الجمعة 19 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

الملفات السرية للإخوان.. الحلقة الثانية عشرة

نشر بتاريخ 29/ديسمبر/2013 بموقع "المركز العربي للدراسات والبحوث"

نشر
طلال الأنصاري يقبل
طلال الأنصاري يقبل سرية بعد الحكم بالإعدام

الإخوان المسلمون والإرهاب

تنظيم الفنية العسكرية كان صنيعة الإخوان

اول لقاء بين طلال الأنصارى وصالح سرية كان فى منزل زينب الغزالى برعاية الهضيبى.

الهضيبى قرأ رؤية صالح سرية للإنقلاب كاملةً, ووافق عليها.

طلال الأنصارى بايع الهضيبى فى منزله بالمنيل .

- الجماعة لقنت التنظيم خطة لإنكار العلاقة بينهما فى حالة انكشاف أمرهم.

الفنية العسكرية وسبعينيات القرن الماضي:

بعد مجيء الرئيس الراحل أنور السادات إلى الحكم، قام بإطلاق سراح قادة الإخوان من السجون وأبرم معهم اتفاقا يقضي بعدم العمل في السياسة، فاتحاً صفحة جديدة مع الجماعة، وسرعان ما سعى كوادرها إلى ضم عدد من الشباب الذين اعتنقوا فكر سيد قطب الجهادي ليستخدموهم في محاولة جديدة لقلب نظام حكم الرئيس الراحل وهو ما عرف في حينها بقضية الفنية العسكرية. لقد كشف طلال الأنصاري أحد قادة التنظيم الذي حكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم إلى السجن المؤبد في مذكراته المعنونة “,”صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة – من النكسة إلى المشنقة“,”، أنهم كانوا قد شكلوا تنظيماً سرياً بمدينة الإسكندرية عام 1968، وظل هذا التنظيم قائماً إلى أن خرج الإخوان من السجون، حيث قادته الصدفة عن طريق أحد كوادر جماعة الإخوان بالإسكندرية ويدعى (الشيخ علي) إلى التعرف على زينب الغزالي التي قدمته بدورها إلى الإخواني العراقي صالح سرية، حيث فاتحه الأخير في الانضمام هو وتنظيمه إلى جماعة الإخوان ليكونوا نواة الجناح العسكري الجديد للجماعة، ويضيف الأنصاري أنه بعد موافقته على هذا الطرح رتبت زينب الغزالي للقاء يجمعه بالمرشد العام آنذاك أواخر عام (1972)، المستشار حسن الهضيبي، وذلك بمنزله بحي منيل الروضة.

(1) ويروي الأنصاري قصة بيعته للإخوان كاملة فيقول: “,”حين سلمت على المرشد كان أشبه بمن أصابه مس من الذهول من هذا المشهد الذي لم يره من قبل ولم يتعوده.. وبعدها جلس المرشد الذي لم ينطق بكلمة واحدة.. وكان الأقرب إليه مقعداً هو الشيخ علي الذي راح يلتقط أنفاسه.. ثم انطلق يشرح للمرشد ما فوجئ به في الإسكندرية من حركة الشباب المتعلق بالإخوان، وقدم إليه الأنصاري كونه على رأس هؤلاء الشباب، واسترسل يشرح حب هؤلاء الشباب للإخوان وولاءهم لهم وقراءاتهم لأدبيادتهم، وانتظارهم لعودة الإخوان إلى الحياة العامة.. سكت الشيخ علي فجأة حيث ساد الصمت برهة، وانتبه الأنصاري إلى همس آت من ناحية الشيخ علي، لم يفهم منه سوى أمره له: امدد يدك .. فتصور أنه يأمره بالمصافحة والسلام.. فمد يده للمرشد.. فإذا بالمرشد ينتفض واقفاً، ثم يقبض يده بقوة على يد الأنصاري الذي وجد نفسه يردد وراء الشيخ علي عبارات البيعة الإخوانية المعروفة: أبايعك على السمع والطاعة في اليسر والعسر، وفى المنشط والمكره، والله على ما أقول وكيل (أو شهيد فالله أعلم حيث تباعدت السنون) .. وكانت دموع المرشد تنهمر في صمت نبيل وقد احتضن الأنصاري بقوة.. في حين كان الشيخ علي يقف متأثراً ودموعه ما تزال تسيل.. لم يدم اللقاء طويلاً، ثم حيث خرج الشيخ علي ووراءه الأنصاري طلال الأنصاري – صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة... من النكسة إلى المشنقة – دار المحروسة – الطبعة الأولى 2006 – ص 40.

صالح سرية .. همزة الوصل:

(2) كان اللقاء الذي تم في رعاية وترتيب زينب الغزالي بداية مرحلة جديدة من تاريخ الجماعة.. وكانت أول تعليمات صالح سرية للشباب – وفق الأنصاري – “,”أنه هو وحده حلقة الوصل بالإخوان، وأنه اعتباراً من هذا التاريخ لابد أن يتوارى أي دور ظاهر للإخوان، كما ينبغي عدم الإعلان عن أي صلة بهم، وتنفيذاً لذلك أعد صالح سرية سيناريو درب عليه الأنصاري لتنفيذه عند ظروف التحقيق الأمني بهدف إبعاد الإخوان عن أي صلة بالأحداث المقبلة.. كان السيناريو يهدف إلى إظهار أن معرفة صالح بالأنصاري تمت عن طريق آخر غير طريق الإخوان وزينب الغزالي.. كان البديل الذي رتبه صالح ينص على أن الأنصاري قرأ حديثاً صحفياً أجرته مجلة مصرية مع صالح أثناء حضوره جلسات المؤتمر الوطني الفلسطيني في القاهرة عام 68، وأنه أعجب به وسعى للقائه في فندق سكاربيه بالقاهرة، حيث بدأت الصلة بينهما“,” طلال الأنصاري – مصدري سابق – صـ 54.

الهضيبي يوافق على خطة الفنية العسكرية:

(3) ووفق الأنصاري “,”عرض صالح مجمل أفكاره بكل صدق ووضوح على قيادات الإخوان وعلى رأسهم المرشد، وكما حكى صالح لرجاله فقد كتب مذكرة من خمسين صفحة للمرشد عرض فيها خطته لإدخال تجديد على فكر الإخوان ليكون الوصول للسلطة بالقوة العسكرية خياراً أساسياً... وذكر صالح لرجاله أن المرشد وافق على مضمون المذكرة“,” طلال الأنصاري – مصدر سابق – صـ 57.

(4) ويمضي الأنصاري في مذكراته ليذكر: “,”ليس منطقياً القول بأن تاريخ صالح سرية ونزوعه إلى الانقلاب والثورة كان خافياً على الإخوان المسلمين في مصر!! لقد احتضنته الإخوان في مصر ورحبوا به!! والأهم من ذلك أن قام الإخوان وفى بيت من أقرب بيوتاتهم – بيت زينب الغزالي – بتقديم تنظيمهم الشبابي الوحيد في حينها إلى صالح سرية!! هذه نقاط لم يسبق أن طرحت من قبل؛ لأن أحداً لم يطرح هذه الوقائع الجديدة؛ ولذا يتعامل الإخوان مع هذه القصة الغريبة بحذر شديد حتى الآن، وقد أخفاها تماماً مؤرخوهم وكتابهم، بل قل إنهم قد تحاشوا جميعاً التعرض لهذه المسألة رغم مرور ثلث قرن عليها!! لكن الحقيقة أنه قد دارت العجلة، وتولى الدكتور صالح عبد الله سرية قيادة أول جهاز سري بايع الهضيبي شخصياً بعد محنة 65-66!!“,”طلال الأنصاري – مصدر سابق – صـ 58

نصيحة الإخوان للشباب “,”الإنكار التام“,”:

(5) كانت خطة الإخوان المسلمين – كما يروي طلال الأنصاري – أن ينكر المتهمون كل ما نسب إليهم وأن يخفوا تماماً أية علاقة لهم بجماعة الإخوان المسلمين على أن تقوم الجماعة بحملة قانونية وإعلامية كبرى للدفاع عنهم، وفي شهادته التي عرضنا لجزء منها سابقاً يروي طلال الأنصاري بعد انقضاء خمسة وعشرين عاماً على الحادث قضاها كاملة خلف الأسوار تقييمه الشامل لما حدث يقول الأنصاري: “,”مع اقتراب موعد المحاكمات أبلغ الأنصاري ابنه أنه قد اختار للدفاع عنه محامياً قديراً وشهيراً هو الأستاذ الكبير إبراهيم طلعت الذي حضر إلى السجن وقابل طلالا بالفعل.. كانت جماعة الإخوان المسلمين قد دخلت بهمة في الأمر وتولى رجالها إدارة عملية الدفاع وعبء المحامين.. ووضعت جماعة الإخوان خطة الدفاع وتولاها المحامون منهم ومن غيرهم.. فمن الإخوان كان أشهر محاميهم آنذاك الدكتور عبد الله رشوان الذي ألزم بقية طاقم الدفاع بخطة الدفاع التي تعتمد على محورين: الأول في الوقائع والموضوع، والثاني: سياسي.. ففي الوقائع كانت الخطة تعتمد على إنكار التهمة ونفي محاولة الانقلاب وتصوير المسألة باعتبارها مؤامرة داخل عملية الصراع على السلطة في مصر، وأن القصة هي أن مجموعة من طلبة الكلية الفنية العسكرية كانت تقيم ندوات دينية داخل مسجد الكلية ويحضرها زوار من خارج الكلية مدنيون، وأن المتآمرين استغلوا هذا للإيقاع بهم.. وعندما حضر إبراهيم طلعت لمقابلة طلال واستفسر منه عن الحقيقة أكد له هذا التصور الذي قرره دفاع الإخوان “,”.. لكن الآن وبعد كل هذه السنوات واشتغال الأنصاري بالمحاماة فإنه يرى أن خطة الدفاع هذه لم تكن موفقة من الناحية القانونية، وأنها حملت استخفافاً بالمحكمة لا يجوز.. وكان الأولى البحث عن طريق آخر.. لقد اعتمد الدفاع على أن تاريخ العشرين سنة السابقة من خلال محاكمات الإخوان وغيرهم قد حفل بتلفيق القضايا من الأجهزة المتعددة، وبذلك يسهل إقناع المحكمة بأن مسلسل التلفيق مستمر.. إلا أن الأمر في هذه القضية كان مختلفاً كل الاختلاف، حيث كان واضحاً لمن يطالع الأوراق أو يتابع الأحداث أن هناك تنظيماً، وأنه تحرك بالفعل، ولم تكن هناك أية مؤامرة “,” طلال الأنصاري – مصدر سابق – صـ 95.

تشكيل ودعم الأفغان العرب:

تعاظم دور الإخوان في تشكيل ظاهرة “,”الأفغان العرب“,”، والتي كانت النواة الأساسية لما يعرف اليوم بتنظيم القاعدة، بعد عام 1982، حيث جرى الاتفاق الشهير بين الهارب آنذاك مهدي عاكف مسئول لجنة الاتصال بالعالم الخارجي، وبين الأمريكان، على أن يقوم الإخوان بمساعدة الولايات المتحدة في تنفيذ أهدافها في أفغانستان، بالمساهمة في إخراج السوفييت، على أن يقوم الأمريكان برد الجميل عن طريق تسهيل إنشاء مراكز للجماعة في أوروبا، ولكن ليس تحت اسم الإخوان مباشرة. وبالرغم من إدانة الإخوان – العلنية – للعمليات التي قام بها العائدون من أفغانستان إلا أن الجميع كان يعلم أن تلك الإدانة ما هي إلى تغطية مفضوحة لدورهم المشبوه في التأسيس لهذه الظاهرة. يقول الدكتور عبد الله عزام عضو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين والأب الروحي والمؤسس الفعلي لتنظيم القاعدة في مذكراته المنشورة على موقعه على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) “,”إن الأخ كمال السنانيري (أحد قادة النظام الخاص الذي توفي في السجن عام 1981 والذي اتهمت جماعة الإخوان أجهزة الأمن بقتله) قد جاء إليه عام 1980 حيث كان يعمل في جامعة الملك عبد العزيز بالسعودية، واجتمع به في الحرم، وأخبره تعليمات مكتب إرشاد الجماعة التي تقضي بالذهاب إلى أفغانستان لتكوين ما أطلقوا عليه “,”وحدة انتشار سريعة مسلحة“,” من الشباب العرب والمسلمين الوافدين للقتال في أفغانستان، ويضيف عزام أنه أنهى أعماله في جامعة الملك عبد العزيز وفق هذه المشورة وذهب إلى أفغانستان، حيث أسس هناك مكتب خدمات المجاهدين، والذي كان النواة الرئيسية التي تشكل منها تنظيم القاعدة فيما بعد“,”.

لم يقف الأمر عند عبد الله عزام فها هو مصطفى الست مريم فقيه تنظيم القاعدة المعروف باسم أبو مصعب السوري يؤكد في مذكراته التي قام بنشرها عبر أحد المواقع الأصولية على شبكة الإنترنت أنه قدم إلى مصر بصحبة مجموعة من إخوان سوريا، حيث قام إخوانهم في مصر بتدريبهم على حرب العصابات بإحدى المناطق بجبل المقطم وذلك قبل اغتيال الرئيس السادات بثلاثة أشهر. بالطبع لم نسمع رداً في حينه على كل من طلال الأنصاري وعبد الله عزام وأبو مصعب السوري، ولن نتوقع سماع أي ردود من جماعة الإخوان، عفواً “,”جماعة المراوغين“,”، فقد جعلت كوادر الجماعة دائماً نصب أعينها مقولة البنا الشهيرة “,”ومن خدع الحرب أن يضلل المسلم عدو الله بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله“,”.

والى اللقاء فى الحلقة القادمة بإذن الله