السبت 20 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: ورحل الملك الحكيم

نشر هذا المقال على موقع وجريدة البوابة نيوز يوم الجمعة 23/يناير/2015

نشر
عبد الرحيم علي

كانت المرة الأولى التي أشرف فيها بلقاء جلالة الملك عبدالله بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، في فبراير من عام 2008، عندما تلقيت دعوة كريمة لحضور المهرجان الوطنى للتراث والثقافة، المعروف اختصارًا بـ«الجنادرية»، وهو مهرجان ثقافى يعقد كل عام بالمملكة.
كان الوفد المصرى كبيرًا في ذلك العام، ضم زملاء كثيرين من مهنة الصحافة، كان في مقدمتهم الكاتب الصحفى الكبير مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين المصريين آنذاك.
في اليوم التالى للافتتاح دُعينا لمقابلة الملك الحكيم، قدمنى إليه الصديق العزيز العميد دكتور حسن الخليل، أحد المسئولين الرئيسيين عن المهرجان، والضابط بالحرس الوطنى السعودى، وفوجئت بالملك عبدالله يشد على يدى قائلًا: «لا تترك هؤلاء (في إشارة إلى الإرهابيين)، خليك وراءهم وافضحهم، كى يعرف القاصى والدانى حقيقتهم»، وعندما ابتسمت، تعبيرًا عن سعادتى بأن الملك الحكيم يتابعنى، وقد كنت وقتها مستشارًا لقناة العربية لشئون حركات الإسلام السياسي، أردف جلالة الملك «إننى أعرفك من صوتك، حتى عندما أكون أعطى ظهرى للتليفزيون»، مر اللقاء سريعًا فقد كنت ضمن طابور طويل من كبار ضيوف المهرجان وقفوا جميعًا لإلقاء التحية على الملك الحكيم.
بعدها بعامين، فوجئت بهاتف منزلى يرن وكان يوم جمعة، تلقت المكالمة زوجتى، وفوجئت بأن الطرف الآخر على الهاتف كان الديوان الملكى السعودى، أخبرنى المتحدث بأن جلالة الملك يدعونى أنا ومن أحب للحج ضيفًا عليه هذا العام، قفزت زوجتى من الفرح، وأخذت تشير إلىّ بكلتا يديها إشارة لأنها هي المقصودة بلفظ «من تحب» التي ذكرها محدثى باعتبارها هي من تلقت المكالمة، ووجدتنى على الفور أخبره بأننى سأصطحب زوجتى معى، وهناك فوجئت بأن الدعوة موجهة أيضًا إلى عدد كبير من المسئولين والوزراء والكُتَّاب والمفكرين العرب، وكنا أنا وعمرو حمزاوى المدعوين الوحيدين من مصر، لم يكن ساعتها بالطبع الأخ عمرو حمزاوى من الداعين إلى الثورة على الإطلاق، عشنا جميعًا في رحاب الله ما يقرب من الشهر في ضيافة الملك الكريم، الغريب أننى قابلت هناك أيضًا صفوت حجازى، كان ضمن من تم دعوتهم كداعية يعطى محاضرات في كيفية أداء المناسك.
ومر هذا العام، ودعيت للمرة الثالثة لإلقاء محاضرة في عام 2013، حول جماعة الإخوان، وذلك عقب وصولهم إلى السلطة في مصر.
في هذا العام توفى شقيق الملك عبد الله قبيل موعد لقائه بضيوف المهرجان، فاعتذر عن اللقاء، لكنه أناب عنه رئيس الحرس الوطنى، سمو الأمير متعب بن عبد الله بن عبدالعزيز، كنا خمسة أو ستة على ما أذكر تحلقنا بعد انتهاء اللقاء حول الأمير، أذكر منهم الأساتذة عادل حمودة ومصطفى بكرى وخالد أبوبكر والدكتور مصطفى الفقى وأنا، بادرنا الأمير بسؤال حول كيفية رؤيتهم، في المملكة، لما يحدث في مصر. في البداية تحرج الأمير أن يذكر شيئًا عن نظام حكم انتخبه المصريون، ولكنه أردف أنه يرى دائمًا والده الملك عبد الله يطيل في السجود ويبكى، وعندما سأله عن السبب قال له الملك الحكيم، «إننى أبكى على مصر يا ولدى فإذا سقطت مصر سقط العرب جميعًا». وسرعان ما استجاب الله لدعاء الملك الحكيم في الثلاثين من يونيو 2013، وتحقق الحلم ورحل الإخوان الإرهابيون إلى غير رجعة، لن ينسى المصريون بالطبع موقف الملك الحكيم، الذي جاء داعمًا إلى أقصى حدود الدعم لإرادة المصريين، فقد «دعا الملك الحكيم، العرب والمسلمين للتصدى لكل من يحاول زعزعة أمن واستقرار مصر، معتبرًا أن كل من يحاول التدخل في شئون مصر الداخلية من خارجها يوقد الفتنة»، وأعلن خادم الحرمين الشريفين، أن السعودية حكومة وشعبًا تقف إلى جوار مصر في حربها على الإرهاب والضلال والفتنة». لقد جاءت كلمة الملك الحكيم، حاسمة في تطور مواقف عدد كبير من دول العالم تجاه ثورة الشعب المصرى في 30 يونيو، وشكّلت دعمًا سياسيًا واستراتيجيًا لا يقدر بثمن، لأنه قوى من موقف الحكومة المصرية، آنذاك، بشكل كبير.
وعندما وقفت قطر ضد إرادة المصريين رافضة الاعتراف بالحكم الجديد، سحب الملك الحكيم، على الفور، السفير السعودى من الدوحة، لتحذو حذوه عدد من دول الخليج في مقدمتها الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، الأمر الذي كان له أثره في تراجع حجم المؤامرات القطرية ضد مصر، لقد أكد الملك عبد الله، في خطابه الشهير، الذي أعلن فيه موقف المملكة من ثورة الشعب المصرى في 30 يونيو، أن السعودية مدركة لأبعاد المخططات الأجنبية المطبوخة لزعزعة الاستقرار في العالم العربى، مشددًا على أن الشعب المصرى أسقط كل تلك المخططات في 30 يونيو.
لقد كان الملك عبدالله صاحب فكرة المؤتمر الاقتصادى لدعم اقتصاد مصر، وظل لآخر لحظة فى حياته يحرض كل الدول العربية والخليجية على الوقوف مع مصر، مصطفين مع المصريين في معركتهم الفاصلة ضد الإرهاب. جزى الله عنا، الملك الحكيم كل خير، على ما فعله، من لم شمل العرب والوقوف في وجه المؤامرة الكبرى على مصر والوطن العربى، اللهم ارحم عبدك الملك عبدالله وأسكنه فسيح جناتك وارزقنا جميعًا الصبر والسلوان.