السبت 20 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: خامنئي.. إمام المتآمرين

نُشر بتاريخ 29/مارس/2015على موقع البوابة نيوز

نشر
عبد الرحيم علي

بعد نجاح الثورة الإيرانية ١٩٧٩ انتخب على خامنئى المرشد الأعلى الحالى للثورة، عضوًا في الدورة الأولى للمجلس الاستشارى الإسلامى، أول برلمان في عهد الثورة، وظل جزءًا من النظام السياسي منذ ذلك الحين، حيث أسس الحزب الجمهورى الإسلامى بالاشتراك مع آية الله محمد بهشتى، وعلى أكبر هاشمى رفسنجانى وآية الله موسوى أردبيلى.
ومن موقع وكيل وزارة الدفاع الذي تولاه عام ١٩٧٩ م، إلى رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام والمرشد العام للثورة الإيرانية عام ١٩٨٩م، اشتهر خامنئى بالتحايل والتآمر، حيث وصل للمنصب الأخير بعد تعديل دستورى يجيز للمجتهد تولى الزعامة بعد أن كانت حكرًا على الفقيه.
المرشد الأعلى للثورة في إيران هو المرجعية والأساس في رسم السياسة الخارجية، وله قوة روحية وسلطوية كبيرة في الدولة، وسياسة خامنئى المعادية للعرب مرتبطة إلى حد كبير بأوهام وأحلام الإمبراطورية الفارسية، لذا، كانت إيران حاضرة، وبقوة، في العديد من الملفات في المنطقة، في لبنان من خلال حزب الله الذي يقوم دائمًا بالحرب بالوكالة عن طهران، سواء مع إسرائيل أو في الداخل اللبنانى. وفى العراق عبر حزب الدعوة الذي كان يرأسه نورى المالكى، والذي لعب الدور الأكبر في تمزيق المكون السياسي والمذهبى والعرقى في العراق. وفى فلسطين من خلال حركة المقاومة حماس، حيث استغلت طهران الحركة في عمليات شق الصف الفلسطينى المتتالية. الأمر الذي نجح في النهاية في تقطيع الدولة إلى نصفين ترأسهما حكومتان، حكومة شرعية بقيادة الرئيس المنتخب محمود عباس، وحكومة انفصالية تقودها حركة حماس.
وأخيرًا في اليمن السعيد، الذي تحول بفضل التدخل الإيرانى المباشر عبر جماعة الحوثيين، إلى اليمن التعيس.
الطموحات الفارسيّة تتجاوز حدود الهلال الشيعى المزعوم، وتتسع لتصل حتى الهيمنة على أجزاء طريقى الحرير الشمالى الصيفى والجنوبى الشتوى، اللذين يمران عبر منطقة الشرق الأوسط وسواحل أفريقيا.
ومعروف أن طريق الحرير الشمالى، يمرّ من الموصل في العراق وصولًا إلى حلب في سوريا، لذا فإن الحرب تدور على أشدها في هذه المناطق، تلك الحرب التي يشرف عليها بشكل مباشر قاسم سليمانى قائد فيلق القدس، وترى إيران أن تلك الحرب ستحدّد مستقبل استراتيجيتها في المنطقة. وإذا كان ظهور تنظيم داعش قد ساعد على كثافة التواجد الإيرانى في كل من الموصل وحلب، فالكثير من الاتهامات كانت وما زالت موجّهة إلى إيران في صناعة هذا التنظيم المُريب.
وما إعلان مصر والسعودية والمغرب والبحرين والكويت واليمن والإمارات عن كشفها خلايا تجسس تعمل لمصلحة إيران، إلا دليل آخر على نيّتها في توسيع نفوذها، خاصة أن قادة إيران الذين خرجوا من التقيّة إلى العلنيّة في تصريحاتهم، لا يتردّدون في الإعلان عن أن صنعاء تعد رابع عاصمة عربيّة تصبح تحت هيمنة بلادهم بعد بيروت ودمشق وبغداد، رغم أنها في الواقع خامس عاصمة عربية باحتساب الأهواز العربيّة.
وبعد احتلالها كامل الساحل الشرقى للخليج العربى، حيث الجزر الإماراتية وبعض الجزر العُمانيّة، وخاصة تلك الواقعة في مضيق باب السلام (هرمز)، سيطرت إيران على أهم ممرّات طريق الحرير البحريّة، حيث احتلت ميناء عصب اليمنى المطلّ على البحر الأحمر، واستأجرت جزيرتى فاطمة ونهلقة الإريتريتين لتوسع نفوذها في مضيق باب المندب.
ورغم أن طريق الحرير قد بدأ بتجارة الحرير منذ ٣ آلاف سنة قبل الميلاد، إلا أن الدولة الفارسية تبحث عن الهيمنة على أهم ممراته للسيطرة على التجارة وخاصة تجارة المخدرّات التي اشتهرت بها ولنشر مذهب «الصفوية» القائم على الفتنة.
وإذا كان يحق للدول البحث عن مصالحها، فإن ذلك لا ينفى كون جميع الإمبراطوريات الغابرة في التاريخ قد اندثرت إلى الأبد، بما في ذلك الإمبراطورية البريطانية «التي لا تغيب عنها الشمس»، ورغم ذلك، يبقى النظام الفارسى هو النظام الوحيد الذي يتطلع نحو العودة إلى إمبراطورية الأكاسرة والساسانيين، ومرجع هذه التطلعات هي أوهام القوّة، فالدولة العاجزة عن إطعام شعبها، هي أقل بكثير من أن تمد قدميها أكثر من غطاها، وهذا ما لا ينطبق على إيران التي أصبح اقتصادها يعتمد بنسبة أكثر من ٤٠ بالمئة منه على التهريب.
الصراع في المنطقة بين أمريكا وإيران، الذي يأخذ في أحيان كثيرة شكل التحالف كما هو الحال في العراق.. هدفه الأول والأخير العرب، الذين يعتقد بعضهم أن إيران تخوض معركة ضد الأمريكيين.. وبعضهم الآخر يعتقد أن أمريكا تخوض معركتهم ضد إيران، وهو ما يمثل قمة الغباء السياسي. فالقوتان الأخطر الآن في المنطقة هما إسرائيل وإيران، وهما يخوضان معركة مصالحهما المشتركة على جثة العرب..الغائبان وبالمطلق عن صورة ما يرسم لأوطانهما، ما بين تل أبيب وطهران.. وهو ليس صراع نفى للآخر.. وإنما صراع على الاستحواذ على المنطقة وتقاسمها، إيران تأخذ الشرق والدولة العبرية تأخذ الغرب، ويتم التعاون بينهما على ذلك.. لكن الشرق عند الأمريكيين (النفط) هو الأهم من الغرب المفلس ماديًا، لذا يبدو الصراع على أشده من جهة أخرى حول هذا الشرق بين تل أبيب وطهران، والفائز هو من ستدعمه الولايات المتحدة، وتساند طموحاته.
في حرب واشنطن ضد الإرهاب في أفغانستان، كانت واشنطن في حاجة إلى مساعدة إيران في المراحل الأولى من الحرب، ولذلك سعت إلى حوار معها بكل الطرق وخاصة على المستوى الأمنى، ولعبت بريطانيا دور الوسيط في ذلك الحوار. من هنا وبالرغم من الإدانة الإيرانية للغزو الأمريكى لأفغانستان، وذلك على لسان خامنئى «أننا نشجب الإرهاب بكل أشكاله ونعارض الحملة الأمريكية على أفغانستان، ونرفض الدخول في أي تحالف تقوده أمريكا» منتقدًا أولئك الذين يدعون إلى محادثات معها قائلًا «وإن كانوا غير سيئى النية فإنهم غافلون عن أن هذه المحادثات تنفى القبول بتحقيق المصالح الأمريكية» لقد قامت إيران بتقديم الدعم الميدانى للولايات المتحدة، حيث وافقت في أكتوبر ٢٠٠١ على المساهمة في إنقاذ أي قوات أمريكية تتعرض لمشاكل في المنطقة، كما سمحت للولايات المتحدة باستخدام أحد موانيها لشحن القمح إلى مناطق الحرب في أفغانستان، وشاركت في الدعم العسكري لقوات التحالف الشمالى، حتى سيطرت على كابول.
أجرى خامنئى محادثات عدة قبل وأثناء غزو العراق، عقدت ثلاث منها على الأقل خلال عام ٢٠٠٣ (في شهور يناير، مارس، مايو) لمناقشة الموقف في العراق. ورغم أن ممثل الأمم المتحدة، هو الذي قام بافتتاح تلك المحادثات للحفاظ على صفتها كمحادثات غير مباشرة، إلا أن ممثل الأمم المتحدة كان ينسحب سريعًا من تلك المحادثات ليترك الوفدين الأمريكى والإيرانى للحديث الثنائى المباشر.
ففى حين صرخ فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية، انتصرت بالطابور الخامس، فإن الأمريكيين احتفظوا بالسر حتى الآن، وهو أنهم لم يحتلوا بغداد بهذه السرعة القياسية سوى أيضًا بفعل الطابور الخامس الإيرانى.. الذي استقبل قوات الاحتلال الأمريكى في بغداد.. كتعبير رمزى عن هذا التحالف الإيرانى - الأمريكى.
أمريكا في حربها واحتلالها للعراق عام ٢٠٠٣، لم يكن رهانها على بعض العملاء الصغار.. وإنما على الدور الإيرانى.. وعملاء إيران.. فالاتصالات بين هؤلاء وواشنطن تكثفت قبل الحرب.. استعدادا لشن هذه الحرب واحتلال بغداد.
ففى اللحظة الأولى لإطلاق أول صاروخ أمريكى على بغداد كانت قوات (العراق الإيرانية) قد بدأت دخول العراق من جميع الجهات.. بقيادات ومستشارين إيرانيين، وبالتنسيق الكامل مع طهران.. التي وضعت جهاز استخباراتها تحت تصرف الأمريكيين عن طريق عملائهم.. وهكذا لم تتقدم القوات الأمريكية لبغداد إلا بعد أن كان الإيرانيون عبر وكلائهم محمد باقر الحكيم وعبد العزيز الحكيم ونورى المالكى، والعنزى وعز الدين سليم ومجيد الخوؤى وبمباركة السيستانى ومقتدى الصدر.. وغيرهم قد سيطروا على بغداد.. وكان الفضل الأساسى لهم..
بعد انتهاء المعركة.. واستقرار الاحتلال في بغداد.. بدأ تقديم الثمن.. فالأمريكيون لم يعطوا السلطة لعملائهم الذين أعدوهم منذ سنوات.. أمثال أحمد الجلبى وجماعة الوفاق والحزب الإسلامى والحزب الشيوعى بل قدموها لوكلاء إيران ورجالها الذين تحالفوا معهم في الحرب والاحتلال.. وهكذا أصبح آل الحكيم.. الحاكم المطلق الأول في العراق وإن كان في سجن المنطقة الخضراء في وسط بغداد.
ومنذ الاحتلال يلعب آل الحكيم الدور الأكبر في التنسيق بين واشنطن وطهران، كما تقول تحركاته المكوكية.. السرية والعلنية.. بين هاتين العاصمتين وفقًا لتقاسم (كعكة العراق) بينهما.. وليس المالكى ومن قبله علاوى.. سوى (ديكور) فقط لآل الحكيم الذين يملكون ميليشيات مسلحة على الأرض، وهى التي تعاونت مع القوات الأمريكية في حرب القتل والخطف والتدمير والاعتقال في العراق.
ووفقًا للغة المصالح فإن تدمير بغداد.. كان هدية «إستراتيجية» أمريكية للإيرانيين..الذي شكل العراق (عقدة) تاريخية أمام الإيرانيين للاندفاع نحو الغرب العربى.. وهو المجال التوسعى الوحيد للإيرانيين لكى يلعبوا دورًا إقليميًا في المنطقة.. خاصة أن (الورقة) المذهبية هي الورقة الوحيدة التي في يدهم ليلعبوا بها.
ولقد كان لخامنئى الدور الأكبر فيما حدث في العراق، وهذا ما فضحته المراسلات السرية التي تم كشفها مؤخرًا التي جرت بين الرئيس الأمريكى باراك أوباما وخامنئى، والتي تظهر كم الغزل السياسي والصداقة المقربة بين الرجلين. أول من كشف عن تلك المراسلات كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» استنادًا إلى مصدر دبلوماسى إيرانى رفض كشف اسمه، أشار إلى أن آية الله خامنئى أرسل رسالة إلى أوباما ضمنها احتراماته، حيث مثلت تلك الرسالة جوابًا متأخرًا بعض الشيء على رسالة الرئيس الأمريكى التي أرسلها له في شهر أكتوبر ٢٠١٤ بشأن التعاون في مكافحة «الإرهاب»، في حال التوصل إلى اتفاق حول برنامج طهران النووى، وهو ما ظهر جليًا في زيارة أوباما مؤخرا للسعودية لتقديم واجب العزاء في وفاة الملك عبد الله، حيث حث السعوديين على التفاهم مع إيران.
استخدام «القاعدة»
علاقة إيران بتنظيم القاعدة غامضة، وفيها مفارقات عديدة. فرغم أن هذا التنظيم التكفيرى يمثل العدو الأيديولوجى الأشد للشيعة، الذين يفترض أن إيران تمثل دولتهم الكبرى في العالم، لكن علاقة هذا التنظيم السنى المتطرف بتشكيلات الحرس الثورى الإيرانى (باسداران) وبخلايا المخابرات الإيرانية (الاطلاعات) تبدو إيجابية للغاية.
علاقة إيران والقاعدة برعاية خامنئى قديمة ففى ١٩٩٨، حيث قدمت إيران الدعم للقاعدة لمساعدتها في القيام بتفجيرات نيروبى ودار السلام، بحسب حيثيات الحكم الصادر عن محكمة في واشنطن عام ٢٠١١، وقد جاء في الحكم، أن عددًا من أعضاء القاعدة البارزين وضمنهم سيف العدل، المسئول السابق للجناح العسكري في التنظيم، وعددًا من العناصر المرتبطة بتفجيرات نيروبى، قد تلقوا تدريبات في معسكرات حزب الله في جنوب لبنان.
وفى عام ٢٠٠٠ وخلال جلسة محاكمة جرت في نيويورك أيضًا، اعترف أحد عناصر القاعدة بأنه رتّب اجتماعًا بين أسامة بن لادن وعماد مغنية، المسئول الاستخباراتى السابق لحزب الله، في السودان، والذي لقي مصرعه في دمشق منذ عامين، مضيفًا أن إيران قدمت تدريبات على استعمال المتفجرات لعناصر القاعدة والجهاد الإسلامى في مصر.
وفى مقابلة مع قناة الجزيرة في عام ٢٠١٢، قال أبو حفص الموريتانى، رئيس الهيئة الشرعية للقاعدة السابق، إن الإيرانيين سمحوا بدخول الفارين من أفغانستان بناء على «تنسيق مسبق» مع «جهات معيّنة» في الدولة الإيرانية.
وقال إنه كان بالفعل أحد الذين شاركوا في هذه الترتيبات التي سمحت بدخول عناصر القاعدة وغيرهم من الجهاديين، وعوائلهم إلى إيران ضمنهم قياديون مثل سيف العدل وأعضاء مجلس الشورى التابع للتنظيم.
وأوضح أبو حفص الذي استقال من القاعدة احتجاجًا على هجمات ١١ أيلول أن الإيرانيين طلبوا من الذين يأتون إليهم أن لا يقوموا بعمليات انطلاقًا من الأراضى الإيرانية، وأن هؤلاء التزموا بذلك.
وأكد القيادى السابق بالقاعدة، الذي أقام في إيران ١٠ سنوات قبل السماح له بالعودة إلى نواكشوط في بلده الأم موريتانيا، أن الإيرانيين وضعوهم، ليس في إقامات جبرية، وإنما في مضافات خاصة وفق «بعض القيود».
وقال إن «الإيرانيين كانوا يتعاملون مع ملفنا كورقة يستفيدون منها»، مشيرا إلى أن الإيرانيين لم يحققوا معهم بل وجهوا لهم «أسئلة بسيطة» كان لهم الحق في الإجابة عليها أو تجاهلها و«لكن نحن ليس لدينا ما نخفيه فقد جئنا بترتيب مع بعض الجهات الموجودة هناك».
وقد استمرت إيران في استضافتها قادة القاعدة وأبناء بن لادن، حتى حينما شن فرع القاعدة في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوى حربًا لا هوادة فيها ضد قادة الشيعة العراقيين، بزعم أنهم حلفاء لإيران، واعتبر خامنئى وقتها أن تلك العمليات تصب في مصلحة إيران، حيث تشعر الشيعة بالخطر مما جعلهم يرتمون في الحضن الإيرانى.
حزب الله والحرب بالوكالة
كان قيام الثورة الإسلامية في إيران عام ١٩٧٩ بقيادة الخميني دافعًا قويا لنمو حزب الله، وذلك للارتباط المذهبى والسياسي بينه وبين القادة الجدد في طهران، رغم أنه سبق الوجود التنظيمى لحزب الله في لبنان، والذي يؤرخ له بعام ١٩٨٢ وجود فكرى وعقائدى يسبق هذا التاريخ، هذه البيئة الفكرية كانت لمحمد حسين فضل الله دور في تكوينها من خلال نشاطه العلمى في الجنوب.
فالعلاقة بين حزب الله وخامنئى يتداخل فيها البعد السياسي والدينى، فبعض اللبنانيين الشيعة الذين يمثلون كوادر حزب الله، تربطهم بالمرجعيات الدينية الإيرانية روابط روحية عميقة، ويعتبر خامنئي أكبر مرجعية دينية بالنسبة لهم. ويطلق على أمين عام حزب الله حسن نصر الله «الوكيل الشرعى لآية الله خامنئى».
والحزب يتلقى كل الدعم السياسي والمالى من خامنئى، الأمر الذي يدل على أن الحزب هو حزب إيرانى على أرض لبنانية، يقول حسن نصر الله:
«إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام، والدولة التي تناصر المسلمين والعرب وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما أن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الدينى والشرعى لكفاحنا ونضالنا».
وقد كلف حزب الله إيران الكثير من الجهد والمال، غير أن إيران استفادت منه الكثير أيضًا، فهى من جهة تمكنت من تحسين صورتها أمام المجتمع السنى، خاصة بعد أن ساءت صورتها كثيرًا خلال حربها الطويلة مع العراق، ومن جهة أخرى، ظهرت بمظهر البلد الذي يواجه إسرائيل وواشنطن. ومن جهة ثانية؛ يخدم الدعم الإيرانى لحزب الله المشروع الشيعى في الأساس والذي يحلم باستعادة إمبراطورية فارس.
ويمثل حزب الله، في النهاية، الورقة الرابحة بيد إيران التي يستطيعون استخدامها وقتما يشاءون في الضغط على أمريكا وإسرائيل لتحقيق مآربهم.
شق الصف الفلسطينى
بعد انتصار الثورة الإيرانية، سارع النظام الجديد في طهران برعاية الخمينى إلى رفع شعار القضية الفلسطينية، وسلم مفاتيح السفارة الإسرائيلية في طهران إلى الراحل ياسر عرفات، لتصبح سفارة دولة فلسطين. أدرك نظام الملالى أن بوابة القضية الفلسطينية ستؤمن ممرًا آمنًا إلى الداخل العربى، واستخدمت «التقية السياسية» في سبيل إنجاح هذه الخدعة، التي انطلت على الشعوب العربية المتعطشة لانتصارات حتى وإن كانت مجرد شعارات.
إن طهران لا ترغب مطلقًا في حل القضية الفلسطينية، حتى لا تخسر هذه الأداة التي تؤهلها بقوة للتدخل في الشأن العربى. مثال على ذلك عندما تقدم الملك فهد بن عبد العزيز في عام ١٩٨٢ بمبادرة سعودية لحل القضية الفلسطينية، أطلقت الجمهورية الإسلامية في إيران حملة إعلامية ومساعي دبلوماسية خارجية استهدفت إجهاض هذه المبادرة، ووصفها بأنها مشروع غربي- إسرائيلى لتمييع القضية الفلسطينية أو نسفها، هذا في الوقت الذي رفضها الغرب وإسرائيل معا!.
هذا النموذج الرافض لحل القضية الفلسطينية، تكرر مع كل مبادرة عربية تهدف إلى وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطينى وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. الجانب الآخر في سعى إيران لإبقاء القضية الفلسطينية دون حل، يكمن في محاولة استمرار الشرخ بين الفلسطينيين أنفسهم، من خلال دعم طهران الكامل لحركة حماس لعدة عقود، والحيلولة دون توصل الفريقين الفلسطينيين المتصارعين «فتح وحماس» إلى توافق وطنى يوحد كلمتهم في مواجهة المحتل. يملك النظام الإيرانى ورقتين رئيسيتين يستخدمهما للتدخل في الشأن العربي؛ إحداهما مزاعم الدفاع عن الأقليات الشيعية في العالم العربى، بينما يضطهد السنّة في الداخل لأسباب عرقية، والأخرى ورقة القضية الفلسطينية التي يفضل عرقلة حلها، لضمان استمرار تدخله في الشأن العربى.
إيران، بدورها، تفضل عدم حل هذه القضية، لضمان استمرار إحدى قنواتها الرئيسية للتدخل في شئون العرب، والعمل على شق الصف العربى، كما تفعل من خلال تحريكها بعض المنتسبين للأقليات الشيعية في الدول العربية، لإثارة الفتن وزعزعة الأمن في تلك الدول. إن العلاقات بين إيران وإسرائيل لم تنقطع تمامًا بعد ثورة ١٩٧٩، وصفقات الأسلحة خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية خير شاهد على ذلك، ولعل آخر ذلك التعاون ما كشفت عنه صحيفة «الديلى تلغراف» البريطانية مؤخرًا، من محاولة بعض تجار الأسلحة الإسرائيليين بيع قطع غيار طائرات مقاتلة لإيران. إذن، فالفرق بين الدولة البهلوية والدولة الحالية بقيادة خامنئى، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يكمن في تغير الأدوات والأساليب مع بقاء الأهداف والتوجهات، كما أن العلاقة تحولت من العلانية إلى الخفاء لا أكثر، وكما بدأت إيران الحالية تتخلى عن شعار «الشيطان الأمريكى» وأعادت علاقتها تدريجيا مع واشنطن، فإنها لن تتردد في فعل الأمر ذاته مع إسرائيل متى كان ذلك يخدم مصالحها وأهدافها السياسية.
الربيع العربى والطابور الخامس
لقد كانت الخطبة الشهيرة، التي ألقاها على خامنئى باللغة العربية، في جمعة ٢٨ يناير بمثابة رسالة بلا مستقبل، فالشباب المصرى الذي كان متواجدًا في ميدان التحرير، وقتها، وبغض النظر عما حدث فيما بعد، لم يكن من شيوخ التكايا وحلقات الذكر الصوفى، وإنما شباب لا يختلفون على الإطلاق عن هؤلاء الذين قاموا بانتفاضة الحركة الخضراء الإيرانية، تلك الانتفاضة التي جرى قمعها بالحديد والنار، بأمر من هذا الذي يُسمى نفسه «ولى أمر المسلمين»، والتي أبدى حينها الشباب المصرى عبر صفحات التواصل الاجتماعى، تضامنهم مع ضحاياها وأعربوا عن نفورهم من خامنئى وخطابه ونظامهم القمعى.
لقد أراد النظام الإيرانى من وراء الخطبة التي وجهها خامنئى إلى الشباب، إيهام الشارع الإيرانى أن خامنئى ونظامه يحظون بشعبية كبيرة في العالم العربى، تمكنهم من التأثير في الأحداث القائمة آنذاك، بينما الحقيقة على خلاف ذلك تمامًا، فالشارع الذي انتفض على الرئيس حسنى مبارك وعلى نظام «بن على»، لم يكن ليقبل أن يتبع توجهات دكتاتور أرعن يُعد نفسه ظل الله في الأرض.
الغريب أن طهران بدأت، ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع ما سمى بثورات الربيع العربى، في الادعاء بأن تلك الثورات مستلهمة من التجربة الإيرانية في عام ١٩٧٩ وبدأ الإعلام الإيرانى الرسمى يهتم بإظهار الثورات العربية بشكل إيجابى، باستثناء الثورة السورية، وبدأ معها الترويج لآية الله خامنئى كإمام لهذه الثورات، وليس كمجرد آية من الآيات، وبهذا يتغير اسم إيران من جمهورية إلى إمامة، وبذلك يصبح خامنئى قائد المسلمين في العالم.
وفى سعيه لتزييف الحقائق، لجأ خامنئى للحليف والشيطان الأكبر، جماعة الإخوان الإرهابية، فلا يستطيع أحد أن ينسى عصر التقارب الإخوانى الإيرانى إبان حكم محمد مرسي في مصر، وزيادة التمثيل الدبلوماسى والتعاون الذي وصل إلى قدوم أول فوج سياحى إيرانى لمصر، وهو ما يبرر رفض إيران مجددًا في فبراير ٢٠١٥ على لسان نائب وزير خارجيتها، حسين أمير عبد اللهيان، اعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة «إرهابية».
طلاق سراح الجاسوس الإيرانى كان أول الغيث، إطلاق سراح جاسوس إيرانى دبلوماسى جمع معلومات عن المجلس العسكري ومعلومات عن المنشآت الاقتصادية، ومعلومات عن القوى السياسية الناشئة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة، بعد هذا العرض، إذا كان على خامنئى، وعلى الرغم من مضى أكثر من ثلاثة عقود على انتصار الثورة الإيرانية لا يتجرأ على النزول إلى الشارع والتواصل مع شعبه، فكيف يحق له تنصيب نفسه «وليًا لأمر المسلمين»؟.
إن أوهام خامنئى في الزعامة ومؤامراته في السيطرة على المنطقة ستزول حتمًا، وسيصحو على كابوس مرعب، بداية فصوله، ما يحدث الآن في اليمن.