الجمعة 29 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب : ثلاثية العشق والثورة

تم نشر هذا المقال على موقع البوابة نيوز، الخميس 18 ديسمبر 2014

نشر
عبد الرحيم علي

-1-

25 يناير

مثلت ثورة الخامس والعشرين من يناير، المنحنى الأهم في التاريخ المصري الحديث، فقد تعلم الشعب دروسه الكبرى من خلالها. تعلم المصريون قيمة بلادهم، وعرفوا مدى عشقهم لها، واستعدادهم للتضحية بكل غالي ونفيس من أجل استرجاعها.

توافرت في تلك الثورة، كافة عناصر الظروف الموضوعية لقيام الثورات، فقبل هذا التاريخ بسنوات، ترهل نظام حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وبات يتحكم في السلطة والثروة حفنة قليلة من نخبة السياسة والمال، وتعمقت الأزمة الاجتماعية، كما أوضحنا من قبل، حتى وصلت الى نقطة اللاعودة. في هذه الأثناء كانت قوى خارجية عديدة تخطط لغزو مصر على طريقتها، اختارت تلك القوى جناحين لتلعب عليهما، الإخوان وقوى سياسية ليبرالية طموحة، وصل صراعها مع النظام الى طريق مسدود، وبهذا اكتمل عنصري الثورة اللازمين لانجاحها، الظرف الموضوعي وكان ناضجا بامتياز، والظرف الذاتي، الذي جرى انضاجه على عجل من خلال دفع خارجي من قوى لديها استراتيجيات خاصة في مصر. 

ألتقط الشعب المصري خيط الغضب، وخرج الشباب والنساء والشيوخ والعجائز بالملايين، مطالبين بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. لم يخطط أحد لرفع شعار رحيل النظام، ولد الشعار من رحم الحماس وبتخطيط من تلك القوى، الخارجية قبل الداخلية، وسارت حركة التاريخ للإمام، وارتقى الإخوان على أكتاف الثوار، كما أراد الأمريكان تماما، ووصل مرسي الى السلطة، وكان ما كان حتى مجئ يوم 30 يونيو.

 

-2-

30 يونيو

لم يستطع الإخوان أن يصبروا جولة أو جولتين ليختطفوا ارفع منصب في مصر، رئاسة الجمهورية، كانت نصيحة الأمريكان لهم، الآن وإلا لن تصلوا أبدا، وهو ما دفع بخيرت الشاطر لطرح القضية للمناقشة بمجلس شورى الجماعة. في التصويت الأول حصل المشروع على نصف الأصوات، وفي الإعادة استطاع الشاطر حسم الأمر ببضع اصوات إضافية لا تتعدى أصابع اليد الواحدة. كان مرسي أحد الذين عارضوا القرار، وكان يرى كغيره أن الوقت غير مناسب، ولذلك كانت الخطة إما الفوز أو الدخول في مواجهة مفتوحة مع الجيش، وجاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية لتحرم الإخوان من الخيار الثاني، وتبعد الجيش عن منطقة الصدام مع الجماعة، وهي في أوج قوتها، والشارع ملتهب. أخطا الإخوان باختيارهم الترشح للرئاسة، وأخطأوا أكثر عندما قرروا أن يوغلوا في دماء المصريين إبان أحداث الاتحادية، لم يحسبوا حساباتهم بدقة، فالشعب الذي ثار مرة يسهل عليه الثورة مرة ومرات أخرى، فالدم الآن صار وساما وشارة. 

أخطأ الإخوان عندما تعاملوا مع أوضاع ما بعد 25 يناير بقوانين ما قبل 25 يناير فرسبوا في اختبار الحكم وجاء طوفان 30 يونيو ليكنسهم عن بكرة ابيهم، ومرة أخرى يدفع الغباء، الإخوان الى الانتحار، عندما قرروا مقاومة حركة التاريخ وعكسها باتجاه مصالحهم، للعودة بها الى المربع رقم واحد، فانكسرت أذرعهم وأرجلهم من خلاف، بين عجلاتها وسارت البلاد الى الأمام. 

 

-3-

مصر

على هذه الارض ما يستحق الحياة، صلوات امي، عظام أبي في تربتة، تلك التي تستحلفني كل يوم ألا أفرط في حبة رمل من بلادي، صرخات الأمهات الثكالى، مطالبة بالثأر، عشق البنات الجميلات لكاب الجنود، نسر على رأس ضابط يتحدى الموت، ترنيمة عشق في أوبرا اسماعيل باشا، كورنيش الاسكندرية، وزفة زار قديمة على اعتاب آل البيت، حنين المجذوبين، عجوز تودعني على مدخل قريتي بالدموع داعية لي بالنصر على اخوان الشياطين، شوارع قريتنا الضيقة، وسط البلد، مقهى ريش ونادي السيارات والجريون ومكتبة مدبولي، شوارع غرقت في دموعنا وحنيننا وحبنا وحزننا لثلاث عقود، الكنيسة المرقسية، والجامع الأزهر، نوبات غضب الجنود احتجاجا على استشهاد زملائهم، ورق البردي، والأهرامات، ورأس أبو الهول الصامد منذ آلاف السنين في وجه المحن، تراتيل مصطفى اسماعيل، وعبد الباسط عبد الصمد، والمنشاوي ومحمد رفعت، السيرة العطرة للبابا كيرلس، والانبا شنودة، والشيخ عبد الغني النابلسي ومحمد عبده وشلتوت والامام عبد الحليم محمود.

عشقنا لرمالها، وخضرتها، وريحتها، وهوائها، ومائها، قراها ومدنها، تلك الحقيقة الأبدية المسماة مصر، وثلاثية العشق والثورة.