الثلاثاء 16 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: حصان طروادة

تم نشر هذا المقال على موقع نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز يوم الخميس 11 ديسمبر 2014

نشر
عبد الرحيم علي

حصان طروادة فى الميثولوجيا اليونانية، خدعة استخدمها الإغريق لاقتحام مدينة طروادة، أثناء الحرب التي دارت بينهم وبين الطرواديين. تلك الحرب التي حاصر خلالها الإغريق المدينة ذات القلاع والأسوار الحصينة، عشر سنوات كاملة، الأمر الذي دفعهم لاختلاق خدعة، أوهموا من خلالها أهل طروادة بالانسحاب وفك الحصار تاركين خلفهم حصان خشبي عملاق كنوع من الهديه للمنتصرين سمي بـ(حصان طروادة).

فلما وجد الطرواديين الحصان فرحوا بانتصارهم على الإغريق وادخلوه إلى المدينة، بينما كان الإغريق يخبئون داخله عددا من أشرس وأبرع مقاتليهم، وعندما حل الظلام قام مقاتلوا الإغريق بالخروج من بطن الحصان الخشبي والتسلل إلى أبواب المدينة وفتحها، الأمر الذي سهل للجيش الإغريقي، الذي كان يختبئ بسفنه خلف الجبال، التقدم والدخول إلى المدينة. 

نجحت خدعة الإغريق واستولوا على البلدة التي عصيت على الاختراق لعشرية من السنوات، تعد قرنا بمقاييس زماننا. ومنذ ذلك اليوم يستخدم المصطلح، للتعبير عن خداع العدو من الداخل عبر تجنيد عناصر من أتباعه وإدخالهم إلى معسكره.

والحقيقة أن ذلك هو عين ما حدث معنا فيما سمي بالربيع العربي، فمع بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، نشأ النظام العالمي الجديد أحادي القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية استنادًا إلى تفكك القوة الأخرى وهي الاتحاد السوفييتي، وكانت حرب الخليج الثانية هي الإعلان الأول لفكر هذا النظام في التعامل مع الأزمات الدولية من خلال تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة ما أطلق عليه، مصطلح الدولة ال"مارقة"، من أجل إجبارها على مسايرة هذا النظام.

ثم تطور هذا النظام، لتتولى الولايات المتحدة الأمريكية، بقدراتها الذاتية وبمشاركة محدودة من حلفائها تنفيذ أهدافها الاستراتيجية، خاصة في مجال الحرب ضد الإرهاب التي اشتعلت مع بداية الألفية الثالثة واستهدفت مناطق عديدة من الشرق الأوسط كأهداف مباشرة طبَّقت عليها أمريكا استراتيجيتها الجديدة في الضربات الاستباقية وباستخدام نظم تسليح وقيادة وسيطرة غير مسبوقة على مستوى العالم.

لم تكن هذه الهيمنة وليدة الصدفة، فقد خططت أمريكا، ومنذ الحرب العالمية الثانية، لأن تقفز على قمة العالم دون منافس. وقد استهدف النظام العالمي الجديد منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة ودارت على أرضه وحوله العديد من الحروب والأزمات ومحاولات الاستقطاب والتي لم تدرها أمريكا بمفردها ولكن بمشاركة كاملة، أو محدودة، من حلف شمال الأطلنطي الذى يعد الذراع الطولى للنظام العالمي الجديد والتي حرصت واشنطن على بقائه، برغم ما حدث لحلف وارسو من تفكيك عقب انهيار الاتحاد السوفييتي.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، وإنما تطور الحلف من مجرد آلية عسكرية للدفاع عن أوروبا في مواجهة الاتحاد السوفييتي القديم لأن يصبح إدارة سياسية عسكرية لمواجهة الأزمات في العالم لصالح الغرب، وحرصت الولايات المتحدة على بقائه حتى تحبط النوايا الأوروبية بتشكيل قوة عسكرية أوروبية مستقلة قد تصبح مناوئة في وقت ما، في مواجهة الولايات المتحدة وأجبرت الدول الأوروبية على القبول بفكرة، أن استمرار الحلف ودعمه هو الخيار الأوحد، واستطاعت واشنطن من خلال هذا الدعم أن تحقق أهدافها، مع تحميل الدول الأوروبية تكاليف تلك الأهداف نيابة عنها.

سايكس بيكو :

وإبان استعار الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي "بريجنسكي" بالقول إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة الأمريكية، من الآن فصاعدا، هي كيفية تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو.

وعقب إطلاق هذا التصريح، وبتكليف من البنتاجون، بدأ المستشرق البريطاني اليهودي "برنارد لويس" عام 1981 بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة العضوية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعًا كل على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي.. وغيرها، لتتحول الى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت بوحي من مضمون تصريح "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي الأمريكي.

وفي عام 1983 وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على المشروع وتم تقنينه واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية في السنوات التالية وتم وضع آلياته وخطط تنفيذه واكتملت تلك التحركات في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتفكيك الكتلة الشرقية في مطلع التسعينات .

الشـــرق الأوســـط الكبـــير:

بداية تنفيذ الفكرة على أرض الواقع كانت مع قيام اللجنة الأمريكية للأمن القومي، وهي لجنة استشارية فيدرالية تعرف باسم لجنة (هارت رودمان)، بوضع تقرير كبير في فبراير 2001 بعنوان: (البيئة الأمنية الكونية الجديدة في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين)، تضمن التقرير عددًا من الدراسات والأبحاث عن المناطق المختلفة في العالم ومن بينها ما يسميه التقرير الوثيقة (الشرق الأوسط الكبير). 

عّرف التقرير منطقة الشرق الأوسط الكبير بأنها (تلك المنطقة التي تضم كلًا من العالم العربي، إسرائيل، تركيا، آسيا الوسطي، القوقاز، ومنطقة شبه القارة الهندية)، وتمثل هذه المنطقة، كما جاء في التقرير (أكبر مستودع للطاقة في العالم). كانت صحيفة الواشنطن بوست هي أول من أفصح عن هذه المبادرة الأمريكية الجديدة حين ذكرت في 9 فبراير 2004 أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تعمل على صياغة مبادرة طموحة لتعزيز ونشر الديمقراطية في (الشرق الأوسط الكبير) وذلك بإعادة تكييف وتعديل نموذج اُسْتُعْمِلَ من قبل في الضغط من أجل نشر الحريات في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية.

وقد بدأ بالفعل كبار المسئولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجية محادثات مع حلفاء أوروبيين رئيسيين حول رسم مخطط شامل لعرضه على مؤتمرات القمة المقررة في عام (2004) لكل من مجموعة الدول الثماني الكبرى، ومنظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، في اسطنبول بتركيا.

عمل الحلف على الترويج للمشروع من خلال طرح أفكار ذات جاذبية مثل التنمية الشاملة والرفاهة الاقتصادية وتوفير فرص عمل للعاطلين وتطبيق الديمقراطية والتحرر والانعتاق من حالات القهر والقمع السياسي وتشجيع منظمات المجتمع المدني غير الحكومية على التمرد بشكل او بآخر على النظم السياسية القائمة تحت دعاوى الحرية وفق المنظور الأمريكي، ومن خلال رصد اعتمادات مالية طائلة من ميزانية البيت الأبيض لدعم أنشطة هذه المنظمات التي يفترض في هذه الحالة أنها لن تعارض أي توجهات أمريكية. وكان الإخوان، ومنظمات مثل 6 إبريل، والجمعية الوطنية للتغير، واشخاص كالبرادعي ومصطفى حجازي ووائل غنيم وعمرو حمزاوي ومصطفى النجار وأحمد ماهر، هم حصان طروادة التي احتاجته الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي لدخول المنطقة العربية وفي القلب منها مصر وتفتيتها من الداخل، وهو ما بدأت بشائره في يناير من عام 2011، استغلالا لغضب شعبي عارم جراء سياسات مشوهة قادت البلاد لمقدمات ثورة افتقدت الظرف الذاتي بامتياز. والحقيقة أن محاولات تلك القوى لم تتوقف بعد، خاصة بعدما كسر الشعب المصري العظيم مدعوما بقواته المسلحة، ذلك المخطط في 30 يونيو 2013، الأمر الذي يجعلنا نفتح أعيننا جيدا على القادم في يناير 2015 وما بعده، لنمنع دخول حصان طروادة جديد الى بلادنا.