الجمعة 29 مارس 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

فى ذكرى نصر أكتوبر العظيم نحو حوار استراتيجى عربى "مصرى ـ سعودى"

نشر هذا المقال في موقع البوابة نيوز، الثلاثاء ٧ أكتوبر ٢٠١٤

نشر
عبد الرحيم علي

ما أحوجنا اليوم، فى الذكرى الواحدة والأربعين لانتصار أكتوبر العظيم، أن نسترجع دروس تلك الأيام الملهمة، وأكثرها تأثيرا على الإطلاق، ذلك التلاحم العربى الكبير الذى وقف كالطود العظيم وراء ذاك النصر، يقينى أن استعادة هذا الدرس بالتحديد والبدء فى حوار استراتيجى عربى يبدأ بالدولتين المحوريتين، السعودية ومصر، كفيلان بإفشال المخطط الأمريكى الذى تشارك فيه كل من قطر وتركيا وإيران بجانب التنظيم الدولى للإخوان وحلفائهم من الجماعات الإرهابية، التى تتدثر بعباءة الإسلام.

ولكن لماذا هذا الحوار هو واجب اللحظة فى هذه الأيام؟ لأن العدو الذى يسعى لتقسيم هذا الوطن يقوم بكل ما هو واجب عليه للوصول إلى هدفه، بينما نحن نتكئ على المصادفات والعمل العشوائى والفردى لصد تلك الهجمات.

الدرس الأكبر من دروس أكتوبر كان تكاتف العرب وفى مقدمتهم مصر والسعودية فى مواجهة إسرائيل المدعومة والمتحالفة مع أمريكا آنذاك، الأمر الذى غير من استراتيجيات الحرب والصراع فى العالم كله منذ ذلك التاريخ، فقد أقسم قادة اللوبى الصهيونى الذى يحكم العالم الآن ويسيطر على صانع القرار الأمريكى أن يكون ذلك الانتصار هو الأول والأخير الذى يمكن أن يحققه العرب على دولة إسرائيل، جسر الغرب وأمريكا المتقدم فى الشرق الأوسط.

ومنذ ذلك التاريخ بدأ التخطيط الاستراتيجى الأمريكى، مصحوبا بالمؤامرات، ينسج خيوطه حول المنطقة، بدءا باستبدال الخطر الأحمر بالخطر الأخضر ومرورا بإقناع شعوب العالم المتقدم بالخطر الإسلامى الذى يجب مقاومته عبر حصاره فى منطقة معينة لا يبرحها، وانتهاء برسم استراتيجيات جديدة للحرب تعتمد على تفجير العدو من الداخل.

ومن ثم بدأت عمليات تصدير العداء الشيعى السنى تحت ستار الأطماع التوسعية للدولة الفارسية المسماة "إيران"، وبدا الإيحاء بإمكانية قبول حكم الإسلام السياسى لمنطقة الشرق الأوسط شريطة أن يكون معتدلا، ووضعت أول لبنة لحوار استراتيجى مع جماعات كالإخوان وغيرها، وصولا إلى اللحظة الحاسمة التى وصل فيها الإخوان إلى السلطة فى أكبر دولة عربية لتبدأ واشنطن وحلفاؤها فى حصد ثمار أربعة قرون من التخطيط الاستراتيجى الدقيق الذى يهدف لجعل انتصار أكتوبر هو الانتصار الأول والأخير للعرب على إسرائيل.

كانت الخطة الأمريكية تهدف إلى الضغط على الإخوان مستغلين ولعهم بالسلطة، أية سلطة، حتى ولو كانت على شبر من الأرض، لتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية لتفتيت الجيوش العربية والدول العربية وخلق حدود جديدة تقوم على الرؤية العرقية بديلا عن الرؤية الوطنية القومية، فينقسم العراق، بعد تفتيت جيشه، إلى دويلات ثلاث، كردية فى الشمال وشيعية فى الجنوب وسنية فى الوسط. وتنقسم سوريا بعد استنزاف جيشها إلى دولة علوية وأخرى سنية وثالثة مسيحية، وكذا لبنان واليمن وصولا إلى السعودية ومصر.

وكما كانت مصر حجر العثرة الذى تحطمت عليه أحلام إسرائيل الكبرى "من النيل حتى الفرات"، عندما لقنت الجيش الذى لا يقهر، درسا لن ينساه طوال فترة بقائه فى المنطقة، التى نتمنى ألا تطول، فقد تحطمت أحلام وخطط ومؤامرات أمريكا والغرب على الصخرة المصرية فى٣٠ يونيو ٢٠١٣، وكما كانت السعودية عاملا حاسما فى انتصار مصر فى حرب تشرين الثانى، مثلت المملكة بجانب شقيقتها الإمارات الداعم القوى لعبور مصر الثانى نحو كسر الهيبة الأمريكية الغربية عبر ثورة يونيو العظيمة. لكن السؤال: هل استسلمت واشنطن وعواصم الغرب لما حدث، والإجابة حتما بالنفى، فلا تزال أمريكا تسعى، يساعدها الغرب وربيبتهما قطر وتركيا لتركيع المنطقة والانتقام لما حدث للكرامة الأمريكية فى٣٠-٦، والتى أهدرها الشعب المصرى عبر الإطاحة بـ "عرايس الماريونيت" الأمريكية المسماة جماعة الإخوان، لذا فإن واجب اللحظة يحفز قيام حوار استراتيجى عربى، يبدأ بالدولتين المحوريتين، السعودية ومصر، وتلحق به وتشارك فيه الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج التى تدعم ثورة٣٠ يونيو، أملا فى وضع أجندة لتحقيق الوحدة العربية تبدأ باتفاقيات دفاع عربى مشترك مرورا بتكامل اقتصادى عربى عربى، وصولا إلى تشكيل جبهة عربية صلبة تقف بالمرصاد ضد المخططات الأمريكية الغربية الهادفة إلى تقسيم وتركيع المنطقة لصالح إسرائيل الكبرى، فهل نحن فاعلون قبل فوات الأوان؟ أم أننا سنترك رياح أكتوبر العظيم تتركنا، دون أن نستنشق عبيرها ونستوعب دروسها بكل قوة وعزم.