الخميس 25 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: حادث القديسين والطريق إلى 25 يناير.. أربع سنوات هل تكفي لمعرفة الحقيقة؟

نشر هذا المقال بتاريخ31 ديسمبر 2014 على موقع البوابة نيوز

نشر
عبد الرحيم علي


كانت الساعة تشير إلى الواحدة من صباح الأول من يناير 2011، عندما أذاعت الوكالات العالمية خبر حدوث تفجير أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية، ساعتها كتبت أننا أمام عدد من المعطيات الأساسية التى تربط الداخل بالخارج، ولا تنفصل عنه. 
أولًا: قبل الحادث بأسبوع وبالتحديد فى الرابع والعشرين من ديسمبر2010، نشرت جريدة «التايمز البريطانية»، تحقيقًا صحفيًا حول إفراج إيران عن عدد من كبار رموز تنظيم القاعدة المعتقلين لديها فى صفقة غامضة، قالت الجريدة- التى تتمتع بمصداقية عالية ومصادر غاية فى الدقة- إنها جزء من صفقة للإفراج عن الإيرانى، حشمت أتار زاده، وهو دبلوماسى كان قد اختطف سابقًا بأيدى عناصر القاعدة، ومقاتلى جلال الدين حقاني.
الجزء المهم الذى ذكرته الصحيفة، أن مسئولى استخبارات فى دول شرق أوسطية وفى باكستان طلبوا حجب هوياتهم أطلعوها على أن المعلومات التى بحوزتهم تشير إلى أن إيران عرضت «مساعدات مباشرة» من حرسها الثورى للقاعدة فى الأشهر الأخيرة.
وأضافت الصحيفة، أن من بين من تم الإفراج عنهم، سيف العدل، مسئول استخبارات التنظيم، وأبوالخير المصرى، عضو جماعة «الجهاد» المصرية سابقًا، وأقرب رجل إلى أيمن الظواهرى، القائد الميدانى للتنظيم، كما شملت القائمة، وفق ما ذكرته الصحيفة، أبومحمد المصرى خبير المتفجرات ومهندس تفجيرات كينيا وتنزانيا، إضافة إلى الكويتى سليمان أبوغيث، الناطق الرسمى السابق باسم القاعدة، وثلاثة من أبناء بن لادن.
وختمت الصحيفة، أن جميع المطلق سراحهم من عناصر القاعدة فى الأشهر الأخيرة، كانوا قد وَقَعُوا فى أسر إيران بعد فرارهم إليها أمام تقدم القوات الأمريكية فى جنوب أفغانستان فى أكتوبر عام 2001، واحتفظت بهم سلطات الملالى قيد الإقامة المنزلية الجبرية فى ضاحية فى شمال طهران باعتبارهم «ورقة للمقايضة الاستراتيجية».
مشددة على أن سيف العدل عُيِّن فور الإفراج عنه فى منصب كبير قادة العمليات فى أفغانستان وباكستان، وأنه أشرف بنفسه على تنفيذ عدد من الهجمات عبر الحدود بين البلدين (أفغانستان وباكستان) فى شهرى سبتمبر وأكتوبر 2010.
ثانيًا: فاجأتنا إذاعة النور التابعة لحزب الله اللبنانى الموالى لإيران فى السابع والعشرين من شهر أكتوبر، بخبر انفردت به مشاركة مع موقع جريدة «مسار الأخبار» السورية، قالت فيه، إن عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» أعلن خلال حفل تسليم وتسلم زمام قيادة الجهاز لخلفه أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية نجحت فى تصعيد التوتر والاحتقان الطائفى والاجتماعى فى مصر لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائما ومنقسمة إلى أكثر من شطر، فى سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية.
الغريب أن الخبر لم تأت أى صحيفة إسرائيلية على ذكره، على الرغم من أهميته، إضافة إلى أن هذا النوع من المهمات، وفق خبراء، لا يقع ضمن مسئوليات جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية «أمان» وإنما يقوم به جهاز الموساد، والأكثر غرابة أن هذا النوع من المناسبات، يتم عادة بعيدا تماما عن الإعلام، ولا يحضره صحفيون، الأمر الذى يدلل بما لا يدع مجالًا للشك على أن الخبر لا يخرج عن كونه نوعًا من التعمية على حدث قد تقوم به جهات أخرى لحرق أجهزة التحقيق وتوجيهها وجهة مغلوطة، إضافة إلى تمهيد الرأى العام لقبول مثل هذا النوع من التحليلات.
ثالثًا: لم تمض أيام على هذا الخبر، ونَشَرَ تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين- أو ما يُطلق على نفسه مسمى دولة العراق الإسلامية فى الأول من نوفمبر 2010- بيانا هدد فيه الكنيسة الأرثوذكسية المصرية وأمهلها ثمانى وأربعين ساعة، للإفراج عمن قال إنهم أسراهم فى الأديرة المصرية.
الغريب أن الألفاظ التى استخدمها البيان، جاءت متناسقة تمامًا مع ما ردده بعض المحسوبين على اللوبى الإيرانى فى مصر، فى بعض أجهزة الإعلام العربية، حول أزمة وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة حرفيًا، والأغرب أن هذا الفرع من تنظيم القاعدة (فرع بلاد الرافدين) ثبت منذ فترة بعيدة، وبالتحديد منذ منصف عام 2007، أنه مخترق من قبل الحرس الثورى الإيراني، وتم استخدامه فى مذابح ضد الشيعة بقصد إحداث فتنة طائفية بينهم وبين السنة من جهة، وبهدف تخويف الشيعة لدفعهم إلى الارتماء فى أحضان إيران من جهة أخرى، وقد جاءت وثائق ويكيليكس لتؤكد ما كان غامضا من قبل حول تلك العلاقة المشبوهة.
رابعاً: فى اليوم التالى مباشرة لبيان دولة العراق الإسلامية، نشر موقع يُدعى شبكة المجاهدين بيانا، أعلن فيه عن طلب أحد التنظيمات عددًا محدودًا من المتطوعين الذين سيقومون بدعم لوجيستى لعمليات ضد الأقباط، وحدد الرجل فى بيانه نوع الدعم المطلوب بمراقبة الكنائس، وإرسال تقارير يومية عنها وعن حركة القساوسة.
خامسًا: فى ذلك التوقيت بالضبط كان تنظيم القاعدة فى العراق، الذى تؤوى إيران أكثر من 20% من كوادره بينهم ثمانية وسبعون مصريا، يقودهم سيف العدل مسئول استخبارات التنظيم ويعاونه محمد الحكايمة، الذى يطلق على نفسه زعيم ما يسمى «تنظيم القاعدة فى أرض الكنانة»، يعلن عن طريق فرعه فى العراق تهديده الصريح والواضح لنصارى مصر فى بيان أصدره ما يطلق عليه دولة العراق الإسلامية فى الأول من نوفمبر 2010.
سادسًا: عقب أسبوعين بالتمام والكمال، وبالتحديد يوم 15 ديسمبر 2010، أطل علينا الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، من ساحة الشهداء فى الضاحية الجنوبية، ليخبرنا فى خطابه ضمن احتفالات الحزب بالليلة الأخيرة من ليالى عاشوراء، «أن إسرائيل تسعى لفتنة مسيحية - إسلامية فى مصر، ولفتنة بين السنة والشيعة وبين العرب والأكراد فى العراق وعلى ضرب المسيحيين».
الغريب أن هذه كانت المرة الأولى التى يأتى فيها السيد حسن نصر الله على ذكر المسيحيين المصريين، فى إحدى خطبه، والأغرب أن الرجل كذب الكذبة عبر إحدى أدوات حزبه الإعلامية (إذاعة النور اللبنانية) ثم صدقها، وبعدها راح يصدرها لنا.
سابعًا: لم يمر أسبوعان على خطاب السيد الأمين العام لحزب الله، الذى رَوَّج فيه لعمليات إسرائيلية قادمة ضد المسيحيين المصريين، إلا واستهدفت القاعدة كنيسة القديسين بالإسكندرية، الحادث الذى أسرع الحزب إلى إدانته على الفور، وكأن البيان كان معدا سلفا.
سابعًا: يبدو من الملاحظات السابقة، أننى أشير وبوضوح إلى محاولة إيرانية حمساوية مفضوحة، للعبث بالأمن القومى المصري، عبر استخدام كوادر من تنظيم القاعدة وحلفائهم فى المنطقة، وبخاصة الجيش الإسلامى بقيادة ممتاز دغمش.
لكن لماذا تساهم الإمارة الحمساوية بمساعدة إيران للتدخل فى الشئون المصرية إلى هذا الحد؟ أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تستلزم عرض عدد من الحقائق التى تم إثباتها فيما بعد عن طريق محضر تخابر مرسى العياط:
ففى إطار التمهيد لما حدث فى 25 يناير 2011 تم عقد لقاء بمدينة دمشق خلال شهر نوفمبر عام 2010 شارك فيه كل من على أكبر ولايتى مستشار الإمام الخامنئي، وعلى فدوى أحد عناصر الحرس الثورى الإيرانى وخالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، برعاية من جماعة الإخوان بمصر وبالتنسيق مع التنظيم الدولى للجماعة حيث اتفق المجتمعون على ما يلي:
- تتولى كوادر من الحرس الثورى الإيرانى تدريب العناصر التى سوف يتم الدفع بها من قطاع غزة إلى مصر، وذلك فى حالة نزول الناس إلى الشارع وحدوث فوضى.
- رفع درجة الاستعداد فى خلايا حركة حماس بالقطاع خلال الفترة المقبلة، وذلك وفقا للاتفاق مع قيادات جماعة الإخوان.
- يتولى التخطيط لدخول تلك العناصر إلى مصر الفلسطينى أكرم العجورى عضو حركة حماس نظرا لعلاقته المتميزة مع بدو سيناء ومهربى الأسلحة بها.
- يقوم الفلسطينى خالد مشعل بتسليم الإيرانى على فداوى عدد 11 جواز سفر مصريا لتسليمهم إلى عناصر حزب الله اللبنانى لاستخدامهم أثناء دخول عناصر الحزب إلى مصر.
كان الهدف من تلك الخطة:
ضرب جهاز الشرطة المصرية ضربة موجعة لإفقاده القدرة على الحركة من خلال استهداف عدد 160 قسمًا ومركز شرطة فى توقيت متزامن وهو ما تم فى 28 يناير.
- اقتحام مبانى الليمانات والسجون بدءًا من ليلة منتصف 28 يناير بهدف تهريب عناصر حركة حماس وحزب الله والعناصر البدوية من سيناء، من المحكوم عليهم فى قضايا إرهابية واتجار بالمخدرات، بالإضافة إلى تهريب المسجونين الجنائيين بهدف زيادة حالة الفوضى فى البلاد.
- التواجد بميدان التحرير وبعض الميادين بالمحافظات لإطلاق النيران على بعض المتظاهرين، والادعاء بأن قوات الشرطة تطلق النيران على المتظاهرين السلميين.
-وقد تم إسناد مسئولية تدبير وسائل الإعاشة والسيارات لعناصر حركة حماس وحزب الله اللبنانى وعناصر الحرس الثورى الإيرانى الذين كانوا ينفذون العمليات على الأرض لمكتب رعاية الأعمال الإيرانى بمصر بالتنسيق مع مكتب إرشاد جماعة الإخوان.
كان الهدف إذن هو الإيقاع بالشرطة المصرية، وقبلها الإساءة لسمعتها وضرب الوحدة الوطنية، فى آن، عبر تفجير إحدى الكنائس باستخدام عناصر الجيش الإسلامى المدعوم إيرانيًا وحمساويًا، ومحاولة إلصاق التهمة بالشرطة المصرية، عبر دعايات فجة تدور حول ارتكاب حبيب العادلى، وزير الداخلية آنذاك، الحادث. وبعدها يخرج المسيحيون من معادلة الانحياز الدائم لنظام مبارك، عبر تحميلهم بالغضب ودفعهم للثأر عبر المشاركة فى الثورة على النظام، وكان حادث تفجير القديسين الخطوة الأولى فى الطريق إلى 25 يناير.