربية؛ حيث كانت سيناء أكثر مناطق مصر تعرضًا للحروب وحركة الجيوش طوال التاريخ. لذلك ظلت سيناء -رغم إمكاناتها الضخمة - منطقة تذبذب سكاني تتأرجح دومًا بين إخلاء وإعادة التوطين. أما التوزيع الجغرافي للسكان، فإنه يرتبط بتضاريس سيناء ومصادر المياه. فالنسبة الكبيرة من السكان تتمركز في المناطق الشمالية المحصورة بين البحر المتوسط، ويشمل مناطق العريش ورفح والشيخ زويد وبير العبد والقنطرة. وهي تعتبر مراكز التجمع الأساسية للسكان، ثم السهل الساحلي الممتد على طول خليج السويس، ويشمل مناطق الطور وأبو رديس وأبو زنيمة ورأس سدر.

في السنوات الأخيرة تزايدت تجمعات السكان في مناطق التنمية الجديدة، سواء كانت السياحية أو الزراعية أو التعدينية، خاصة في مناطق شرم الشيخ ودهب ونوبيع وسانت كاترين وطابا، كما تنتشر تجمعات سكانية عديدة وسط المناطق الجبلية في وسط سيناء، مثل الحسنة ووادي فيران وغيرها.

ومن الأهمية القول إن السكان الأصليين في سيناء هم من سلالة المصريين القدماء. إضافة إلى البدو الذين نزحوا إليها في عصور مبكرة من شبه الجزيرة العربية. وحياة البداوة هي الغالبة على هؤلاء السكان، والأنشطة الرئيسية هي تربية الإبل والغنم إلى جانب زراعة النخيل والزيتون والخوخ، ثم حرفة صيد الأسماك والطيور. وقد بدأت أعداد سكان سيناء في التزايد بعد انتشار أنماط جديدة من الأنشطة الاقتصادية.

أما بالنسبة لخريطة القبائل التي تتكون منها سيناء؛ فهناك 12 قبيلة يتراوح تعداد كل منها ما بين 500 نسمة و12 ألف نسمة. وتتركز هذه القبائل في المناطق الساحلية شمالًا، وفي المناطق الواقعة في الشرق من القناة وخليج السويس. وأشهر قبائل سيناء؛ في الشمال: السواركة، والرحيلات وعرب قاطية، والمساعيد، والبلي. وفي الوسط: الترابين، والعبابدة، والأحيوات، والتياها، والحويطات والصوالحة، والعقبان. أما في الجنوب فأهم القبائل هي: الجبالية، ومزينة، والعليقات، والقرارشة، والبدارة، والطوارة (أهالي الطور)“,”.

وتشيع بين قبائل البدو العديد من القيم الإيجابية، كالشجاعة والكرم وحب الضيافة والنجدة وعزة النفس. ومعظم عادات وتقاليد البدو تمثل تراثًا ثقافيًّا مهمًّا يحرصون على إحيائه والمحافظة عليه، مثل القضاء العرفي، الذي يعد قضاء خاصًّا بالقبائل البدوية، وله قواعده وإجراءاته، التي تتمثل في الاحتكام إلى أشخاص بعينهم، تخصص كل منهم في نوع من الجرائم يعرف أحكامها والعقوبات المقررة. كذلك تتمتع المجتمعات البدوية في سيناء بخبرة كبيرة في مجال الطب الشعبي والعلاج بالأعشاب، خاصة أن أرض سيناء تنمو بها عشرات من الأعشاب الطبية المفيدة، التي يعتبر البدو أنفسهم خبراء في معرفة فوائدها وطرق استخدامها، إلى جانب العلاج الشعبي، مثل الكي بالنار والحجامة والاستشفاء من خلال الرقى والحرز والأحجبة والأحجار الكريمة التي تعلق على موضع الألم أو الرقبة. وللبدو أيضًا رقصاتهم المشهورة، وفنونهم الشعبية والتلقائية، سواء تلك التي تمارس في أوقات الفراغ أو في المناسبات المختلفة. أما طعام بدو سيناء فيعتمد في معظمه على الشعير والقمح والذرة والعدس والبلح. وأشهر الأكلات عندهم هي الفطير والأقراص المصنوعة من الدقيق والزبد. وفي الولائم والمناسبات تذبح الذبائح وتقدم مع الأرز أو الثريد.

3. الهيكـل والتنمية العمرانية:

ارتبط توزيع السكان ومناطق العمران في سيناء عادة بمواقع توافر المياه ومقومات الإنتاج. وهي مصادر ارتبطت بأطراف سيناء، بينما خلت مساحات واسعة وشاسعة في الوسط، خاصة مناطق الهضاب والجبال. حيث يعد الساحلان، الشمالي والغربي، من المعمور والسواحل الحية، بعكس الشرق ذي الكثافة المحدودة. فيتجه شريط العمران من رفح حتى البردويل مرورًا بالعريش أكبر مدن سيناء. ثم يأتي الثلث الجنوبي من ســيناء المحصور بين خليجي السويس والعقبة، حيث يعود عدد السكان إلى التزايد في النقاط المأهولة، خاصة مدن التعدين والبترول (أبو زنيمة ــــــ أبو رديس ـــــــ رأس سدر) بالإضافة إلى الطور، مدينة الصيد، فيما عدا ذلك ينتشر العمران في سيناء على شكل بقع في مواقع متعددة.

واللافت، أن هذا الهيكل العمراني في سيناء بدأ يتعدل بشكل سريع؛ تجاوبًا مع جهود التنمية. فالسياحة ضاعفت من أعداد السكان في مناطق لم تكن كثيفة السكان من قبل، خاصة على خليج العقبة. وجهود توفير المياه والطرق أدى أيضًا إلى خلق نوع من الترابط بين محاور الهيكل العمراني، وأصبح التقسيم الإداري لسيناء يشمل محافظتين هما: شمال سيناء وجنوب سيناء، إضافة إلى مدينة القنطرة شرق التابعة لمحافظة الإسماعيلية، ومنطقة الشط التابعة لمحافظة السويس.

أما أهم مدن سيناء فهي: العريش، طور سيناء، بير العبد، الشيخ زويد، رفح، الحسنة، نخل، رأس سدر، أبو زنيمة، أبو رديس، سانت كاترين، شرم الشيخ، دهب، نوبيع، القنطرة شرق، طابا. وتعد هذه المدن، إضافة إلى بعض المراكز العمرانية التي سوف تستحدث، هي أساس التنمية الحضرية والعمرانية في إطار المشروع القومي لتنمية سيناء (1994 - 2017)، كما أن هناك 95 قرية مركزية سوف تتطور لتصبح مراكز للتنمية الريفية؛ بما يتبع ذلك من نشاط زراعي، وما يرتبط به من أنشطة صناعية وتجارية وخدمية . كذلك فإن هناك 271 قرية تابعة أخرى يغلب عليها الطابع الريفي، إضافة إلى مئات التجمعات البدوية.

كل ذلك سوف ينتظم في إطار نسيج عمراني متصل كلما أمكن ذلك، وعليه سوف تنتشر مناطق تنمية عديدة ومتعددة الوظائف؛ مما يدعم من التواصل والتضافر بين سكان سيناء الحاليين والقادمين إليها مع برامج التنمية، خاصة في المناطق الصناعية والحرة، التي تقرر إقامتها في سيناء حتى عام 2017، وعددها 9 مناطق صناعية وحرة، تستوعب كل منها ما بين 100 - 200 ألف نسمة. وتقدر التكلفة التقديرية لخطط التنمية العمرانية في سيناء نحو 20.8 مليار جنيه، في الفترة من 1994 - 2017، منها 4 مليارات إنفاق عام، والباقي للقطاع الخاص.

أما بالنسبة للتنمية العمرانية، فيوجد في سيناء 16 مدينة، و95 قرية مركزية، و271 قرية تابعة، ومئات التجمعات البدوية. هذا الهيكل العمراني هو أساس التنمية الحضرية في سيناء، حيث يتم توطين نحو 3 ملايين نسمة آخرين في سيناء على عدة محاور، أهمها المحور الشمالي (زراعي أساسًا)، والمحور الغربي (مناطق حرة وصناعة وزراعة)، ومحور خليج السويس (تعدين وبترول وسياحة) ومحور خليج العقبة (سياحة)، والمحور الأوسط (رعي وصناعات صغيرة وتعدينية). ويقدر إجمالي الاستثمارات المطلوبة للإسكان والمرافق الداخلية والتنمية العمرانية في سيناء بنحو 20.8 مليار جنيه، منها 16 مليار جنيه لبناء نحو 700 ألف وحدة سكنية، و2800 مليون جنيه تكلفة المرافق الداخلية من مياه شرب وصرف صحي، ونحو ملياري جنيه لإعداد وتجهيز المناطق الصناعية.

4. الخصائص المائية والزراعية:

الزراعة، هي النشاط الأكبر لسكان شبة جزيرة سيناء تقليديًّا، إلى جانب الرعي والصيد، وتقدر جملة المساحات المنزرعة في سيناء بنحو 175 ألف فدان . منها حوالي 173.5 ألف فدان في شمال سيناء، ونحو 1500 فدان فقط في جنوب سيناء. وتنتج هذه المساحة نحو 160 ألف طن سنويًّا من الخضر والفاكهة، و410 آلاف أردب من الحبوب. كما تقدر الثروة الحيوانية في سيناء بنحو 265 ألف رأس من الأغنام والماعز والجمال، ثم بعض الأبقار والجاموس، تعتمد في معظمها على المراعي الطبيعية.

أما الصيد، فإنه يتركز في بحيرة البردويل وخليجي العقبة والسويس. ويبلغ إجمالي حصيلة الصيد في سيناء نحو 3.6 ألف طن سنويًّا. وفي الحقيقة، فإن هذا لا يتناسب مع إمكانات سيناء ومواردها في مجالات الزراعة والرعي.

وبالنسبة للـمــيـاه، العنصر الأساسي الحاكم للتنمية في المناطق الصحراوية عمومًا، ومنها شبة جزيرة سيناء، فإن مصادر المياه الحالية أو المستقبلية في سيناء تبشر بخير وفير؛ فالموارد المائية في سيناء حتى عام 1994 كانت تضم:

- مياه الأمطار والسيول: وهي في حدود من 90 - 235 مليون متر مكعب في السنة.

- المياه الجوفية: تتمتع سيناء برصيد معقول من مصادر المياه الجوفية. ويمكن استخدام نحو 80 مليون متر مكعب من المياه الجوفية سنويًّا. منها 10 ملايين متر مكعب من الخزان الجوفي الضحل (المياه السطحية)، و70 مليون متر مكعب في السنة من الخزانات المتوسطة والعميقة، خاصة في مناطق وسط سيناء مثل رأس النقب وعريف الناقة ونخل والبروك والقسيمة والحسنة والكونتلا والمغارة وصدر الحيطان والقاع وغيرها.

- العيون الطبيعية: تضم سيناء العديد من عيون الماء الطبيعية، وهي ذات نوعيات متباينة من المياه. وتتباين تصرفاتها ما بين 3 إلى 80 مترًا مكعبًا في الساعة، وأكبر هذه العيون: عين فرطاجة بوادي وتير، ثم عين الجديرات بوادي القسيمة، ثم عين طابا بوادي طابا، ثم عين القديس بوادي الجايفة، وعيون موسى جنوب شرقي قناة السويس.

وإزاء هذه الموارد المائية المحدودة نسبيًّا فإن التغيير الجذري في مصادر المياه في سيناء يأتي عبر المياه المنقولة من نهر النيل من خلال ثلاثة مشروعات أساسية، هي:

1) مشروع ترعة السلام: يتضمن استصلاح وزراعة 400 ألف فدان على مياه النيل عبر ترعة السلام، التي تعبر قناة السويس بسحارة عند الكيلو 28 جنوب بورسعيد، وبطاقة نحو 4.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًّا، تأتي مناصفة من مياه النيل ومياه الصرف الزراعي.

2) سحارة الدفرسوار: وتستهدف زراعة نحو 77 ألف فدان شرق قناة السويس عبر سحارة الدفرسوار التي تنقل نحو 420 مليون متر مكعب من مياه النيل إلى سيناء سنويًّا.

3) المشروع القومي لتنمية سيناء : ويستهدف زراعة 250 ألف فدان على المدى الطويل بعد تنفيذ مشروعات أعالي النيل، واستصلاح وزراعة نحو 65 ألف فدان إضافية على مصادر المياه المحلية، واستصلاح وزراعة نحو 7 آلاف فدان على المياه الجوفية في وسط سيناء (المغارة ـــــــ الخرمم ـــــــ صدر الحيطان ـــــــ الكونتلا ـــــــ عريف الناقة ـــــــ التمد ـــــــ نخل ـــــــ البروك)، واستصلاح نحو 8 آلاف فدان على المياه الجوفية في جنوب سيناء (وادي فيران ـــــــ المالحة ـــــــ سهل القاع ـــــــ غرندل)، واستصلاح نحو 50 ألف فدان على مياه السيول من خلال إقامة سدود التخزين بمناطق وديان البروك والجيرافي والعريش والعقبة ووتير.

أما بالنسبة للمراعي، فقد تضمن المشروع إعادة الغطاء النباتي الطبيعي، وإدارة المراعي في نحو 300 ألف فدان في سيناء، وتشجيع وتنظيم نشاط المرعي وتربية الماشية وتوفير المقومات اللازمة لذلك، إضافة إلى التوسع في مشروعات الثروة الداجنة.

أما برامج تنمية نشاط الصيد وتطوير المصايد؛ فإنه يستهدف الارتفاع بطاقة الإنتاج السمكي في سيناء إلى نحو 37 ألف طن من البحر المتوسط و8 آلاف طن من بحيرة البروديل. إلى جانب مشروعات كبيرة لمضاعفة إنتاج مصايد خليجي السويس والعقبة. خاصة في موانئ رأس سدر والطور وأبو زنيمة. وتقدر الاستثمارات الخاصة بتنفيذ خطة التنمية الزراعية بنحو 12.2 مليار جنيه، وتوفر نحو 165 ألف فرصة عمل، ويقدر عدد السكان المناظرين لقوة العمل هذه بنحو 775 ألف نسمة.

5. الأنشطة الصناعية والتعدينة:

رغم التاريخ العريق لاكتشاف واستغلال الثروة المعدنية في سيناء، فإن نشاط الصناعة والتعدين بها ظل محدودًا للغاية. وفي نهاية عام 1983 كان إجمالي النشاط الصناعي في سيناء يتضمن 40 منشأة يعمل بها نحو 4000 عامل. معظمهم في حقول استخراج البترول والغاز وصناعات حرفية وصغيرة مثل الصناعات الزراعية والغذائية والصناعات البيئية والمشغولات والمفروشات والملابس.

وفي مجال التعدين والمناجم هناك شركة للمنجنيز في أبو زنيمة بجنوب سيناء، وتقوم أيضًا بصناعة الفيرومنجنيز واستغلال محدود للرمال البيضاء والكاولين، ومصنع للجبس عند رأس ملعب بالقرب من أبو زنيمة، إلى جانب منجم الفحم الذي افتتح بالمغارة في عام 1997 . وهكذا يبدو النشاط الصناعي والتعدين في سيناء محدودًا جدًّا لايتناسب مطلقًا مع ثراء سيناء بالثروات المعدنية والتعدينية، ومنها الفحم : ويتوفر في المغارة (52 مليون طن)، وعيون موسى (40 مليون طن)، وشرق أبو زنيمة (75 مليون طن)، و الكبريت : بين العريش ورفح (30 مليون طن)، و المنجنيز : قرب أبو زنيمة (إنتاج سنوي بنحو 35 ألف طن)، و النحاس : يوجد في غرب وجنوب سيناء، و الكاولين : ويستخدم في صناعة الخزف والصيني والأسمنت والمنسوجات والبلاستيك والورق وغيرها، ويوجد في أبو زنيمة وهضبة التيه (100 مليون طن)، و الرمال البيضاء : وتستخدم في مجال صناعة الزجاج الطبي والفاخر والكريستال. وتوجد في كل من شمال وجنوب سيناء على السواء (مليارات الأطنان)، و كلوريد الصوديوم : وهو ملح الطعام، ويوجد بكميات كبيرة في ملاحات بحيرة البردويل، و الجبس : ويوجد في رأس ملعب (200 مليون طن) ووادي الريانة (16 مليون طن) والبردويل (2 مليون طن ). هذا إلى جانب احتياطيات كبيرة من كبريتات الصوديوم (75 ألف طن) و الطفلة الكربونية (75 مليون طن) و الألبيتيت (213 مليون طن)، و البنتونيت (مئات الملايين من الأطنان)، والرمال السوداء ومواد البناء كالأحجار الجيرية والصخور والرمال والزلط، إلى جانب أحجار الزينة كالرخام والجرانيت والألباستر.

وفي ضوء هذا الثراء الكبير لمعادن سيناء؛ فقد بُدئ في إنشاء بنية صناعية إنتاجية واسعة، تتضمن مجموعة صناعات لمواد البناء، منها مصنعان لإنتاج الأسمنت، ومصنع للسيراميك والأدوات الصحية، ومصنع للأخشاب، وآخر للزجاج وغيرها. ثم مجموعة الصناعات الكيماوية، وتشمل معملًا لتكرير البترول، ومصنعًا لإنتاج كربونات الصوديوم، ومصنعًا للإيشلين المنتج من الغاز الطبيعي. ثم مجموعة الصناعات الغذائية، مثل عصر وتعبئة الزيتون، وحفظ وتعليب الخضر والفاكهة، ومدابغ الجلود. ثم مجموعة الصناعات المعدنية، كالتوسع في إنتاج الفيرومنجنيز، والسماد الفوسفاتي وغيرها. إضافة إلى الصناعات الصغيرة والحرفية والبيئية، وذلك من خلال إقامة مجمعات للصناعات الصغيرة قرب المدن الكبرى والتجمعات السكانية.

وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن هناك مجموعة من المناطق الصناعية والمناطق الحرة التي تقرر إقامتها، وعددها 9 مناطق حرة وصناعية: في العريش(240 فدانًا)، والقنطرة شرق (80 فدانًا)، وبئر العبد (250 فدانًا)، ووادي التكنولوجيا، شرق البحيرات المرة (800 فدان)، وسهل الطينة (40 فدانًا)، والشيخ زويد (80 فدانًا)، ثم المنطقة الحرة شرق بورسعيد (100 فدان). ويقدر إجمالي الاستثمارات المستهدفة لقطاع الصناعة في سيناء بنحو 10 مليارات جنيه ، توفر نحو 250 ألف فرصة عمل؛ تؤدي إلى زيادة سكانية بنحو 500 ألف نسمة.

أما البترول ، فقد اكتشف على ساحل خليج السويس لأول مرة في عام 1946. ويعتبر خليج السويس، وسـاحل سيناء المجاور له، من أهم المناطق البترولية في مصر، ســواء من حيث الإنتاج أو كمية الاحتياطي، أو الآفاق الواعدة في المستقبل.

وبالنسبة للطاقة : تربط سيناء شبكة كهرباء من محطات توليد وشبكة نقل ومحولات واسعة؛ لمواكبة كل مراحل ومناطق التنمية. وفي عام 1994 كانت الأحمال في سيناء تبلغ 58 ميجاوات وقدرة التوليد 173 ميجاوات، لتصل عام 2002 إلى نحو 720 ميجاوات، ومن المقرر أن تتسع الأحمال المستقبلية إلى 1300 ميجاوات عام 2017 باستثمارات نحو 6 مليارات جنيه؛ لإنشاء محطات توليد، خاصة محطة عيون موسى، وتدعيم المحطات القائمة، وتشييد شبكة مناسبة تغطي كل مساحات التنمية.

6. النقل والاتصالات ونقاط العبور والسكك الحديدية:

بدأ الاهتمام بتطوير قطاع النقل والمواصلات والاتصالات في سيناء عقب تحريرها مباشرة؛ من أجل توفير التواصل البري بين سيناء وسائر أنحاء مصر عبر قناة السويس، وتوفير وصلات الربط اللازمة مع المشرق العربي، وتحقيق الترابط الداخلي بين مختلف أنحاء سيناء نفسها لخدمة متطلبات التنمية، وكذلك الربط المباشر بين سيناء والعالم الخارجي.

وفي عام 1993/1994 كانت أطوال الطرق المرصوفة في سيناء نحو 6000 كيلومتر، إضافة إلى 1140 كيلومترًا. وهناك طرق غير مرصوفة أهمها محور القنطرة شرق رفح، ومحور الإسماعيلية الحدود المصرية عند العوجة، ومحور الشط رأس النقب، إلى جانب خط القنطرة شرق ـــــــ الشط ــــــ شرم الشيخ، وخط شرم الشيخ طابا، وخط نويبع رفح، وخط العريش نخل، وخط بئر العبد صدر الحيطان، وخط نويبع كاترين عبر وادي فيران. وتتضمن خطط التنمية إقامة شبكة من الطرق المكملة والمغذية لكل المواقع الحضرية والعمرانية وخدمة مناطق التوسع الزراعي، خاصة الطرق التي تتم بمحاذاة ترعة السلام وفروعها.

أما نقاط العبور ، التي تربط سيناء ببقية أنحاء الجمهورية؛ فقد تم إنشاء ثلاث نقاط عبور سطحية مباشرة عبر قناة السويس، هي: نفق الشهيد أحمد حمدي عند السويس، ثم كوبري عبور السيارات عند الفردان، ثم كوبري السكة الحديد عند الفردان، وقد بدأ العمل فيهما عام 1997. إضافة إلى 4 كباري عائمة بالجهود الذاتية لهيئة قناة السويس، وكذلك فإن هناك 4 منافذ برية هي: رفح، طابا، العوجة، ورأس النقب.

وبالنسبة للسكك الحديدية ، فقد بُدئ في إنشاء خط جديد للسكك الحديدية بين الإسماعيلية ورفح بطول 225 كيلومترًا يعبر القناة من خلال كوبري للسكك الحديدية عند الفردان بالقرب من القنطرة. وتتضمن خطط السكك الحديدية إنشاء طريق يتجه شمالًا لخدمة مشروعات شرق بورسعيد والمنطقة الحرة بها. ثم يتجه خط آخر جنوبًا إلى نخل ثم الطور.

أما الموانئ ، فقد تم تطوير ميناء العريش وميناء نويبع كموانئ دولية. وقد تطور ميناء الطور وميناء رأس سدر لحركة الملاحة المحلية. أما المطارات فهناك مطارات دولية في العريش ورأس النقب وشرم الشيخ، إضافة إلى مطار سانت كاترين، وإنشاء مهابط طائرات صغيرة في كل من دهب ونويبع.

7. التعـلـيم والخدمات الصحية ومياه الشرب:

يتم توفير الخدمات التعليمية بشكل متواصل يواكب تطور أعداد السكان في سيناء. في عام 1997 كان عدد المدارس في سيناء 435 مدرسة بها نحو 2767 فصلًا. ومن المخطط أن تصل إلى 2536 مدرسة بها 25800 فصل عام 2017، وبما يسمح باستيعاب 753 ألف تلميذ في ذلك الوقت. كما أنه من المستهدف إنشاء جامعة سيناء بطاقة استيعابية نحو 24000 طالب، حيث بدأت الدراسة في بعض مؤسسات التعليم العالي مثل كلية التربية بالعريش، ومعهد السياحة في رأس سدر.

تتمتع سيناء بمستوى متميز من الخدمات الصحية، التي تفوق في معدلاتها سائر أنحاء الجمهورية؛ وذلك للتغلب على المساحات الشاسعة، ولتشجيع السكان على البقاء في مواطنهم.

وقد أقيمت في سيناء العديد من المستشفيات الكبيرة، إلى جانب الوحدات الصحية المنتشرة في أنحائها، فهناك مستشفيات كبرى أقامتها القوات المسلحة في كل من العريش وشرم الشيخ، بالإضافة إلى مستشفى شرم الشيخ الذي افتتح عام 1997، وهو مستشفى استثماري على أعلى المستويات العالمية.

ويستهدف المشروع القومي لتنمية سيناء زيادة عدد أَسِرَّة المستشفيات إلى 6000 سرير|؛ لمواكبة الزيادة المتوقعــة في عدد السكــان، وذلك من خلال إنشـاء 55 مستشفى تابع لوزارة الصحـة و23 مستشفى تابعة للقطاع الخاص.

وتعتبر مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي من أهم المحددات لنجاح عمليات التوطيد السكاني في سيناء. مياه نهر النيل هي المصدر الأساسي لمياه الشرب في سيناء، حيث تصل مياه الشرب من النيل إلى العريش عبر محطة مياه القنطرة، كما تصل إلى الطور عبر السويس، وتمتد من هذا الخط إلى شرم الشيخ. إلى جانب بعض مصادر المياه السطحية والجوفية ومحطات تحلية المياه. وفي عام 1994 كانت جملة مصادر مياه الشرب نحو 240 ألف متر مكعب في اليوم، منها 40 ألفًا من المياه الجوفية، ونحو 190 ألفًا من مياه النيل، ونحو عشرة آلاف متر مكعب من المياه المحلاة. ومن المستهدف الوصول بهذه الطاقة إلى نحو 652 ألف متر مكعب من المياه يوميًّا؛ وذلك برفع المياه الجوفية إلى 51.5 ألف متر مكعب يوميًّا، ومياه النيل إلى نحو 492 ألف متر مكعب يوميًّا، والمياه المحلاة إلى نحو 108 آلاف متر مكعب يوميًّا.

وفي مجال الصرف الصحي، فإن الطاقة الحالية نحو 450 ألف متر مكعب يوميًّا سوف تصل إلى 600 ألف متر مكعب يوميًّا، إضافة إلى إقامة ثلاث محطات كبرى لمعالجة مياه الصرف في كل من العريش ورفح والشيخ زويد، بطاقة إجمالية تبلغ نحو 325 ألف متر مكعب يوميًّا.

ثانيًا: الأهمية الجيو اقتصادية العسكرية

ويتناول الباحث هنا الأهمية الدينية والاقتصادية والعسكرية:

1) الأهمية الدينية: لا شك في أن لشبه جزيرة سيناء صلة وثيقة بالأديان السماوية، حيث عبرها سيدنا يوسف وأخوته وأبوهم. وفي خروجه بقومه من مصر طالت بسيدنا موسى عليه السلام ليالي الصحراء حتى بلغ بقومه المقام أربعين عامًا، كما عبرها عيسى عليه السلام إلى مصر ومنها عاد إلى فلسطين. كما اخترق الجيش الإسلامي طريق الهجرات الشمالي لسيناء حتى تمكن من فتح مصر عام 639 م. لقد تركت هذه الأحداث التاريخية التي مرت بها سيناء عبر العصور المختلفة بصماتها في شكل مجموعة من الطرق التاريخية، والمدن القديمة والقلاع والحصون والاستحكامات الحربية.

2) الأهمية ال اقتصادية: تعد الثروة المعدنية والبترولية في سيناء من أهم مصادر الثروة الاقتصادية في مصر، حيث تتمركز مصادر إنتاج البترول الخام على الساحل الشرقي لخليج السويس، كما توجد في سيناء مجموعة من المعادن الأخرى مثل المنجنيز، الحديد، الكاولين، الفحم، الجبس، الكبريت، ملح الطعام، الفوسفات، الرصاص، والزنك.

ويضاف إلى ما سبق، الأهمية الاقتصادية لقناة السويس، خاصة بعد الاكتشافات البترولية في شبه الجزيرة العربية وإيران، والتي أدت إلى الإعلاء من الأهمية الاقتصادية لشبه جزيرة سيناء، كجبهة دفاع عن هذا الشريان المائي. ولقد اتضحت الأهمية الاقتصادية لقناة السويس خلال فترة إغلاقها في أعقاب حرب يونيو 1967، حيث أدى ذلك إلى إحداث مضاعفات اقتصادية دولية في استخدام الدول لطريق رأس الرجاء الصالح كبديل أطول وأكثر تكلفة من ناحية. ومن ناحية ثانية، أدى إغلاق القناة إلى الإضرار بالإقتصاد المصري نتيجة لفقدان عائدات المرور في قناة السويس. ومن ناحية ثالثة، امتد الضرر ليشمل المواني التي تعتمد إلى حد كبير على مرور السفن التي ترسو بها للتمويل مثل: عدن، جيبوتي وجبل طارق، حيث أصابها إغلاق القناة بالكساد.

3) الأهمية العسكرية:

مما لا شك فيه أن لشبة جزيرة سيناء أهمية عسكرية كبيرة، فهي كانت دائمًا المصدر الرئيس لصد العدوان على مصر.

و توجد ثلاثة خطوط إستراتيجية للدفاع عن سيناء :

أ. الخط الأول: يقع بمحاذاة الحدود السياسية الشرقية لمصر، وهي منطقة حساسة؛ حيث تتقارب حدود أربع دول في دائرة واحدة (مصر، فلسطين، الأردن، السعودية). أما مركز الثقل والخطر، في آن واحد، فهو قطاع الخط الشمالي الذي يبدأ من القسيمة حتى العريش. فهناك تلتقي نهايات محاور سيناء الإستراتيجية الثلاث: العريش (شمالًا)، أبو عجيلة (في الوسط)، والقسيمة (جنوبًا) ؛ وبالتالي فإن هذا الخط يمثل القاعدة الإستراتيجية للدفاع عن مصر.

ب. الخط الثاني: يتجسد في خط المضايق (قلب سيناء)، وأهم أقطابه: ممر متلا (جنوبًا)، ومضيق الجفجافة (شمالًا). وهذا الخط عمومًا غير صالح للاختراق إلا من خلال فتحاته المحدودة، والتي تحد الحركة بين شرق سيناء وغربها، ويعد هذا الخط المفتاح الإستراتيجي الحاكم لسيناء كلها، ومن يسيطر عليه يتمكن من سرعة الاتجاه صوب قناة السويس غربًا.

ج. الخط الثالث: قناة السويس ذاتها، التي تعتبر «عنق الزجاجة الإستراتيجي» دخولًا إلى مصر والخروج منها إلى سيناء.

ويمكن القول إن الأهمية الإستراتيجية لشبه جزيرة سيناء احتلت موقع الصدارة في خريطة التوسع الصهيوني، كما أن معادلة الثقل الإستراتيجي هي: «من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم في سيناء، ومن يسيطر على سيناء يتحكم في خط دفاع مصر الأخير، ومن يسيطر على خط مصر الأخير يهدد الوادي» .

ثالثًا: سيناء عبر العصور القديمة

هناك خلاف بين المؤرخين حول أصل كلمة “,”سيناء“,”، فقد ذكر البعض أن معناها “,” الحجر“,”. وقد أطلقت على سيناء لكثرة جبالها، بينما ذكر البعض الآخر أن اسمها في الهيروغليفية القديمة “,”توشريت“,” أي أرض الجدب والعراء، وعرفت في التوراه باسم “,”حوريب “,” ، أي الخراب. لكن المتفق عليه بين المؤرخين بأن اسم سيناء، الذي أطلق على الجزء الجنوبي من سيناء، مشتق من اسم الإله “,”سين“,” إله القمر في بابل القديمة ؛حيث انتشرت عبادته في غرب آسيا ، وكان من بينها فلسطين، ثم وفقوا بينه وبين الإله « تحوت » إله القمر المصري، الذي كان له شأن عظيم في سيناء، وكانت عبادته منتشرة فيها.

ومن خلال نقوش سرابيط الخادم، والمغارة، يتضح لنا أنه لم يكن هناك اسم خاص لسيناء، ولكن يشار إليها أحيانًا بكلمة “,”بياوو“,” أي المناجم، أو “,”بيا“,” فقطن أي “,”المنجم“,”، وفي المصادر المصرية الأخرى من عصر الدولة الحديثة يشار إلى سيناء باسم “,”خاست مفكات“,”، وأحيانًا “,”دومفكات“,”، أي “,”مدرجات الفيروز“,”.

وقد ظل الغموض يكتنف تاريخ سيناء القديم، حتى تمكن عالم المصريات الإنجليزي الأصل، “,” ويليام ماثيو فلندرس بتري“,”، عام 1905، من اكتشاف اثني عشر نقشًا عرفت “,”بالنقوش السينائية“,”، عليها أبجدية لم تكن معروفة في ذلك الوقت، وفي بعض حروفها تشابه كبير مع الهيروغليفية، وظلت هذه النقوش لغزًا حتى عام 1917 حين تمكن عالم المصريات “,”جرينث جاردنر“,” من فك بعض رموز هذه الكتابة، والتي أوضح أنها لم تكن سوى كتابات كنعانية من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، من بقايا الحضارة الكنعانية القديمة في سيناء .

وتدل آثار سيناء القديمة على وجود طريق حربي قديم، وهو طريق “,” حورس “,” الذي يقطع سيناء، وكان هذا الطريق يبدأ من القنطرة الحالية، ويتجه شمالًا فيمر على تل الحي ثم “,”بير رومانة“,” بالقرب من “,”المحمدية“,”، ومن “,”قطية“,” يتجه إلى العريش، وتدل عليه بقايا القلاع القديمة كقلعة “,”ثارو“,”، ومكانها الآن “,”تل أبو سيفة“,”، وحصن “,”بوتو“,” سيتي الذي أنشأه الملك سيتي الأول، والذي يقع الآن في منطقة “,”قطية“,” .

وخلال العصرين اليوناني والروماني استمرت سيناء تلعب دورها التاريخي، فنشأت بينها وبين العديد من المدن التي سارت على نمط المدن اليونانية علاقات تجارية، والتي كان أشهرها هي مدينة البتراء ، وهي مدينة حجرية حصينة في وادي موسى، كانت مركزًا للحضارة “,”النبطية“,” التي نسبت إلى سكانها من الأنباط ، وهناك خلاف كبير حول أصل الأنباط، والمرجح أنهم من أصول عربية نزحت من الحجاز؛ لأن أسماء بعض ملوكهم كانت أسماء عربية، كالحارث وعبادة ومالك. وقد استخدم النبطيون طرق التجارة، وعدنوا الفيروز في وادي المغارة، والنحاس في وادي النصب، وكانوا يزورون الأماكن المقدسة في جبلي موسى وسربال، كما سكن رهبان من البتراء دير سانت كاترين في صدر العصر المسيحي، وكانت أبرشية فيران -قبل بناء الدير- تابعة لأبرشية البتراء.

كان الفتح الإسلامي مشجعًا لبعض العناصر البدوية في شبه جزيرة العرب للنزوح إلى سيناء والاستقرار بها؛ مما شجع علي انتشار الإسلام بين سكانها، وقد اعتبرتها بعض هذه العناصر نقطة وثوب إلى شمال إفريقيا، فاستقر بعضها بمصر، بينما نزح البعض الآخر إلى بلاد المغرب ، فكانت سيناء أحد أهم المعابر البشرية خلال القرون الأولى من الفتح الإسلامي. وهذه الهجرات التي عبرت سيناء منذ الفتح الإسلامي أخذت تزداد على سيناء خلال العصرين الأموي والعباسي ، ثم أخذت تقل بشكل ملحوظ منذ عصر الطولونيين ؛ نتيجة انهيار النفوذ العربي خلال العصر العباسي الثاني، وتزايد نفوذ عناصر أخرى كالفرس والأتراك .

بدأت مصر مع بداية القرن التاسع عشر أحداثًا جديدة مع تولي محمد علي حكم مصر عام 1805، وكان أهمها إنشاؤه لمحافظة العريش عام 1810 ضمن التشكيلات الإدارية التي وضعها في هذا العام، والتي كانت تمثل أول شكل إداري منظم في سيناء في العصر الحديث، ولها اختصاصات وحدود إدارية، ووضع تحت تصرف محافظ العريش قوة عسكرية لحماية حدود مصر الشرقية، وقوة نظامية لحماية الأمن داخل المدينة. كما أُنشئت نقطة جمركية ونقطة للحجر الصحي (كورنتينة) بالعريش. أما الطور فقد كانت تابعة إداريًّا لمحافظة السويس، بينما أدخلت نخل ضمن إدارة القلاع الحجازية التي كانت تتبع قلم الروزنامة بالمالية المصرية .

وفي العصر الحديث، وبالتحديد في عام 1956، قامت كل من إسرائيل وفرنسا وإنجلترا بعمل هجوم منظم على مصر، فيما يسمى “,” بالعدوان الثلاثي على مصر“,”. وقد قامت المقاومة الشعبية بأعمال بطولية لصد العدوان. أما إسرائيل فأخذت سيناء بالكامل، ولكن صدر قرار من مجلس الأمن آنذاك برد جميع الأرض المحتلة إلى مصر، وعدم شرعية الهجوم على مصر. ومن جانبها قامت إسرائيل في 5 يونيو 1967 بشن هجوم مرة أخرى على مصر وسوريا والأردن ، واحتلت سيناء والجولان والضفة الغربية للأردن.

وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدها الجيش المصري، إلا أنه دخل في حرب الاستنزاف، التي كبدت إسرائيل خسائر كثيرة، وفي ذلك الوقت توفي “,” جمال عبد الناصر “,” في سبتمبر 1970 .

وقد تولى محمد أنور السادات الحكم بعد جمال عبد الناصر، الذي عمل على تسوية مشاكل الدولة الداخلية، وإعداد مصر لخوض حرب لتحرير سيناء. وفي تنسيق مشترك يوم 6 أكتوبر 1973 ، وفي تمام الثانية ظهرًا، نفذت القوات المسلحة المصرية والقوات المسلحة العربية السورية هجومًا على القوات الإسرائيلية، في كل من شبه جزيرة سيناء والجولان. بدأت الحرب على الجبهة المصرية بالضربة الجوية التي شنتها القوات الجوية المصرية ضد القوات الإسرائيلية، وعبرت القوات المصرية إلى الضفة الشرقية ورفعت العلم المصري .

وبعد انتصار أكتوبر المجيد دخل الرئيس أنور السادات في تسوية النزاع العربي الإسرائيلي؛ لإيجاد فرصة سلام دائم في منطقة الشرق الأوسط، فوافق على معاهدة السلام التي قدمتها إسرائيل ( كامب ديفيد ) في 26 مارس 1979 بمشاركة الولايات المتحدة ، بعد أن مهدت لزيارة الرئيس السادات لإسرائيل في 1977، وانسحبت إسرائيل من شبه جزيرة سيناء تمامًا في 25 أبريل 1982، مع الاحتفاظ بشريط طابا الحدودي، واسترجعت الحكومة المصرية هذا الشريط فيما بعد، بناءً على التحكيم الذي تم في محكمة العدل الدولية فيما بعد.

رابعًا: سيناء وأزمة التنمية واللاهوية

تشير الدراسات الحديثة إلى تراجع معدلات التنمية في سيناء، رغم تعدد خطط تطويرها، التي لم تسفر عن الكثير ، وأكدت دراسة أعدها مركز الدراسات المستقبلية، التابع لمجلس الوزراء، تدني أوضاع التنمية في سيناء، إلى جانب استمرار وجود العديد من صعوبات الاستثمار هناك، ورصدت الدراسة بعدًا خطيرًا، وهو وجود قطاع كبير من أبناء سيناء لا يستطيعون استخراج جوازات سفر إلا بعد تقديمهم إثباتًا لهويتهم المصرية، وأوضحت أن بيانات حديثة، صادرة عن أحد البحوث على عينة من ٦٠ ألف مواطن، أظهرت أن نحو ٢٦% من سكان سيناء ليست لهم بطاقات شخصية أو رقم قومي، وهو ما يكشف أنهم لا يحملون الجنسية المصرية .

وقدمت الدراسة رؤية إستراتيجية للتنمية تحت عنوان “,”رؤية مستقبلية لتنمية سيناء“,”، وتضمنت تحقيق نمو متوازن، يجمع بين اعتبارات الكفاءة الاقتصادية في تخصيص الموارد والعدالة الاجتماعية، إلى جانب إحداث التكامل والتنسيق بين برامج التنمية ومشاريعها في شمال سيناء ووسطها وجنوبها، وإعطاء دفعة قوية للمناطق الواعدة الغنية نسبيًّا؛ لتوفير مزيد من فرص العمل للسكان الأصليين، وتشجيع الهجرة السكنية من وادي النيل .

وطالبت بإعطاء أولوية متقدمة لتنمية وسط سيناء، وإعداد برامج لحفز الاستثمارات الخاصة في المنطقة، من خلال تبني مفهوم المشروعات القومية الكبرى كمراكز أو نقاط جذب .

وأشارت الدراسة إلى أن تنمية سيناء كانت جزءًا من الرؤية المستقبلية لمصر عام ٢٠٣٠، التي تعتمد على هدفين رئيسيين، الأول تحقيق العدالة الإقليمية بين مناطق الوطن وجهاته الجغرافية وتنمية المناطق المهمشة في سيناء ومحافظات الصعيد، والآخر تحقيق المواطنة وبناء التكامل الوطني ومكافحة كل صور التمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون . وقد تضمنت أهداف الإستراتيجية تكثيف الاستيطان البشري في وسط سيناء والشريط الحدودي من فلسطين، وإيجاد تجمعات سكانية تصل إلى نحو ٣.٥ مليون نسمة عام ٢٠٠٧، ليرتفع العدد إلى ٧ ملايين عام ٢٠٣٠؛ بما يقلل الضغط على الدلتا والوادي .

كما تشمل الأهداف وضع خريطة رقمية للمناطق الصناعية المقترحة في المنطقة، فضلًا عن دعم القدرة التصديرية لمنطقة سيناء، سواء في المجال السلعي أو الخدمي، خاصة في مجال الحاصلات الزراعية .

وشملت الإستراتيجية تشجيع إقامة المشروعات الصغيرة غير التقليدية والصناعات الحرفية اليدوية والتراثية بالمناطق الجديدة، وفتح منافذ تصدير منتجاتها للخارج، فضلًا عن نشر التوعية البيئية السلمية، والاستخدام الأمثل للثروات الطبيعية والمحميات .

ورصدت الدراسة مشروع “,”تنمية سيناء“,”، الذي تم وضعه عام ١٩٩٤، وأقره مجلس الوزراء، والذي يشمل رؤية متفائلة بشأن التنمية، لكن المشروع لم يتحقق على أرض الواقع، وصدر تقرير من مجلس الشورى عام ٢٠٠٧/٢٠٠٨ ليكشف عن حجم التدهور في تحقيق المخطط؛ حيث بلغ ٧٠ % في قطاع الزراعة، و٦٦% في قطاع الصناعة والتعدين والبترول، و٨٣% في قطاع السياحة، أما المستهدف العمراني فلم يتحقق منه سوى ٥% في الصرف الصحي، و٣ % في الخدمات التجارية والمصرفية.

ورصدت الدراسة التحديات التي تواجه التنمية في سيناء، ويأتي في مقدمتها الموقع الجغرافي لشبه الجزيرة، حيث تقع على خط التماس مع “,”الخطر الخارجي“,”، إلى جانب تباعد المسافات بين التجمعات البدوية والقبلية بعضها البعض، بالإضافة إلى الطبيعة غير المتجانسة لسكان سيناء، الذين يتوزعون بين أغلبية٧٠% من البدو، وأقليات فلسطينية وبوسنية وأخرى وافدة من وادي النيل. وأشارت إلى قسوة الظروف الجغرافية من حيث السطح والتضاريس والسيول، لافتة إلى تعرض شمال سيناء للسيول، التي تعتبر إحدى المشاكل البيئية في المناطق الصحراوية والساحلية، فضلًا عن غياب أي أنظمة متكاملة لاستغلال المياه، أو برامج للاستفادة من المياه التي تتجمع أمام السدود .

وذكرت أن السدود الحجرية المقامة على الوديان الرئيسية تسببت في توقف سريان الوديان؛ مما أثر على تغذية الخزانات الجوفية بمناطق الشمال ومنها وادي العريش . ورصدت الدراسة تآكل الشواطئ الشمالية، وأرجعتها إلى المشروعات المقامة على الشاطئ دون مراعاة للشروط البيئية، حيث إن جميع المشروعات السياحية والصناعية التي أقيمت على شاطئ البحر تمت دون دراسة؛ وهو ما أدى إلى تدهور بنسبة٨٠% من شاطئ العريش .

وعلى الرغم من تراجع عدد المشروعات المقامة في سيناء، فإن التقرير رصد تلوثًا للبيئة، نتيجة المخلفات الصلبة والسائلة التي تسببت في تلوث المياه السطحية والجوفية والبحرية، ومن ثم التربة؛ بما يشكل تهديدًا على الصحة العامة وعائقًا لمخطط التنمية .

ومن التحديات التي رصدتها الدراسة، والتي تقلل من إمكانية التنمية الاقتصادية التباينات الديموجرافية التي تساهم في تعميق التفاوت الاقتصادي والاجتماعي، حيث يعيش نحو٨٠% من سكان سيناء على طول الساحل من بئر عبد على رفح، مشيرة إلى تراجع نصيب الفرد في سيناء من الاستثمارات الحكومية ومساعدات الدول المانحة بالمقارنة للقاهرة . وأشارت إلى أن هناك تحيزًا بالنسبة للاستثمار جاء لغير صالح المستثمرين في سيناء، منوهة بأن هناك ضعفًا في التسهيلات الائتمانية وصعوبة الحصول على قروض للمستثمرين، منتقدة استمرار توجيه البنوك قروضها للمشروعات السياحية فقط، فضلًا عن عدم توافر المرافق والبنية الأساسية، وهو ما يحتاج إلى استثمارات ضخمة لا يمكن أن يتحملها المستثمر، لافتة إلى زيادة معدل البطالة والهجرة، خاصة بين شباب البدو، حيث بلغت نسبتها ٦.٤% في شمال سيناء مقابل ٤.٦% في جنوب سيناء، وهو ما يؤدي إلى زيادة معدل الإعالة، مؤكدًا تفاوت مؤشر التنمية البشرية في سيناء للدرجة التي وضعت شريحة من السكان تحت خط الفقر .

وانتقلت الدراسة إلى قضية تمليك الأراضي في سيناء، معتبرة أنها أحد أهم معوقات الاستثمار والتنمية هناك، وذكرت أن القرار الخاص باستبدال تمليك الأراضي بحق الانتفاع لمدة ٩٩ عامًا أدى إلى إحجام المستثمرين عن التوجه للاستثمار هناك، داعية إلى وجود مصالحة وطنية بين أهالي سيناء، خاصة أن خضوع الأراضي للسلطات الرسمية للدولة يعتبره الأهالي اغتصابًا لأراضيهم؛ وهو ما يؤثر على انتمائهم . ودعت إلى التوسع في التسهيلات الممنوحة للمستثمرين الراغبين في إقامة مشروعات الأسمنت والزجاج والجبس والصناعات التعدينية، على اعتبار سيناء منطقة ذات طبيعة خاصة تعاني من عدم قدرتها على جذب رءوس الأموال الأجنبية والعربية .

وأخيرًا، شددت الدراسة على أهمية تفعيل دور الأجهزة المعنية لتنمية سيناء، وإنشاء هيكل إداري مستقل يتولى تبعات إدارة التنمية في سيناء، إلى جانب دعم اللامركزية الإدارية والمالية، وتفعيل مبدأ التخطيط بالمشاركة لبرامج التنمية في سيناء .

خامسًا: خريطة الجماعات الم تطرفة في سيناء

ساهمت البيئة البدوية والأيدلوجيات الفكرية المحيطة والإهمال التنموي واتفاقية كامب ديفيد، في خلق بيئة تسمح بتعايش أصحاب الاتجاهات المتشددة والأفكار المتطرفة بمنطقة شمال سيناء؛ مما جعل سيناء تجمع ما بين مناخ ملائم لنمو التطرف، ومنطقة لتصدير الإرهاب. حيث أصبحت السيطرة على أصحاب الأفكار المتشددة والجماعات المتطرفة أمرًا من الصعب تحقيقه، وهو ما دفع جماعات الجهاد المسلح، بمختلف انتماءاتها الفكرية، من فرض سطوتها على المنطقة وإعلانها إمارة إسلامية وفرض السيادة عليها.

ومن الأهمية القول، إن هذه الجماعات غير معروفة بدقة من حيث التنظيم والانتشار والكثافة العددية، ولكنها معروفة من حيث الأفكار والأيدلوجيات. وقد بدأت تعلن عن نفسها ومسئولياتها عن الحوادث التي ترتكبها بشكل صريح، مستغلة في ذلك حالة الفراغ الأمني التي تعيشها منطقة الشريط الحدودي، وانشغال الجيش والشرطة في حماية الأمن الداخلي للبلاد.

وتحاول بعض هذه الجماعات تبرئة يدها من دم الشهداء من رجال الجيش والشرطة، اللذين استشهدوا في حوادث إرهابية متفرقة خلال الفترة الماضية؛ باعتبار أن عقيدتهم هي حمل السلاح تجاه العدو الصهيوني فقط وليس في وجه الجنود المصريين. وهو ما أكده “,”بيان مجلس شورى المجاهدين“,”، التي أعلنت عن نفسها عبر مقطع فيديو بثته على موقع يوتيوب عقب تنفيذ عملية داخل الحدود الإسرائيلية، والذي اسفرت عن إصابة جندي إسرائيلي ومقتل منفذي العملية. وقد تباين موقف الجماعات الإسلامية في سيناء بين التنديد والإعلان بشكل واضح عن أي اعتداء على الجيش المصري أو الاكتفاء والتنصل منها والإعلان عن عدم المسئولية عنها.

وفي الواقع، تنقسم الجماعات الإسلامية المنتشرة في سيناء إلى أربعة أقسام:

1. التيار السلفي :

وهو أقدم التيارات الإسلامية وأوسعها انتشارًا بمختلف مناطق سيناء. وقد تأسس أواخر السبعينيات على يد القيادي أبو إسلام. ويطلق أتباع هذا التيار على أنفسهم عدة مسميات أبرزها: “,”الجماعة السلفية“,” أو “,”أهل السنة والجماعة“,”. وتنتهج الجماعات السلفية الفكر السلفي السلمي المعروف في أنحاء الجمهورية. ويحظى هذا التيار بشعبية كبيرة بين بدو سيناء؛ نظرًا لاقترابه من الطبيعة البدوية التي تميل إلى التدين والزهد والتقشف.

وتتدرج أفكار هذه الجماعات من الوسطية إلى التشدد، لكنها لا تقبل حمل السلاح والقتال. لكنهم يدعمون القضية الفلسطينية بصور أخرى مختلفة، منها جمع التبرعات ونقل البضائع والمواد الغذائية عبر الأنفاق وصولاً إلى نقل السلاح. وشهدت المنطقة الحدودية المتاخمة لغزة اعتقال العديد من قيادات التيار السلفي لعملهم في تهريب السلاح إلى حركة حماس عبر الأنفاق، خاصة في فترات الحصار وغلق المعابر.

وتنتشر الجماعات السلفية بمعظم مدن سيناء، وإن كان الانتشار يتضاعف في منطقة الشريط الحدودي، لكن وسطية فكر هذه الجماعات ومنهجها يجد له أرضًا خصبة في مدن ومراكز سيناء الغربية، مثل مركز بئر العبد، أقرب مراكز سيناء لمحافظة الإسماعيلية. وينتشر أصحاب الفكر السلفي في المدن والمراكز الرئيسية، ويتمركزون بشكل أساسي في مدينة العريش، إضافة إلى مدن الشريط الحدودي، رفح والشيخ زويد، فضلاً عن مراكز وسط سيناء.

الجدير بالذكر، أن عددًا من المنتمين لهذه الأفكار يدير أنفاقًا تنتشر بطول الشريط الحدودي مع مدينة غزة، ويشرفون على نقل البضائع إلى الجانب الآخر من منطلق ديني بالأساس. وفي مدينة رفح المصرية، أكد أحد أصحاب الأنفاق، والذي عرف نفسه بأنه “,”سلفي“,”، أن “,”فك الحصار عن أهالي غزة جهاد أعظم من حمل السلاح في معركة غير متكافئة مع العدو الصهيوني“,”.

ويقوم أعضاء الجماعات السلفية بمنطقة وسط سيناء، بتنظيم بعض الأنشطة الخيرية، خاصة في المناسبات الدينية بقرى وسط سيناء الفقيرة، ويتولى رموز التيار السلفي بهذه المناطق إدارة الجمعيات الشرعية التي تعمل على حل الخلافات العائلية والقبلية، ويحظى قادة التيار السلفي باحترام أبناء سيناء وتقديرهم، على عكس بعض الجماعات الأخرى التي تثير خوف الأهالي، خاصة الجماعات التكفيرية التي تميل إلى العنف .

2. الرايات السوداء:

هي إحدى الجماعات الإسلامية المتواجدة في سيناء. وقد بدأت نشاطها بـ“,”وسط سيناء“,” و“,”الشريط الحدودي“,”، وأعلنت عن نفسها في «العريش»، وهي جماعات تتبنى أفكارًا قائمة على تكفير الحاكم الذي لا يطبق شرع الله، وتنسحب على من دونه من أركان نظام حكمه، وصولًا إلى قاعدة المجتمع البعيدة عن شرع الله، ونشطت هذه الجماعة في عقد التسعينيات. ويمكن القول بأن هناك تشابهًا كبيرًا في أفكار الجماعات التكفيرية المختلفة، وذلك دون أن يجمعها إطار تنظيمي واحد.

ويطلق أهالي سيناء على أعضاء هذه التنظيم اسم “,”التكفير والهجرة“,”، أو “,”التكفيريين“,”، وتنتشر هذه الجماعات بالمنطقة الحدودية ووسط سيناء، بل في بعض المناطق بمدينة العريش، حيث أعلنت إحدى هذه الجماعات عن نفسها بعد ثورة يناير، مستغلة حالة الفراغ الأمني التي عانت منه سيناء، وأطلقت على نفسها اسم “,”تنظيم الرايات السوداء“,”.

ولا ترى الجماعات التكفيرية غضاضة في استهداف المدنيين، كونهم أبناء مجتمع كافر لا يقيم حدود الله، وتسبب بعضها في إثارة الفزع بمناطق مختلفة بالعريش خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد تعديها على بعض المواطنين وأصحاب المحال، ودعوة بعضها لتطبيق الشريعة بالقوة؛ لذلك لا يحظى أبناء هذه الجماعات بأي تعاطف من أبناء سيناء.

وينتشر العدد الأكبر من هذه الجماعات في المنطقة الحدودية، خارج المدن، وفي منطقة الوسط. وتمتلك معظم هذه الجماعات أسلحة، لكن بشكل غير تنظيمي، ودون تدريب منظم كالذي تتلقاه الجماعات الجهادية. وتميل معظم الجماعات التكفيرية في سيناء إلى الانغلاق على نفسها، ولا تميل إلى الاتصال تنظيميًّا بأي جماعات إسلامية أخرى، وتقوم أفكارها على تكفير جنود وضباط الشرطة والجيش بشكل واضح، باعتبارهم جنود الحاكم الكافر، وأدواته لتوطيد حكمه المخالف للدين والشريعة، حسب أفكارهم، لكنهم لم يعلنوا مسئوليتهم عن أي من العمليات التي استهدفت قوات الجيش والشرطة بالمنطقة الحدودية على مدار الأشهر الأخيرة، وإن أشارت أصابع الاتهام إليهم في بعض الحالات .

3. الجماعات الجهادية:

تنتشر في “,”رفح“,” و“,”الشيخ زويد“,” وتتلقى تدريبات عسكرية شبه منتظمة وتنقل السلاح للجهاديين الفلسطينيين.

تلك الجماعات تتبنى أفكار تنظيم القاعدة، لكنها لا تتصل بها تنظيميًّا، وتقترب أفكار هذه الجماعات من فكر الجماعة الإسلامية فيما يخص الجهاد باعتباره الفريضة الغائبة عن حياة المسلمين. والهدف من الجهاد من وجهة نظر هذه الجماعات إقامة الدولة الإسلامية، وإعادة الإسلام إلى المسلمين، ثم الانطلاق لإعادة الخلافة الإسلامية من جديد، وذلك حسبما أكد أحد أعضاء هذه الجماعات، ولا تأخذ الجماعات الجهادية في سيناء شكلًا تنظيميًّا واحدًا، حيث يتواجد على أرض سيناء عدد كبير من الجماعات الجهادية مختلفة المسميات والأهداف، أشهرها وأكبرها “,”الجهاد والتوحيد“,”، و“,”أنصار الجهاد“,”، و“,”السلفية الجهادية“,”، وأحدثها تنظيم “,”مجلس شورى المجاهدين- أكناف بيت المقدس“,”.

ويجب الإشارة هنا إلى أن أعضاء هذه الجماعات يحملون السلاح، ويتلقون تدريبات عسكرية شبه منتظمة على يد بعض أعضاء الجماعات الجهادية الفلسطينية، حيث يتصل عدد من هذه الجماعات بجماعات جهادية فلسطينية، خاصة أن عددًا كبيرًا من المنتمين للجماعات الجهادية الفلسطينية كان ينتقل لسيناء هربًا من الحصار، أو للتدريب في بعض المناطق الصحراوية البعيدة عن أي رقابة بوسط سيناء، فضلًا عن تعاون الجماعات الجهادية الفلسطينية مع نظيرتها المصرية في نقل السلاح لغزة عبر الأنفاق، وفي إخفاء بعض عناصرها حال توتر الأوضاع بالقطاع.

وشهدت سيناء في الأشهر الأخيرة إعلان عدد من التنظيمات الجهادية المرتبطة بتنظيمات جهادية فلسطينية عن وجودها بشكل رسمي، وإعلان بعضها مسئوليته عن تنفيذ بعض العمليات داخل الحدود الإسرائيلية، وتنتشر معظم الجماعات الجهادية في منطقة الشريط الحدودي، خاصة مدينتي رفح والشيخ زويد، وفي منطقة الوسط، وترتبط فكرة الجهاد عند هذه الجماعات بالقضية الفلسطينية بشكل أساسي، لكن بعض الجماعات الجهادية انحرفت عن هذه الأفكار إلى فكرة تكوين إمارة إسلامية مركزها سيناء؛ لتكون نواة لدولة الخلافة، وينسب إلى هذه الجماعات -مع بعض الجماعات التكفيرية-استهداف نقاط وكمائن الشرطة منذ بداية ثورة يناير لمنع عودة الأمن إلى رفح والشيخ زويد، لإحكام سيطرتها على منطقة الشريط الحدودي استعدادًا لإعلان الإمارة، حيث وصل عدد الهجمات التي تعرضت لها الأكمنة والنقاط الأمنية التابعة لوزارة الداخلية إلى أكثر من 20 هجومًا، بالإضافة إلى الهجمات الأخيرة التي استهدفت النقاط التابعة للقوات المسلحة.

واللافت للنظر، أنه لم تعلن الجماعات الجهادية، حتى الآن، موقفًا واضحًا من العمليات التي تستهدف نقاط التأمين والكمائن التابعة للشرطة أو للقوات المسلحة، وإن نفى بعضها مسئوليته عن الحادث الأخير الذي استهدف نقطة حرس الحدود قرب قرية الماسورة بمدينة رفح، دون أن يعلن موقفه من استهداف جنود الجيش المصري، ودون أن يصف أيًّا من ضحايا الحادث بـ“,”الشهداء“,” أو يستنكر الهجوم عليهم بأي شكل .

ومن هذه الجماعات الجهادية:

1) جماعة التوحيد والجهاد:

تأسست هذه الجماعة عام 2002 على يد الطبيب خالد مساعد (لقي مصرعة في مواجهه أمنية)، وتعتنق فكرًا تكفيريًّا جهاديًّا قائمًا على التوسع في عملية التكفير. ولا شك أن منشأ هذا الفكر أساسًا بالعراق وانتقل إلى فلسطين ثم إلى سيناء.

وقد قامت عناصر هذا التنظيم بعدة عمليات إرهابية من قبل في المدة بين عامي (2004-2006)، استهدفت من خلالها بعض المناطق السياحية بمنطقة جنوب سيناء، خاصة تلك التي يتردد عليها سائحون من إسرائيل (طابا/ شرم الشيخ/ دهب). ومن أشهر قادة عناصر هذا التنظيم حاليًّا “,”حمادة أبو شتية“,”، والذي سبق ضبطه في الأحداث المنوه عنها، وقد تم إخلاء سبيله“,”، وكذا “,”أبو منذر الشنقيتي“,” والذي أصدر فتوى بتكفير الرئيس محمد مرسي وحكم الإخوان.

وهناك عدة قرائن على أن التنظيم على اتصال ببعض العناصر الجهادية التكفيرية بغزة، وأبرزها: جيش الإسلام بقيادة “,”ممتاز دغمش“,”، و“,”ألوية صلاح الدين“,”، و“,”أسلاف بيت المقدس“,”، ويتلقى منهم الدعم اللوجستي والتدريبي. وقد تورطت عناصر هذا التنظيم في الهجوم على قسم ثاني العريش في منتصف العام الماضي؛ مما أدى إلى مصرع ضابط بالقوات المسلحة. وقد حكم على 14 من عناصره بالإعدام، إلا أنه لم يتم التصديق على هذا الحكم حتى الآن. وقد أباح مفتي هذا التنظيم إمكانية السفر إلى سوريا للجهاد ضد نظام الأسد.

2) السلفية الجهادية:

مجموعة جهادية تنتهج الفكر القطبي القائم على التكفير وعلى صلة بالتنظيم الأم في غزة بقيادة
أبو الوليد المقدسي (هشام السعدني)، والذي لقي مصرعة مؤخرًا إثر قذف من قوات الاحتلال. وقد أعلنت تلك الجماعة عن نفسها في أعقاب وفاة 6 من عناصرها في مواجهة مع القوات المسلحة القائمة على تنفيذ العملية نسر.

ولقد أصدرت الجماعة بيانًا شديد اللهجة مفاده أنها ستقوم بقتال الجيش في حال استمرار العمليات بهذة الطريقة في شمال سيناء، وأفصحت أنها تمتلك القدرة والعتاد على مواجهة الجيش حتى عشرين عامًا. وقد صدرت مؤخرًا، من أحد قيادتها، المدعو أحمد عشوش (وهو من قيادات تنظيم طلائع الفتح بالبحيرة)، فتوى بتكفير الحاكم.

3) مجلس شورى المجاهدين (أكناف بيت المقدس):

سبق أن أعلنت مسئوليتها عن إطلاق صاروخين “,”جراد“,” على مدينة إيلات بإسرائيل، وأنها تمتلك أسلحة ثقيلة. كما سبق أن تبنت العملية التي استهدفت دورية تابعة لجيش الاحتلال داخل الحدود الإسرائيلية في ١٨ يونيو الماضي عبر شابين مصري وسعودي، وتحدّث منفذا العملية وكادرا هذه الجماعة عن تفاصيل العملية في مقطع فيديو تم نشره عبر موقع يوتيوب، وتناقلته المواقع الجهادية المصرية والفلسطينية على نطاق واسع بمجرد نشره في 19 يونيو، بعد يوم واحد من تنفيذ العملية، كما تبنت الجماعة نفسها التفجير الأخير لخط الغاز قرب مدينة العريش.

4) الخلايا النائمة

هي جماعات إسلامية تنتهج خليطًا من الأفكار السلفية والجهادية والتكفيرية، لكن معظمها لا يعمل بشكل تنظيمي، ولا يوجد بينها رابط فكري. وتنتشر هذه الجماعات بمناطق مختلفة في سيناء، بدءًا من مدينة (بئر العبد) البعيدة عن سيطرة الجماعات الإسلامية المعروفة، وصولًا إلى منطقة الشريط الحدودي، مرورًا بمنطقة وسط سيناء، وحتى مدينة العريش.

واللافت، أن هذه الجماعات لا تعلن عن نفسها تنظيميًّا، حيث تظهر في صورة مجموعات صغيرة من الإسلاميين، تواظب على الاجتماع بشكل منظم، وتعد الأكثر خطرًا بين الجماعات الإسلامية؛ لأنها يسهل تنشيطها للعمل المسلح ودفعها لتنفيذ عمليات جهادية بمجرد وجود من ينظم أفكارها أو يوفر لها الدعم، سواء من ناحية التمويل أو التدريب؛ وبالتالي يمكن استغلالها بسهولة في تنفيذ عمليات ضد أي أهداف داخل سيناء أو خارجها، وقد تكون متورطة في العملية الأخيرة التي استهدفت نقطة قوات حرس الحدود بقرية الماسورة؛ لأنها عملية نوعية مقارنة ببقية العمليات التي استهدفت قوات الأمن بسيناء خلال الأشهر الماضية .

سادسًا: العلاقة بين النظام السياسي الجديد والجماعات الإرهابية

بمجيء الدكتور محمد مرسي سدة الحكم في مصر عمل على: أولاً، تشكيل لجنة برئاسة القيادي من تنظيم الجهاد محمد غزلاني؛ للاتصال بالقيادات الجهادية في سيناء. ثانيًا، إعادة انتشار القوات المسلحة في شمال سيناء ووقف عملياتها لبعض الوقت بهدف إنجاح تلك الاتصالات.

ونافلة القول، تعد تصريحات محمد غزلاني، لجريدة الوطن في 18 أكتوبر 2012، كاشفة لتواجد الجماعات الجهادية وللوضع في سيناء. ومن هذه التصريحات يمكن استخلاص أربع نقاط مثيرة:

1. إن فكر تنظيم القاعدة موجود بقوة في سيناء، وأن السلفية الجهادية والتوحيد والجهاد، وغيرهما من التنظيمات الجهادية المنتشرة هناك، تعتنق أفكار القاعدة من ناحية، وتتبنى إعادة إحياء الخلافة الإسلامية وتطبيق شرع الله من ناحية ثانية، كما أنها تؤمن بفريضة الجهاد من ناحية ثالثة.

2. إنه لا توجد أية اتصالات أو تنسيق بين الجهاديين في سيناء والتنظيم العالمي، ولا يوجد ارتباط تنظيمي بين الجانبين .

3. إن تنظيم القاعدة لن يشن هجمات على أية أهداف في مصر، ولن يهاجم المنشآت الأجنبية، بما فيها الأمريكية والإسرائيلية؛ حتى لا يؤثر ذلك على استقرار مصر والنظام الإسلامي الذي يقوده الرئيس محمد مرسي. وإن تنظيم القاعدة وجميع التنظيمات الجهادية لها مصلحة كبرى في استقرار ونجاح تجربة الحكم الإسلامي الجديدة .

4. ضرورة استمرار الحوار مع الشباب المجاهد في سيناء لإقناعه بالالتزام بالضوابط الشرعية وتهيئتهم للجهاد، وعدم التسبب في زعزعة النظام الإسلامي الوليد في مصر .

وعلى الرغم مما سبق، من تأكيدات بأنه لن يكون هناك استهداف أو هجوم على منشآت في الأراضي المصرية، فقد كشف تحديد خلية مدينة نصر، في 24 أكتوبر 2012، عن خداع القيادات الجهادية لأعضاء اللجنة المكلفة من قبل مؤسسة الرئاسة. ففي الوقت الذي أكدت فيه الجماعات الجهادية بأنها كانت توجه عملياتها ضد العدو الصهيوني، كانت تعد العدة لهجمات ضد منشآت حيوية مصرية داخل العمق في محافظة القاهرة، حيث اكتشف وجود علاقات تنظيمية وتدريبية بين تنظيمات سلفية موجودة في سيناء وأخرى موجودة في غزة، من بينها “,”كتائب أنصار بيت القدس“,” وغيرها، وأن خلية مدينة نصر هي جزء من تنظيم «جند الله» التابع تنظيميًّا للقاعدة، وأن حجم تسليح الخلية يؤكد التخطيط لعمليات إرهابية كبرى .

إن دلالات ما حدث يشير إلى أن بعض الجماعات الجهادية، التي تعد امتدادًا مباشرًا لتنظيم القاعدة، اتخذت قرارها بالمواجهة مع نظام الحكم الجديد، بالرغم أن رأس النظام يمثل التيار الإسلامي والذي يرفع أيضًا شعار تطبيق الشريعة الإسلامية. ووفقًا لما قاله القيادي الجهادي أحمد عشوش، لجريدة الشروق 30 أكتوبر 2012: “,”إن السلفية الجهادية لا تعترف بشرعية الرئيس مرسي؛ لأنه انتخب بطريقة غير شرعية، ولم يعلن حاكمية الكتاب والسنة، وأن الجماعة السلفية الجهادية تدعوه إلى التوبة، وأنها امتداد لتنظيم القاعدة في عقائده ومبادئه ورافد من روافد التيار الجهادي العالمي، وتؤمن بأن نصرة الإسلام لا تكون إلا بكتاب هادٍ وسيف ناصر“,”.

هذه التأكيدات نفسها قال بها أيضًا الشيخ الجهادي محمد جمال الكاشف، الشهير بأبو أحمد، قبل يومين من نشر الحوار مع أحمد عشوش، وهو نفسه الذي قاد تدريبات لعناصر قاعدية ليبية كانت مسئولة عن الهجوم على السفارة الأمريكية في بني غازي 11 سبتمبر 2012 الماضي، والتي راح ضحيتها السفير الأمريكي.

ويجب الإشارة إلى أن الجامع المشترك بين الشيخين الجهاديين أنهما من الذين تم الإفراج عنهم قبل أربعة أشهر بقرار من الرئيس مرسي، وأن لهما صلات عابرة للحدود .

سابعًا: سيناء والأمن القومي المصري في بيئة مغايرة

لقد شهدت سيناء خلال الفترة الأخيرة تطورات مهمة تمثل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي المصري‏، ولقد شارك في هذا التهديد العديد من القوى التي أصبح لديها مصالح في استمرار الوضع المتردي أمنيًّا داخل سيناء لتحقيق أهدافها الإستراتيجية. ونجحت هذة القوى المختلفة (بدو سيناء/ الجماعات الجهادية/ حماس/ إسرائيل/ إيران) في استخدام أراضي سيناء لتكون منطقة ملتهبة تهدد الجيران وتصدر الإرهاب بصورة أوشكت على دفع مصر إلى تداعيات تهدد سيادتها وأمنها القومي بسيناء. ومن هنا كانت أهمية الوقوف على دور كل منها في أحداث سيناء وتأثيرها على الأمن القومي المصري، وذلك على النحو التالى:

1. بدو سيناء:

لقد قام البعض من بدو سيناء من المرتبطين بالجماعات الإرهابية الجهادية بالعديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت فيها مستودعات الذخيرة والأسلحة التي تعرضت للسرقة والنهب، وإشعال النيران في مراكز الشرطة وفتح السجون وإطلاق سراح المئات من بدو سيناء من المتهمين في قضايا جنائية وسياسية. منها على سبيل المثال:

§ قطع الطريق المؤدية إلى معبر العوجة التجاري على الحدود مع إسرائيل.

§ وضع حواجز على الطرق على المحور الرئيسي بشبه جزيرة سيناء لإظهار سيادتها العسكرية.

§ الهجوم على مراكز الشرطة بسلاح “,”آر بي جي“,” بمدينة العريش.

§ قطع الطريق المؤدية إلى القاعدة الرئيسية للقوى متعددة الجنسيات (قوات حفظ السلام).

§ اختطاف رجال شرطة مصريين.

§ اختطاف أجانب (سياح).

§ تفجير خط أنابيب الغاز الذي يمد إسرائيل والأردن بالغاز الطبيعي 16 مرة تقريبًا.

§ التعدي على قاض أصدر حكمًا بالسجن لمدة 7 سنوات على أحد المتهمين من البدو في قضية مخدرات، وتحطيم المحكمة، ووضع القاضي في قفص الاتهام بدلاً من المتهم الذي أطلق سراحه.

§ تفجير ضريح الشيخ زويد.

§ اغتيال بعض أفراد الشرطة والقوات المسلحة.

§ تنظيم مظاهرات مسلحة للاحتجاج على سوء معاملة السلطات المصرية ومطالبتها بإقالة المحافظ ومدير الأمن والاعتراف بملكيتهم للأرض، وإلغاء القائمة المدرج عليها عشرة آلاف بدوي من المطلوبين أمنيًّا وإطلاق سراح البدو المعتقلين.

§ تهجير الأقباط المقيمين برفح والشيخ زويد إلى مدينة العريش.

لقد ساعد هذا السلوك الإجرامي الإرهابي بدو سيناء في فرض هيمنتهم على منطقة رفح والشيح زويد والتي أصبحت خارج السيادة المصرية.

2. الجماعات الجهادية:

قامت الجماعات الجهادية -في إطار فرض سيطرتها على مقدرات الأمور بشمال سيناء- بالعديد من العمليات التي تحقق من خلالها مناخًا يسمح لها بإعلان الإمارة الإسلامية بسيناء، وذلك من خلال الآتي:

§ استعراض عسكري يجوب شوارع العريش رافعين البنادق الآلية لترويع المواطنين، وينتهي المشهد بضرب قسم ثاني شرطة العريش بطلقات “,”آر-بي-جي“,”، ويستشهد البعض من المواطنين ورجال الشرطة، والإعلان عن ميلاد الإمارة الإسلامية في شمال سيناء.

§ تشكيل لجان لفض المنازعات بين أهالي رفح والشيخ زويد والعريش من خلال محاكم شرعية يديرها ويحكم فيها مشايخ السلفية؛ لتكون بديلاً عن المجالس القبلية العرفية. وكذا تشكيل لجنة لرد المظالم بعد اختفاء الحكومة حتى ولو كان ذلك باستخدام القوة. كما شكلوا مجموعات تضم ستة الآف فرد كلهم مسلحون؛ ليتولوا فرض الأمن داخل المدن، وتضم كل لجنة خمسة أفراد، وأن هناك لجنة عليا، هي لجنة الحكماء، تكون بمثابة استئناف يتم الرجوع إليها إذا لم تتوصل اللجنة الأولى لحل المشكلة (جاء على لسان الشيخ سليمان أبو أيوب – أحد مؤسسي الجماعة السلفية بسيناء).

§ تصاعد في نشاط الجماعات السلفية الجهادية، وبالأخص تنظيم جيش الإسلام، والذي يقوم بدفع مجموعات من عناصرة المسلحة لسيناء للتخطيط والتنفيذ لعمليات إرهابية ضد السائحين أو التسلل لإسرائيل لتنفيذ عمليات تخريبية بأراضيها.

3. حركة حماس:

تلعب حركة حماس دورًا كبيرًا ومؤثرًا في الوضع الذي وصل إليه الحال في سيناء الآن. فلقد تم رصد العديد من الأنشطة والعمليات الإرهابية التي تشير أصابع الاتهام لدور حركة حماس فيها:

§ وجود أعداد من الفلسطنيين من قطاع غزة من بينهم عناصر تنتمي لجماعات جهادية على صلة بحركة حماس تمكنوا من التسلل عبر الأنفاق لشمال سيناء يحملون أوراق وجوازات سفر مزورة تمكنهم من التنقل داخل البلاد.

§ تصاعد حركة تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة عبر أنفاق سيناء والقادمة من ليبيا والسودان، من بينها أسلحة ثقيلة، وذلك بالتنسيق بين حركة حماس والجماعات في سيناء. حيث تستفيد الأخيرة من تخزين تلك الأسلحة بالمناطق الوعرة والمؤمنة تلقائيًّا كجبل الحلال.

§ يرتكز عدد كبير من نشطاء حماس العسكريين في سيناء. وتشير معلومات بعض الأجهزة الاستخباربية الأجنبية إلى قيام حماس بإنشاء مكتب عمليات سري في القاهرة (فضلت السلطات المصرية أن تتجاهله)، وهذا المكتب متصل بقيادة «كتائب عز الدين القسام» في غزة، وأن شبكة حماس في سيناء مسئولة عن نقل أسلحة إلى غزة معظمها مهرب من إيران عبر السودان إلى مصر، ومنها إلى قطاع غزة، عن طريق شبه جزيرة سيناء، وأخرى من دول البلقان، وأن هذا التدفق للأسلحة (والذي يشمل صواريخ فجر 3، فجر 5 المتقدمة القادرة على الوصول إلى مشارف تل أبيب، وأضيف إليها معدات مهربة من ليبيا، مثل الصواريخ الروسية المتطورة من طراز
SA-14, SA-16, SA-18 المضادة للطائرات، والتي يمكن أن تشكل تهديدًا على الطائرات الإسرائيلية ومطار إيلات. كما أصبحت صواريخ الجيل الثالث المهربة والمضادة للدبابات متاحة أيضًا في المنطقة ويمكن استخدامها لاستهداف مدينة إيلات، وكذلك القرى القريبة من الشريط الحدودي، بل والسفن التي تبحر عبر مضيق إيران عند مدخل خليج العقبة).

ومجمل القول، أن الوضع الجديد في سيناء يمثل تهديدًا فعليًّا على أمن إسرائيل؛ لأن الشبكات الإرهابية الفلسطينية مع الجماعات الجهادية السلفية قد حولوا سيناء إلى ملاذ آمن للإرهابيين ذوي الأسلحة الثقيلة والمتطورة، وأنه وفقًا لأحد التقديرات المصرية فإن المنطقة تؤوي ما يقرب من 1600 جهادي مسلح.

4. إسرائيل:

تشير متابعة الصحافة الإسرائيلية خلال الفترة الماضية إلى مدى القلق الإسرائيلي من الثورة المصرية، والطموح الذي رافقها من استعادة مصر لقرارها السياسي، وانعكاس ذلك على العلاقات بين تل أبيب ومصر، خاصة مع احتمالية مراجعة معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية . فإسرائيل تواجه واقعًا جديدًا هو أن حدودها مع مصر أصبحت غير آمنة، حيث أن التواجد الإرهابي الفوضوي والعنيف في سيناء يجعل من شبه الجزيرة تهديدًا أمنيًّا متصاعدًا ضد إسرائيل.

إن الموقف في سيناء يسمح بتزايد تهريب الأسلحة إلى داخل قطاع غزة. كما أن سيناء تحولت إلى منصة لإطلاق الهجمات الإرهابية، حيث تشير معلومات أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية إلى أن جميع الهجمات التي وقعت خلال العام الماضي قد خططتها جماعات إرهابية من قطاع غزة تستغل البدو في سيناء.

5. إيران:

إن سيناء لم تكن منطقة قاصرة على الإرهابيين الذين يستلهمون أفكارهم من تنظيم القاعدة والتيارات الجهادية، ففي عام 2009 اعتقلت قوات الأمن المصرية 25 عضوًا من خلية تابعة بحزب الله كانت تعمل في سيناء بزعم تهريب الأسلحة إلى حماس في غزة واستهداف السياح الإسرائيليين. وما أسفرت عنه التحقيقات مع هذه الخلية أنها كانت تعد لاستهداف مجرى الملاحة بقناة السويس.

والخلاصة، أن ما سبق الإشارة إليه يبين أن شمال سيناء أصبحت مسرحًا لأحداث عنف وعمليات تخريبية وإرهابية تقف خلفها وتحركها بعض التنظيمات الإرهابية المرتبطة ببعض الدول الأجنبية، وتنظيمات فلسطينية على رأسها حركة حماس. هذا المناخ الإرهابي استثمرته إسرائيل في القيام بعمليات عسكرية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة امتدت لبعض المناطق في شمال سيناء تحت ساتر محاربة الإرهاب، وهو ما قد يحدث مستقبلاً مرة أخرى، وتأمين حدودها وأمنها القومي. وهو الأمر الذي سيدفع بمصر بالدخول في مواجهات قد تكون غير مستعدة لها. خاصة أن الأمن القومي في أبسط معانيه العسكري والأمني يعني حماية أراضي الدولة من أي تهديدات داخلية وخارجية والحفاظ علي سيادتها.

ثامنًا: مؤشرات ودلائل الوضع في سيناء

إن التطرق لمشكلة سيناء، بالتعرض لموقعها الجغرافي والإستراتيجي، وكذا توغل العناصر الإرهابية وانتشارها في العديد من المدن التي تقع في نطاق محافظة سيناء، يدفعنا إلى الوقوف على العديد من الدلالات المهمة التي تعطي مؤشرًا للوضع العام في مصر وإلى ما عليه سيناء الآن:

أولاً: على مستوى البدو في سيناء :

إ ن البدو لديهم اعتقاد راسخ بأنهم ملاك لأرض سيناء، وأن لديهم قانونًا خاصًّا بهم يدير شئون حياتهم بما يعرف بالقضاء العرفي. وهم يمثلون بذلك الدولة الموازية (شعب/ أرض/ قانون) داخل الدولة الأم، وهو ما يردده بعض النشطاء السيناوييين بأن ملكيتهم للأرض ليست محل شك فهم بالفعل يملكونها، فلا يمكن لأي مواطن على أرض مصر تملك قطعة أرض بسيناء إلا بعد توفيق وضعه مع البدو، وهذا اعتراف ضمني من الدولة الأم بملكية البدو لأرضهم، وعلى الدولة الاعتراف بهذه الملكية. بالإضافة إلى الاعتراف بقضائهم العرفي والنص عليه دستوريًّا.

إن مطالب ورؤى البدو تكرس فكرة الدولة الموازية، وتؤدي إلى انفصال سيناء عن السيادة المصرية، إلا أن هذه الفكرة لم تعد فكرة، بل تحولت إلى واقع من خلال استعراض عسكري قامت به خلايا تابعة لتيارات تكفيرية جهادية بتاريخ 29/7/2011 أعلنت فيه أن سيناء إمارة إسلامية، وقاموا في ذات التاريخ بالاعتداء على قسم ثاني العريش وضربه بطلقات “,”آر بي جي“,”. كما قام أنصار الرايات السوداء المرتبطين بتنظيم القاعدة بالقيام بالعديد من العمليات الإرهابية استهدفت رجال الشرطة والجيش، وأصبح هناك انفلات أمني، وتحولت سيناء في منطقة رفح والشيخ زويد إلى منطقة خالية من الأمن والسيادة المصرية.

وكان الأخطر مما سبق ما أعلنه أحد القيادات السلفية في سيناء، حيث قرر أنهم شكلوا لجانًا لفض المنازعات بين أهالي رفح والشيخ زويد والعريش من خلال محاكم شرعية يديرها ويحكم فيها مشايخ السلفية، وأن هذه المحاكم ستكون بديلاً عن المجالس القبلية العرفية. وأشار كذلك إلى أنه تم تشكيل لجنة لرد المظالم بعد اختفاء الحكومة حتى ولو تطلب ذلك استخدام القوة، وأنهم شكلوا مجموعات تضم ستة آلاف فرد كلهم مسلحون سوف يتولون فرض الأمن داخل المدن، وهناك لجنة عليا هي “,”لجنة الحكماء“,” تكون بمثابة استئناف يتم الرجوع إليها إذا لم تتوصل الأولى لحل المشكلات.

إن هذا التطور على الساحة في سيناء يعني أننا بالفعل أمام دولة موازية للدولة الأم، وأن هذه المنطقة أصبحت خارج السيادة المصرية، وتحول الصراع بينهما إلى من يمتلك احتكار القوة وفرض سطوته على هذه المنطقة، هل هي الجماعات والتيارات الإرهابية أم الدولة المصرية ذات الحكومة الشرعية. إن احتكار القوة لا يعني استخدام القانون، بل يمكن أن تكون قوة غاشمة تحقق في النهاية السطوة والسيطرة وفرض شرعية الدولة وقوتها. فكانت العملية (نسر)، وهي عملية عسكرية تم الإعداد لها عقب استشهاد ستة عشر مجندًا من القوات المسلحة أثناء تناولهم إفطار رمضان في عملية إرهابية خسيسة على الحدود المصرية. وأعلن رئيس الجمهورية الشرعي أنه يقود هذه العملية بنفسه لتطهير سيناء من التطرف. وفي المقابل الآخر اعتبرت الفصائل الإرهابية أن العملية نسر هي اجتياح وغزو لأرضهم، وأصدروا فتوى بتكفير رئيس الدولة وإهدار دمه، ومقاومة المحتل المصري والإعلان والتهديد بنقل عملياتهم إلى العمق بالقاهرة.

وبعد أشهر قليلة اتضح أن الهدف من العملية نسر لم يكن نزع سلاح من المليشيات البدوية الإرهابية أو تقييد تحركاتهم؛ حيث أحجمت القوات المسلحة عن العمل في معاقل البدو المحصنة مثل جبل الحلال ووادي عمرو، واقتصر على الإبقاء والتواجد في مدن سيناء من خلال حواجز ومواقع دفاعية. وسمح بمواصلة التهريب إلى غزة بدون انقطاع، واستمرار التجارة غير الشرعية، وأصبح واضحًا أن الجيش يرفض التورط في أي مواجهة مع السكان الأصليين لسيناء، بل وصل الأمر إلى رفض الجيش تقديم المساعدة في حماية خطوط الأنابيب في سيناء وتصدير هذا الأمر للأجهزة الأمنية.

إن هذا التغيير في موقف القوات المسلحة جاء بعد قيام رئيس الدولة الشرعي، دكتور محمد مرسي، بدفع بعض الوسطاء في الجلوس والتفاهم مع الإرهابيين؛ للوصول إلى حلول وتفهمات تحول دون إراقة الدماء وتحفظ سيادة الدولة. وهذه كانت رسالة إلى عدم جدية المواجهة، وأن ما صدر من قرارات سابقة كانت رد فعل لحادث إرهابي فقط. وانتصر الإرهاب، وأصبح إرهابيو سيناء هم الذين يمتلكون احتكار القوة؛ وبالتالي يمتلكون السيادة على هذه المنطقة.

ثانيًا: الجماعات التكفيرية:

إن التسليم بالقول الذي يشير إلى أن الجماعات الموجودة بسيناء تنهج نفس فكر ومنهج تنظيم القاعدة دون اتصال بالتنظيم الأم، قول غير دقيق، حيث إن المستجدات التي طرأت على الساحة تتيح لتلك المجموعات الربط مع التنظيم الأم وأهمها:

1- الفراغ الأمني وغياب المتابعات لتلك العناصر والفصائل.

2- سهولة الاتصال بالتنظيم الأم من خلال المواقع الجهادية بشبكة التواصل الاجتماعي، حيث سبق وأن انتهج العديد من المجموعات الصغيرة التي تكونت قبل أحداث يناير، عقب تفكيك الكيانات الجهادية الكبيرة (الجماعة الإسلامية/ الجهاد)، الفكر الجهادي لتنظيم القاعدة، ثم محاولة التواصل مع قياديي القاعدة للحصول على الدعم اللازم من المال والسلاح، وقد نجح البعض في ذلك.

3- وجود قنوات اتصال فعلية على أرض الواقع عقب السماح بعودة القيادات التي كانت هاربة بالخارج، بالإضافة إلى الإفراج عن القيادات التي كانت متواجدة بالسجون، أمثال محمد الظواهري، رفاعي أحمد طه، محمد شوقي الإسلامبولي، خاصة أن الثاني والثالث من عناصر الجماعة الإسلامية، التي عارضت مبادرة وقف العنف التي أطلقتها الجماعة أواخر التسعينيات، واتجهت إلى تنظيم القاعدة خلال فترة تواجدها بالخارج.

وتشير الدلائل في هذا الشأن إلى استمرار بعض من تلك العناصر على قناعتها، عقب عودتها من الخارج أو إخلاء سبيلها، مثل القيادي عادل عوض شحتو، والذي ضبط ضمن خلية مدينة نصر. كما يشار في هذا الصدد إلى سابقة قيام القيادي محمد الظواهري بالإفصاح بإمكانية قيامه باسترجاع الضباط الثلاثة وأمين الشرطة المختطفين بشمال سيناء بداية العام الماضي، وذلك في حالة تكليفه رسميًّا من قبل الدولة.

إن الفراغ الأمني الذي تشهده سيناء منذ عامين، والذي حرصت تلك الجماعات على الاحتفاظ به من خلال استهداف المقار الشرطية والأكمنة يعتبر مناخًا جاذبًا لعناصر تنظيم القاعدة؛ مما قد يدفع عناصر من التنظيم من مختلف الجنسيات إلى الاستقرار في المنطقة.

إن حادث كنيسة القديسين قد أشار في تحقيقاتة الأولية إلى تورط تنظيم جيش الإسلام الموجود بقطاع غزة والمرتبط ببعض الفصائل الجهادية بسيناء وأبرزها (التوحيد والجهاد) بمعاونة أحد العناصر التي تم الكشف عنها، ويدعى أحمد لطفي وشهرته أحمد الأصم، إلا أن التحقيقات لم تستكمل لتكشف أبعاد التنسيق بين فصيل جيش الإسلام والفصائل الموجودة بالداخل والدوافع وراء تلك العملية، على ضوء التهديدات الصريحة التي صدرت من تنظيم القاعدة بالقيام بعملية كبرى موجهه لأبناء الطائفة المسيحية، نظرًا لاندلاع أحداث يناير؛ الأمر الذي يشير إلى إمكانية التخطيط للقيام ببعض العمليات بالداخل.

ثالثًا: التعاون المصري الدولي والإقليمي في سيناء:

إن عدم وضوح الرؤية والشفافية في مواجهة ملف سيناء من قبل من بيدهم الأمر؛ أدى إلى وجود قناعة حقيقية بأن مصر لا تملك القدرة الحالية في مواجهة الإرهاب على أرض سيناء، في ظل الانفلات الأمني وعدد الجماعات الجهادية وتنوعهم ونوعية التسليح الذي يمتلكونه حاليًّا وطبيعة المنطقة التي لا تقوى أجهزة القوات المسلحة والشرطة على التعامل فيها. وهو الأمر الذي سيدفع السلطات المصرية إلى طلب المساعدة من الأمريكان (إذا كانت جادة على إعادة السيادة على أرض سيناء)، للاستفادة من قدراتهم في مواجهة الإرهاب في سيناء مما يملكونه من أجهزة متطورة وأقمار صناعية تستطيع رصد أماكن تواجد الخلايا الإرهابية في الجبال والمناطق الوعرة والوصول إليها، بالإضافة إلى الاستفادة من تكنولوجيتها في تدمير الأنفاق التي تستخدم في تهريب السلاح وخلافه.

هذا التنسيق المصري الأمريكي لا بد أن يتم من خلال سياسة واضحة ومحددة في التعامل مع هذا الملف الخطير؛ لأنه سيمتد بطبيعة الحال للعلاقة المصرية بحماس، فعلى القيادة السياسية المصرية أن توضح موقفها في التعامل مع ملف سيناء وهل يتم وفقًا لأجندة مصرية أم أجندة إخوانية.

إن التعاون بين مصر وأمريكا حول كيفية التعامل مع الملف السيناوي، في ظل وجود فراغ أمني، لا بد أن يمتد إلى العلاقة المصرية بحركة حماس، والاستعانة بالتكنولوجيا الأمريكية الحديثة في مواجهة الجماعات الإرهابية هو في حقيقة الأمر اختراق للأمن القومي المصري. إن الولايات المتحدة الأمريكية تستغل الأحداث لتوجيه الاتهامات إلى مصر بعدم قدرتها على مواجهة الجماعات الجهادية الإرهابية في سيناء بهدف دفع القيادة السياسية للمشاركة في منظومة الحرب الأمريكية على الإرهاب بعد التغيير الذي حدث في الموقف المصري عقب تغيير الخريطة السياسية في النظام المصري.

إذا كانت مصر ترغب في أن يكون لها دور إقليميّ، أسوة بدولة تركيا، فلا بد أن تدخل في علاقات وطيدة مع أمريكا وإسرائيل. فتركيا تربطها علاقات قوية بكل من إسرائيل وأمريكا (سياسية/ اقتصادية) وإنها من خلال هذة العلاقات تتحرك بشكل إيجابي وفعال على المستوى الإقليمي، وبدون هذه العلاقات لن يكون دورها مؤثرًا. ومصر بعد الربيع العربي توترت علاقاتها بكل من أمريكا وإسرائيل. ولقد كانت كلمة الرئيس أوباما في أعقاب الاعتداء على السفارة الأمريكية في القاهرة “,”بأن مصر ليست دولة حليفة أو صديقة“,” رسالة قوية إلى القيادة السياسية في تغيير موقفها وإستراتيجيتها مع أمريكا وإسرائيل، وهو ما كان له أبلغ الأثر في إعطاء مصر دورًا بارزًا في مبادرة وقف القتال بين إسرائيل وحركة حماس الأخيرة.

إن الدور الإقليمي المصري في علاقاتة مع أمريكا وإسرائيل لا بد أن يكون له مقابل يخدم في المقام الأول الأمن القومي الإسرائيلي ومصالح أمريكا في المنطقة، حتى ولو كان على حساب الأمن القومي المصري. ولقد كان للاتفاق الأخير بوقف القتال بين حركة حماس وإسرائيل أكبر دليل على هذا. فقد أعلن موقع «ديبكا» الإسرائيلي بأن تل أبيب وافقت على وقف إطلاق النار مع قادة حماس، بعد أن تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصيًّا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإرسال ونشر قوات أمريكية بسيناء الأسبوع التالي، والتسريع بنشر نظام دفاعي أمريكي متطور على طول قناة السويس وشمال سيناء لوقف تهريب الأسلحة الإيرانية لغزة (لم يحدث تكذيب من مؤسسة الرئاسة المصرية لهذا الشأن).

ونتيجة لعدم الاستثمار والتنمية في سيناء ظهر اقتصاد بدوي مواز قائم على التهريب وممارسة تجارة غير قانونية منذ انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005؛ مما جلب رخاء ماديًّا لكثير من البدو لم تشهده من قبل ولم يسبق له مثيل (امتلاك سيارات نصف نقل وشاحنات كبيرة مع تزويدها ببنادق آلية وآر بي جي)، وأصبح هذا الوضع يمثل القوة للبدو ورفضهم لسيطرة القاهرة والتدخل في شئونهم. وقد أدى انتعاش تجارة التهريب إلى ربط بدو سيناء من الناحية الاقتصادية بقطاع غزة الخاضع لحكومة حماس المقالة، كما أدى الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين المنطقتين (سيناء وغزة) إلى ارتباط أيديولوجي بحركة حماس وتعاطف مع القضية الفلسطينية.

في ضوء ذلك، برزت جماعة الإخوان المسلمين كأهم فصيل سياسي في عام 2011 في منطقة شمال سيناء، وظهرت جماعات سياسية أصغر وجديدة في منطقة العريش، وعلى نحو غير متوقع، تحت مسميات “,”شباب سيناء“,” و“,”ثورة سيناء“,” و“,”حكومة ظل سيناء“,”. وكانت هذه الجماعات تسعى إلى إعادة تحديد العلاقة بين الدولة الأم والبدو، وعرضت خدماتها للقيام بدور الوسيط بين الحكومة المصرية وشبه جزيرة سيناء، وهو ما تحمست له الحكومة المصرية فما عرف باسم “,”فتح حوار“,”، إلا أن هذه الحوارات باءت بالفشل، ولم تسفر عن أية نتائج حقيقية وإيجابية.

إن خلية مدينة نصر الإرهابية التي تم اكتشافها في 24 أكتوبر كانت تعد لهجمات ضد منشآت حيوية مصرية في القاهرة. وهذا يعطي مؤشرًا أن الإرهابيين نقلوا عملياتهم الإرهابية إلى قلب العاصمة، وهو منحنى خطير وتصعيد رغم ما تم من اتفاقات بهذا الشأن، وهذا ما يشير إلى أن منطقة سيناء أصبحت بؤرة تطرف تصدر إرهابها إلى سائر محافظات مصر، ولا يقتصر دورها -كما تدعي- على العمليات الفدائية ضد العدو الإسرائيلي.

إن ما جاء على لسان مصدر أمني بقطاع مصلحة الجوازات عن منح 100 ألف جنسية لفلسطينيين من أم مصرية غالبيتهم من قطاع غزة يحمل في طياته علامات استفهام لصدوره في هذا التوقيت، مخالفًا بذلك قرار جامعة الدول العربية الصادر عام 1965 بعدم منح جنسيات الدول العربية للفلسطينيين المقيمين بها؛ حفاظًا على الهوية الفلسطينية، والاكتفاء بمنحهم وثيقة سفر لضمان عودة اللاجئين إلى أرض الوطن فلسطين. وأنه في حال توطين من حصلوا على الجنسية المصرية في سيناء سيصبح لهم الحق في شراء الأرض باعتبارهم مصريين يحملون الجنسية المصرية، ونظرًا لوجود عائلاتهم بقطاع غزة؛ فإن هذا الوضع سيخلق مناخًا ويفرض الوجود الفلسطيني في سيناء وبطريقة مشروعة. واللافت، أن هذا الأمر وتوقيت صدوره يُخشى منه أن يكون وراءه أجندة إخوانية.

إن القوى السياسية في رؤيتها لملف سيناء تحمل المجلس العسكري دخول الإرهابيين الأراضي المصرية، وكذا الرئيس محمد مرسي المسئولية الأولى عن إطلاق سراح السجناء السابق اتهامهم في قضايا إرهابية وصدور أحكام ضدهم، وهو ما ثبت بتورط البعض منهم في عمليات إرهابية منها العملية الإرهابية لخلية “,”مدينة نصر“,”.

الخلاصة: باستقراء الواقع وما سبق طرحه من دلالات فيما يخص ملف سيناء الشائك يمكن حصر المشكلة في عدة نقاط:

1. إن منطقة رفح والشيخ زويد بشمال سيناء خارج السيطرة الأمنية والسيادة المصرية.

2. إن الجماعات الجهادية والتكفيرية تسيطر على مجريات الأمور في هذه المنطقة من سيناء وأصبحت تشكل ما يعرف بالدولة الموازية.

3. إن لبدو سيناء اقتصاد قوي ومواز قائم على التهريب.

4. عدم قدرة مصر على مواجهة الإرهاب في سيناء في ضوء ما سبق طرحه.

5. إن نتائج استجوابات العناصر الإرهابية التي تم ضبطها ضمن خلية مدينة نصر أسفرت عن التخطيط لعمليات إرهابية في عمق القاهرة.

6. إن هناك يدًا أجنبية لها أهداف ومصالح لخلق هذا المناخ من التطرف والإرهاب في سيناء.

7. إن حركة حماس تلعب دورًا كبيرًا ورئيسيًّا فيما يتم على أرض سيناء من واقع وأحداث.

8. إن الوضع في سيناء أصبح من الخطر الذي يهدد الأمن القومي الإسرائيلي، وبالتالي المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط؛ مما قد يدفع إسرائيل لاتخاذ إجراءات لتأمين حدودها على حساب الأمن القومي والسيادة المصرية.

9. إن سيناء من المناطق الجاذبة للإرهاب، وهي من ضمن المناطق المصنفة بهذا مثل العراق والصومال.

10. إن ملف سيناء الشائك يدار حتى الآن بأجندة إخوانية.

في ظل المعطيات السابقة وتشابك الاتجاهات والمصالح والأيدلوجيات بين بدو سيناء وحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين، ماذا سيكون الحل؟ وما مصير أرض سيناء؟ إن الإجابة تكمن الآن في ضمير وعقل مكتب الإرشاد والسيد رئيس الجمهورية.