الأحد 28 أبريل 2024

من أرشيف عبد الرحيم علي

عبدالرحيم علي يكتب: عن إيران والعرب والإسلاميين

عبدالرحيم علي يكتب: عن إيران والعرب والإسلاميين

نشر
عبد الرحيم علي

لم يكد الرئيس السوري بشار الأسد ينهي خطابه، الذي ألمح فيه إلي إمكانية قبول الحوار مع الإسرائيليين، بشرط وجود وديعة مكتوبة شبيهة بوديعة رابين، إلا وشاهدنا الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يهرول علي الفور إلي دمشق، في خطوة بدت استباقية في وجه أي عمل من شأنه أن يدخل سوريا حلبة المفاوضات، المباشرة أو غير المباشرة، مع إسرائيل.

لم يفت الرئيس الإيراني التأكيد علي أن اللقاء يأتي علي خلفية «تقوية التحالف في وجه الضغوط الأمريكية»، وعندما سئل الرئيس الإيراني عقب اللقاء، الذي جمعه بكل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، السيد خالد مشعل، وأمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، عما إذا كان يتوقع صيفًا ساخنًا هذا العام، قال: «في الصيف عادة ما يكون الطقس حارًا، ونحن نتطلع إلي أن ترتفع حرارة الصيف بفضل الانتصارات تلو الانتصارات، التي تحققها شعوب المنطقة».

ولا أعلم عن أي انتصارات كان يتحدث السيد أحمدي نجاد، عن التفتت الحادث في لبنان بفعل إصرار البعض علي تغليب المصالح الإيرانية والسورية علي مصالح لبنان واللبنانيين، أم عن نهر الدماء الذي يسيل يوميا ليروي أرض العراق، بسلاح ودعم إيراني مفضوح، أم تري كان يتحدث عن أموال نجسة فرقت بين الأخوين في فلسطين، لصالح تمكين واهم لموقف إيراني متزعزع ومأزوم.

عن ماذا كان يتحدث الزعيم الإيراني، وهو أول من يعلم أن شعوب المنطقة هي أكثر شعوب العالم معاناة من هزائم روحية ومادية متكررة، تسبب فيها ولايزال زعماء من أمثاله، نصبوا أنفسهم متحدثين عن الشعوب وعن انتصاراتها الوهمية التي لم تراوح أدمغتهم الخربة وأوهامهم المتخيلة. 

والسؤال: ماذا يريد أحمدي نجاد، أو بالأحري مرشد الدولة الإيرانية «خامنئي» والحرس الثوري، وما هي خطتهم من وراء استغلال ملفات مثل العراق ولبنان وفلسطين، وأخيرا أفغانستان، في صراعهم مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ وماذا لو تصادمت المصالح اللبنانية التي من المفترض أن يمثلها حزب الله اللبناني، أو المصالح العراقية التي من المفترض أن يمثلها ويتمثلها المجلس الأعلي وشيعة العراق قبل سنتهم؟

والأمر منسحب أيضا علي فلسطين والفلسطينيين. هل سيضحي مرشد الدولة الإسلامية في إيران بمصالح الدولة الصفوية علي مذبح فلسطين المقدس، أو علي شرف المصالح اللبنانية أو العراقية؟!

إن الجواب معروف سلفا، وإلا فعلي أحد أن يبرر لي أفعال الإيرانيين في العراق ـ علي سبيل المثال ـ ففي كل يوم تعلن قوات الأمن العراقية عن عثورها علي قاذفات خارقة للدروع، إيرانية الصنع، وكذا قواعد للصواريخ، ومثل ذلك يحدث في أفغانستان.

والخطة واضحة: «إغراق الأمريكان في المستنقع العراقي»، فلا يفيقون للعب مع إيران. أما كم من نفس بريئة تزهق جراء تلك الخطة الشيطانية، فلا يهم. المهم استعادة حلم الإمبراطورية الفارسية من جديد، عن طريق استغلال الإسلام أو إيهام حركات المقاومة بأن إيران راعيها وداعمها الأول، لا يهم، المهم هو الحلم.. 

إن إيران تسعي وبوضوح إلي انتزاع اعتراف أمريكي غربي بدورها كقوة إقليمية مهمة في المنطقة، وهو ما ذكره صراحة أحمدي نجاد في رسالة بعث بها في السابع عشر من نوفمبر الماضي إلي رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي، أعلن فيها استعداده للتعاون في دفع عملية السلام في الشرق الأوسط، ولكنه اشترط اعترافاً دولياً بـ«أهمية بلاده الإقليمية».

وردًا علي رسالة نجاد أعلن برودي في مؤتمر صحفي، في اليوم نفسه الذي تسلم فيه الرسالة، عقده في روما: «إن رسالة أحمدي نجاد تحمل تعهداً بالاستعداد للحوار»، وقال وزير الخارجية الإيطالي ماسيمو داليما، في المؤتمر الصحفي نفسه، إنه شعر بعد لقائه المبعوث الإيراني أن إيران مستعدة للتعاون في التوصل إلي السلام والاستقرار، خاصة في أفغانستان والعراق ولبنان والشرق الاوسط، مضيفا أن إيران ترغب في الاعتراف بأنها دولة ذات أهمية ومكانة في المنطقة.

وبالرغم من أن مسؤولاً إيطاليا رفيعًا صرح لجريدة «الشرق الأوسط» آنذاك بأن «برودي» و«داليما» أقرا تطلعات إيران المشروعة للاعتراف بها كقوة إقليمية، فإن خلافًا أوروبيا أمريكيا حول تلك التطلعات الإيرانية المشروعة لايزال قائما. 

الخلاصة أن القضية لا تكمن في إخلاص إيران للقضية الفلسطينية، ولا حب إيران لوحدة ومستقبل اللبنانيين، ولا رغبة إيران في جلب الاستقرار للعراق والعراقيين، إنما تكمن في نزع إيران اعترافًا دوليا بها كقوة إقليمية ذات مكانة متميزة، بما يترتب عليه من استشارتها الدائمة، ومشاركتها الفاعلة، في رسم جميع خرائط المنطقة، ليس وفق مصالح العرب أو الإسلاميين أو جميع الناعقين ليل نهار بحمد إيران، ولكن وفق مصالح إيران، وحلمها الذي لم يفارق جفون آيات الله، والمتمثل في عودة الإمبراطورية الفارسية، إن لم يكن بالجغرافيا، فبالسياسة والنفوذ الاستراتيجي.