الجمعة 29 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

الملفات السرية للإخوان.. الحلقة السادسة.. اعتراف الإخوان بقتل النقراشي باشا

نشر بتاريخ 29ديسمبر2013 بموقع "المركز العربي للدراسات والبحوث"

نشر
محمود فهمي النقراشي
محمود فهمي النقراشي -أحمد عادل كمال

اغتيال النقراشى بأقلام الإخوان
أحمد عادل كمال يشرح: كيف تم اتخاذ القرار.. الأسباب وراء الإغتيال.. كيف تمت عملية التنفيذ
ظل قادة الإخوان، ردحا من الزمن، وبالتحديد ما يقارب الأربعين عاما يكذبون علينا علنا بشأن ما قاموا به من محاولات اغتيال، توجت باغتيال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر الأسبق، حتى قرر بعض مجرميهم أن يتحدثوا، فانكشف المستور، كل المستور، وظهرت الجماعة عارية تماما أمام المجتمع، الغريب أنه وبعد كل ما حدث، ما زال هناك من يمتلك الجرأة ويخرج علينا ليقول بالفم المليان، الإخوان لم يكونوا أبدا دعاة عنف، ولكن ماذا نقول، فقط نردد المثل المصري العبقري:
( اللي اختشوا ماتوا) .
يقول أحمد عادل كمال، أحد قادة النظام الخاص في كتابه المعنون: «النقط فوق الحروف - الإخوان المسلمون والنظام الخاص- الطبعة الاولى – الزهراء للأعلام العربى- الفصل العاشر- ص 223».
كان سقوط السيارة الجيب فى 15/11/1948. وتراءى للنقراشى بها أنه قد استمكن من الإخوان. كان النقراشى رئيسا للوزارة وحاكما عسكريا عام ورئيسا للحزب السعدى، أكثر الاحزاب المصرية هزالا وضعفا حينذاك، كما كان فى نفس الوقت وزيرا للداخلية ووزيرا للمالية فى وزارته. وفى 8/12/1948 أصدر النقراشى أمره العسكرى بحل جماعة الإخوان المسلمين ولم تنقض ثلاثة أسابيع حتى سقط النقراشى قتيلا فى عرينه بوزارة الداخلية برصاص الإخوان. وكان لذلك الاغتيال أسباب ثلاثة هى كما افصح عنها عبدالمجيد أحمد حسن الذى اغتاله، تهاونه فى شأن قضية وحدة مصر والسودان، وخيانته لقضية فلسطين واعتداؤه على الإسلام بحل الإخوان المسلمين كبرى الحركات الإسلامية فى عصرها.
الحادث :
ويمضي أحمد عادل كمال فيقول في ذات المصدر ص224: منذ وقع النقراشى قرار حل الجماعة وهو يدرك أنه ارتكب حماقة وتهورا يعرضه لما أصابه، فأعد لنفسه حراسة مشددة وبروجا مشيدة. وكان يذهب أياما إلى رئاسة مجلس الوزراء وأحيانا إلى وزارة الداخلية وأحيانا أخرى إلى وزارة المالية. وقد استدعى الأمر قيام الإخوان بعملية رصد متوال لمعرفة جدوله فى توزيع أيامه على وزاراته. كذلك كان يغير طريقه من منزله بمصر الجديدة إلى أى من تلك الوزارات بوسط المدينة ولذلك استبعدت فكرة اصطياده فى الطريق.
وفى صباح يوم الثلاثاء 28/12/1948 ، والكلام ما زال لأحمد عادل كمال، ذهبت قوة الحراسة المكونة من الصاغ عبد الحميد خيرت والضابط حباطى على حباطى والكونستابل أحمد عبد الله شكرى إل منزل النقراشى لاصطحابه، وانتظروا الباشا حتى نزل إليهم قبل العاشرة صباحا بعشرين دقيقة، وركب الأول معه فى سيارته بينما استقل الآخران سيارة أخرى تتبع السيارة الأولى، ووصل الركب وزارة الداخلية نحو الساعة العاشرة. ونزل الباشا من سيارته أمام الباب الداخلي لسراى الوزارة واتجه إلى المصعد مجتازا بهو السارى وإلى يساره الصاغ عبدالحميد خيرت وخلفه الحارسان الآخران، هذا بالإضافة إلى حراسة أخرى تنتظر بالبهو مكونة من كونستابل وصول وأونباشى بوليس.
ويواصل أحمد عادل كمال في ذات المصدر ص225 : وكان هناك أمام وزارة الداخلية مقهى الأعلام، تم اختياره مسبقا ليجلس به عبدالمجيد أحمد حسن – 21 سنة - وقد تسمى باسم حسنى فى انتظار مكالمة تليفونية لتلقى إشارة بأن الموكب قد غادر بيت الرئيس فى طريقه إلى الوزارة، وتمت تلك التجربة مرات قبلها. وفى يوم الحادث تلقى الضابط حسنى، إشارة تليفونية بأن الموكب قد تحرك، فغادر المقهى إلى البهو الداخلى لوزارة الداخلية، وهناك كانوا يخلون البهو من الغرباء فى انتظار وصول الرئيس ولكن عبدالمجيد وقد تزيا بزى ضابط بوليس لم يطلب إليه أحد الانصراف فهو من  أهل البيت.
وحين غادر عبدالمجيد مقهى الأعلام كانت هناك عيون على مقهى آخر ترقبه .. شفيق أنس فى زي كونستابل ومحمود كامل السيد فى زى سائق سيارة بوليس، فتبعاه إلى داخل الوزارة.
اجتاز عبد المجيد الباب الخارجى ثم الداخلي وانتظر فى البهو، وجاء النقراشى بين حرسه متجها نحو المصعد حتى إذا صار على وشك ولوجه فاجأه عبد المجيد بإطلاق ثلاث رصاصات من مسدس برتا إيطالى الصنع كان معه، وقد تم ذلك بسرعة خاطفة وأصابت الرصاصات الهدف فسقط النقراشى على الارض جسدا له شخير وخوار. كانت الساعة العاشرة وخمس دقائق صباحا. وأخذ رجال الحرس بما حدث فلم يستطع أحد منهم عمل شيء قبل إطلاق المقذوفات الثلاثة.
القبض صدفة على الجاني:
ويتابع عادل كمال قائلا : والتفت الصاغ عبد المجيد خيرت إلى الخلف فاصطدم – بالصدفة على ما يبدو – بعبدالمجيد فوقعا على الأرض وهجم الحراس على عبدالمجيد وفى تماسكهم به انطلقت رصاصة رابعة ومات النقراشى بعد قليل. وقد ذكر بعض الشهود أنه انطلق نحوهم عيار آخر أصاب الحائط، مما أوحى بوجود شركاء آخرين، ولكننا نسبتعد ذلك، فتلك شهادة لم تذكر أمام النيابة فى التحقيق وإنما ذكرت أمام المحكمة بعد أن عرف أن شفيق ومحمود كامل كانا هناك. وهى رواية ابتدعها البوليس للتأثير على عبد المجيد بإيهامه أن الإخوان أرادوا قتله بعد الحادث. كما ظن البعض من هذه الحكاية أنه كان هناك تدبير لتهريب عبد المجيد. ولكن الذى نعلمه أنه لم يكن هناك أى تخطيط للفرار بعبد المجيد وإنما كان الهدف من وجود شفيق ومحمود هو اغتيال ابراهيم عبد الهادي وعبدالرحمن عمار حين يحضران على أثر مصرع النقراشى. غير أنه صدرت الاوامر بإغلاق كافة الأبواب وتفتيش المكان فبادر محمود بالانصراف متخطيا سور الوزارة كما خرج شفيق من الباب وكان عليه حرس من عساكر البوليس فقال له أحدهم إن الأوامر تمنع خروج أى إنسان فأجابه على الفور: نعم .. لا تسمح لاى إنسان كان بالخروج وخرج!
وأبلغ صابر طنطاوى مدير الأمن العام الحادث تليفونيا إلى النائب العام محمود منصور باشا فانتقل إلى مكان الحادث وباشر التحقيق.
تقرير الطبيب الشرعي:
ويواصل عادل كمال في ذات المصدر ص226 و227: قد جاء بتقرير الطبيب الشرعى أن جثمان المجنى عليه به ثلاث إصابات نشأت عن مقذوفات نارية، الأولى أصاب الجهة اليسرى من الظهر مقابل المسافة الضلعية التاسعة وقد نفذ العيار للتجويف الصدرى ثم لتجويف البطن فى اتجاه من الخلف واليسار للأمام واليمين بميل قليل لأسفل، وقد وجد المقذوف مستقرا بجدار البطن الأمامي واستخرجه الطبيب من تحت الجلد. أما الثانى فقد أصاب أعلى البطن الأيسر أسفل الضلع الأخير نشأ عنه جرح نافذ حيوى إلى تجويف البطن من الخلف واليسار للأمام واليمين، وقد استقر المقذوف أيضا بجدار البطن الأمامى واستخرجه الطبيب الشرعى. وقد اصاب الثالث مقدم الكتف اليسرى وطية الإبط
وامتد على جدار الصدر الأمامى وانتهى بجرح هو فتحة الخروج، واستنتج الطبيب الشرعى أن  الجانى كان خلف  المجنى عليه وإلى يساره وعلى مسافة تزيد على النصف متر وكان مصوبا سلاحه بميل قليل إلى أسفل وأن الوفاة قد نشأت عن عيارى الظهر، وما أحدثاه من إصابات بالرئة اليسرى والكبد والأوعية الدموية والأمعاء، وما ترتب على ذلك من نزف دموى وصدمة عصبية، أما عيار الكتف اليسرى فلا دخل له فى الوفاة.
الرأى العام فى إنجلترا وفى مصر:
ولا ينسى عادل كمال أن يأتي بعدد من تعليقات الصحف – آنذاك- حول الجريمة إذ يقول في ذات المصدر ص : علقت جريدة  المانشستر جارديان  البريطانية على الحادث فقالت: إن مقتل النقراشى باشا رئيس الوزراء المصرى لهو عمل سوء، وقد حدث بعد سلسلة من الاعتداءات كانت أيدى جماعة الإخوان المسلمين واضحة فيها، فمنذ ثلاثة أسابيع قتل حكمدار بوليس القاهرة فى أحد الشوارع (تقصد سليم زكي) وفى 21 نوفمبر دمرت الدار التى تحوى مكاتب أكبر جريدتين فرنسية وإنجليزية فى مصر (تقصد شركة الإعلانات المصرية) وفى الشهر نفسه وقع حادث الاعتداء الرابع فى مدى عامين على النحاس باشا (كان من تدبير السراى ولا شأن للإخوان به).
(انظر كيف يعترف الرجل بشكل غير مباشر بإرتكاب الإخوان لحوادث مقتل حكمدار القاهرة والهجوم على شركة الإعلانات المصرية بإنكاره قيام الجماعة بحادث الإعتداء على النحاس باشا) . ويواصل عادل كمال نقله لما جاء في التايمز فيقول: وفى أول العام قتل أحد القضاة ممن حكموا على أفراد تلك الجماعة (تقصد الخازندار). ولقد لقى النقراشى باشا حتفه عقب قراره الذى تأخر كثيرا بحل جماعة الإخوان على أساس أن وجودها يهدد الأمن والنظام .. وكان ذلك هو جواب الإخوان عليه.
وقالت الديلى تلجراف:
وهذه الجريمة لن تحقق غرضا وستقابل بالسخط والاستنكار فى جميع أنحاء العالم، وقد محت من سجل الوجود رجلا برهن خلال حياته السياسية الطويلة على أنه أقوى رجل سياسي فى مصر!.
ويعلق عادل كمال في ص 228 قائلا : ذلك كان رأى صحافة الإنجليز فى الباشا النقراشى وفى حادث مصرعه .. أما فى مصر فقد عمت الفرحة الناس بقتل النقراشى ورقص بعضهم فاعتقل، وتقلد مقاليد السلطة من بعده إبراهيم عبد الهادى باشا. وإذا كان النقراشى قد بدأ فتح المعتقلات فقد قرر إبراهيم عبد الهادي أن يملأها، وإذا كان النقراشى قد بدأ سياسة البطش والتنكيل فقد فاقه إبراهيم عبدالهادي فى ذلك. كما كان تكليف عبدالهادى بتأليف الوزارة من بعد النقراشى يعنى – على الأقل – موافقة الملك على تلك السياسة.
عود إلى القضية :
ونواصل مع عادل كمال في ذات المصدر حيث يقول في ص 229:
فى 22/3/1949 توصل التحقيق إلى من وصفه رئيس المحكمة بأنه مهندس الجريمة، وهو ضابط البوليس أحمد فؤاد عبد الوهاب وكان قد نقل أثناء التحقيق إلى مدينة بنها، وذهب البوليس بصحبة النيابة للقبض عليه وتفتيش منزله، وتذكر التحقيقات أنه تمكن من التغرير باحد زملائه الضباط وركب سيارة البوليس وانطلق هاربا وتبعته قوات البوليس لمطاردته فى حقل على مقربة من الطريق الزراعى إلى القاهرة، وحاول أحمد فؤاد الهرب عندما شاهد رجال البوليس يقتربون من مكانه فى الحقل وعبر بملابسه إحدى الترع فأطلق عليه البوليس النار فاستشهد على الأثر.
كذلك تناول عبد المجيد بأقواله فى 22 مارس 1949 محمد مالك، فانتظره البوليس الملكى فى مسكن اثنتين من أقربائه، وحضر مالك إلى المسكن فظنه رجل البوليس زميل له – كذلك كان مستوى الذكاء – وسأله عن اسمه فتسمى مالك باسم عبد المنعم إبراهيم، وأخبره رجل البوليس بأنه مكلف بأن يحضر إلى قسم البوليس أى شخص يجئ إلى المسكن، فغافله مالك وعاجله بضربة بكرسى على رأسه وبادر بالفرار، ولم يتمكن رجل البوليس المضروب على رأسه من اللحاق به.
وظل محمد مالك مختفيا رغم المجهودات المكثفة التى بذلها البوليس للقبض عليه والإعلانات المتكررة التى ملأت الصحف والجدران وكل مكان تحل صورته ووعدا بمكافأة قدرها ألف جنيه لمن يرشد عنه. وأرشد كثيرون عن أشخاص تبين أن ليس منهم محمد مالك، ولكن تشابه فى الصورة، حتى قبض عليه بالاسكندرية فى 14 مايو 1949، ونشأت عن ذلك قضية أخرى عرفت باسم «قضية  إخفاء مالك»، اتهم فيها محمود يونس الشربينى محام تحت التمرين وملازم أول طبيب جراح السيد بهجت الجيار والسيد محمد شامة وسعد محمد جبر وأحد البساطى وآخرون. وقبض على مالك بعد تبادل إطلاق النار ولم تكن جدوى من المقاومة فقد كان البيت محاصرا ونفذت ذخيرته.

الإخوان وطريقة تقييمهم لرجال القضاء:
ونمضي مع عادل كمال حيث يورد تقييم الإخوان للنائب العام آنذاك المسنشار محمد منصور فيقول في ص230، تولى تحقيق قضية اغتيال النقراشى النائب العام محمود منصور باشا بنفسه، وهو الذى كان رئيسا للمحكمة العسكرية التى حاكمت محمود عيسوى، رحمه الله، الذى قتل أحمد ماهر فى فبراير 1945 وحكمت عليه بالإعدام. ومحمد منصور هذا هو الذى أراد ضم قضية السيارة الجيب وقضية مقتل النقراشى فى قضية واحدة.
ولقد حقق معى هذا الرجل عدة مرات فكان يعتمد اعتمادا أساسيا على جهاز البوليس السياسى بضغطه على المتهمين واصطناع الشهود وشرائهم.
ويضيف : كانت حيثيات الحكم فى قضية اغتيال النقراشى على النقيض من حيثيات الحكم فى قضية السيارة الجيب. فى قضية النقراشى كان رئيس المحكمة محمد مختار عبد الله متحاملا على المتهمين وعلى جماعة الإخوان المسلمين بشكل ظاهر، فى حين كان رئيس المحكمة فى قضية السيارة الجيب أحمد كامل بك متفهما للدعوة وأهداف الجماعة متجاوبا ومقتنعا بمواقفنا وأكثر من ذلك كان معجبا بنا، فوصفنا الأول بأننا جماعة إجرامية وإرهابية ووصفنا الثانى بأننا شباب وطنى يهدف إلى تحرير بلاده.
الحكم:
ويورد عادل كمال في ذات المصدر ص231 الحكم في القضية قائلا : فى يوم الخميس 13/10/1949 صدر الحكم فى القضية كالآتي:
أولا: معاقبة عبد المجيد أحمد حسن بالإعدام.
ثانيا: معاقبة كل من محمد مالك والدكتور عاطف عطية وشفيق إبراهيم أنس ومحمود كامل السيد بالأشغال الشاقة المؤبدة.
ثالثا: براءة كل من كمال سيد القزاز وعبدالعزيز البقلى والشيخ السيد سابق والسيد فايز عبد المطلب ومحمد صلاح الدين عبد المعطي وعبد الحليم محمد أحمد ومحمود حلمى فرغل ومحمد أحمد على وجلال الدين يس ومحمد نايل إبراهيم مما أسند إليهم.
وكان المستشار محمد مختار عبد الله وهو ينطق بالحكم يملؤه الغيظ والتشفى ومما قال: ومما يؤسف له أن مهندس الجريمة – يقصد الأخ أحمد فؤاد عبد الوهاب رحمه الله – ليس حاضرا، وأنه فضل رصاصات البوليس على حكم الإعدام الذى كان مؤكدا أن هذه المحكمة ستصدره عليه! وكان يتهدد أصحاب البراءة بأن موعده معهم سيكون فى قضية السيارة الجيب، ذلك أنه كان من المقرر، حتى حينذاك أن ينظر قضية السيارة الجيب أيضا، ولكن مختار عبد الله قدّر فَقُتِل كيف قدر، وقدر الله وما شاء فعل.
وتم تنفيذ حكم الإعدام فى عبدالمجيد أحمد حسن رحمه الله يوم 25 أبريل 1950 فى عهد وزارة الوفد بعد أن رفض التماس أسرته بالعفو عنه.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة .