الثلاثاء 08 أكتوبر 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

11 عاما على يناير.. ماذا جرى؟ .. سياسة الألف جرح في مصر.. خطة أمريكية صاغتها واشنطن ضد القاهرة"3-3"

نشر بتاريخ 27/يناير/2022 بموقع "البوابة نيوز"

نشر
ثورة يناير
ثورة يناير

الحقائق القديمة لا تزال صالحة لإثارة الدهشة ..

طبيب الأطفال هشام مرسي زوج ابنة القرضاوي أسس مركزًا سماه «أكاديمية التغيير»

«سري».. رسالة أمريكية في 2006: النظام المصري يتأهب للموت وينبغي التعجيل بوفاته أو إنهاكه عبر إصابته بألف جرح

أحد عشر عاما مرت على أحداث 25 يناير وما زالت تلك الأحداث هي الأكثر غموضًا وضبابية في تاريخ مصر، حتى عندما نحاول قراءة ذلك الكم الهائل من المقالات والكتب والدراسات والتقارير والبحوث التي نشرت حولها من قبل أطراف مختلفة ومتباينة ومتضاربة، فلن نستوعب ما حدث بل لن ننجو من الإصابة بدوار هائل، لن يفضي بنا إلى شيء، لكنني من منصة الباحث أستطيع أن أقول لكم، وأنا مطمئن الضمير، إن المصريين تعرضوا لأكبر عملية خداع في تاريخهم، فيما يخص حقيقة ما حدث في تلك الأيام.

 

فقد تابعت الحدث عن قرب، وتفاعلت مع تطوراته، كنت أعرف منذ اللحظة الأولى أن النظام القائم لن يصمد طويلًا أمام هبات من غضب المصريين، يتوازى معها تخطيط محكم من جهات تسعى إلى إشاعة الفوضى في أكثر منطقة مضطربة في العالم لتصحح أخطاء خطط التقسيم الذي نتج عقب الحرب العالمية الأولى، والمعروف باتفاقيات «سايكس بيكو» ولكن، في هذه المرة، على أرضية السلام والمصالح المشتركة، تخطيط دقيق دام لسنوات طويلة قبل يناير ٢٠١١.

 

تناولنا في الحلقتين الأولى والثانية، خطط الأجندة الغربية في المنطقة، والتي لا تنعزل عما جرى في 25 يناير، وكل ما جرى في دول عربية أخرى، وذلك برسم خرائط للمنطقة، وتقسيمها، ودعم ما يسمى بـ«الربيع العربي».

 

وعرضنا العديد من الخطط، والتي بدأت من 1973 وبعد انتصار أكتوبر، والسعي لكسر الجيوش العربية، وخاصة الجيش المصري، ومشروع برنارد لويس، الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية، وتفتيت دول شمال أفريقيا، والجزيرة العربية، والشام، وتفتيت لبنان والأردن، وهدم مقومات أي مشروع لإقامة الدولة الفلسطينية.

 

وكشفنا عن التعاون الأمريكي مع الإخوان، واعتراف ورقة بحثية أمريكية بتعاون الرئيس الأسبق باراك أوباما مع الجماعة الإرهابية، إلى أن جاءت ثورة 30 يونيو التي أوقفت هذا المخطط.

 

كما تناولنا التاريخ السري للعلاقات بين الأمريكان وجماعة الإخوان الإرهابية، واللقاءات التي جرت بين قيادات في الجماعة ومسئولين في الولايات المتحدة، والتي ظلت سرية حتى الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.

 

واستعرضنا التفاصيل الخاصة بكيفية ترتيب لقاءات مع الرئيس الإخواني محمد مرسي، ولقاءات أخرى بغطاء من مجموعة من قيادات الجماعة، ورؤساء أحزاب إسلامية في دول عربية.

 

وفي حلقة اليوم ننتقل إلى مرحلة التشابكات والحاضنات الخارجية لتنفيذ خطط الأمريكان في المنطقة واختيار قطر لهذه المهمة، وكيف فشلت كل الخطط الأمريكية لإنهاك مصر.

 

حواضن الأمريكان في المنطقة

كان لابد من وجود حواضن في المنطقة تساعد وتحمي وتمول خطط تنفيذ خطط الأمريكان، ووقع الاختيار، بدون أدنى جهد على قطر لتقوم بذلك الدور وفيما بعد تركيا، ولكن السؤال لماذا قطر؟

 

ثانيا: الدور القطري لماذا؟

كان الأمريكان يبحثون عن حاضنة للتنظيم الذي ستكون له اليد الطولى في تنفيذ خطتهم على الأرض، خاصة في حال حدوث انتكاسة ما للخطة أثناء تنفيذها.

 

حاضنة لها علاقات تاريخية بالتنظيم وكذا علاقات وثيقة بأمريكا وطموحات غير مشروعة تحتاج إلى قوى عظمى لتحقيقها ووقعت ضالتها على قطر، ولكن لماذا قطر؟

 

كانت شبه الجزيرة القطرية قد تعرفت مبكرًا على الإخوان المسلمين، عندما استقبلت أولى موجاتهم المهاجرة من مصر بعد أحداث الصراع المرير مع عبدالناصر سنة ١٩٥٤، واستقبلت الموجة الثانية بعد مذبحة حماة السورية ضدهم عام ١٩٨٢، أما الموجة الثالثة فجاءت من شمال أفريقيا «تونس والجزائر وليبيا» في تسعينيات القرن الماضي إثر نشوب الصراع بين حكومات هذه الدول، والإسلاميين، وذلك عندما انقلب الجيش الجزائري على المسار الانتخابي الذي فازت فيه جبهة الإنقاذ الإسلامية بالأغلبية، وحل زين العابدين بن على محل الرئيس الحبيب بورقيبة العجوز، كما انقلب معمر القذافي في ليبيا على الإسلاميين لفشل مشروعه «الفيلق الإسلامي في الصحراء الأفريقية» وحصوله بالمال على النفوذ المبتغى داخل قصور الرؤساء، وشيوخ القبائل في المنطقة.

 

وتدفقت الموجة الرابعة من الإسلاميين على قطر من السعودية التي ضيقت الخناق عليهم بعد أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ الإرهابية في الولايات المتحدة، ومن قبلها التفجيرات الإرهابية أيضًا في الأراضي السعودية نفسها، في الخبر والرياض والدمام، التي ثبت منها أن أغلب إرهابيي ذلك اليوم إما سعوديون، أو ذوو روابط مع جهات سعودية.

يوسف القرضاوي

كانت الخطوة الأولى هي تأسيس منتدى الحوار الأمريكي الإسلامي عام ٢٠٠٤ برعاية وزارة الخارجية القطرية، وأصبح المنتدى محفلًا سنويًا لالتقاء الخبراء والمسئولين الأمريكيين، بجميع أطياف الإسلام السياسي، تمهيدًا لاختيار الشريك الإسلامي للاستراتيجية الأمريكية في الوقت المناسب.

 

تأسس أيضا في قطر، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو منظمة يترأسها يوسف القرضاوي، الذي كان هو نفسه أحد لاجئي الإخوان إلى قطر منذ عشرات السنين، لكن دوره السياسي لم يكن ليبقى مستقلًا حتى النهاية، فقد انبرى يدافع عن المصالح والتوجهات القطرية في كل مكان وزمان.

 

قطر ومشروع النهضة

وكمبادرة قطرية خالصة أسست الحكومة القطرية «مشروع النهضة» للتدريب والنشر والندوات والمحاضرات، وأسندت قيادته إلى جاسم سلطان المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في قطر، ولكن بعد أن قررت الجماعة حل نفسها بذريعة أن الحكومة القطرية القائمة تطبق من تلقاء ذاتها برنامج الجماعة، وتساعد سلطان نفسه على ترويج هذا البرنامج في جميع الدول الإسلامية، من خلال فروع جماعة الإخوان المنتشرة فيها، وفى المقدمة منها الجماعة الأم في مصر. وتتذكرون جميعا أن المشروع الذي طرحه الإخوان في مصر كأساس لدعايتهم الانتخابية، كان اسمه مشروع النهضة؟! بغض النظر عن أنهم عادوا وقالوا إنه لا وجود لمثل هذا المشروع؟

 

وقد استضاف مركز جاسم سلطان «النهضة» معظم قيادات الإخوان المصريين لتدريبهم على العمل من خلال المنظمات الديمقراطية، بدلًا من التركيز على التسلل عبر المجتمع للسيطرة أو الهيمنة، وتخرج على يدى المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في قطر إخوانيون بارزون، منهم طبيب الأطفال هشام مرسي، حامل الجنسية البريطانية، وزوج ابنة الدكتور يوسف القرضاوي، الذي أسس بدوره مركزًا سماه «أكاديمية التغيير»، التي لعب من خلالها دورًا رئيسيًا في ثورة يناير المصرية، بعد أن قرر الإخوان الالتحاق بها، وتخرج في برنامج سلطان للنهضة «على السلابى»، وهو من وصفته صحيفة واشنطن بوست بالمهندس الحقيقي لترتيبات الحكم في ليبيا بعد الثورة، وعاش في قطر عدة سنوات، وهو من تلاميذ الشيخ القرضاوي، وصرح بأنه طلب مساعدة قطر في الأيام الأولى للثورة الليبية.

 

الإخوان وقطر و«الربيع العربي»: مخاوف مشروعة من علاقة قطر بالإخوان

هناك حالة من الغموض تكتنف العلاقة بين قطر والتيارات الإسلامية الصاعدة قبل وبعد أحداث الربيع العربي على وجه العموم، والإخوان المسلمين في مصر على وجه الخصوص، وتلك العلاقة تثير مخاوف مشروعة حول طبيعة تلك العلاقة والثمن المقابل لها؛ في ظل مخاوف وأطروحات حول السعي القطري للسيطرة على مقدِّرات الوطن، واستغلال الظروف الاقتصادية والأعباء التي تمر بها المنطقة ومصر لتمرير مخططاتها وأطماعها تجاه مصر.

 

فلقد تعاطت قطر مع أحداث الربيع العربي بشكل مختلف تمامًا عن بقية دول الخليج التي حركتها مخاوف العدوى؛ لقناعتها بوجود مؤامرات أو عدم وجود نية وطنية خالصة في دعوات التغيير، وقامت قطر بتبني دعوات التغيير عبر الآلة الإعلامية والدعم المادي والدولي.

 

ويتضح ذلك جليًا في العلاقة بين دولة قطر والنظام الحاكم في تونس، والذي يأتي على رأسه حزب النهضة التونسي، فوزير الخارجية التونسي، رفيق عبدالسلام، كان رئيسًا لوحدة الدراسات والأبحاث في مركز الجزيرة بالعاصمة القطرية الدوحة، كما أن والد زوجته، راشد الغنوشي، هو رئيس حزب النهضة التابع لجماعة «إخوان تونس».

 

كما شهدت السياسة الخارجية لقطر تغييرًا كبيرًا فيما يتعلق بالتعامل مع الثورة الليبية التي ساندتها الدوحة بالأموال والسلاح، وشاركت طائراتها في الغارات الجوية لقوات حلف شمال الأطلسي «ناتو» على ليبيا، كما انتشرت قواتها البرية في ليبيا، وساهمت مع المعارضة الليبية في قتالها ضد قوات القذافي.

 

ويبدو ذلك أكثر وضوحًا في تصريحات مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي، الذي أكد فيها أن نجاح الثورة الليبية يعود بشكل كبير إلى قطر، مشيرا إلى أن قطر أنفقت ما يقرب من ملياري دولار في ليبيا، فالاستثمارات القطرية في ليبيا تبلغ قيمتها ١٠ مليارات دولار، كما أنها وقّعت اتفاقات جديدة مع ليبيا بـ٨ مليارات دولار عندما كانت الحرب لا تزال مستمرة هناك.

 

تدخل واضح ضد محمود جبريل

بذلت قطر الكثير من الجهود، والأموال لحرمان السياسي محمود جبريل «القومي الليبرالي» من رئاسة الحكومة الانتقالية رغم فوز التحالف الذي أسسه بأغلبية مقاعد المؤتمر الوطني الليبي، وذلك بتكتيل كل الآخرين ضده، والسبب في رأيه فضلًا عن ضمان النفوذ القطري في ليبيا- هو عدم قيام حكومة غير منتمية للإسلام السياسي، ومنتمية إلى القوميين والليبراليين في دولة غنية بالنفط مثل ليبيا، تستطيع أن تدعم القوميين والليبراليين في بقية دول الربيع العربي، خاصة في مصر، وذلك في مواجهة الدعم القطري للإسلاميين، مما ينذر بانهيار سريع لاستراتيجية الارتباط الأمريكي البناء بالإخوان المسلمين.

بشار الأسد

أما بالنسبة للعلاقة مع سوريا، فإن الرغبة القطرية الواضحة في الإطاحة بنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، تأتى من أجل إقامة نظام آخر ترأسه جماعة «الإخوان السورية»، وهو هدف تدعمه تركيا أيضًا، بالإضافة لتمكين الجماعات المتطرفة، مثل داعش وجبهة النصرة، في بسط نفوذها على سوريا بالوكالة عنها.

 

القاهرة.. الطريق إلى ٢٥ ينايــر ٢٠١١:

في عام ٢٠٠٦ أي قبل إرهاصات ما سمى بـ«الربيع العربي» بخمس سنوات: أرسل السفير الأمريكي في القاهرة فرانسيس ريتشارد دوني برقية إلى وزارة الخارجية في واشنطن بتاريخ ١٦ مارس ٢٠٠٦ تحت عنوان «سري»، وقد أرسلت البرقية في وقت كان فيه قادة أمريكا يصنفون مصر بـ«الدولة الصديقة والحليف الاستراتيجي!»

 

تقول البرقية: «إن النظام المصري يتأهب للموت، وينبغي التعجيل بوفاته أو إنهاكه عبر إصابته بألف جرح، وهو ما سمى بسياسة (الألف جرح في مصر)».. وتضيف البرقية: «على الأرجح لن يكون من الممكن إحراز تقدم ديمقراطي كبير طالما بقى الرئيس مبارك في منصبه، ومع هذا فإن حكمه القاسي يوفر مساحة ويعطى وقتا لإعداد المجتمع المدني وبعض مؤسسات الحكومة المصرية كمرحلة تسبق رحيله، وليس لدينا حل ناجح لكل شيء، ولكن يمكننا الضغط من أجل التغييرات التي ستؤدى حتما إلى الموت عن طريق ألف جرح صغير لنظام مصر السلطوي الاستبدادي، باعتماد سياسة «الخدعة الجماهيرية».

 

وتشير البرقية إلى أن المؤسسة العسكرية ستكون عبئا على التغيير، وتوقعت البرقية أن تزداد شعبية جماعة الإخوان، لأنهم يقدمون خدمات اجتماعية لا تقدمها الحكومة المصرية نفسها، وثقتهم بأنفسهم تتزايد.

 

صفقة ٢٠٠٥ برعاية أمريكية:

سبق تلك البرقية التي أشرنا إليها صفقة تمت بين الإخوان ونظام مبارك قبيل الانتخابات الرئاسية عام ٢٠٠٥، دفع إليها انعدام قدرة الحكومة المصرية الحد من نشاط الإخوان في الشارع عبر اتباع السياسة الأمنية المعروفة بسياسة تقليم الأظافر، في ظل رقابة أجنبية صارمة ومخططات أجنبية ترى أن الوقت موات للتدخل في شئون البلاد الداخلية، وهو ما حدا بالحكومة إلى السعي لإجراء اتفاق مع الجماعة يتضمن الإفراج عن المعتقلين من كوادر الجماعة شريطة اشتراك الإخوان في الانتخابات وعدم مقاطعتها لإكسابها نوعا من الشرعية.

 

ولم يكن وقوف الجماعة خلف أيمن نور في الانتخابات الرئاسية وتأثيرها على النتيجة بحصوله على أكثر من نصف مليون صوت، إلا لتحقيق العديد من الأهداف، في حينه:

 

الأول: إيصال رسالة إلى النظام أنه بإمكان الجماعة التأثير في أي انتخابات وإنجاح أي مرشح حتى ولو كانت شعبيته ضعيفة في الشارع.

 

الثاني: إيصال رسالة إلى الغرب وخاصة الولايات المتحدة مفادها أنها جماعة تؤمن بالأفكار الليبرالية، ولا يتعارض ذلك مع برنامجها الإسلامي.

 

الثالث: إسقاط نعمان جمعة -رئيس حزب الوفد- والذي عارض أحقية الإخوان في إنشاء حزب سياسي.

 

بدايات الصدام:

كانت بدايات تعكر صفو العلاقة بين النظام وجماعة الإخوان قضية ميليشيات الأزهر، تلك القضية التي حملت رقم: ٩٦٣ لسنة ٢٠٠٦ (تمويل الإخوان) (ورقم ٢ عسكرية لسنة ٢٠٠٧).

 

حيث قام طلاب الإخوان في جامعة الأزهر يوم ١٠ ديسمبر ٢٠٠٦ بعمل استعراض مماثل لطوابير عرض الميليشيات العسكرية، وارتدوا أغطية سوداء على رءوسهم تحمل كلمة «صامدون»، والبعض منهم قام بتغطية وجهه لإخفاء هويته، والبُعد عن الرصد الأمني، وذلك على خلفية فصل ٧ طلاب «إخوان» من الجامعة، واكتشفت فرق المتابعة الأمنية أن قيادات الجماعة قامت بتشكيل لجان تنظيمية تضم العناصر الطلابية المنتمية لها، وتكليف كل لجنة بمهام محددة بهدف تحقيق الانتشار الأفقي في أوساط القطاعات الطلابية بجامعة الأزهر، وهو ما لم يكن متفقًا عليه بين الطرفين.

 

انتخابات مجلس شورى ٢٠١٠:

بعد فشل جلسات الحوار بين الجماعة والأحزاب والقوى السياسية، في تشكيل جبهة للتصدي للنظام قرر الإخوان العودة إلى حضن النظام وإطلاق بالونة اختبار لقياس قابلية النظام للحوار مرة أخرى.. رشحت الجماعة ثلاثة من نوابها في مجلس الشعب ليخوضوا انتخابات مجلس الشورى التي جرت في يونيو ‏٢٠١٠، ولكن النتيجة جاءت مخيبة لآمال الجماعة بعد فشل مرشحيها الثلاثة في الفوز بأي مقعد، على الرغم من وجودهم كنواب داخل مجلس الشعب لمدة خمس سنوات متتالية‏.

 

شعرت الجماعة بالأزمة فبدأت في الاستجابة للحوار العميق مع الأمريكان حول الإطاحة بالنظام، وشرعت في الاتصال بمندوبي واشنطن في تركيا للحصول على التعليمات.

 

كانت التعليمات واضحة، مقاطعة الانتخابات البرلمانية في ٢٠١٠ وركوب موجة البرادعي التي التف حولها الكثير من القوى السياسية‏، والدفع باتجاه أحداث يناير إلى قمة الصدام.

 

تقارير أجهزة المعلومات:

رصدت أجهزة المعلومات المصرية، العديد من التحركات لعدد من أجهزة المخابرات الأجنبية، وبصفة خاصة الأمريكية، كما شهدت نشاطًا ملحوظًا لعناصر تلك الأجهزة في ميدان التحرير.. إبان الأحداث.. وكانت التقديرات الأمنية، تؤكد أن ثمة حدثا كبيرا تستعد له البلاد على غرار الأحداث في تونس، وتم عرض تلك التقديرات بتاريخ ٨ يناير ٢٠١١ على القيادة السياسية بمعرفة المشير حسين طنطاوي الذي كانت لديه تخوفات طبقًا لتقارير جهاز المخابرات الحربية، تشير إلى أن الحدث قد يخرج عن نطاق التظاهرة إلى نطاق العصيان المدني، وعلى الفور صدرت توجيهات القيادة العامة للقوات المسلحة برفع حالة الاستعداد اعتبارًا من يوم ٢٠ يناير ٢٠١١.

حسني مبارك

٢٣ يناير ٢٠١١:

توجهت في ذلك اليوم بعثة عسكرية مصرية برئاسة الفريق سامى عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لحضور المؤتمر السنوي للتنسيق والتعاون العسكري المصري الأمريكي، وهو المعنيُّ بالبحث في جميع أنواع التعاون لكل الأفرع والأسلحة ويهتم بتحديد المطالب وتقييم ما تم إنجازه، ويشار إلى أن الزيارة المشار إليها كان مخططًا لها شهر أكتوبر ٢٠١٠، وتم تأجيلها لكون الموعد المحدد كان يواكب انتخابات مجلس الشعب المصري، وهو ما يستدعى أعمال تأمين وحماية تتولاها القوات المسلحة بإشراف رئيس الأركان. وقد فوجئ الفريق «عنان» عند وداعه في المطار بالرجل الثاني في القيادة العامة للجيش الأمريكي ينتظره في صالة الوداع في أحد المطارات العسكرية تمهيدا للوصول إلى واشنطن حيث يأخذ طيارته المتجهة إلى القاهرة.. يقول الفريق «عنان» إن الرجل انتحى به جانبا وقال له بالحرف: ابعدوا الجيش عن حركة الشباب في الشارع ولا تتصدوا لتلك التظاهرات فزوال حكم مبارك بات مسألة وقت.. وما يحدث في الميدان هو بداية النهاية.

 

لم يدرك «عنان» أن كل شيء كان معدًا وأن الفاعلين الرئيسيين كانوا قد ضغطوا على زر بداية تشغيل الخطة وأن ما بقى مسألة وقت.

 

كان لكل مشارك في الأحداث من الكتل الكبيرة دوره المرسوم بدقة، الإخوان، البرادعي، ٦ أبريل.

 

وحدها تلك الأسر البسيطة والطيبة من شعب مصر العظيم التي خرجت بالآلاف تدعم شعارات حملت أوجاعها وطموحاتها، لم تكن على خط التماس مع هؤلاء المخططين والداعمين، لذلك كانت صدمتها عنيفة عندما كشفنا لها يوما ما في برنامج «الصندوق الأسود» عمق ما حدث وخطورته.