الجمعة 26 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب .. التاريخ الأسود للإخوان

نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز ٢٤ سبتمبر ٢٠١٤

نشر
عبد الرحيم علي

  بدأ السادات حوارًا سريًا مع جماعة الإخوان عبر وسطاء انتهى بإطلاق سراح قادة الجماعة من السجون فاتحًا صفحة جديدة معهم

-   كانت خطة الإخوان المسلمين هى إنكار كل ما نسب إليهم وإخفاء أى علاقة لهم بالجماعة على أن تقوم الجماعة بحملة قانونية وإعلامية كبرى للدفاع عنهم

-خطط الإخوان لقتل الرئيس الذى مد إليهم يده بالسلام وأخرجهم من السجون ومنح لهم مساحة من العمل لم يحلموا بها

- فى عرف إمامهم ومؤسس جماعتهم الأول حسن البنا "أن الكذب على الأعداء وخداعهم فريضة" والعدو عنده هو كل من لا يؤمن بنظرية الإخوان ومنهجهم

 كان الرئيس الراحل أنور السادات قد وصل إلى الحكم منذ أقل من عام، عندما بدأ حوارًا سريًا مع جماعة الإخوان، عبر وسطاء، انتهى بإطلاق سراح قادة الجماعة من السجون، فاتحًا صفحة جديدة معهم..

 وعوضًا عن أن تسعى الجماعة لرد الجميل للرجل الذى أصدر عفوًا رئاسيًا عن أغلب كوادرها، وفتح لهم ذراعيه، سرعان ما سعت كوادر الجماعة إلى ضم العشرات من الشباب الذين اعتنقوا فكر سيد قطب الجهادى ليستخدموهم فى محاولة جديدة لقلب نظام الحكم وقتل الرئيس السادات نفسه، وهو ما عرف فى حينها بحادث "الفنية العسكرية".

لقد كشف طلال الأنصارى أحد قادة التنظيم الذى حكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم إلى السجن المؤبد فى مذكراته المعنونة "صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة – من النكسة إلى المشنقة"، أنهم كانوا قد شكلوا تنظيمًا سريًا بمدينة الإسكندرية عام 1968، وظل هذا التنظيم قائمًا إلى أن خرج الإخوان من السجون، حيث قادته الصدفة عن طريق أحد كوادر جماعة الإخوان بالإسكندرية ويدعى (الشيخ على) إلى التعرف على زينب الغزالى التى قدمته بدورها إلى الإخوانى العراقى صالح سرية، حيث فاتحه الأخير فى الانضمام هو وتنظيمه إلى جماعة الإخوان ليكونوا نواة الجناح العسكرى الجديد للجماعة، ويضيف الأنصارى أنه بعد موافقته على هذا الطرح رتبت زينب الغزالى للقاء يجمعه بالمرشد العام آنذاك أواخر عام (1972)، المستشار حسن الهضيبى، وذلك بمنزله بحى منيل الروضة.

ويروى الأنصارى قصة بيعته للإخوان كاملة فيقول: "حين سلمت على المرشد كان أشبه بمن أصابه مس من الذهول من هذا المشهد الذى لم يره من قبل ولم يتعوده.. وبعدها جلس المرشد الذى لم ينطق بكلمة واحدة.. وكان الأقرب إليه مقعدًا هو الشيخ على الذى راح يلتقط أنفاسه.. ثم انطلق يشرح للمرشد ما فوجئ به فى الإسكندرية من حركة الشباب المتعلق بالإخوان، وقدم إليه الأنصارى كونه على رأس هؤلاء الشباب، واسترسل يشرح حب هؤلاء الشباب للإخوان وولاءهم لهم وقراءاتهم لأدبيادتهم، وانتظارهم لعودة الإخوان إلى الحياة العامة.. سكت الشيخ على فجأة حيث ساد الصمت برهة، وانتبه الأنصارى إلى همس آت من ناحية الشيخ على، لم يفهم منه سوى أمره له: امدد يدك.. فتصور أنه يأمره بالمصافحة والسلام.. فمد يده للمرشد.. فإذا بالمرشد ينتفض واقفًا، ثم يقبض يده بقوة على يد الأنصارى الذى وجد نفسه يردد وراء الشيخ على عبارات البيعة الإخوانية المعروفة: أبايعك على السمع والطاعة فى اليسر والعسر، وفى المنشط والمكره، والله على ما أقول وكيل (أو شهيد فالله أعلم حيث تباعدت السنون).. وكانت دموع المرشد تنهمر فى صمت نبيل وقد احتضن الأنصارى بقوة.. فى حين كان الشيخ على يقف متأثرًا ودموعه ما تزال تسيل.. لم يدم اللقاء طويلاً، ثم حيث خرج الشيخ على ووراءه طلال الأنصارى (صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة.. من النكسة إلى المشنقة – دار المحروسة – الطبعة الأولى 2006 – ص 40).

صالح سرية.. همزة الوصل:

كان اللقاء الذى تم برعاية وترتيب زينب الغزالى بداية مرحلة جديدة من تاريخ الجماعة.. وكانت أولى تعليمات صالح سرية للشباب – وفق ما خطه الأنصارى بيمينه – "أنه هو وحده حلقة الوصل بالإخوان، وأنه اعتبارًا من هذا التاريخ لا بد أن يتوارى أى دور ظاهر للإخوان، كما ينبغى عدم الإعلان عن أى صلة بهم، وتنفيذًا لذلك أعد صالح سرية سيناريو درب عليه الأنصارى يستخدم عند ظروف التحقيق الأمنى بهدف إبعاد الإخوان عن أى صلة بالأحداث المقبلة.. كان السيناريو يهدف إلى إظهار أن معرفته بصالح سرية تمت عن طريق آخر غير طريق الإخوان وزينب الغزالى.. كان البديل الذى رتبه صالح ينص على أن الأنصارى قرأ حديثًا صحفيًا أجرته مجلة مصرية مع سرية أثناء حضوره جلسات المؤتمر الوطنى الفلسطينى فى القاهرة عام 68، وأنه أعجب به وسعى للقائه فى فندق "سكاربية" بالقاهرة، حيث بدأت الصلة بينهما" – المصدر السابق – صـ 54.

الهضيبى يوافق على خطة الفنية العسكرية:

ووفق الأنصارى "عرض صالح سرية مجمل أفكاره بكل صدق ووضوح على قيادات الإخوان وعلى رأسهم المرشد، وكما حكى صالح لرجاله فقد كتب مذكرة من خمسين صفحة للمرشد عرض فيها خطته لإدخال تجديد على فكر الإخوان ليكون الوصول للسلطة بالقوة العسكرية خيارًا أساسيًا.. وذكر صالح لرجاله أن المرشد وافق على مضمون المذكرة" طلال الأنصارى – مصدر سابق – صـ 57.

ويقول الأنصاري: "ليس منطقيًا القول بأن تاريخ صالح سرية ونزوعه إلى الانقلاب والثورة كان خافيًا على الإخوان المسلمين فى مصر!! لقد احتضنه الإخوان فى مصر ورحبوا به!! والأهم من ذلك أنهم قاموا، وفى بيت من أقرب بيوتاتهم – بيت زينب الغزالى – بتقديم تنظيمهم الشبابى الوحيد فى حينها إلى صالح سرية!! هذه نقاط لم يسبق أن طرحت من قبل؛ لأن أحدًا لم يطرح هذه الوقائع الجديدة؛ ولذا يتعامل الإخوان مع هذه القصة الغريبة بحذر شديد حتى الآن، وقد أخفاها تمامًا مؤرخوهم وكُتَّابهم، بل قل إنهم قد تحاشوا جميعًا التعرض لهذه المسألة رغم مرور أربعين عامًا عليها!! لكن الحقيقة أنه قد دارت العجلة، وتولى الدكتور صالح عبدالله سرية قيادة أول جهاز سرى بايع الهضيبى شخصيًا على السمع والطاعة. "طلال الأنصارى – مصدر سابق – صـ 58.

نصيحة الإخوان للشباب "الإنكار التام":

كانت خطة الإخوان المسلمين – كما يرويها طلال الأنصارى – أن يقوم المتهمون بإنكار كل ما نسب إليهم وأن يخفوا تمامًا أى علاقة لهم بجماعة الإخوان المسلمين على أن تقوم الجماعة بحملة قانونية وإعلامية كبرى للدفاع عنهم، وفى شهادته يروى طلال الأنصارى بعد انقضاء خمسة وعشرين عامًا على الحادث قضاها كاملة خلف الأسوار تقييمه الشامل لما حدث حيث يقول: "مع اقتراب موعد المحاكمات أبلغ الأنصارى ابنه أنه قد اختار للدفاع عنه محاميًا قديرًا وشهيرًا هو الأستاذ الكبير إبراهيم طلعت الذى حضر إلى السجن وقابل طلال بالفعل.. كانت جماعة الإخوان المسلمين قد دخلت بهمة فى الأمر وتولى رجالها إدارة عملية الدفاع وعبء المحامين، ووضعت خطة الدفاع تولاها المحامون منهم ومن غيرهم.. فمن الإخوان كان أشهر محاميهم آنذاك الدكتور عبدالله رشوان الذى ألزم بقية طاقم الدفاع بخطة الدفاع التى تعتمد على محورين: الأول فى الوقائع والموضوع، والثانى: سياسى.. ففى الوقائع كانت الخطة تعتمد على إنكار التهمة ونفى محاولة الانقلاب وتصوير المسألة باعتبارها مؤامرة داخل عملية الصراع على السلطة فى مصر، وأن القصة هى أن مجموعة من طلبة الكلية الفنية العسكرية كانت تقيم ندوات دينية داخل مسجد الكلية ويحضرها زوار من خارج الكلية مدنيون، وأن المتآمرين استغلوا هذا للإيقاع بهم.. وعندما حضر إبراهيم طلعت لمقابلة طلال واستفسر منه عن الحقيقة أكد له هذا التصور الذى قرره دفاع الإخوان".. لكن الآن وبعد كل هذه السنوات واشتغال الأنصارى بالمحاماة فإنه يرى أن خطة الدفاع هذه لم تكن موفقة من الناحية القانونية، وأنها حملت استخفافًا بالمحكمة لا يجوز.. وكان الأولى البحث عن طريق آخر.. لقد اعتمد الدفاع على أن تاريخ العشرين سنة السابقة من خلال محاكمات الإخوان وغيرهم قد حفل بتلفيق القضايا من الأجهزة المتعددة، وبذلك يسهل إقناع المحكمة بأن مسلسل التلفيق مستمر.. إلا إن الأمر فى هذه القضية كان مختلفًا كل الاختلاف، حيث كان واضحًا لمن يطالع الأوراق أو يتابع الأحداث أن هناك تنظيمًا، وأنه تحرك بالفعل، ولم تكن هناك أى مؤامرة. "طلال الأنصارى – مصدر سابق – صـ 95.

لقد أرادوا بالفعل قتل الرئيس الذى مد إليهم يده بالسلام وأخرجهم من السجون، ومنح لهم مساحة من العمل لم يحلموا بها، بعد أن قام عبدالناصر بالتنكيل بهم وإلقائهم فى غياهب السجون.

 هكذا يتعامل الإخوان مع دعاة المصالحة وفتح صفحات جديدة، تعرفون لماذا؟ لأنهم لا يعرفون سوى المكر والخداع والكذب، ففى عرف إمامهم ومؤسس جماعتهم الأول حسن البنا، "أن الكذب على الأعداء وخداعهم فريضة" والعدو عنده هو كل من لا يؤمن بنظرية الإخوان ومنهجهم.. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد!!.