الخميس 28 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

هذا تاريخهم.. الملفات السرية للإخوان الحلقة الأولى اغتيال النقراشي باشا

نشر بتاريخ 29/ديسمبر/2013 بموقع "المركز العربي للدراسات والبحوث"

نشر
عبد الرحيم علي

من أرشيف عبدالرحيم على .. الحلقة الأولى: عُصبة الشر.. هذا تاريخهم.. وذلك قسمهم على «المصحف والمسدس»

وذلك لتعرف الأجيال القادمة حقيقة هذه الجماعة الدموية ولا تقع في شركها ولا زيف استخدامها للشعارات الدينية
سيد سابق أفتى باغتيال النقراشى باشا.. وتلا على القاتل الآيات والأدعية وبشره بالجنة 

القاتل ومجموعة التنفيذ تدربوا فى عزبة الشيخ محمد فرغلى بالإسماعيلية

في عام 1948، اغتال الإخوان المسلمون النقراشي باشا رئيس وزراء مصر الأسبق، وفي عام 2012  قامت كتائب الإخوان بموقعة جمل جديدة راح ضحيتها ستة من شباب الثورة، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم خرجوا ليعبروا عن رأيهم في حكم بلادهم، لذا اختار الكاتب الصحفي عبدالرحيم، الخبير قي شئون الجماعات الإسلامية علي  قراره أن يفتتح الكتابة فى ملف «الإخوان والعنف»، ويكشف عن الملفات السرية للإخوان بداية بقضية مقتل رئيس وزراء مصر، لأنها شكلت نقطة فاصلة في علاقة الإخوان بالسلطة. 

وحرص "علي" أن يُفند العلاقة الملتبسة بين الإخوان والسلطة (أي سلطة) منطلقا من قضية النقراشي باشا، شارحا كيفية فهم الإخوان لهذه العلاقة، والأسس التي كانت تقوم عليها، وما هي أهداف الإخوان – دائما- من ورائها وذلك لتعرف الأجيال القادمة حقيقة هذه الجماعة الدموية ولا تقع في شركها ولا زيف استخدامها للشعارات الدينية.

ويقول الكاتب الصحفي عبدالرحيم علي في تناوله لهذه القضية: «طبيعي أن تفتتح مثل هذا النوع من الكتابات التاريخية بالبدايات (بداية العلاقة بين الإخوان وحكومة النقراشي، والظروف التي أحاطت بها، صعودا نحو قمة التراجيديا التي انتهت بمقتل الرجل وما تلاه من مقتل حسن البنا مؤسس الجماعة أيضا).

إلا أن التشكيك في النوايا، من جانب الإخوان، وكتائب الردع الخاصة بهم، جعلني أبدأ من حيث أردت أن أنتهي (من لحظة الاغتيال) وفق أسلوب (الفلاش باك)، عائدا من ثم إلى البدايات، في محاولة لشرح الخريطة الغامضة لعلاقة الإخوان بالسلطة في كافة العهود، وعبر كل الأزمنة، خاصة ما يتعلق منها بجانب استخدام العنف، عندما لا يصلح التطويع (تطويع السلطة أيا كانت ا تجاهاتها) لصالح أهداف الجماعة، والتي غالبا ما تتناقض وتتعارض في مجمل الأوقات والمواقف مع مصلحة الوطن والأمة.
وقد رأيت أن أسد كل باب على المتنطعين، وهم كثر، بأن أبدأ باعترافات الجناة، والمنفذين، والمخططين، من خلال أوراق القضية الأصلية، ومذكرات النيابة العامة، وما خطوه بأيديهم من شهادات ومذكرات، بعد عشريات من السنين، مضت على تلك الحوادث.

واستبعدت عمدا تحقيقات البوليس السياسي، ليعدل من عدل عن بينة، وليمض في غيهم المبطلون.

والطبيعي، وفقا للأسلوب الذي اخترته، أن أبدأ قصة اغتيال النقراشي، من اعترافات المتهم الأول، طالب الطب البيطري عبدالمجيد أحمد حسن، وملاحظات النيابة العمومية، المحررة في 11/7/1949، بمعرفة السيد محمود منصور النائب العام آنذاك، والتي تضمنتها أوراق القضية رقم 5 لسنة 1949 جنايات عسكرية – عابدين، ويحمل ملفها رقم (1/3/197) عموم الأمن العام، القسم المخصوص. 

وتبدأ المذكرة باتهام النائب العام لكل من:

لا يتوفر وصف.
عبدالمجيد أحمد حسن

المتهم الأول: عبدالمجيد أحمد حسن، السن 22 طالب بكلية الطب البيطري ويقيم بحدائق القبة شارع حسني رقم 6 ومحبوس بسجن الأجانب.

المتهم الثاني: محمد مالك يوسف محمد مالك، السن 25 موظف بمطار ألماظة ويقيم بشارع الصحافة رقم 181 بالسبتية، ومحبوس بسجن الاستئناف

المتهم الثالث: عاطف عطيه حلمى، السن 25،  طالب بكلية الطب ويقيم بشارع الجوالي رقم 13 بالمنيرة، ومحبوس بسجن مصر برقم 4325/1932

المتهم الرابع: كمال سيد سيد القزاز، السن 26 نجار موبيليا ويقيم بشارع الرحبة رقم 4 بقلعة الكبش، ومحبوس بسجن مصر برقم 7762/1658

المتهم الخامس: عبدالعزيز أحمد البقلى، السن 26 ترزي أفرنجي ويقيم بشارع الحكومة رقم 7 بقلعة الكبش، ومحبوس بسجن مصر برقم 7760/2748

المتهم السادس: يد سابق محمد التهامي، السن 34 مقرئ دلائل ويقيم بشارع التبانة زقاق سوق الغنم رقم 6،  ومحبوس بسجن مصر برقم 6196/2873

 ووجهت  التهمة لهم بأنهم في يوم 28 ديسمبر سنة 1948 م الموافق 27 صفر سنة 1368هـ بدائرة قسم عابدين بمدينة القاهرة ارتكبوا الجرائم التالية: 

المتهم الأول عبدالمجيد أحمد حسن

لا يتوفر وصف.
عبدالمجيد أحمد حسن

أولًا:- قتل حضرة صاحب الدولة محمود فهمي النقراشي باشا عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن عقد النية هو والمتهمون الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس على قتله، وأعد بمعونتهم مسدسا وسترة عسكرية لضابط بوليس برتبة الملازم أول ومرن على ارتدائها والظهور بها، وفي صبيحة يوم الحادث ارتداها وحمل المسدس وقصد إلى مقهى قريب من وزارة الداخلية في انتظار إشارة تليفونية من أحد شركائه باقتراب موعد وصول المجني عليه فلما تلقاها دخل بهو الوزارة متوسلا بتلك السترة وتربص للمجني عليه واقفا بالقرب من المصعد المؤدي إلى مكتبه حتى إذا قدم وهم بدخول المصعد فاجأه المتهم بإطلاق مقذوفات نارية عليه من ذلك المسدس قاصدا قتله فأصابه بالجروح النارية المبينة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياته على الأثر.

ثانيا- أحرز سلاحا ناريا - مسدسا- بدون ترخيص.

والمتهمون الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس 

اشتركوا مع المتهم الأول بطريق الاتفاق والتحريض والمساعدة في ارتكاب هاتين الجريمتين بأن انعقدت إرادتهم على قتل دولة المجني عليه بوصف كونهم هم والمتهم الأول أعضاء في جمعية إرهابية من وسائلها القتل ووقع اختيارهم على المتهم الأول لتنفيذ الجريمة فأمروه بارتكابها وساعدوه على الأعمال المسهله والمتممة لها إذ جهزوه بالسلاح والسترة الرسمية ورسموا له كيفية ارتكابها وحددوا له الزمان والمكان فوقعت الجريمتان بناء على ذلك الاتفاق والتحريض وهذه المساعدة.

وبناء عليه، ووفقا لذات التقرير

يكون المتهم الأول قد ارتكب الجريمتين المنصوص عليهما في المواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات والمادة الأولى من القانون رقم 8 لسنة 1917 الخاص بإحراز وحمل السلاح والمادتين الأولى والثانية من الأمر العسكري رقم 35 بشأن الأسلحة النارية والذخائر المعدل بالأمر العسكري رقم 49

ويكون باقي المتهمين قد ارتكبوا الجريمة المنصوص علهيا في المواد سالفة الذكر والمادتين 40 فقرة أولى وثانية وثالثة و41 من قانون العقوبات.

ولذلك، وعملًا بالقانون رقم 15 لسنة 1923 الخاص بنظام الأحكام العرفية – والمادة الأولى من القانون رقم 73 سنة 1948 الخاص بإضافة حالة جديدة إلى الحالتين اللتين يجوز فيهما إعلان الأحكام العرفية – والمرسوم الصادر في 13 مايو سنة 1948 بإعلان الأحكام العرفية والأمرين العسكريين رقم 67 (ثانيا) و72 بشأن جواز إحالة بعض جرائم القانون العام إلى المحاكم العسكرية والقانون رقم 59 سنة 49 بشأن استمرار العمل بالقانون رقم 73 سنة 1948

تطلب النيابة العمومية من المحكمة العسكرية العليا معاقبة المتهمين طبقا للمواد والأوامر العسكرية سالفة الذكر.

اعترافات قاتل النقراشي:

وقد أورد تقرير مقدم من نيابة الاسئناف تم تحريره في 10 أغسطس سنة 1949، بمعرفة وكيل نيابة الاستئناف، عددا من الملاحظات المهمة، يأتي في مقدمتها أقوال المتهم الأول عبدالمجيد أحمد حسن، الطالب بكلية الطب البيطري والتي جاءت على النحو التالي (أوردنا النص الكامل طبقا لما جاء في تقرير النيابة العمومية لأول مرة، لتعرف الأجيال الجديدة الحقيقة كاملة دون تزييف).

أولا: قرر عبدالمجيد أحمد حسن المتهم بقتل المغفور له دولة محمود فهمي النقراشي باشا أنه انضم في أوائل سنة 1946 إلى جمعية سرية تكونت من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأقسم في أحد المنازل اليمين الخاص بها على المصحف والمسدس وأنه شاهد المتهم الأول السيد فايز عبدالمطلب في شهر يناير سنة 1948 وهو يرأس نفرا منهم يتدربون على استعمال السلاح في منطقة الأسمرات بجبل المقطم ومن بينهم شفيق إبراهيم أنس المتهم الثالث، وأنه حوالي شهر مايو أو يونيو سنة 1948 عرّفه أحد أعضاء مجموعته السرية المدعو أحمد عادل كمال (المتهم في قضية الجناية العسكرية رقم 227 سنة 1948 الوايلي) في منزله بالسيد فايز بوصفه رئيسا لمجموعات القاهرة السرية وكلفه أحمد عادل كمال هذا بعد ذلك بنحو شهر بمقابلة السيد فايز في منزله في موعد حدده له قبل عيد الأضحى بأيام قلائل، فقابله فيه حيث وجد عنده كلا من المتهمين الرابع والسادس والسابع محمود كمال السيد محمد ومحمود حلمي فرغل ومحمد أحمد على وكذا جمال الدين إبراهيم فوزي (المتهم في قضية الجناية العسكرية رقم 227 سنة 1948 الوايلي) (وهي القضية المعروفة بقضية السيارة الجيب) وأفهمهم السيد فايز أنهم أصبحوا يكونون مجموعة جديدة تحت رئاسة جمال فوزي واجتمع أعضاء هذه المجموعة في منزل رئيسهم في اليوم الأول من أيام هذا العيد واتفقوا على القيام برحلة إلى مدينة الإسماعيلية في اليوم الثالث (يوافق 15 أكتوبر سنة 1948) وسافروا في الموعد المحدد إلى عزبة تابعة لهذه المدينة ومعروفة باسم عزبة الإخوان المسلمين، وقضوا ليلتهم فيها وفي الصباح أخذوا منها مدفع سريع الطلقات ومسدسات وقنبلة يدوية وتوغلوا نحو نصف ساعة سيرا على الأقدام في الصحراء الواقعة في الجهة الغربية من العزبة وهناك تدربوا على استعمال المدفع والمسدسات، كما ألقى محمد أحمد على القنبلة اليدوية – ووصف عبدالمجيد هذه العزبة وصفا دقيقا تبينت من المعاينة صحته وأرشد عنها فتبين أنها العزبة التي يزرعها كل من محمد محمد فرغلى ومحمد ابراهيم سويلم (المتهمين في القضية سابقة الذكر) والتي ضبطت فيها أسلحة ومفرقعات وأوراق للجمعية السرية – وأرشد عن مكان التدريب في تلك الصحراء فعثر فيه على أظرف رصاصات مطلقة وغلاف قنبلة يدوية.

لا يتوفر وصف.
الشيخ سيد سابق الذي أفتى بقتل النقراشي باشا

مالك يوسف ودوره:

وتمضي مذكرة نيابة الإستئناف لتذكر أن عبدالمجيد أحمد حسن قد قرر أنه هو وأعضاء مجموعته صاروا يجتمعون بعد ذلك في منزل رئيسهم جمال الدين إبراهيم فوزي، وبعد بضع اجتماعات عرفهم بالمتهم محمد مالك يوسف وقال إنه انضم لمجموعتهم، وأنه سيدربهم على قيادة السيارات والموتسكيلات، وسافر جمال فوزي إلى فلسطين في 16 نوفمبر سنة 1948 وأصبح محمد مالك هو الصلة بينهم وبين القيادة، وصاروا يعقدون اجتماعاتهم أحيانا في منزله وأحيانا أخرى في قاعة البنج بنج بنادي جمعية الشبان المسلمين إذ كان محمد مالك عضوا قديما فيها والتحق باقي أعضاء المجموعة بها لهذا الغرض – وبعد صدور أمر حل الجماعة بتاريخ 8 ديسمبر سنة 1948 اجتمع عبدالمجيد أحمد حسن ومحمود كامل السيد ومحمود حلمي فرغل ومحمد أحمد على ومحمد مالك يوسف في منزل هذا الأخير حيث عرفهم بالمتهم الثاني محمد صلاح الدين عبدالمعطي باعتباره من رؤساء الجمعية السرية، وكان أحد أصابع يديه مربوطا وأبلغهم صلاح هذا بأن الجمعية قد اعتزمت أن تقتص لأمر الحل ممن تسببا في صدوره وهما النقراشي باشا وعبدالرحمن عمار بك – وقرر عبدالمجيد أنه في يوم السبت الأسبق على تاريخ حادث قتل دولة النقراشي باشا (أي يوم 18 ديسمبر سنة 1948) حضر إليه محمد مالك في منزله حوالي الساعة السابعة والنصف صباحا، وطلب منه أن يذهب لمقابلة أحمد فؤاد في منزله بالعباسية لأمر سيخبره به وقابله فيه وجلس معه في غرفة في فناء هذا المنزل وأبلغه بأن الاختيار قد وقع عليه لقتل النقراشي باشا، ثم حصلت وقائع هذا اليوم على التفصيل المذكور في القائمة الأصلية من مقابلة عبدالمجيد لعاطف عطيه والذهاب إلى دكان كمال القزاز ثم دكان عبدالعزيز البقلى، لأخذ المقاس وإجراء البروفة الأولى في دكانه مساء – وفي يوم الأحد التالي (19 ديسمبر سنة 1948) اتصل به أحمد فؤاد صباحا في قهوة الإعلام باسم حسني على سبيل التجربة ثم ذهب عبد المجيد إلى المقهى المقابل لوزارة الداخلية حيث وجد كل من المتهمين الرابع والسابع محمود كامل السيد ومحمد أحمد على – وفهم أنهما يجلسان فيها لمراقبة سيارة النقراشي باشا وحوالي الساعة الواحدة بعد الظهر قابل الترزي عبدالعزيز أحمد البقلى بناء على موعد سابق أمام سينما إيزيس وذهبا معا إلى منزل هذا الترزي حيث أجرى له البروفة الثانية كما اشترى في هذا اليوم حذاء أسود اللون وتقابل في المساء بناء على اتفاق سابق مع الضابط أحمد فؤاد إمام دار الحكمة في شارع القصر العيني، وذهبا معا إلى منزل عاطف عطيه حيث وجداه هو والسيد فايز عبدالمطلب المتهم الأول وعبدالحليم محمد أحمد المتهم الخامس وجلال الدين يسن المتهم الثامن، ثم وافاهم السيد سابق محمد التهامي وقال السيد فايز أن الخطة تقضي بأن يرتدي جلال الدين يسن سترة كونستابل ويصحب عبدالمجيد وقت ارتكاب الجريمة – وتلا السيد سابق على عبدالمجيد بعض الآيات والأدعية مبررا له ارتكابها وأوصاه بتلاوة دعاء خاص في طريقه إلى محل الحادث، وسرد رواية مؤداها أن شخصا يدعى عبدالرحمن عبدالخالق استشهد في فلسطين ودخل الجنة ثم انصرف عبدالمجيد مع عبد الحليم محمد أحمد وذهبا بإرشاد هذا الأخير في سيارة تاكسي إلى المنزل رقم 25 شارع على يونس بشبرا ليتعرف عبدالمجيد على موقعه وأفهمه عبدالحليم أنه هو المنزل الذي أعد لتغيير ملابسه فيه.

لا يتوفر وصف.

وإلى لقاء في الحلقة القادمة لنشرح كيف تمت عملية الاغتيال على لسان منفذيها.